|
قرأة في واقع الإسلام السياسي في ألمانيا
طارق حمو
الحوار المتمدن-العدد: 2735 - 2009 / 8 / 11 - 07:49
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
يعيش في ألمانيا أكثر من 3،5 مليون مسلم. هؤلاء قدموا من مختلف بلدان العالم الإسلامي، وفي مقدمتها تركيا. توالت موجات المهاجرين المسلمين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث كان القسم الأكبر من هؤلاء هم العمال الذين استجلبتهم الحكومة الألمانية مطلع الستينات للعمل في البلاد، اثناء نهضتها العمرانية والصناعية على يد المستشار الألماني الأسبق كونراد آدناور.
كذلك شهدت السنوات الأخيرة، وبشكل خاص حقبتي الثمانينات والتسعينيات ومطلع الألفية الثالثة موجات هجرة كبيرة، كان عمادها الملايين من المسلمين الذين هربوا من الحروب الأهلية والكوارث والديكتاتوريات والفقر من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إضافة الى الإتحاد اليوغسلافي السابق، والذي تفكك الى عدة كيانات متصارعة. ووفق الأرقام الحكومية الصادرة عام 2007 يبلغ عدد المسلمين في ألمانيا نحو 3.5 مليون مسلم من أصل العدد الإجمالي لسكان ألمانيا والبالغ نحو 82 مليون نسمة (أي أن نسبة المسلمين هي نحو 4.1% من السكان). وبذلك يعتبر المسلمون في ألمانيا أكبر الأقليات الدينية بعد المسيحيين (حيث أن البروتستانت والكاثوليك هم الأكثرية). وأكثر من نصف مسلمي ألمانيا هم المواطنين الأتراك، حيث يوجد في ألمانيا نحو 1.8 مليون شخص ينحدرون من تركيا( من ضمنهم أبناء القوميتين الكردية والعربية). كما توضح بيانات الأجانب أن الجماعات الأخرى الكبرى من المسلمين هم من البوسنة (نحو 160 ألفًا) والمغاربة (نحو 70 ألفًا) ومن إيران (نحو 60 ألفًا) ومن أفغانستان (نحو 55 ألفًا). وبشكل عام فإن 90% من مسلمي ألمانيا ينحدرون من أصول غير عربية. ويوجد تباين واضح في تقديرات أعداد الألمان (المواطنين) المسلمين. فبعض الأرقام تعطي تقديرات في حدود المليون مسلم يحملون الجنسية الألمانية. وعلى أي حال فإن معظم هؤلاء المواطنين هم مواطنون بالتجنيس وليسوا منحدرين من أصول ألمانية( أنظر: الموسوعة الحرّة. تقارير دائرة حماية الدستور الألماني http://www.verfassungsschutz.de/ ).
كما وتشهد ألمانيا في السنوات الأخيرة تزايدًا ملحوظاً في الإقبال على اعتناق الإسلام من قبل المواطنين الألمان، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن عدد المسلمين الجدد بالإعتناق في ألمانيا هو في حدود 4000 مسلم في العام 2007. ويعزو البعض ذلك إلى كثرة الحديث حول الإسلام في وسائل الإعلام الأمر الذي يدفع المواطنين إلى دراسة وتعلم المزيد عن الإسلام.
وقد برزت المخاوف من انتشار التطرف في أوساط المسلمين في ألمانيا خاصةً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة وبعد تعرض مدريد ولندن لضربات تنظيم "القاعدة"، خاصةً بعد الأخذ بعين الاعتبار أن منفذي أحداث سبتمبر قد جاؤوا من ألمانيا فيما يعرف بخلية هامبورغ.
وهناك نمو ديمغرافي كبير في عدد المسلمين في المانيا نتيجة التوالد الطبيعي ونسبة الولادات العالية لدى ابناء الجاليات المسلمية مقارنة بالمواطنين الألمان. كما ان عملية الهجرة من البلدان الإسلامية الى الماينا مازالت قائمة، وكل عام يتوافد عشرات الآلاف من المسلمين كمهاجرين وطالبي لجوء الى أراضي جمهورية المانيا الإتحادية( دراسة ضخمة وصادّمة مولتها وزارة الداخلية الألمانية حول إندماج المسلمين في المجتمع الألماني. وقد أثارت هذه الدراسة التي نشرت عام 2007 ردود فعل كثيرة في ألمانيا، حيث ركزّت على بطئ إندماج ومشاركة الجاليات المسلمة في الحياة الإجتماعية والإقتصادية والثقافية الألمانية، اضافة الي رصد ميل واضح لدى المسلمين نحو التطرف الديني والغلو). كما وقد تناقلت الدوائر الاعلامية الغربية بقلق كبير نصائح المفكر والمستشرق اليهودي البريطاني برنارد لويس المتبحر في شؤون الاسلام من ان " اوروبا ستتحول الى اغلبية مسلمة في نهاية هذا القرن، وستغدو اسلامية الهوية " وذلك لان " المسلمين يتزوجون وينجبون الاطفال اضعاف الاوروبيين: الباكستانيين في بريطانيا والاتراك في المانيا والعرب في فرنسا " ( أنظر: لقاء موسع مع برنارد لويس، صحيفة دي فلت الالمانية 29/7/2004.).
إن وجود هذه النسبة الكبيرة من المسلمين في المانيا، وحصول قسم كبير منهم على الجنسية الألمانية، بحيث اتاح لهم ذلك المشاركة في الحياة السياسية والإجتماعية في البلاد، اثارّ عدة اشكاليات واضحة، تتعلق اغلبها بالإنتماء وكيفية ادماج هذه الشريحة في الحياة الألمانية. وقد برزت مشاكل كبيرة جداً في عملية ادماج هؤلاء في الحياة الألمانية، حيث ظهرت منظمات سياسية إسلامية تدعّي تمثيلها لهؤلاء المسلمين وتعمل على تحويل وجهة قضية الإندماج الى مكان آخر. وجاءت بذرة التنظيمات الإسلامية السياسة ـ كما سنعرف لاحقاً ـ من الشرق الأوسط مع تشكيل تنظيم الإخوان المسلمين في مصر بقيادة حسن البنا.
ومن خلال إطلاعنا على قضية ودور تنظيمات الإسلام السياسي في المانيا، ومتابعتنا لكم من الكتب والدراسات والمقالات التي نشرها كتاب ومؤلفون وحتى مراكز دراسات المانية حول القضية، تعرفنّا على جزء من القضية، وكيف أن هناك هوة واسعة بين كل من تنظيمات العمل السياسي الإسلامي، والتي تعمل على ربط الجاليات المسلمة بالسياسة من منظور التنظيمات الإسلامية السياسية( وعلى رأسها حركة الإخوان المسلمين الإصولية) وتحاول تجييّر وجود هذه الجاليات في الغرب لمصلحة "الكفاح السياسي" لهذه التنظيمات في البلدان العربية والإسلامية، اي تعمل هذه التنظيمات وكأنها "جناح خارجي" لحركات الإسلام السياسي الساعية وراء السلطة في الشرق الإسلامي، وما قضية عملها في الغرب عموماً وألمانيا بشكل خاص الا جزء من الصراع على السلطة في بلاد المسلمين. وكذلك ندرس ردة الفعل الألمانية الرسمية على عمل هذه التنظيمات وتغلغلها بين اوساط المسلمين في البلاد، والشباب منهم بشكل خاص، وكيف انها تعيق الإندماج من وجهة النظر الرسمية، وتسعى الى خلق نوع من النكوص والتكوّر على الذات، اضافة الى تلقين المسلمين الأفكار المتشددة والمتطرفة، مستغلة بذلك وسائل التقنية الحديثة والنشر الإلكتروني والإنترنت. وقد توطدت هذه الفكرة( أو لنقل الإتهامات) عند الجهات الرسمية الألمانية و( دائرة حماية الدستور: أي المخابرات في النسخة العربية!) بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية والتي تم التخطيط لها في مدينة هامبورغ من قبل ثلة من الشباب المسلم الذي كان يدرس في الجامعة هناك. هذا ناهيك عن ضلوع عدد كبير من الشباب المسلم في التخطيط لهجمات داخل ألماينا، ومشاركة العديد منهم في الحرب في افغانستان والعراق.
وكانت تفجيرات القطارات في مدريد 11 آذار 2004 وتفجيرات الحافلات في لندن في تموز 2005 والتي تبنى تنظيم "القاعدة" الإرهابي المسؤولية عنها الإنذار الكبير للسطات الألمانية بتشديد الإجراءات ضد الإرهاب الذي "بات يتقرب ببطئ" بحسب عدد صحيفة( بيلد) والذي صدر في اليوم التالي من تفجيرات لندن. وكانت الطامة والخوف الأكبر، هو ان من نفذ تلك الهجمات كانوا شباباً مسلمين تلقوا التعليم الراقي في الجامعات والمعاهد وكانوا قد "اندمجوا" بشكل جيد في المجتمع البريطاني. لكن كيف وصل تنظيم "القاعدة" إليهم؟. وكيف تمكن في غضون مدة قصيرة من تلقينهم الأفكار المتطرفة والإرهابية ودفعهم إلى قتل أناس أبرياء من مواطنيهم؟. وكيف حصل ذلك كله دون أن يلاحظ أحد، او تلاحظ أجهزة الإستخبارات والشرطة ذلك؟.
وهنا لايجب علينا أن ننسى حادثة مقتل الصحفي دانيال بيرل مراسل صحيفة وول ستريت جورنال في باكستان في يناير 2002 بعد ان تم اختطافه قبل ذلك. وكان من ساهم في عملية الإختطاف هو الشاب البريطاني المسلم من أصل باكستاني عمر شيخ، خريج كلية الإقتصاد في لندن!. كما أثرت حادثة قتل شاب مسلم مغربي للمخرج تيو فان كوخ في فبراير 2004 على الجو العام في المانيا، حيث ازدادت المخاوف من حقيقة التطرف الإسلامي ومدى خطورته.
لقد دقت تفجيرات لندن ومدريد ناقوس الخطر لدى الحكومة والأجهزة الألمانية المسؤولة، بحيث ايقن الجميع بان هناك حاجة ماسة لمراجعة الأفكار القديمة وايلاء ملف "المهاجرين المسلمين" و"تنظيمات الإسلام السياسي" العاملة بين هؤلاء المهاجرين، والمرخصة من الحكومة و"المشمولة بعطفها وبدعمها المالي" رغم انها غير منتخبة من الجاليات المسلمة، واستنباط سياسة جديدة للتعامل مع كل هذا الملف الشائك.
وكرد فعل على تفجيرات لندن ناقشت السلطات الأمنية الألمانية اقتراحات تركيب كاميرات مراقبة تليفزيونية في محطات المترو وعربات الباصات. كذلك تسعى السلطات إلى تكوين بنك معلومات مركزي يحتوي بيانات الأفراد والجماعات المتطرفة التي تنشط في ألمانيا، وذلك لتحسين التنسيق بين أجهزة الشرطة والمخابرات. أما خبير الإرهاب {رولف توبهوفين} من معهد دراسات الإرهاب فقال حول الموضوع: إن احتمال تعرض ألمانيا لخطر الإرهاب الإسلامي لا يمكن استبعاده، فأرقام السلطات الأمنية تتحدث عن وجود 3000 "متشدد" إسلامي على الأراضي الألمانية، منهم قرابة 300 يشكلون نواة العمل المتطرف، ويستطيعون في أي وقت تنفيذ عملية إرهابية. ويوضح الخبير أن المنشأت الأمريكية والبريطانية والممتلكات اليهودية هي أهم الأهداف التي يسعى الإرهابيون لضربها في ألمانيا، إضافة إلى الأماكن الحساسة مثل المطارات والبنايات المرتفعة، ومصانع الكيمياويات الضخمة. كما يحذر الخبير من احتمال توجيه المنظمات الإرهابية الإسلامية ضربات غير تقليدية مستخدمة أسلحة بيولوجية أو نووية، فعلى الرغم من صعوبة الحصول على مثل هذه المواد فإن الموارد المالية اللازمة لا تنقصهم. أما الباحث {اندرياس فريدريش} فيعارض الرأي القائل بأن عدم مشاركة ألمانيا في الحرب على العراق يحميها من التعرض لخطر الإرهاب، خاصة وأن ألمانيا لم ترد في لائحة الدول المستهدفة التي نشرتها "القاعدة" قبل عام. ويقول إن "القاعدة" أعلنت الحرب على الغرب بشكل عام، ويُذكر الباحث أن بريطانيا وأسبانيا كانتا على الصعيد الشعبي من أكثر الدول معارضة للحرب على العراق، فقبل عامين سار في لندن مليوني شخص في أكبر التظاهرات المعارضة للحرب في أوروبا. ويوضح الباحث أن فكر تنظيم "القاعدة" يقوم على المساواة بين الأنظمة وبين المواطنين، وتقسيم العالم إلى فريقين متناحرين هما المؤمنين من ناحية و"الكفار" من ناحية أخرى. وبالتالي يصعب استبعاد خطر تعرض ألمانيا لخطر الإرهاب، فما يهم القاعدة هو لفت الإعلام العالمي وبث الرعب والذعر في نفوس الأبرياء( أنظر: انعكاسات تفجيرات لندن الإرهابية على الوضع الأمني في ألمانيا. تقرير نشره الموقع العربي لإذاعة " دويتش فيله" الألمانية.
وكانت الطامة الكبرى اعتقال السلطات الألمانية لشاب مسلم من لبنان( يوسف الحاج ديب) حاول تفجير قطارين في 31 تموز 2006، بينما تمكن رفيقه الآخر( جهاد حمّاد) من الهرب والسفر إلى لبنان. وقد هزّت الحادثة المجتمع الألماني، سيما وان الصاعق في القنبلة لم ينفجر، مما انقذ حياة 75 شخصاً على الأقل، قالت الجهات الألمانية المختصة بانهم كانوا سيلقون حتفهم في حال إنفجار صاعق القنبلين. وقد ثبّت كل من ديب وحمّاد القنبلتين في قطار متوجه من مدينة كولونيا إلى مدينة كوبلنتز، وأخر متوجه من مدينة كولونيا إلى مدينة دورتموند( وكان كاتب هذه السطور وقتها قد اعتاد على السفر بذلك القطار كل إسبوع ذهاباً واياباً، خلال فترة عمله في الفضائية الكردية(Roj tv ) والتي مقرها في العاصمة البلجيكية بروكسل.)
هذا وقد قضت محكمة في ألمانيا بالسجن مدى الحياة على اللبناني يوسف الحاج ديب بتهمة محاولة تفجير قنابل في قطارات ألمانية قبل عامين، مؤكدة ان ألمانيا كانت أقرب ما تكون لهجوم متشددين إسلاميين في تلك الواقعة. وأدانت المحكمة في مدينة دوسلدورف، غرب البلاد، يوسف الحاج ديب بالشروع في قتل عدد غير محدد من الأشخاص. وقال ممثلو الادعاء إنه كان يعتزم تنفيذ هجمات في غرب ألمانيا كان يمكن أن يسقط فيها ما يصل إلى 75 ضحية. وقال القاضي أوتمار بريدلينج "لم تكن ألمانيا قط أقرب لهجوم إسلامي من هذه الحالة"، مضيفا أن العبوات الناسفة لم تنفجر لخطأ في صنعها. وسببت المؤامرة صدمة في ألمانيا التي لم تشهد أراضيها هجوما لمتشددين في السنوات الأخيرة خلافاً لدول أوروبية أخرى مثل بريطانيا واسبانيا. وذكر ممثلو الادعاء أن الحاج ديب وشريكا له يدعى جهاد حمّاد استقلا قطارين في كولونيا العام 2006 أحدهما كان متجها إلى كوبلنز والآخر إلى دورتموند مع حقيبتي سفر ضمتا حاويات لغاز البروبان ومفجرات بدائية. وصوّرت كاميرات المراقبة التلفزيونية الرجلين في محطة القطارات. ولم تنفجر القنبلتان لعيب فني. وذكر الحاج ديب للمحكمة أنه لم يكن يعتزم قتل أحد بالعبوات الناسفة وأنه ركبّها في الأصل بحيث لا تنفجر. كما أعرب عن أسفه للمحكمة الأسبوع المنصرم. وقال إن ما أقدم عليه كان الهدف منه التحذير في أعقاب نشر رسوم تصور النبي محمد في صحيفة دنماركية العام 2005 وإعادة نشرها في مطبوعات أوروبية أخرى(...). ووجه الحاج ديب إشارة بذيئة إلى الصحافيين أثناء دخوله قاعة المحكمة لكن لم يبد عليه أي رد فعل عندما تُلي الحكم. وقال مدعوّن إن الحاج ديب كان القوة المحركة للهجمات التي خطط لها وكانت لديه "دوافع إرهابية". واكد المحامون الموكلون بالدفاع عن الحاج ديب الذين كانوا طالبوا بتبرئة موكلهم إنهم سيستأنفون الحكم. وكانت محكمة في بيروت قضت بالسجن مدى الحياة على الحاج ديب في كانون الأول (ديسمبر) الفائت بالرغم من احتجازه في ألمانيا في ذلك الوقت. وقضت محكمة بيروت على جهاد حمّاد، والذي كان قد فرّ من المانيا عقب إكتشاف أمر المحاولة، بالسجن 12 عاما لدوره في المؤامرة( أنظر: صحيفة "المستقبل" اللبنانية العدد 1499. 10 كانون الأول 2008.).
ظهور فكرة الإسلام السياسي المعاصر:
يطلق مفهوم الإسلام السياسي على الجماعات الإسلامية التي ترى أنه لا فصل بين الدين والسياسة، على أساس أن الإسلام عقيدة شاملة تنظم كل أمور الحياة سياسية كانت أم اقتصادية أم ثقافية. ولعل هذه الرؤية هي التي كانت وراء شعار "الإسلام هو الحل" الذي ترفعه جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر، وتعتقد أنها بذلك أغلقت باب الاجتهاد السياسي -إن صح التعبير- أمام باقي الأحزاب السياسية، لأن لديها الحلول لكل المشكلات، فيما تطلق عليه بغموض شديد "الإسلام" هكذا بدون تحديد واضح، ولا بيان مفصَّل( السيّد ياسين. الإسلام السياسي والمرجعية الدستورية. صحيفة "الإتحاد" الإماراتية 18 أكتوبر 2007).
وقد ظهرت أصوات "اسلامية" عديدة كرد فعل على انهيار الإمبراطورية العثمانية، حيث طالبت هذه الأصوات باعادة بناء الخلافة الإسلامية والتصدي للغرب، الذي قالت انه تآمر عليها وساهم في إنهيارها وقسمّ أرضها. ومن هذه الأصوات أبو الأعلى المودودي الهندي ـ الباكستاني، والذي نشر عدة كتب ساهمت في انبلاج العديد من حركات الإسلام السياسي في العالم الإسلامي. كما أدت أفكار سيد قطب وحسن البنا في ظهور جماعة (الإخوان المسلمين) الناشرة لفكرة" الإسلام دين ودولة"، والتي أنسلت منها اغلب الحركات والجماعات العنفية التي تطالب بالحاكمية وحكم الشريعة الإسلامية. وقد تعدى شرور هذه الجماعات العالم العربي والإسلامي، حيث تغلغلت ضمن الجاليات المسلمة في الغرب لتحاول تسويق خطابها الإصولي ذلك. ومن ثم جاء الإسلام الشيعي في ثورة الخميني و" الجمهورية الإسلامية في إيران"، حيث عملت الثورة الجديدة على تصدير الإسلام الشيعي، فشاهدنا ولادة حركات مثل " أمل" و" حزب الله" في لبنان، و" المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" في العراق. وقد دخلت هذه الحركات، السنيّة منها والشيعية، في حروب مفتوحة مع الأنظمة في الشرق الإسلامي، اسفرت عن مقتل مئات الآلاف من المواطنين( الجزائر، وسورياً: مثالاً هنا). كما قامت بانقلابات عديدة بغية استلام الحكم وقتلت الرؤساء( انور السادات، الرئيس المصري السابق)، واخيراً دخلت في مواجهة مع الغرب في أفغانستان والعراق والصومال والمغرب وحتى في نيويورك ولندن ومدريد...
ورغم ان العديد من تنظيمات الإسلام السياسي تنادي بالديمقراطية وتعلن قبولها للقانون الوضعي، وتشارك في الإنتخابات، ألا ان هناك تخوفاً كبيراً من اجندة هذه الحركات وأهدافها. فالهدف في النهاية هو السلطة وتطبيق البرامج حول ( الخلافة الإسلامية)، كما جاهدت حركة "طالبان" الأفغانية، و"حزب الأمة" في السودان، وحركة "حماس" الفلسطينية.
والحقيقة فإن حركات الإسلام السياسي التواقة للجلوس على كرسي الحكم، وصاحبة شعار "الإسلام هو الحل" ذاك، تتشابه كلها في شكل سعيها للوصول للحكم. وهي في ذلك تتخطى السلطة الشرعية المركزية وتحاول، ترغيباً أو ترهيباً، إزاحتها عن الكرسي لتستبدل نفسها بها، وتبدأ في تطبيق أفكار قادتها ومنظريها من الفقهاء ومجتهدي الإسلام السياسي الذين نهلوا بدورهم من أفكار الكتب الصفراء وتعاليم شيوخ التكفير الأوائل: أمثال إبن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب وغيرهم. فهاهو عباسي مدني أحد قائد "الجبهة الإسلامية للأنقاذ" الجزائرية والمنتشي لتوه بانتصار حزبه الساحق في الانتخابات يقول في تجمع له بمدينة قسنطينة في نوفمبر 1990: " بالحوار سنغير النظام، وإذا تراجع الحوار فسيكون الجهاد"!.وفي 2 أبريل 1991 حرّك مدني إضرابا عاما مفتوحا، وهو في حقيقته" حملة تمرد مدني" الهدف منه: إزاحة رئيس الجمهورية وحكومته واستبدال النصوص الدستورية بالشريعة وإقامة جمهورية إسلامية". و قد رفع المتظاهرون، شعارات: " دولة إسلامية" لا ميثاق لا دستور، "قال الله، قال الرسول"، "لتسقط الديمقراطية"( أنظر: د.حنيفي هلالي: الحركة الإسلامية في الجزائر، فصلية عالم الغد، فيينا/النمسا).
ولم تكتف حركات الإسلام السياسي في تصعيد حركة "الإنتحار الذاتي" في صراعها مع "الأنظمة الوطنية"، بل تعدت ذلك في تصدير خطابها الكارثي للغرب، بعد "إرتقاء" هذا الخطاب وظهور نظريات مدمرة تقول: "بمسؤولية الغرب عن الفساد والظلم في بلاد المسلمين ودعمه للأنظمة الطاغوتية، لذلك وجب نقل المعركة لأرضه ومقارعته في داره". وهذا هو الحادث الآن، وكان آخر الصور الطازجة من التطبيقات الكارثية لهذه الأفكار/الفتاوى ماحدث في تفجيرات لندن من دمار وسفك دماء المدنيين العزل( أنظر: طارق حمو. دولة فلسطين الطالبانية. صحيفة السياسة الكويتية. 27 أغسطس 2005).
أما على مستوى الخطاب الثقافي للحركات الإسلامية، فهذا الخطاب يضمر نزوعاً قوياً للسيطرة على الآخر والهيمنة عليه وإقصائه، وإزاحته تاريخياً وثقافياً، يولّده الشكّ وانعدام الثقة بالآخر والتعصّب للذات، يبرّر ويفسح المجال أمام الممارسات العنيفة وأنماط السلوك المؤذي الموجّهة ضدّ الآخر المختلف. وفي هذا السياق فإنّ تلك العودة إلى الدين واستلهام النموذج الماضوي من جانب المتطرّفين يعدّ تعبيراً عن الطموح إلى إعادة الهيمنة على العالم والتحكم بمصائره، ورغبة في تخطي الشعور بالفشل والعجز لديهم. فالنكوص- الذي يسميه أريك فروم بالعصاب الجماعي لطفولة التاريخ البشري- إلى الأشكال الأولية، والممارسات الباكرة للإسلام يلبّي الحاجة لدى المتطرفين الجهاديين إلى عقيدة للتوجيه السياسي والعبادة معاً، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الأعراض والمظاهر العصابية المصاحبة لسلوك الجماعات الإسلامية، ففي مثل هذه الحالة فإنّ الجهادي ما لم يدرك العالم والواقع ويفهمهما فهماً عقلانياً قريباً من الحقيقة، فإنّه يستلهم صورة وهمية يختلقها أو يبدعها عن الماضي ويتشبّث بها. وتلكم هي القراءة الجهادية المتطرّفة للدين، التي تمنح إطاراً للتوجيه السياسي والعقائدي وموضوعاً للعبادة في آن، ويحقق انسجاماً بين السلوك لديه وبين وجوده ومغزاه، ويعدّ هذا الدمج بين الجانبين( الدنيوي والمقدس) أمراً مقدساً لديه، وتعبيراً عن الطمأنينة الدينية والسلام الداخلي. وهذا هو التفسير الجزئي المحتمل لسؤال، كيف استطاعت الهيئات والمنظمات الجهادية أن تستحوذ على إرادة عشرات من الأفراد على استعداد للتضحية بأرواحهم وعقولهم في سبيل المبدأ القائل( الإسلام هو الحل)؟ وكيف اشترك هذا العدد من البشر في تلك التوجهات البعيدة عن العقلانية، والممارسات البعيدة عن الإنسانية، التي تتحدى روح المثل الأعلى الإنساني وتتناقض مع القاع الإنساني العميق للدين( أنظر: د.سربست نبي. الإسلام المعتدل: السياسة وحرب الأفكار. بحث منشور في موقع الأوان العلماني.
بداية تشكيل منظمات الإسلام السياسي في ألمانيا:
في عام ١٩٢٢كانت نشأة أول التنظيمات الإسلامية، واعتمد على مسجد فونسدورف في برلين، كما برز تنظيم القاضيانيين في العام نفسه باسم "رابطة المسلمين الألمانية" وأسّسها "الإمام صدر الدين" من لاهورمن شبه الجزيرة الهندية، وفي عام ١٩٣٠ فتحت هذه المنظمة أبوابها لعضوية غير المسلمين فيها وبدّلت اسمها إلى "الجمعية الألمانية-الإسلامية" على غرار جمعيات الصداقة المعروفة على المستوى الوطني والقومي. وفي عام ١٩٢٧ تمّ تأسيس ما سمي "المجلس المركزي لقلم المحفوظات الإسلامي في ألمانيا" ولا يزال قائما إلى اليوم، ويحظى باهتمام خاص من جانب الكنيسة والجهات الرسمية، وتلاه تأسيس "الفرع الألماني لمؤتمر العالم الإسلامي" عام ١٩٣٢ عام ١٩٣٣ والذي توحّد مع "المجلس المركزي لقلم المحفوظات"، وباتت منشورات المؤسسة المشتركة باسم "قلم محفوظات الإسلام" معتمَدة إلى حد كبير لدى الجهات الرسمية الألمانية والكنائس بألمانيا، ويبدو أنّ معظم التسميات المذكورة يلتقي على الأرضية القاضيانية المشتركة. ويمكن اعتبار أواسط الستينيات الميلادية هي البداية لقيام عمل إسلامي منظم، استند إليه تطوّر الوجود الإسلامي في ألمانيا خلال العقود التالية من القرن الميلادي العشرين، واعتمد ذلك على عناصر رئيسية –منها جديدة نسبيا- أهمها: ١- الأفواج الأولى من الطلبة المسلمين لا سيّما من البلدان العربية وإيران. ٢- إقامة المساجد الأولى في نطاق "مراكز" استهدفت ممارسة الدعوة الإسلامية. ٣- الارتفاع التدريجي لنسبة أصحاب القدرات المالية من المسلمين، كأصحاب الاختصاصات الجامعية والمهنية المهاجرين إلى ألمانيا لأسباب سياسية أو اقتصادية، أو الخريجين من الطلبة الوافدين سابقا والذين امتنعوا عن العودة إلى مواطنهم الأصلية لأسباب مماثلة. ٤- شمول الصحوة الإسلامية للمسلمين في الغرب، لا سيّما بعد حرب ١٩٦٧ م وتراجع التيار العلماني والقومي على مستوى البلدان الإسلامية عموما. 5ـ نشأة الجيل الثاني للمسلمين ـ كما يوصف عموما ـ والمقصود مواليد الوافدين من العمال والطلبة، وازدياد شعور المسلمين بضرورة إقامة منشآت تراعي اختلاف احتياجاتهم عن احتياجات سواهم في المجتمع الألماني ( أنظر: نبيل شبيب. الوجود الإسلامي في ألمانيا في القرن العشرين. دراسة موسعّة. يمكن الإطلاع عليها على موقع " مداد القلم" الإلكتروني).
ويعتبر سعيد رمضان أحد الرواد الأوائل للإخوان المسلمين في ألمانيا، وكان سكرتيراً شخصياً لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا. رمضان، المصري الذي قاد متطوعي الأخوان المسلمين في فلسطين 1948، رحل إلى جنيف في عام 1958 ودرس الحقوق فيها. وأسس في ألمانيا ما أصبحت واحدة من المنظمات الإسلامية الثلاث هناك، الجمعية الإسلامية في ألمانيا، التي ترأسها من 1958 إلى 1968. كما ساهم رمضان في تأسيس رابطة مسلمي العالم (...). ومن ثم رجع سعيد رمضان إلى سويسرا وأنشأ المركز الإسلامي الذي افتتحه الملك خالد، وكان يصرف عليه ستة ملايين دولار سنوياً. هذا المركز أصبح كذلك من أهم الأماكن التي تجند المحاربين وترسلهم إلى أفغانستان. واستمر سعيد رمضان في الحصول على البترودولارات لتمويل نشاطات الإخوان المسلمين في أوربا. وعندما توفي سعيد رمضان عيّن الإخوان المسلمون أحد الأعضاء البارزين في مصر لملاحقة البنوك السويسرية لاسترداد الأموال الطائلة التي كانت تحت تصرف سعيد رمضان ولكنهم فشلوا في استردادها. وكان هناك عضوان من الإخوان المسلمين في سويسرا، مصطفي ندى وأحمد هوبر (نازي سويسري أسلم وانضم إلى الإخوان) الذين تمكنا من إنشاء بنك التقوى في جزيرة البهاما عام 1988 برأس مال يقدر بمائتي وستة وثمانين مليون دولار، قدمتها لهم "رابطة العالم الإسلامي Muslim World League. ولهذا البنك فروع في الجزائر وليجنستاين وإيطاليا ومالطة وبناما وسويسرا. وقد اتهمت وزارة الخزانة الأمريكية بنك التقوي بغسيل الأموال من أجل المنظمات الإرهابية مثل "القاعدة" و"حماس" وجماعة "حزب النهضة" التونسية و"جبهة الإنقاذ الجزائرية"، وقدرت أن البنك حول ما لا يقل عن ستين مليون دولار لهذه المنظمات( أنظر: الدكتور كامل النجار. دراسة بعنوان "لندنستان والإخوان". موقع الحوار المتمدن. العدد 2635 بتاريخ 03/05/2009).
وهاني رمضان، ابن سعيد رمضان، يدير حالياً المركز الإسلامي. ومن بين أعضاء مجلس إدارته الآخرين ابن سعيد الآخر، طارق رمضان، الذي تصدّر مؤخراً عناوين الصحف في الولايات المتحدة عندما سحبت وزارة الأمن الوطني تأشيرة دخوله إلى البلاد بغية التدريس في جامعة نوتردام. ورمضان هذا يعتبر من المنادين ب" الإسلام الأوروبي" وهو شخصيّة معروفة في الأوساط الأكاديمية الأوروبية، ويشار اليه بالبنان في قضايا المسلمين وأندماجهم في القارة الأوروبية.( للتوسع في موضوع " طارق رمضان" وخطابه يمكن مراجعة كتاب الدكتور رالف غضبان: طارق رمضان وأسلمة أوروبا).
وخلف رمضان في رئاسة جمعية المسلمين في ألمانيا مواطن باكستاني، فاضل يازداني لفترة قصيرة قبل غالب حمت، وهو سوري يحمل الجنسية الإيطالية. وخلال إدارته الطويلة للجمعية 1973-2002، تنقل حمت بين إيطاليا والنمسا وألمانيا وسويسرا والولايات المتحدة. وقد دققت أجهزة الاستخبارات من كل دول العالم طويلاً في صلات حمت الإرهابية. فهو أحد مؤسسي بنك التقوى، وهو تكتل قوي تسميه المخابرات الإيطالية: "بنك الإخوان المسلمين"، كان قد موّل جماعات إرهابية منذ أواسط التسعينيات إن لم يكن قبل ذلك. وساعد حمت يوسف ندى، أحد العقول المالية المدبرة للإخوان المسلمين، في إدارة بنك "التقوى" وشبكة من مقرات الشركات في مواقع مثل سويسرا وليشنشتاين والباهاماس، التي تفرض قوانين قليلة على مصادر الأموال ووجهاتها. ويشاع أن كل من حمت وندى قد مررا مبالغ ضخمة إلى جماعات مثل "حماس" و"جبهة الإنقاذ الإسلامية" الجزائرية وفتحا خط ائتمان سري لكبار مساعدي أسامة بن لادن. وتُوحي واقعة أن زعيمي الجمعية الإسلامية في ألمانيا، رمضان وحمت، هما من بين أكثر أعضاء تنظيم الإخوان المسلمين نفوذاً خلال نصف القرن الأخير بوجود صلات بين الجمعية الإسلامية في ألمانيا والإخوان. والأدهى، أن تقارير صادرة عن وكالات الاستخبارات الداخلية في عدد من المقاطعات الألمانية تُطلق علناً وصف "فرع من الإخوان المسلمين" على الجمعية الإسلامية في ألمانيا وخصوصاً، تبعاً لأحد التقارير الاستخباراتية، أن الفرع المصري للإخوان المسلمين كان قد هيمن على الجمعية الإسلامية في ألمانيا منذ أيامها الأولى( أنظر: الدكتور كامل النجار، المصدر السابق).
والمركز الإسلامي في ميونخ هو أحد أهم الأعضاء في الجمعية الإسلامية في ألمانيا، التي تمثل الفرع الرئيس للإخوان المصريين في ألمانيا. إلا أن الجمعية هي أيضاً نموذج أساسي للطريقة التي أحرز المسلمون بها قوتهم في أوروبا. الجمعية تنامت بشكل لافت عبر السنين وتتعاون الآن مع عدد كبير من التنظيمات الإسلامية في البلاد. واندرج تحت مظلتها مراكز إسلامية من أكثر من ثلاثين مدينة ألمانية، وتكمن القوة الحقيقية للجمعية اليوم في تنسيقها مع وإشرافها على عدد من المنظمات الشبابية والطلابية الإسلامية في ألمانيا.
وقد جاء التركيز على الشباب بعد وصول ابراهيم الزيات إلى رئاسة الجمعية. فقد أدرك أهمية التركيز على الجيل الثاني من المسلمين الألمان وأطلق حملات تجنيد لتنظيم المسلمين الشباب في المنظمات الإسلامية. إلا أن تقريراً لشرطة ميكينهايم عن الزيّات يكشف عن صلات تُنذر بشر. والسلطات الألمانية تقول علناً إنه عضو في تنظيم الإخوان المسلمين. كما تربطه بالمجلس العالمي للشباب المسلم،(....). وللمجلس العالمي للشباب المسلم، الذي يتظلل بغطاء رابطة مسلمي العالم، هدف ثابت في "تسليح الشباب المسلم بالثقة الكاملة في تفوق النظام الإسلامي على الأنظمة الأخرى". وهو أكبر منظمة للشباب المسلمين في العالم وله أن يتباهى بموارد لا نظير لها. في العام 1991 أصدر المجلس كتاباً بعنوان: توجيهات إسلامية، جاء فيه "لنربِ أطفالنا على حب الانتقام من اليهود والطغاة، ولنعلمهم أن شبابنا سيحررون فلسطين والقدس عندما يعودون إلى الإسلام ويقومون بالجهاد في سبيل الله". والعاطفة في كتاب "توجيهات إسلامية" هي القاعدة وليست الاستثناء. كما تغص منشورات المجلس الكثيرة بخطابات قوية معادية للسامية وللمسيحية( أنظر: تقرير دائرة حماية الدستور الألماني للعام 2004).
وما أثار أعظم شكوك السلطات الألمانية، من بين كل النشاطات المالية للزيات، هو تعاونه مع رسميين في رؤيا الملّة ( Mili Gürös). ورؤيا الملة، التي تضم 30.000 عضو وربما يصل عدد المتعاطفين معها إلى 100.000، تدعي أنها تدافع عن حقوق السكان الأتراك المهاجرين في ألمانيا، بإعطائهم صوتاً في ميدان السياسة الديمقراطية وفي الوقت ذاته "تحافظ على هويتهم الإسلامية". بيد أن لرؤيا الملة أجندة أخرى. ففي وقت تعلن فيه على الملأ اهتمامها بالحوار الديمقراطي ورغبتها في رؤية المهاجرين الأتراك مندمجين في المجتمعات الأوروبية، عبّرَ بعض زعماء رؤيا الملة عن ازدرائهم للديمقراطية والقيم الغربية. فقد نقلت دائرة حماية الدستور الألماني تحذيراً من نشاطات رؤيا الملة، واصفة الجماعة في تقاريرها السنوية بـ"منظمة من المتطرفين الأجانب". كما أوردت الدائرة في تقريرها أنه "رغم ادعاء رؤيا الملة في تصريحاتها العلنية دعمها للمبادئ الأساسية للديمقراطيات الغربية، فإن إلغاء نظام الحكم العلماني في تركيا وإنشاء دولة ونظام حكم إسلاميين، كما كان الحال سابقاً، هو من بين أهدافها". وتاريخ رؤيا الملة وحده يشير إلى السبب في وجوب اعتباره تنظيماً متطرفاً. فرئيس الوزراء التركي السابق، نجم الدين أربكان، الذي حُظر حزبه، حزب الرفاه، بقرار من المحكمة الدستورية التركية في كانون الثاني 1998 بسبب "نشاطات له ضد النظام العلماني في البلاد" مازال الزعيم الأوحد لتنظيم رؤيا الملة، حتى مع وجود ابن أخيه محمد صبري أربكان في رئاسته.
وكان اجتماع رؤيا الملة الأوروبي في 2002 قد انعقد في مدينة آرنهايم الهولندية، وفيه كان نجم الدين أربكان المتحدث الرئيس، حيث لمّح إلى أيديولوجيا رؤيا الملة. وبعد خطبة عنيفة ضد شرور الاندماج في السياسات الغربية والأمريكية، أعلن أربكان أنه "بعد سقوط جدار برلين، وجد الغرب في الإسلام عدواً( أنظر: لورنزو فيدينو. بحث بعنوان: غزو الإخوان المسلمين لأوروبا. والباحث نائب مدير معهد مناهضة الإرهاب. واشنطن).
ويكشف تقرير لوكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية الأهداف الحقيقية لتنظيم رؤيا الملّة (Mili Gürös) حيث تشدد رؤيا الملة، بشكل متزايد في هذه الأوقات، على استعداد أعضاءها للاندماج في المجتمع الألماني وتؤكد دعمها للقوانين الأساسية، بيد أن أمثال هذه التصريحات تتأتى عن حسابات تكتيكية بأكثر مما تنبع من أي تغيّر داخلي في التنظيم( أنظر: تقرير دائرة حماية الدستور الألماني 2004).
ورؤيا الملة يروج لأجندة شبيهة بأجندة الجمعية الإسلامية في ألمانيا، حتى إن كان هدفه أكثر محدودية. لكن، كل من رؤيا الملة والجمعية الإسلامية في ألمانيا يتعاونان في العديد من المبادرات. كما توجد بينهما روابط عائلية. فابراهيم الزيات رئيس الجمعية الإسلامية في المانيا متزوج من صبيحه أربكان، أخت محمد صبري أربكان، رئيس تنظيم رؤيا الملة. وأم الشقيقان، صبيحة ومحمد، بدورها تعمل في السياسية وتدير منظمة نسوية إسلامية هامة في ألمانيا. وعائلة الزيات ناشطة أيضاً. فوالد إبراهيم الزيات يعمل إماماً لمسجد ماربورغ؛ كما ويعمل باقي أفراد عائلته في منظمات إسلامية. ويلاحظ أودو أولفكوته، وهو أستاذ للعلوم السياسية ومتخصص في مكافحة التجسس في جامعة لونبيرغ وخبير في الإرهاب الإسلامي، أن آل أربكان وآل الزيات يقودون شبكات من المنظمات الهادفة إلى نشر التطرف، في المجتمعات التركية والعربية في ألمانيا.
الجمعية الإسلامية في ألمانيا ومعها تنظيم رؤيا الملة ناشطان في مساعيهما لزيادة تأثيرهما السياسي ليصبحا الممثلين الرسميين للمجتمع المسلم في ألمانيا برمته. فإلى جانب ميزانيتيهما الممنوحتان بسخاء(...) تقدم مساجدهما خدمات اجتماعية، وتنظم مؤتمرات، وتوزع أدبهما القومي. ( أنظر: لورنزو فيدينو. بحث بعنوان: غزو الإخوان المسلمين لأوروبا. والباحث نائب مدير معهد مناهضة الإرهاب. واشنطن).
يقول أولفكوته في كتابه ( الحرب في شوارعنا: كيف يريد الإسلاميون المتطرفون السيطرة على ألمانيا) عن الزيات "إن السياسيين والأحزاب من مختلف المشارب يحاولون الوصول إليه". فعلى سبيل المثال، دعتْ أكاديمية برلين الكاثوليكية الموقرة الزيات ليقدم وجهة نظر المسلمين في لقاء الأديان الذي نظمته الأكاديمية في نوفمبر 2002. كما يربط سياسيون ألمان ومؤسسات مسيحية أنفسهم برؤيا الملة في مبادرات متنوعة. وقد أكدت (Mili Gazete)، الجريدة الرسمية الناطقة بلسان حال رؤيا الملة، ذات مرة أن "رؤيا الملة هي الترس الحامي لأخوتنا المواطنين من الذوبان في أوروبا البربرية". ومع ذلك، يلتقي السياسيون الألمان مع ممثلي رؤيا الملة بشكل منتظم لمناقشة قضايا الهجرة والاندماج( أنظر في هذه القضية، أيضاً، كتاب الدكتور بسام طيّبي: الشمولية الجديدة: الحرب المقدسة وأمن الغرب). كما يتحدث أولفكوته، في كتابه الآنف الذكر، عن علاقة بين الزيات وخليّة هامبروغ، ويقول أن الشرطة الألمانية عثرت على رسائل من بعض اعضاء الخلية موجهة الى جامع ماربورغ، والى شخص فاروق الزيّات، والد ابراهيم الزيّات.
واقعة أن شخصاً مثل أحمد الخليفة، الأمين العام للجمعية الإسلامية في ألمانيا، يمثل الإسلام أمام أعضاء البرلمان الذين يناقشون التسامح الديني، تُظهر نجاح مساعي المنظمات المرتبطة بالإخوان في نيلها القبول ممثلةً للمسلمين الألمان. لقد وصف مكتب حماية الدستور هذه المساعي بشكل حسن، بقوله أن رؤيا الملة (والجمعية الإسلامية) "تجهد للهيمنة على منظمات واتحادات المسلمين الإقليمية والقومية، التي تحوز أهمية متعاظمة كأطراف محاورة للدولة وكسلطات كهنوتية، ولتوسع، تالياً، نفوذها داخل المجتمع( أولفكوته: الحرب في مدننا. مصدر سابق).
هذا الميل إلى التوحد خطى خطوة نحو الأمام في عام 1994عندما أدرك الإسلامويون الألمان أن تحالفاً موحداً سيُترجم إلى ترابط وتأثير سياسيين أكبر. فأنشأت تسع عشر منظمة، بما فيها الجمعية الإسلامية والمركز الإسلامي في ميونخ والمركز الإسلامي في آخن، منظمة شاملة، المجلس الإسلامي. وتبعاً لضابط استخبارات ألماني رفيع، فإن تسعاً على الأقل من هذه المنظمات التسع عشر تخص الإخوان المسلمين.
وكانت الصحافة الألمانية قد أجرت مؤخراً تحقيقات عن رئيس المجلس، نديم إلياس، وهو طبيب سعودي ألماني الثقافة ومسئول في المركز الإسلامي في آخن. وقد ربطت صحيفة( دي فيلت) إلياس بكريستيان غانزيرسكي، أحد أفراد تنظيم "القاعدة" وقد اعتقل مؤخراً بوصفه العقل المدبر للهجوم على كنيس يهودي في تونس عام 2001. وقد أخبر غانزيرسكي، وهو ألماني من أصول بولندية تحوّل إلى الإسلام، أخبر السلطات أن "القاعدة" جندته في الجامعة الإسلامية في المدينة حيث أرسله إلياس للدراسة. وقد قال إلياس إنه لا يتذكر أنه التقاه لكنه لم ينكر إمكانية أن يكون غانزيرسكي، الذي لم يُتم دراسته الجامعية، أحد الأفراد العديدين الذين أرسلهم عبر السنين إلى مدارس متطرفة في الخليج. وقد دفع مانحون خليجيون نفقات غانزيرسكي. ولم يكن غانزيرسكي وحيداً. فقد اعترف إلياس أنه أرسل المئات من المسلمين الألمان للدراسة في واحدة من أكثر الجامعات تطرفاً في الخليج. والمجلس، إذ يصور نفسه كمنظمة جامعة لمنظمات المسلمين في ألمانيا، كان قد أصبح، إلى جانب الجمعية الإسلامية ورؤيا الملة، ممثلاً بحكم الأمر الواقع لثلاثة ملايين مسلم ألماني. ورغم أن الجمعية الإسلامية عضو في المجلس، فإن المنظمتين تعملان على نحو مستقل في غالب الأحوال. واستقلالهما الظاهري هذا مدروس. إذ يقوم الإخوان المسلمين بخداع السياسيين الألمان الذين يعتقدون أنهم يستفتون طيفاً من الآراء، بوجود هذا العدد من المنظمات العاملة تحت أسماء مختلفة. فوسائل الإعلام تسعى إلى مسئولي المجلس عندما تريد أن تستطلع رأي المسلمين في أي شأن من الشئون، من النقاش حول الحجاب في المدارس العامة، إلى الحرب في العراق، وما سواهما. والسياسيون يسعون إلى الحصول على موافقة المجلس عندما يريدون الوصول إلى المجتمع المسلم (أنظر: لورنزو فيدينو. بحث بعنوان: غزو الإخوان المسلمين لأوروبا. مصدر سابق).
والعديد من السياسيين الألمان غير مطلعين على الإسلام ولا يدركون أن وجهة نظر الإسلام وتأويله اللذان يعبر عنهما المجلس، وكما تعبرعنهما الجمعية الإسلامية ورؤيا الملة، إنما هي وجهة نظر وتأويل الإخوان المسلمين وليسا خاصين بالإسلام التقليدي. وتبعاً لذلك، يعبر المجلس عن معارضة كلية لأي حظر على الحجاب، ويدعم التعليم الإسلامي ذا المسحة الوهابية في المدارس، ويٌصادق على موقف متطرف حول الوضع في الشرق الأوسط. وبينما يُصادق الكثير من المسلمين على هذه الآراء، فإن المشكلة هي أن المجلس لا يُمثل ولا يتسامح مع الآراء المخالفة. إذ تفتقر جماعات المسلمين الألمان المعتدلة إلى تمويل وتنظيم الجماعات المرتبطة بالإخوان المسلمين. وبلغة الأرقام، فإن المجلس ومكوناه الأكثر أهمية، الجمعية الإسلامية ورؤيا الملة، يتسيدون مشهد التأثير على المجتمع المسلم، والمصداقية السياسية. فمع التمويل الوافر، تدبر الإخوان المسلمين أمرهم ليصبحوا صوت المسلمين في ألمانيا( أنظر: كتاب أودو أولفكوته: الجهاد في أوروبا: كيف يهدد الإخوان المسلمون مجتمعاتنا؟.).
ومؤخراً، شعر الجمهور الألماني بالصدمة لسماعه الوعظ الذي يُقدم في المساجد والمدارس الممولة من بعض دول الخليج. ففي خريف عام 2003، سرّبت كاميرا خفية، نصبها صحفي من تلفزيون ARD الألماني، من أكاديمية اسلامية في بون، وسجلت ما يتعلمه الأطفال المسلمين الصغار. إذ دعا أحد المعلمين إلى الجهاد ضد الكُفار. وبينما استدعت الصور توبيخاً من السياسيين الألمان، فإن النقاش العقيم حول التأثير الخليجي على المسلمين الألمان لم يؤدِ إلى تغيّر ملموس( أنظر: تقرير دائرة حماية الدستور الألماني 2003).
وبينما عمل الإخوان المسلمون وممولوهم(...)على توطيد النفوذ الإسلاموي في المجتمع المسلم في ألمانيا، فإنهم لم يقيدوا تسربهم إلى ألمانيا. ونتيجةً للتمويل الأجنبي السخي، والمنظمات الموسوسة، وسذاجة النُخب الأوروبية، حققت المنظمات المرتبطة بالإخوان المسلمين مواقع بارزة في أوروبا. ففي فرنسا، أصبح اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا منظمة بارزة في المجلس الإسلامي التابع للحكومة. وفي إيطاليا، اتحاد التجمعات والمنظمات الإسلامية في إيطاليا هو الشريك الرئيس للحكومة في الحوار فيما يخص القضايا الإسلامية في إيطاليا. وكلا الاتحادان منظمة متطرفة( أنظر: لورنزو فيدينو. بحث بعنوان: غزو الإخوان المسلمين لأوروبا. مصدر سابق). وبالتوازي مع مساعي الاتحاد الأوروبي إلى الاندماج، يسعى الإخوان المسلمون أيضاً إلى توحيد وكلائهم المتعددين في أوروبا. فقد أنشأ الأخوان المسلمون خلال الأعوام الخمس عشر السابقة سلسلة من المنظمات في كل أوروبا، مثل فيدرالية المنظمات الإسلامية في أوروبا، حيث يمكن لممثلين من المنظمات القومية أن يلتقوا ويخططوا لمبادراتهم. وربما كان أكبر ارتباط لتنظيم الإخوان المسلمين عبر أوروبا كلها هو ارتباطهم مع منظمتهم الشبابية، كما مع الجمعية الإسلامية في ألمانيا. ففي حزيران 1996، ضمّتْ منظمات شبابية من السويد وفرنسا وإنكلترا قواها إلى فيدرالية المنظمات الإسلامية في أوروبا والمجلس العالمي للشباب المسلم لإنشاء منظمة شبابية أوروبية مسلمة. وبعد ثلاثة أشهر من ذلك، اجتمع خمس وثلاثون ممثلاً من أحد عشر بلداً في لايسستر وأطلقوا رسمياً منتدى المنظمات الشبابية والطلابية الأوروبية المسلمة، ومقره في بروكسل(أنظر في صدد هذه المعلومات كتاب أولفكوته الأخير: SOS Abendland Die Schleichende Islamisierung Europa. ويتحدث فيه المؤلف بشكل تفصيلي عن نشاطات منظمات الإسلام السياسي في ألمانيا وبقية الدول الأوروبية، ويرصد تمويلها واهدافها. كما يمكن مراجعة الموقع على الإنترنت والذي يوثق أخبار منظمات الإسلام السياسي الواردة في الصحافة الأوروبية. وهو موقع يٌشرف عليه أولفكوته شخصياً. وأنا أبحث في الموقع وجدت اعلاناً للكتاب الجديد الذي نزل إلى الأسواق مطلع شهر تموز 2009 للمؤلف، وعنوانه: Vorsicht Bürgerkrieg! وترجمته للعربية: أحذروا الحرب الأهلية!.).
وتبعاً للمنشورات الرسمية الصادرة عن منتدى المنظمات الشبابية والطلابية، فإن المنتدى هو "شبكة تتألف من 42 منظمة وطنية ودولية تجمع الشباب من أكثر من 26 بلداً مختلفاً". وقد أكد المنتدى في عام 2003 بفخر أنه أصبح خلال الأعوام الأربعة المنصرمة صوت الأمر الواقع للشباب المسلمين في أوروبا. والمنتدى يتشاور بشكل منتظم حول القضايا التي تخص المسلمين في أوروبا. كما طوّر صلات مفيدة له مع: البرلمان الأوروبي، ومجلس أوروبا، والأمم المتحدة، ومنتدى الشباب الأوروبي، بالإضافة إلى عدد كبير من المنظمات غير الحكومية ذات الصلة على المستوى الأوروبي. وإبراهيم الزيات، الذي شغل منصب الرئاسة إلى أن أجبره تورطه في ألمانيا على التخلي عن منصبه، استخدم منبر المنتدى ليخاطب البرلمان الأوروبي. ولأن تنظيم الإخوان المسلمين يقدم الجسم البشري للمنظمات المكوِّنة للمنتدى، فهو يقدم "صوت الأمر الواقع للشباب المسلم في أوروبا". وبينما يدعي المنتدى أنه "مشتبك في محاربة الغبن على الصعد كافة، بحيث يكون مستقبل أوروبا مستقبل متعدد الثقافات وشامل ولائق"، فإن مثل هذه التصريحات تغدو خاوية بالنظر إلى موقف المشرفين عليه مثل المجلس العالمي للشباب المسلم الذي يعتقد أن "اليهود أعداء الإيمان والله والملائكة؛ فاليهود أعداء الإنسانية"( أنظر: لورنزو فيدينو. بحث بعنوان: غزو الإخوان المسلمين لأوروبا. مصدر سابق).
لقد ساهم التمويل الوافر والمنظمات الكثيرة في نجاح الإخوان المسلمين في أوروبا. إلا أن قبولهم في التيار السائد من المجتمع وصعود نفوذهم دون تحدٍ ما كان ليكون ممكناً لو أن النخب الأوروبية كانت أكثر تيقظاً، وأعطت للأمور الجوهرية قيمة أكبر من الخطابة، وفهمت دوافع أولئك الذين يمولون ويبنون هذه المنظمات الإسلامية. فلِمَ كان الأوروبيون سُذج إلى هذا الحد؟.
يعتقد الدكتور بسام طيبي، وهو أستاذ ألماني من أصل سوري وخبير في الإسلام في أوروبا، أن الأوروبيين- والألمان تحديداً- يخشون أن يُتهموا بالعنصرية. فالمتطرفون وقد استعاروا مسوح الحملان تعلموا أن بإمكانهم إسكات الجميع تقريباً عبر اتهامهم برُهاب الأجانب. فأي نقد يوجه إلى المنظمات المرتبطة بتنظيم الإخوان المسلمين يستتبع احتجاجات عنيفة على العنصرية والتحامل على المسلمين. والصحفيون الذين لا يهابون رافعي الدعاوى هؤلاء يُغرقون في بحر لا قاع له من المحاكمات القضائية الفاشلة، لكن باهظة التكاليف. فما يفشل في فهمه غالبية السياسيين الأوروبيين هو أنهم باجتماعهم مع المنظمات المتطرفة، إنما يمكنونها ويسلمون بشرعية الإخوان المسلمين. وثمة مصادقة ضمنية على أي لقاء معهم، خصوصاً عندما يتجاهل هؤلاء السياسيون ذاتهم أصواتاً أكثر اعتدالاً ليس لها منافذ إلى التمويل السعودي السخي. وهذا ما يخلق دائرة مستديمة من التطرف، ذلك أنه كلما زادت شرعية تنظيم الإخوان المسلمين، كلما تعاظمت فرصته وفرصة جماعاته الوكيلة في التأثير على المجتمعات المسلمة الأوروبية المتنوعة ودفعها إلى التطرف. (أنظر: لورنزو فيدينو. بحث بعنوان: غزو الإخوان المسلمين لأوروبا. وكذلك كتاب هنريك. أم. برودر: لقد أنهزمنا!).
هذا وتزداد المنظمات الاسلامية في المانيا وخاصة قياداتها تطرفا وفسادا وتمردا على القانون. ففي 20 مارس 2009 وجه المدعي العام الالماني عددا من التهم الى كل من السيد أوزغور أوجونجو، الامين العام لمنظمة( مللي غورش) الاسلامية والسيد ابراهيم الزيات، رئيس الجمعية الاسلامية في المانيا، والسيد مازيك آيمان، الامين العام لمجلس المسلمين في المانيا. الاول ولد في المانيا من أصل تركي، والثاني من مواليد المانيا وأصل مصري، اما الثالث فهو من مواليد تركيا ويقيم في المانيا منذ زمن طويل. وأهم التهم التي وجهها المدعي العام لهؤلاء المتهمين هو الفساد المالي والتطرف الديني ومخالفة القوانين السائدة. وقبل توجيه هذه التهم لهؤلاء القادة الاسلاميين اقتحمت الشرطة الالمانية مكاتبهم وبيوتهم وعثرت على ادلة دامغة تدين المتهمين. وفي مؤتمر صحفي أشار المدعي العام الى ان المبالغ التي حصلت عليها هذه المنظمات من خزينة الدولة والتي تقدر بنصف مليون يورو، تقدم عادة كمساعدات سنوية لمنظمات النفع العام، فضلا عن التبرعات التي تجمعها هذه المنظمات لم تصرف بالشكل المطلوب، قسم كبير منها يقدر بثلاث ملايين يورو حل في الجيوب الخاصة بهؤلاء القادة في عام 2008 والقسم الاخر تم ارساله عن طريق أشخاص وليس حوالات مصرفية الى منظمات متطرفة في العراق وافغانستان وغزة ومصر والباكستان. أما المبالغ المختلسة فقد صرفها هؤلاء المتهمين على شراء المباني السكنية والسياحية في المانيا وتركيا ومصر(د. سامي الرياع. المنظمات الإسلامية في المانيا متطرفة وفاسدة. مقال منشور في موقع العلمانيين العرب).
إن قواعد التمويل الخلفية للمجموعات الإرهابية العربية موجودة في الغرب، واجهات عديدة تحت آلف مسمى ومسمى. لو لم تكن "غزوة" نيويورك وواشنطن الآثمتين تلك، لكان هؤلاء تابعوا حصادهم في "هبش" وتجنيد قطاعات الشبان المسلمين في الغرب، والتغلغل السرطاني بين صفوفهم، وكل شيء في النور وفي ردهات المساجد المفتوحة من مال دافعي الضرائب الغربيين. لقد أفسدت إجراءات "مكافحة الإرهاب" الغربية جانباً مهماً من عملية "طول البقاء" ومنهجية أسلمّة "ديار الكفر" الممولة مالياً ولوجستياً من (التنظيم العالمي للأخوان المسلمين) وبقيّة الشبكات الأخطبوطية التي تشكّل واجهة الإسلام السياسي الناهض في الشرق العربي. ولولا التشدد في مراقبة المشبوهين من الدعاة والأئمة ومسؤولي الجمعيات الإسلامية، لما أمكن قطع كل هذه التبرعات عن المنظمات الدموية في العالم العربي. لولا قوانين الطوارئ و"الحرب على الإرهاب" لما تمكن القضاء الألماني مثلاً، من وضع شريك آثم في عملية قتل آلاف الأبرياء هو المغربي منير المتصدّق خلف قضبان العدالة، وكف شروره وشرور "جهاده" الأمار بالسوء عن المجتمع الألماني، مدة خمسة عشر عاماً ( طارق حمو. كذبة اندماج المسلمين في اوروبا. موقع "ايلاف" الإلكتروني 20 يناير 2007).
ويتحدث فيليب جينكينس في كتابه( قارة الله: حول الأزمة الدينية في أوروبا ومستقبل الإسلام والمسيحية) عن ظل الإسلام في أوروبا، وكيف تنشغل تنظيمات الإسلام السياسي ببناء المراكز الدينية والجوامع التي تربط المسلمين بوصايا الله، أو بالشريعة الإسلامية. ودور التنظيم العالمي للإخوان المسلمين في نشر التفسير الإصولي للإسلام، والذي يحول المعتقد اليقيني الشخصي إلى رسالة فاعلة لاتكف عن الحركة و"الجهاد" حتى تنشر فكر " الإسلام دين ودولة" في عقر دار المسيحية التقليدية، اي في القارة الأوروبية...
وتنقسم منظمات الإسلام السياسي في المانيا الى: أـ منظمات الإسلام السني التركية. ب منظمات الإسلام العلوي التركية. ت منظمات الإسلام السياسي العربية. ث منظمات الإسلام الشيعي. وفيما يلي نتعرض إلى ابرز المنظمات المندرجة ضمن التقسيمات الآنفة، من تلك التي تنشر التفسير الإصولي للإسلام بين المهاجرين المسلمين في ألمانيا، وترفض القيم العلمانية، وتشجع أبناء الجاليات المسلمة على التقوقع، وتذهب في التركيز على الخصوصية الدينية وتدعو إلى عدم الإختلاط بالمجتمع الألماني.
أـ منظمات الإسلام السني التركية:
1ـ الإتحاد التركي الإسلامي( DITIB).
تأسس في مدينة كولونيا الألمانية في 5 يوليو 1984، وهو تابع لوزارة الشؤون الدينية التركية، ويضم عدة جمعيات تدير جوامعاً ومراكزاً دينية في ألمانيا. ومهمة هذا الإتحاد هي رعاية الشؤون الدينية للمسلمين الأتراك في المانيا. وتأتي الخطب إلى ائمة المساجد التي يسيطر عليها هذا الإتحاد من وزارة الشؤون الدينية التركية مباشرة، اسوة بالجوامع في تركيا نفسها( أنظر: توماس ليمان: المنظمات الإسلامية في ألمانيا. بون 2000).
ويسيطر هذا الإتحاد على 500 جامع في عموم المانيا، وهذه الجوامع تعتمد اللغة التركية في الوعظ والإمامة ( أنظر: أينا فون: الحركات الإسلامية في ألمانيا 2007). ويقول الإتحاد إنه بات يضم زهاء ٨٠٠ رابطة عضو ينتمي إليها ١٥٠ ألف مسلم تركي في أنحاء أوروبا، ويتبع الاتحاد لهيئة "رئاسة الشؤون الدينية" في أنقرة، التي تتولى إعداد "الأئمة" وإرسالهم إلى ألمانيا. وهذا الإتحاد هو المفضل للحوار كممثل للمسلمين لدى الجهات الألمانية. وقد يعود السبب لوقوعه تحت سيطرة الحكومة التركية، ولعلاقة ألمانيا المتينة بتركيا. وقلما يتعرض الإعلام الألماني لهذا الإتحاد بوصفه " معيقاً لإندماج المسلمين في المجتمع الألماني" ( نبيل شبيب: الوجود الإسلامي في ألمانيا في القرن العشرين. مصدر سبق ذكره).
وفي موقع الإتحاد التركي الإسلامي على شبكة الإنترنت هناك عبارة تعريفية بالإتحاد تقول: ان الإتحاد سقف اسلامي يضم اكثر من 800 جامع وجمعية يقصدها المسلمون في المانيا. ويعمل الإتحاد على توجيه المسلمين ورعايتهم في كل المجالات الدينية والثقافية والرياضية والترفيهية. وهو يخرّج سنوياً 1260 طالباً من الدورات التي يقيمها لتعليم اللغة الألمانية. وجمعيات الإتحاد تساعد على الإندماج، وبابها مفتوح ليس فقط للمسلمين الأتراك، ولكن لكل المسلمين الآخرين( أنظر: موقع الإتحاد التركي الإسلامي DITIB على شبكة الإنترنت).
وعند النظر في اسماء الجمعيات والجوامع والزوايا الأعضاء في الإتحاد يلاحظ المرء جداولاً تضم 877 عنواناً، وهذه العناوين أو الفروع تشمل معظم المدن الألمانية ان لم نقل كلها. وثمة ملاحظة بانه وفي بعض المدن التي لايتواجد فيها اعداد كبيرة من المسلمين الأتراك، هناك فرع مثبت للإتحاد، وان كان هذا الفرع شكلياً، ولايمتلك أي بناء او جمعية فعلية على الأرض الواقع. فمثلاً في مدينة ( دولمن) الألمانية ذات 47000 نسمة لايوجد، وحسب الإحصائيات الرسمية من البلدية، سوى حوالي 250 مواطناً تركياً( ربما ليس كلهم من المسلمين)، ولكن مع ذلك هناك فرع للإتحاد الإسلامي. وهذا الفرع مسجل تحت عنوان "صندوق بريد" أي لاتوجد جمعية أو جامع يخدم المسلمين في تلك المدينة، مما يدل على رغبة الإتحاد في التوسع والتمدد في كل المدن الألمانية، حتى في تلك التي لايتواجد فيها أعداد معقولة من المواطنين الأتراك المسلمين.
2ـ المنظمات ذات التوجه السياسي البحت:
أـ التجمع الإسلامي(Milli GörüS e.V) أو تنظيم رؤيا الملة:
تأسس في مدينة كولونيا الألمانية عام 1986وذلك باتحاد عدة جمعيات واتحادات اسلامية تركية. وهو يسيطر ويدير 300 مسجد وجمعية واتحاداً نسوياً وشبابياً إسلامياً. ويندرج في عضويته 27000 عضو. والتجمع متهم من قبل دائرة حماية الدستور الألماني بسعيه الى تطبيق نظام "الشريعة الإسلامية" في ألمانيا، وان له علاقة واضحة مع تنظيم الإخوان المسلمين في مصر ومع الأحزاب الإسلامية في تركيا( أنظر تقرير دائرة حماية الدستور الألماني لعام 2008.).
ومنذ استلام محمد صبري أربكان( ابن شقيق رئيس الوزراء التركي الأسبق نجم الدين أربكان) رئاسة التجمع في 2001 فإن هناك سعياً واضحاً للتدخل في حياة الجاليات الإسلامية في ألمانيا ودفعها نحو العمل السياسي من وجهة نظر التنظيم العالمي للإخوان المسلمين. ويقول الباحث أودو أولفكوته " لدي معلومات موثقة اطلعت عليها لدى دائرة حماية الدستور تفيد بأن التوجه الجديد للمنظمة تحت رئاسة اربكان هو دفع المسلمين لنيل الجنسية الألمانية، ليس بغرض الإندماج، ولكن بهدف تأسيس حزب إسلامي في النهاية يهدف الى أسلمة ألمانيا وتطبيق الشريعة الإسلامية فبها (أنظر: أولفكوته: الحرب في مدننا. مصدر سبق ذكره).
ويستند أولفكوته إلى حديث أربكان، رئيس التجمع، في مدينة هاغن الألمانية في 15 أبريل 2001 وكيف أنه توقع أن يصل عدد المسلمين في أوروبا عام 2040 إلى 40 مليون مسلم لهم الحق في تطبيق الشريعة الإسلامية بالإنتخاب، في ظل تفوق عددهم وتراجع أعداد المواطنين الأصليين بسبب التزايد الطبيعي والولادات الكثيرة بين المسلمين( أولفكوته. المصدر السابق).
ويقول أولفكوته في كتابه المشار اليه، بان التجمع كان يسيطر في عام 2000 على 30 جمعية نشطة، وعلى 511 جامع ومركز(زاوية) صلاة. وعلى 1091 حلقة دينية. وعلى 2137 جمعية شبابية ونسائية جامعية. وعلى 17841 عضو عامل ونشط. وعلى 252000 عضواً مسجلاً. حيث هناك 33546 يافعاً وشاباً مسجلين في التجمع. و14622 إمراءة نشطة. و2517 طالباً جامعياً ( يتعرض أولفكوته في كتابه إلى نشاط هذا التجمع والشبهات التي تدور حول عدد من قادته من الصفحة 60 إلى الصفحة 73. ويقول المؤلف انه يمتلك وثائقاً من دائرة حماية الدستور الألمانية فيما يخص التحقيقات ضد قادة التجمعي، تتعلق بعضها بعلاقة محتملة لهؤلاء بخلية هامبورغ التي نفذت هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية في أميركا.).
وهناك حديث عن علاقة هذا التجمع بحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا منذ 2002، وعن دعم التجمع للحزب ولرئيسه رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي الحالي. ( أنظر: دينيس بوشنر: الإصوليون الإسلاميون في ألمانيا بعد 11 سبتمبر. 2003).
ويصدر التجمع مجلة دعويّة باسم( Mili Gazete) وهي تدعو المسلمين وانصار الجمعية الى الحصول على الجنسية الألمانية للمشاركة في الحياة السياسية وتفعيل الأفكار التي يدافع عنها التجمع. وتقول دائرة حماية الدستور الألماني بان هدف الجمعية النهائي هو تحقيق دولة الخلافة الإسلامية في المانيا. وتبلغ ميزانية التجمع السنوية مابين 200 إلى 230 مليون يورو، ويدير محطة تلفزيونية ( Kanal 7) حيث يطرح من خلالها آرائه وافكاره. وتراقب دائرة حماية الدستور الألماني التجمع وتقول ان اكثر من 300000 مسلم يعيشون في اوروبا يزورون الجوامع والجمعيات التي يديرها التجمع سنوياً.( أنظر: غونتر ليشمان: التسامح القاتل: المسلمون ومجتمعنا المنفتح. 2005).
وتعتبر السلطات الألمانية هذا التجمع من اكبر المنظمات الإسلامية العاملة في الساحة الألمانية من التي تعمل على نشر الإسلام السياسي المتطرف بين الجاليات المسلمة من اجل تحقيق اهداف سياسية وايديولوجية، وهي مراقبة بشكل جيد وتفرد لها تقارير دائرة حماية الدستور الألماني مساحة واسعة كل عام ( يمكن كذلك مراجعة موقع التجمع على الإنترنت للإطلاع على نشاطه الواسع والمستمر على مدار الساعة).
ومن أبرز الجمعيات التي يديرها التجمع الإسلامي(Milli GörüS e.V): 1ـ إتحاد الجمعيات الإسلامية في برلين. 2ـ إتحاد الجمعيات الإسلامية في بريمن. 3ـ إتحاد الجمعيات الإسلامية في مقاطعة نيدرساكسن. 4ـ إتحاد الجمعيات الإسلامية في منطقة روهر. 5ـ إتحاد الجمعيات الإسلامية في مقاطعة نوردهاين فستفاليا. 6ـ إتحاد الجمعيات الإسلامية في مقاطعة هيسن. 7ـ إتحاد الجمعيات الإسلامية في مقاطعة بادن فوتنبرغ. 8ـ إتحاد الجمعيات الإسلامية في مقاطعة بادن بادن.
ويتعجب أولفكوته في كتابه ( الحرب في مدننا) من إصرار جمعية (مللي غوروش) التركية، وهي كبرى الجمعيات الإسلامية العاملة في المانيا، على تسمية جوامعها الجديدة بإسم "الفاتح". ويسبّر الباحث الألماني التاريخ الإسلامي بعد تساؤله ذاك ليكتشف في الأدبيات الإسلامية مايلي عن شخصية "الفاتح" هذا. المعلومات تقول: الخليفة محمد الفاتح أحد السلاطين الأقوياء في الدولة العثمانية. فهو الذي دمر الإمبراطورية البيزنطية، وفتح عدة ممالك ومدن منها "كورنته" و"غالاتا" و"ارغوس" و"جنوه"، وقاد الجيش بنفسه في حصار بلغراد عاصمة صربيا، تم فتحها بفضل الله واستولى على مملكة طرانبرون اليونانية، وفي عام 1462م فتح رومانيا، والبوسنة والهرسك وأصبحت ألبانيا وقونية جزءا من الدولة العثمانية. وفي عام 1476م فتح هنغاريا وملدوفيا". ويقول الباحث إن شخصية "الفاتح" ومكانته في تاريخ التمدد الإسلامي في الغرب، هو السبب والدافع وراء تمسك جمعيات الإسلام السياسي( وعلى رأسها مللي غوروش) بإطلاق إسمه على كل جامع جديد يٌبنى على الأرض الألمانية". كما يلاحظ المرء كذلك اطلاق اسماء مثل " الفاتح" و" الغازي" حتى على أنواع من الأطعمة المصنعة في تركيا، والمصدرة خصيصاً الى ألمانيا وبقية أجزاء اوروبا.
ب إتحاد الجمعيات والمنظمات الإسلامية أو " دولة الخلافة في كولونيا":
جمعية اسسها رجل الدين التركي الراحل جمال الدين كابلان. وهي ضمت في وقت ما 7000 عضو، ولكن بعد اعتقال تركيا لمتين كابلان أميرها السابق، والذي تولى رئاسة الجمعية بعد والده جمال الدين، والحكم عليه بالمؤبد، لم يسجل من أعضائها سوى 1000. والأعضاء السابقون في " دولة الخلافة" على الأغلب انضموا الى التجمع الإسلامي، او تنظيم رؤيا الملّة (Milli Görüs e.V).
وكابلان الأب رجل دين، وابن لرجل دين، وسبق وان عمل في سلك التدريس الديني في أضنة 15 عاماً. وبعد الإنقلاب العسكري في 1980 هرب كابلان الى المانيا حيث قدم طلباً باللجوء السياسي. وعمل في صفوف الإتحاد الإسلامي بادئ الأمر، ومن ثم قرر تأسيس " إتحاد الجمعيات والمنظمات الإسلامية" عام 1983، ومن ثم أسس " دولة الأناضول الإسلامية" عام 1992، وأخيراً أسس" دولة الخلافة" عام 1994 والتي أعلن عنها في مدينة كولونيا الألمانية.
وبدء كابلان وانصاره نشاطهم ضمن الجاليات المسلمة وضمن فئات من الشعب الألماني، بغرض تحويلهم الى الإسلام. وأسس كابلان محطة( الحق) الفضائية، وصار يلقي خطباً تطالب بتشكيل دولة إسلامية في تركيا، على شاكلة " الجمهورية الإسلامية الإيرانية".
واعلن كابلان الحرب ضد الدولة التركية " الملحدة" عام 1992، وسمي نفسه عام 1994 بخليفة المسلمين، وقال انه سيحكم دولة الخلافة المنتظرة. وفي عام 1995 توفي جمال الدين كابلان، وخلفه في رئاسة التنظيم ابنه متين كابلان. وقد سار كابلان الأبن على نهج والده.
وفي أكتوبر 1998 خطط كابلان و30 عنصراً من جماعته لهجوم يستهدف ضريح مصطفى كمال "أتاتورك" أثناء الإحتفال بعيد ميلاد الجمهورية التركية ال75. ولكي يمنع كابلان السلطات الألمانية، التي اكتشفت الخطة، من ترحيله الى تركيا، حيث ينتظره حكم بالإعدام، عمد الى الزواج من سيدة تركية تتمتع بالجنسية الألمانية. ولكن السلطات إلتفت على الأمر واصدرت قراراً عام 2001 بحظر " دولة الخلافة". وتم تسليم كابلان الى تركيا بعد ان الغت هذه الأخيرة حكم الإعدام من قانون العقوبات لديها، حيث قضت محكمة تركية في 15/10/2008 بالمؤبد على كابلان، وبذلك نجحت السلطات الألمانية في تفكيك هذا التنظيم والنيل منه، ولكن تشتبه دائرة حماية الدستور الألماني في أن أغلب أعضاء وأنصار هذا التنظيم قد تسربوا إلى المنظمات والإتحادات الإسلامية الأخرى العاملة بين الجاليات الإسلامية، وبشكل خاص تنظيم رؤيا الملة. 3ـ المنظمات الإسلامية ذات التوجه الصوفي:
أـ الجمعية الإسلامية الثقافية:
وهي ثالت أكبر جمعية إسلام سياسي في ألماينا. تأسست في 15 سبتمبر عام 1973 في مدينة كولونيا. وتهدف الى نشر التعليم الديني( الطريقة النقشبندية) بين ابناء الجاليات المسلمة في المانيا والتركية منها على وجه الخصوص. وتملك الجمعية العديد من الواجهات الاقتصادية اللازمة للتمويل، كشركة " مركز" المحدودة لنقل المواد الغذائية وبيعها في المنافذ العائدة للجمعية. وتقول الجمعية انها تسير على افكار العلامة المسلم سليمان حلمي توناهان (1888ـ 1959 ). وتدير هذه الجمعية 300 تجمعاً وجامعاً اضافة الى 160 مقر وزاويا وصالة اجتماع في معظم الأراضي الألمانية. ويرأس ابناء تونهان الجمعية أباً عن جد. وتختص الجمعية في تعليم المسلمين ونشر الفكر الإسلامي وفق الطريقة النقشبندية. وتقول دائرة حماية الدستور الألماني بان هذه الجمعية تطالب النساء بعدم الإختلاط بالمجتمع الألماني وتحض على ارتداء الحجاب.
ب حركة " جماعة النور" في ألمانيا:
وهذه الجمعية تسير على هدي تعاليم عالم الدين المسلم بديع الزمان سعيد نورسي الكردي( 1873ـ 1960) صاحب رسائل الحق الشهيرة. وهي جمعية صوفيّة تعتمد الطريقة النقشبندية في التضرع والقيام بالواجبات الدينية. وقد تأسست عام 1967. وترصد دائرة حماية الدستور الألماني تقارباً بين انصار واعضاء هذه الحركة وبين انصار حركة " فتح الله غولان" التركية العاملة في مجال الدعوة والإرشاد، والتي تمتلك امبراطورية اقتصادية واعلامية كبيرة في تركيا والعالم الإسلامي، يتم إدارتها من العاصمة الأميركية واشنطن ( أنظر: أينا فون: حركات الإسلام السياسي في ألمانيا).
وتقول بعض المصادر بان عدد انصار الطريقة النورسية في تركيا والعالم يزيد عن 10 ملايين شخص. ولذلك فإن العديد من الأحزاب الإسلامية التركية تعمل على التقرب من فكر هذه الطريقة لحصد أصوات انصارها. ولعل حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا وحزب السعادة الإسلامي الصاعّد يأتيان في مقدمة هذه الأحزاب. وقد رصدت الدوائر العلمانية في تركيا علاقة قويّة بين العدالة والتنمية وتنظيم " فتح الله غولان"، وحاول الجيش التركي التدخل للإنقلاب على الحزب الحاكم وضرب بنى الإسلام السياسي، والتي يقول الجيش انه وطدّها في العديد من مؤسسات الدولة العلمانية. 4ـ المنظمات الإسلامية التركية ذات التوجه القومي:
أـ إتحاد الجمعيات التركية الديمقراطية في أوروبا:
تأسس عام 1978 في مدينة فرانكفورت. ويملك 200 جمعية، وهي تهدف الى نشر "التعاون بين المواطنين الأتراك القاطنين في اوروبا". وهناك 10000 عضو نشط في الإتحاد. وفي عام 1996 تحول الإتحاد الى مجلسين، الأول يختص بعموم القارة الأوروبية ومقره بروكسل، والثاني خاص بالمانيا ومقره مدينة فرانكفورت. وتقول دائرة حماية الدستور الألماني بان الإتحاد يعٌتبر الذراع الخارجي لحزب الحركة القومية المتطرف( MHP) وهذا حزب قومي تركي متطرف يميل الى الفكر الفاشي. ويحمل الإتحاد نفس رمز حزب الحركة القومية المتطرف وهو عبارة عن رأس ذئب أغبر.
ب إتحاد الجمعيات الإسلامية التركية في أوروبا:
تم تأسيسه في عام 1987 في مدينة كوبلنز. ويختص هذا الإتحاد بمتابعة احوال الجالية الإسلامية في المانيا واوربا ومتابعة ماتعتقده بانها "سياسة تمييز" ضد الطلبة والنساء المسلمات في المجتمعات الغربية. كما له علاقات مع المنظمات الإسلامية الأخرى العاملة في المانيا. ويظهر من موقف الإتحاد حيال كل من العلويين المسلمين ودولة إسرائيل بأنه ليس متشدداً بالقدر نفسه من التشدد الذي يظهر في مواقف منظمات الإسلام السياسي الأخرى. ت إتحاد " نظام العالم" في أوروبا:
تأسس عام 1996. ويدير 21 جمعية في المانيا و12 جمعية في بقية الدول الأوروبية. كانت له علاقات مع حزب الرفاه التركي وزعيمه نجم الدين أربكان. وينشط الإتحاد بين صفوف الجاليات التركية بشكل خاص، ويحاول أن يقتصر جهده على النشر والدعوة وترتيب الجوامع وبيوت الصلاة. ب منظمات الإسلام العلوي التركية:
1ـ إتحاد الجمعيات العلوية في أوروبا:
تأسس في مدينة كولونيا عام 1994من اجل الدفاع عن حقوق العلويين في المانيا وتنظيم احتفالاتهم ومناسباتهم الدينية. هو لايسيطر على اية مساجد أو حسينيات ولكنه يحاول التنسيق بين ابناء الجالية العلوية( المنحدرة من تركيا في سوادها الأعظم) بشكل جيد وتنظيم صفوفها واحداث نوع من التقارب الثقافي بين افرادها. وتتحدث دائرة حماية الدستور الألماني عن قرب هذا الإتحاد من حزب الشعب الجمهوري في تركيا( CHP). وهذا الحزب علماني ويعارض الحكومة الحالية ويمتلك كتلة كبيرة في مجلس النواب التركي. والإتحاد لايميل إلى التقوقع او دعوة الجالية العلوية الى عدم الإندماج في المجتمع الألماني، بل يطالب بمشاركة العلويين في الحياة العامة الألمانية ويدعوهم لبذل مزيد من الإندماج والدفاع عن حقوقهم. وهو اتحاد علماني لايرفض الآخر من منطلق الدين أو العقيدة.
2ـ المنظمة العلوية الشعبية للثقافة:
تم تأسيسها عام 1995 في تركيا، وتم افتتاح فروع لها في المانيا. وهذه الجمعية ترفض قضية " اسلمة العلويين" وتحاول ان تنشر الثقافة العلوية الخالصة، وان تفهم الإسلام حسب الفهم العلوي المعتدل البعيد عن التطرف والغلو. لديها حوالي 1000 عضو منهم 300 نشطين. وهذه المنظمة تطالب السلطات التركية بالإعتراف بالمذهب العلوي وتخصيص مديرية للشؤون الدينية العلوية في البلاد ووضع ممثليات لها في الخارج.
ت منظمات الإسلام السياسي العربية: 1ـ المركز الإسلامي في المانيا:
يعود تاريخ انشاء هذا المركز الى سعيد رمضان الذي هو أحد الرواد الأوائل للإخوان المسلمين في ألمانيا، وكان سكرتيراً شخصياً لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا. رمضان، المصري الذي قاد متطوعي الأخوان المسلمين في فلسطين 1948، رحل إلى جنيف في عام 1958 ودرس الحقوق فيها. وأسس في ألمانيا ما أصبحت واحدة من المنظمات الإسلامية الثلاث هناك، المركز الإسلامي في ألمانيا، الذي ترأسه من 1958 إلى 1968.
وقد جاء التركيز على الشباب بعد وصول الإسلامي المصري ابراهيم الزيات إلى رئاسة الجمعية. فقد أدرك أهمية التركيز على الجيل الثاني من المسلمين الألمان وأطلق حملات تجنيد لتنظيم المسلمين الشباب في المنظمات الإسلامية. والسلطات الألمانية تقول علناً إن الزيات عضو في تنظيم الإخوان المسلمين. كما تربطه بالمجلس العالمي للشباب المسلم، وهو منظمة سعودية غير حكومية تسعى إلى نشر الوهابية، بأدبياتها ومدارسها عبر العالم. وللمجلس العالمي للشباب المسلم، الذي يتظلل بغطاء رابطة مسلمي العالم، هدف ثابت في "تسليح الشباب المسلم بالثقة الكاملة في تفوق النظام الإسلامي على الأنظمة الأخرى". وهو أكبر منظمة للشباب المسلمين في العالم وله أن يتباهى بموارد لا نظير لها. في العام 1991 أصدر المجلس كتاباً بعنوان (توجيهات إسلامية) جاء فيه "لنربِ أطفالنا على حب الانتقام من اليهود والطغاة، ولنعلمهم أن شبابنا سيحررون فلسطين والقدس عندما يعودون إلى الإسلام ويقومون بالجهاد في سبيل الله". كما تغص منشورات المجلس الكثيرة بخطابات قوية معادية للسامية والمسيحية، (أنظر: لورنزو فيدينو: غزو الإخوان لأوروبا).
وفي 20 مارس 2009 وجه المدعي العام الالماني عددا من التهم الى كل من أوزغور أوجونجو، الامين العام الجديد لمنظمة رؤيا الملة ( مللي غورش) الاسلامية وابراهيم الزيات، رئيس الجمعية الاسلامية في المانيا، ومازيك آيمان، الامين العام لمجلس المسلمين في المانيا، وجه لهم تهماً تتعلق بالفساد المالي والتطرف الديني ومخالفة القوانين السائدة. وقبل توجيه هذه التهم لهؤلاء القادة الاسلاميين اقتحمت الشرطة الالمانية مكاتبهم وبيوتهم وعثرت على ادلة دامغة تدين المتهمين. وفي مؤتمر صحفي أشار المدعي العام الألماني الى ان المبالغ التي حصلت عليها هذه المنظمات من خزينة الدولة والتي تقدر بنصف مليون يورو، تقدم عادة كمساعدات سنوية لمنظمات النفع العام، فضلا عن التبرعات التي تجمعها هذه المنظمات لم تصرف بالشكل المطلوب، قسم كبير منها يقدر بثلاث ملايين يورو حل في الجيوب الخاصة بهؤلاء القادة في عام 2008 والقسم الاخر تم ارساله عن طريق أشخاص وليس حوالات مصرفية الى منظمات متطرفة في العراق وافغانستان وغزة ومصر وباكستان. أما المبالغ المختلسة فقد صرفها هؤلاء المتهمون على شراء المباني السكنية والسياحية في المانيا وتركيا ومصر(د. سامي الرياع. المنظمات الإسلامية في المانيا متطرفة وفاسدة. مقال منشور في موقع العلمانيين العرب).
2ـ المركز الإسلامي في آخن جامع بلال.
وبينما اختار الفرع المصري للإخوان المسلمين من ميونخ قاعدة لعملياته في ألمانيا، فإن مقرات الفرع السوري تقع في آخن، وهي بلدة ألمانية قرب الحدود الهولندية. فالعاصمة السابقة للكارولنجيين، بجامعتها الشهيرة، هي الآن موطن لعدد كبير من السكان المسلمين بمن فيهم عائلة العطار الإخوانية السورية البارزة. وكان أول من انتقل إلى آخن من آل العطار هو عصام، الذي فرَّ من الاضطهاد في وطنه الأم في الخمسينيات عندما كان زعيماً للفرع السوري من الأخوان المسلمين. وسرعان ما تبعه أعضاء آخرون من الإخوان المسلمين. ومع الوقت، اتخذ إسلاميون من بلدان أخرى من مسجد العطار،مسجد بلال، في آخن قاعدة لعملياتهم. وآخن معروفة جيداً لكل أجهزة المخابرات في العالم، فمن استضافة الإرهابيين الجزائريين المطرودين إلى إدارة الأعمال الخيرية المصنفة من قبل وزارة الخزانة الأمريكية بوصفها جبهة مالية لحركة "حماس" الفلسطينية المتشددة. وقاعدة الاخوان المسلمين السوريين في آخن تقيم علاقات وثيقة مع نظيرتها المصرية، والموظفون يتناوبون بين المراكز الإسلامية في آخن وميونخ. وعلى سبيل المثال، جاء أحمد فون دينفر، وهو محرر مجلة "الإسلام" التي يصدرها مركز ميونخ الإسلامي، جاء من ميونخ إلى آخن. لكن، بقيت بينهما مسافة ما. فالإخوان المسلمون السوريون لم ينضموا قط إلى الجمعية الإسلامية في ألمانيا، وفضلوا على ذلك الاحتفاظ ببعض الاستقلالية. ( أنظر: لورنزو فيدينو: غزو الإخوان لأوروبا مصدر سابق).
ث منظمات الإسلام الشيعي:
1ـ المركز الإسلامي في هامبورغ.
هو مركز تابع لإيران وقد تأسس عام 1953 ويعني بشؤون المسلمين الشيعة. ويشرف المركز على رعاية الجوامع والحسينيات للمسلمين الشيعة. وتعتبر هامبورغ مدينة للإسلام الشيعي في المانيا وذلك نظراً للأعداد الكبيرة من الإيرانيين الذين يسكنونها.
2ـ جامع أهل البيت الجمعية الثقافية الإسلامية:
تأسس في مدينة مونستر الألمانية عام 1994. وله فرع في مدينة ديسبورغ. يعني بشؤون المسلمين الشيعة. اغلب الأعضاء من الإيرانيين... هذا وبالإضافة الى ماذكر من جمعيات واتحادات الإسلام السياسي في المانيا، فإن هناك عدداً من الجمعيات الصغيرة للمسلمين البوسنيين والألبان. وكذلك هناك منظمات اسلامية للمواطنين الألمان من الذين اعتنقوا الإسلام. وهناك جمعيات تابعة لأبناء الطريقة الإسلامية الأحمدية. وهناك جمعيات تابعة لحزب التحرير، وأخرى لحركة " حماس" الفلسطينية. وهناك كذلك جمعيات تابعة ل"حزب الله" اللبناني، وهذه الجمعيات تختص بالتثقيف الحزبي وجمع التبرعات للمنظمة الأم في الوطن. وتقول دائرة حماية الدستور الألماني بان هذه الجمعيات تلعب دوراً واضحاً في عرقلة اندماج المسلمين في المجتمع الألماني، وتنحو بهم باتجاه التقوقع والعزلة. كما رصدت الدائرة ميلاً لدى هذه الجمعيات الى الإنتشار الأفقي وبناء المزيد من الجوامع ودور العبادة، والحصول على اكبر قدر ممكن من الدعم والمساعدة المالية من الحكومة. لاحظنا فيما سبق بأن منظمات الإسلام السياسي تعمل على مدار الساعة، وتهدف الى تحقيق اهداف سياسية بحتة يمكن إختصارها في صرف الجالبات المسلمة عن الإندماج والتفاعل مع المجتمع الذي اختارته بطوع ارادتها، وربما ركبت من أجل الوصول اليه والعيش فيه الأهوال والمصاعب.
منظمات الإسلام السياسي، في الحقيقة، تضر في المقام الأول ابناء الجاليات المسلمة أنفسهم، فهي تشجعهم على التقوقع ورفض الإندماج بحجة المحافظة على الدين والعادات، وهي تعمل على توريطهم في قضايا لادخل لهم فيها، فالمسلمون مثلهم مثل غيرهم يهمهم في المقام الأول الرفاهية والعيش الكريم، وجل أمنيات اغلبهم هي توفير فرص العمل وتأمين المستقبل المشرق لأبنائهم والتمتع بالأمن والكرامة بعيداً عن المشاكل والحروب التي تنتشر في العالم الإسلامي. لذلك فإن اي تحرك يهدف لنشر الفكر الإصولي المتزمت بين ابناء هذه الجاليات هو جلب الضرر لها وتعريض المكاسب التي حققته إلى خطر الصدام مع الأغلبية الألمانية وحكوماتها، والتي باتت تتخوف كثيراً بعد موجات الإرهاب التي طالت مناطقاً مختلفة من العالم، وحملت كلها توقيع التنظيمات الإسلامية.
وقد عمد بعض المختصين الألمان في الآونة الأخيرة( أودو أولفكوته، رالف غانديانو، هنريك برودر، مثالاً) الى متابعة هذه الجمعيات والكتابة عنها باستمرار، واصدار الكتب التي تشرح هيكليتها واهدافها. وتعدى الأمر ذلك الى تشكيل عدد من النخب الألمانية حزباً سياسياً مهمته التصدي لخطاب جمعيات ومنظمات الإسلام السياسي هذه، ولإحباط مساعيها في " أسلمة ألمانيا" كما يقولون.
الحكومة الألمانية بدورها تحاول احتواء الوضع وتعقد بين الفترة والأخرى" مؤتمر الإسلام في ألمانيا" وغالباً مايكون قادة ومسؤولي هذه المنظمات والجمعيات هم أبطال تلك المؤتمرات، وذلك على الرغم من أن دائرة حماية الدستور الألماني تصدر بين الفترة والأخرى تقاريراً تحذر فيه من خطورة أفكار وأيديولوجيات هؤلاء ومنظماتهم على العيش المشترك في المانيا، وتشرح هذه التقارير مساعي هؤلاء الناشطين المتزمتين في نشر الإسلام الإصولي بين الجاليات المسلمة بكل الطرق الملتوية، وإعتماداً على مبدأ " التقية" الإسلامي المعروف.
وتشن قوات الشرطة الألمانية بين الحين والآخر حملات مداهمة تطال مراكز وجوامعاً لهذه الجمعيات حيث يتم على الأغلب إكتشاف علاقة بينها وبين تنظيمات اسلامية محظورة في الشرق العربي والإسلامي. كما يدور اكثر من سؤال حول قضايا التمويل في هذه الجمعيات وكيف أنها تتلقى الأموال من دول تشجع حركات الإسلام السياسي مثل السعودية وايران.
ويطالب بعض المختصين في الشأن الإسلامي مثل الدكتور السوري الأصل بسام طيبي بتوطيد مفهوم " الإسلام الأوروبي" اي الإسلام حسب الحياة الأوروبية والقيم الأوروبية ودولة القانون بعيداً عن فكرة الشريعة و" دولة الخلافة" كما في الشرق، وهو الأمر الذي يعني خلق رفض داخلي ينبع من داخل الجاليات الإسلامية الأوروبية لخطاب هذه الجمعيات والمنظمات التي تراهن على الإسلام السياسي وتعمل على تسويق بضاعته في أوروبا (يمكن هنا الإطلاع على مؤلفات الدكتور طيبي الغزيرة في هذا المضمار). وفي الحقيقة فإن الجمعيات والمنظمات الإسلامية ترفض هذه الفكرة، وهي تريد تطبيق الشريعة الإسلامية على الجاليات المسلمة على الأقل، وكل برامجها وأعمالها الظاهرة والخفية، تشي بذلك. وقد ظهرت أصوات في الفترة الأخيرة تدعو الحكومة الألمانية للإعتراف "بواقع الحال" في البلاد والسماح للمسلمين باقامة محاكمهم الخاصة التي تستند على الشريعة والقرآن. وطبعاً هذا إن حدث، فإن تنظيمات الإخوان المسلمين ووزارة الشؤون الدينية في تركيا، وبقية تنظيمات الإسلام السياسي العتيدة، ستكون هي المشرفة على تلك المؤسسات، لكي تعمل على نشر المزيد من التطرف والدعوة إلى الإنزواء والتقوقع، ورفض الحياة الألمانية وقيم الشعب الألماني المضياف.
لقد حاولنا في بحثنا التوقف على بعض نشاط هذه الجمعيات وشرح بداياتها وأساليب عملها وأهدافها. والموضوع كبير جداً ومتفرع، بحيث يتطلب الكثير من الوقت والجهد للتصدي له ومنحه حقه في البحث والتحليل.
التوصيات:
أولاً: إن جمعيات ومنظمات الإسلام السياسي في المانيا لها علاقة بالتنظيمات " الأم" في العالم الإسلامي، وبشكل خاص في كل من مصر( الإخوان المسلمين) وتركيا( الأحزاب الإسلامية والقومية والعلمانية، الحاكمة منها والمعارضة) وإيران( الحكومة والمؤسسات الشيعية). وأن كوادراً متقدمة من هذه المنظمات " الأم" هي التي ساعدت في تأسيس المنظمات الإسلامية في المانيا، وكان الأمر في البداية وكأنه " نشاط خارجي" ليس إلا، لذلك يجب تخريب هذه العلاقة بين هذه التنظيمات و"التنظيم الأم" في الشرق الأوسط، وإنتخاب قادة من الجيل الجديد المولود في المانيا، من الذين يتقنون اللغة الألمانية جيداً، ويريدون إنجاح مساعي ادماج المسلمين في الحياة الألمانية. كما يجب خلق نظام يمكن إنتخاب مسؤولي هذه المنظمات من قبل ابناء الجاليات الإسلامية أنفسهم.
ثانياً: إن العديد من هذه الجمعيات لايتوانى عن اللجوء إلى العنف أو التخطيط له، أو دعمه( جماعة خليفة كولونيا، مثلاً). هذا ناهيك عن تبرير أعمال الإرهاب التي تحدث بإسم الإسلام في العالم اليوم، حيث لم نقرأ بياناً واحداً من قبل منظمات الإسلام السياسي الألمانية يدين هذه الأعمال والجهات التي تقوم بها. لذلك يجب مطالبة هذه الجمعيات باصدار بيانات صريحة لإدانة الإرهاب الحاصل بإسم الإسلام ضد المدنيين في الشرق الأوسط وأميركا وأوروبا. وتهديد هذه الجمعيات بالغلق والحظر في حال ثبوت تورطها في أي عمل إرهابي.
ثالثاً: هذه الجمعيات لاتشجع المسلمين على الإندماج في المجتمع الألماني، وانما على العكس تحثهم على خلق "المجتمعات الموازية" وعدم الإختلاط واختيار التقوقع، وكل ذلك بحجة "الحفاظ على الهوية الإسلامية". كما تنشر بعضها آراءً عنصرية ضد اتباع الديانات الأخرى مثل اليهود. لذلك يجب مراقبة أعمالها ومحاسبة كل من يشجع على الإنعزال ورفض خطط الدولة في الإندماج، أو التشكيك في المحرقة اليهودية.
رابعاً: هذه الجماعات مراقبة من دائرة حماية الدستور الألماني، ولديها مشاكل في قضية التلاعب بالأموال وتبييضها، وبشكل خاص أموال التبرعات، حيث تشك السلطات الألمانية بان هذه الأموال تذهب إلى جهات خارجية. ووقوف أكثر من مسؤول في هذه الجمعيات أمام العدالة الألمانية وحملات المداهمة التي تستهدف مقراتها، دليل على هذا الكلام. كما هناك إتهامات بتجنيد هذه التنظيمات للشباب المسلم الذي يعيش في المانيا للقتال في افغانستان والعراق وغيرهما. لذلك يجب مراقبة موارد وتمويل هذه الجمعيات وأين تصرف هذه الأموال، لمنع وصولها إلى الشبكات الإسلامية الإرهابية في العالم.
خامساً: إن لهذه الجمعيات علاقات قوية ببعضها البعض، وهناك تنسيق شبه كامل بينها وبشكل خاص فيما يتعلق بالموقف من الدولة الألمانية. لذلك على السلطات الألمانية مراقبة هذا الأمر، ورصد كل التحركات والتنسيق الحاصل في عملية التدخل في حياة الجاليات المسلمة بغية ابعادها عن المجتمع الألماني والحيلولة دون الدمج فيه.
سادساً: سعي هذه الجماعات إلى توسيع شبكاتها وتشجيعها لأنصارها على نيل الجنسية الألمانية يوحي بأنها تريد، حقاً، التدخل في الحياة السياسية الألمانية وتشكيل حزب ديني إصولي في المستقبل من أجل خوض الإنتخابات والفوز، لتطبيق الشريعة الإسلامية. وعلى السلطات الألمانية أن تسن قانوناً يرفض بشكل قاطع تأسيس الأحزاب على أساس ديني بحت.
سابعاً: هذه المنظمات والجمعيات لديها مدارسها، وهذه المدارس تقدم الدروس الدينية باللغات التركية أو العربية، ونادراً بالألمانية، فيجب على السلطات مراقبة وسائل التعليم هذه وأن تتأكد من خلوها من الأفكار التي تدعو إلى التطرف والغلو. كما يجب مراقبة الصحف ومحطات التلفزة والإذاعة التي تصدر وتبث من ألمانيا، لمعرفة ماتقدمه من " زاد" ثقافي وديني للجاليات المسلمة بعيداً عن أعين السلطات المسؤولة.
ثامناً: يجب أن ترفض السلطات منح "الفيزا" أو الإقامة لكل إمام مستقدم من الخارج لصالح هذه الجمعيات، ولايجيد اللغة الألمانية. يجب على كل إمام مسلم اتقان الألمانية والإقرار بقبول المثل والقيم الديمقراطية والإعتراف بدولة القانون الوضعي وبسلطة الحكومة.
تاسعاً: هذه الجمعيات تريد حقوقاً خاصة للمسلمين مثل حق إطلاق الآذان، وتخصيص الضمان الصحي للزوجة الثانية والثالثة، ومنع تقديم لحم الخنزير في الأماكن العامة...الخ. مثل هذه الأمور اذما حدثت فإن هذه الجماعات تعتبرها تنازلات من الحكومة وانتصار لها، وهو الأمر الذي يشجعها على المضي قدماً ومطالبة المزيد في طريق مشروع الأسلمة الذي تتبناه في الخفاء.
عاشراً: تشكيل السلطات لهيئة عليا تتابع الشؤون الدينية للمسلمين، ولايجب ان يقتصر الأمر على المسلمين، لأن أي دارّس أو استاذ لمادة الإسلام( حتى وان لم يكن مسلماً) يستطيع العمل ضمن هذه الهيئة وتقديم الإرشاد فيها.
حادي عشر: لايجب اعتبار قادة ومسؤولي هذه الجمعيات الممثلين الوحيدين عن المسلمين في المؤتمرات التي تعقدها الحكومة الألمانية حول الإسلام. يجب دعوة الشخصيات المستقلة والعلمانيين والساسة المسلمين والأطباء والمهندسين والنشطاء الإجتماعيين، ومعاملتهم بوصفهم يمثلون شريحة كبيرة من المجتمع المسلم في البلاد.
ثاني عشر: يجب وضع إختبار ديمقراطي لكل من يريد ان يتقدم لنيل الجنسية الألمانية. يعبر في هذا الإختبار عن تعهده باحترام الدستور والقانون الألمانيين ورفضه للإرهاب وخلط الدين بالسياسة. ويكون هذا الإختبار حجة على حاصل الجنسية الألمانية لتقديم الولاء للوطن الألماني، والإقرار بوجود قانون واحد يٌحتكم اليه وهو القانون الألماني الوضعي، وليس الشريعة أو اي قانوني ديني آخر.
#طارق_حمو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طغاة دمشق بين التدنيس والتدليس...
-
حيرتنا مع ديمقراطية كردستان!
-
عبد الإخوة التميمي الإنسان الرقيق وداعاً...
-
خطة القضاء على حزب العمال الكردستاني.
-
فتنتنا، التي ايقظها الأميركان!
-
الشرق الأوسط: استيلاد الديمقراطية من معاناة الأقليات
-
الأقليات الدينية العراقية في الدستور العراقي الجديد
-
الأمة....مغتصبة هذه المرة!!
-
أنقرة وواشنطن: التحالف المٌهين...أخيراً؟.
-
عبدالرزاق عيد: ربما هو القتل الرحيم؟
-
تركيا والكرد: حرب المائة عام تبدأ من كركوك!
-
العراق وحروب الإعلام العربي الخاسرة!
-
أوجلان والرهان على هزيمة العسكر...
-
مؤتمر واشنطن الكردي: بداية الإستقلالية في الفعل السياسي الكر
...
-
العراق قرباناً لدوام ليل الطغاة...
-
مفاخر بعثية: قمع وإستبداد وتفقير عام!
-
ولادة الشرق العظيم..
-
الفيحاء والجميل سيّار...
-
حماس..الكويت..وعشائر كردية أيضاً
-
دستور العراق الجديد وقرف الإعلام العربي...
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|