|
التحولات الكبرى التي مست المجال الديني في المغرب
مصطفى عنترة
الحوار المتمدن-العدد: 833 - 2004 / 5 / 13 - 08:52
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
التحولات الكبرى التي مست المجال الديني في المغرب سنة بعد أحداث 16ماي الارهابية
تحل ذكرى أحداث 16 ماي الأليمة في ظل حدوث متغيرات كثيرة كانت هذه الأحداث(16ماي 2003) سببا مباشرا في الكشف عن العديد من نقط الضعف التي كانت تعتري بعض القطاعات التي لم تكن قبل هذه المحطة الدامية تدخل ضمن الانشغالات المركزية للسلطات العمومية. فبقدر ما خلفته أحداث الجمعة الدامي من ضحايا وخسائر مادية جسيمتين، بقدر ما كانت منطلقا فعليا لفتح العديد من الأوراش الإصلاحية التي همت أساسا القطاع الأمني والديني والاجتماعي من أجل الوقوف على مكامن الخلل داخل هذه القطاعات وإصلاحها في اتجاه سد كل الثغرات الممكنة التي استغلت من طرف شرذمة من الأوغاد والمارقين عن المذهب المالكي والتعاليم الاسلامية السمحة لمحاولة تقويض أركان وثوابت المجتمع المغربي . وبالنظر لأهمية هذه المحطة ودلالاتها الهامة نورد في هذه الورقة بعضا مما عرفه مغرب ما بعد 16ماي من تحولات تفيد وجود رؤية جديدة للتعامل مع مخلفات زلزال الجمعة الدامي. كان رد فعل السلطات العمومية قويا على أحداث 16 ماي الإرهابية التي كانت الدار البيضاء مسرحا لها في السنة الماضية، وهذه السرعة في الرد أشفعت للسلطات العمومية المغربية التساهل الذي طبع سلوكها في التعامل مع الأوضاع السياسية والاجتماعية المتدهورة ومشاهدها المخيفة التي كانت توحي حينها بوقوع أحداث إجرامية خطيرة مثل تلك التي ضربت في العام الماضي بعض المواقع في العاصمة الاقتصادية للمملكة الدار البيضاء. وهكذا قام النظام السياسي بمراجعة استراتيجيته في بعض المجالات التي ساهمت في بروز جماعات إسلامية متطرفة تدعو إلى تكفير الدولة والمجتمع معا، ذلك أنه فضلا عن المجال الاجتماعي والاقتصادي وكذا الأمني، حظي المجال الديني باهتمام كبير لاعتبارات متعددة منها أساسا حساسية هذا المجال خاصة وأنه الإطار الذي يتحرك وفقه الملك ويحتكره بقوة القانون والتاريخ والنسب الشريف بوصفه أميرا للمؤمنين، ينهل منه شرعيته الدينية الموظفة في خدمة قضايا سياسية نظرا لجدلية الديني والسياسي. هذه الإمارة التي تم تقعيدها دستوريا ضمن الفصل19 من دستور المملكة عام 1962والتي اضيفت ـ كما هو معلوم ـباقتراح من الدكتور عبد الكريم الخطيب وتزكية علال الفاسي للتأكيد أن السلطة هي مصدر ألاهي لاتتأثر بنتائج الاستفتاء أو صناديق الاقتراع حسب الباحث الفرنسي ريمي لوفو المتخصص في الشؤون السياسية المغربية. فالنظام يتحرك وفق ثلاث جبهات: أولها الجبهة أمنية من خلال التضييق على التنظيمات الاصولية وتحصين نفسه بسن تشريعات قانونية في هذا الاتجاه كقانون مكافحة الارهاب، ثانيها الجبهة الاجتماعية والخيرية من خلال مأسسة العمل الخيري وتصدر المبادرات الاجتماعية، ثالثها الجبهة المؤسساتية الدينية من خلال توسيع المجالس العلمية وتعيين نخبة دينية جديدة. ـ أول تحول سجل في هذا الباب، الخطاب الملكي ذو اللهجة الأمنية المتشددة اتجاه الخوارج عن المذهب المالكي المعتمد رسميا بالمغرب والمتأثرين بالأفكار الدينية البعيدة كل البعد عن إسلام التسامح والتعايش.. وهو الخطاب الذي دعا فيه الملك السلطات الأمنية إلى التعامل بحزم وصرامة مع مثل هذه الظواهر. فقد أعطى الملك أولوية للحفاظ على الأمن الروحي للملكة ووحدة المذهب المالكي وكذا التشبث بالمرجعية الواحدة وإلغاء تعدد المذاهب مع التأكيد على الاجتهاد من سد الفراغ الديني وتحصين الساحة من التسللات المفضية إلى نشر التطرف والجمود.. ـ إقدام الملك على مبادرة إعادة هيكلة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، حيث عرفت هذه الوزارة تغيرات جوهرية مست بنياتها الاستقبالية وهياكلها الادارية بغية تأهيلها لمواجهة التحديات التي تفرضها عليها التطورات المتسارعة داخل المجال الديني، كما صاحب هذه الهيكلة ـ التي رأت النور قبيل الذكرى الأولى لزلزال 16 ماي ـ تعيين أعضاء جدد بالمجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية، وإحداث ثلاث مديريات، الأولى تهم الشؤون الاسلامية والثانية المساجد والثالثة التعليم العتيق فضلا عن 16مندوبا جهويا للشؤون الإسلامية. فلأول مرة تم تعيين عالمات( عضوة بالمجلس العلمي الأعلى وست وثلاثين عالمة بالمجالس العلمية المحلية) تعبيرا على الإهتمام بالمرأة ومساواتها مع شقيقها الرجل وتأكيدا على الاهتمام بها وإحلالها المكانة التي تستحقها علاوة على الحرص على انتقاء نخبة تتوفر على مؤهلات علمية عالية تماشيا مع التأسيس العقلاني لصورة الإسلام بعد حملات التشويه الذي شابته في العقدين الأخيرين من القرن الماضي. وقد ارتفع عدد المجالس بشكل ملموس، بحيث أصبح ثلاثين مجلسا عوض تسعة عشر في التشكيلة السابقة، أي بزيادة أحد عشر مجلسا، مما يفيد أن هذا الكم سيساعد على تغطية جل تراب المملكة من أجل سد الفراغ الحاصل وذلك إما لعامل الكثافة السكانية التي تميز بعض المناطق وإما لعامل الأهمية التاريخية والعلمية لها، حيث ارتفع على سبيل المثال عدد أعضاء المجلس العلمي في الدارالبيضاء إلى ستة عشر عضوا بدل ثمانية أعضاء في التركيبة السابقة، كما ارتفع عدد أعضاء كل من مجلسي فاس ومراكش إلى اثني عشر عضوا. ـ خروج أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى الواجهة الإعلامية، إذ أبرز بوضوح الاستراتيجية الأمنية للدولة على المستوى الديني، حيث أكد بشكل صريح على أهمية القانون في التعامل مع مستورد الإيديولوجيات الدينية من الخارج ومن يدور في فلكهم، وعلى عدم التساهل إزاء الانزلاقات والأفكار المذهبية الدخيلة على الأمة وعلى عدم ترك المساجد والفضاءات العمومية عرضة للدعاية لمذاهب تختلف عن المذهب الرسمي بالمملكة، كما تم التأكيد على اختيارات الأمة المتمثلة في العقيدة الأشعرية، التصوف الجنيدي، والمذهب المالكي والكونية التي هي أسلوب ديمقراطي يلتقي مع مقاصد الشريعة المبنية على الشورى، أيضا الإعلام الديني هو الآخر حظي باهتمام الوزارة، إذ اعتبر تطويره وتنشيطه ضرورة للتصدي للدعاية التي تقوم بها المذاهب الأخرى، ولعل بعض البرامج الدينية المقدمة في الآونة الأخيرة سواء في القناة الأولى أو الثانية تندرج ضمن هذه الاستراتيجية الجديدة اعتبارا للأهمية القصوى التي يكتسيها الاعلام خاصة في مجتمع يوصف بكونه مجتمعا للأعلام والمعرفة. ـ تنظيم مسألة الإفتاء، ذلك أن الخطاب الملكي الصادر في 30 أبريل الماضي حول إعادة هيكلة الحقل الديني وتدبيره، أشار إلى إعادة تنظيمها، حيث اسند اقتراحها إلى المجلس العلمي الأعلى إلى جلالته بصفته أميرا للمؤمنين ورئيسا لهذا المجلس. ومعلوم أن السنوات الأخيرة تميزت ببروز العديد من الفتاوى الداعية إلى التكفير والقتل والجهاد وما شابه ذلك، والتي كان وراء إطلاقها بعض أشباه الأئمة ومنظري الفتنة.. لدرجة أن البعض منهم لم يعد يخفي اجتهاداته، مستغلا التحول السياسي بالمغرب وموظفا بالتالي بعض المنابر الإعلامية المكتوبة أو مواقع متواجدة على شبكة الأنترنيت كقناة لتمرير هذه الفتاوى.لكن الوزير السابق في الشؤون الاسلامية عبد الكبير العلوي المدغري جمد نشاط المجلس العلمي الاعلى الذي من المفروض فيه أن ينظر في هذه المسألة علما بأن الوزير المذكور هو كاتب هذا المجلس الذي يضع قانونيا جدول أعماله، والذي يرأسه الملك وذلك لأسباب عير معلومة. ـ تأميم المساجد التي سبق أن عرف البعض منها خوصصة غير معلنة ضدا على القانون المتعلق بالأمكان المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي(ظهير 2أكتوبر 1984في عهد الوزير كريم العمراني) ، وتشديد المراقبة على فضاءاتها وربطها بقطار التنمية والدمقرطة وتفعيل المذكرات التي سبق وأن نصت على ضرورة انفتاحها على المجتمع من خلال توظيفها في محاربة الأمية وتنوير عقول المواطنين. وتجدر الإشارة في هذا الباب إلى أن دور وزارة الداخلية اقتصر على الجانب الأمني، فيما تمثل دور وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية في الجانب الاداري والتنظيمي في حين أصبح للمجالس العلمية التابعة للملك بوصفه أميرا للمؤمنين الدور الهام في هذا الشأن. ـ مأسسة العمل الاجتماعي والخيري، ذلك أن مؤسستي محمد الخامس للتضامن والحسن الثاني للمغاربة القاطنين بالخارج، إذ استحودت الاولى على مجمل القضايا الاجتماعية دون أن ننسى المبادرات الملكية على المستوى الاجتماعي ذات البعد الانساني. ولعل ما وقع إثر زلزال الحسيمة يؤكد الدور الذي أضحت تلعبه المؤسسة الاولى في التدبير الاجتماعي.. كما تم التشديد على مستوى تتبع المبادرات الاحسانية وفرض رقابة صارمة على الانشطة المالية والاجتماعية للتنظيمات الاسلامية كما وقع مؤخرا حين تم استنطاق بعض مسؤولي الجمعية المغربية لمساندة شعب البوسنى والهرسك التي تدور في فلك حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والاصلاح. ـ إصلاح رابطة علماء المغرب قصد إخراجها من الجمود الذي كانت تعيش فيه والعمل على إحيائها في اتجاه جعلها جهازا متفاعلا مع المجالس العلمية، إذ أصبح لها اسم جديد وهو"الرابطة المحمدية لعلماء المغرب" مكونة من نخبة من العلماء الموقرين يحظون برضى الملك بوصفه أميرا للمؤمنين. وفي هذا السياق يدخل تأهيل المدارس العتيقة وصيانة تحفيظ القرآن الكريم، قصد تحصينها من كل استغلال يمس بالهوية المغربية مع توفير كل الآليات الكفيلة بالتكوين الجيد تجنبا لتخريج الفكر المنغلق وتشجيع الثقافات..
#مصطفى_عنترة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المغرب يقدم مساعدات لاسبانيا من أجل محاصرة الجماعات الاسلامي
...
-
تأملات حول دور ومكانة العلماء في محاربة التطرف الديني بالمغر
...
-
مؤشرات وساطة إسبانية لحل مشكل الصحراء المغربية
-
الحركة العمالية المغربية وسؤال مواجهة مخاطر العولمة
-
أسس شرعية ومشروعية النظام الملكي بالمغرب تحت المجهر
-
أحمد بوكوس، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالمغرب، ي
...
-
جهادي الحسين الباعمراني، صاحب -ترجمة معاني القرآن الكريم بال
...
-
أمازيغيون يقاضون وزير التعليم المغربي ضد استغلال المناهج الد
...
-
عبد الله حافيظي السباعي، باحث متخصص في شؤون الصحراء يتحدث عن
...
-
المحجوب ابن الصديق يستمر في قبض نقابة الاتحاد المغربي للشغل
...
-
تداعيات أحداث 16 ماي الدامي تلقي بظلالها على المؤتمر مر الوط
...
-
المفكر التونسي عبد المجيد الشرفي يتحدث عن الفكر الديني، الإس
...
-
أبعاد ومخاطر تكريس سياسة اللهجات الأمازيغية بالمغرب
-
مثقفون وباحثون وجامعيون يتحدثون عن تجديد الفكر الديني
-
جهادي الحسين الباعمراني ينجز ترجمة لمعاني القرآن باللغة الأم
...
-
تأملات حول المخزن الثقافي في مغرب القرن الواحد والعشرين
-
الملك محمد السادس يقوم بإصلاحات كبرى تروم تطوير الحقل الديني
...
-
قراءة في تفاعلات تصريحات الصحراوي علي سالم التامك المناصر لج
...
-
تأملات في واقع الحركة الأمازيغية بالمغرب بعد ميثاق أكادير
-
الحركة الثقافية الأمازيغية المغربية وسؤال ما العمل ؟
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|