|
خرافة البحبوحات النفطية
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2734 - 2009 / 8 / 10 - 07:57
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
تطالعنا، بين الفينة والأخرى، بعض الإحصائيات التضليلية مدفوعة الأجر، والقائلة بأن هذا المواطن الخليجي أو ذاك يحتل واحداً من بين أعلى الدخول والأجور في العالم، ويتقاضى كذا عشر، أو عشرين ألف دولار سنوياً، ما يضعه في أعلى السلالم العالمية من حيث الرواتب والأجور. وهذا الأمر صحيح بالمطلق، غير أن ما هو صحيح أيضاً، أن من تستلم تلك الأجور والرواتب، هي فئة محدودة جداً وقليلة من السكان، ولا تشمل كل من هو مقيم في تلك البلدان، كما يقتضي مبدأ العدل والمساواة. وهنا لا يعدو هذا الزعم سوى كونه مجرد خزعبلة أخرى تبثها هذا الأوساط في إطار وضع نفسها في مصاف الدول الراقية والمتحضرة والتي تقاس درجة تحضرها ورقيها وفقاً لهذه الاعتبارات، غير أن ذلك أمر بعيد جداً عن تلك الدول التي ما زالت في مراحل مبكرة من التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي وغيره، وتصب معظم هذه الإحصاءات في إطار الحملات الدعوية التعويمية الخالصة التي دأبت هذه المنظومة على إطلاقها منذ أن ظهرت إلى الوجود في سبعينات القرن الماضي ومع الطفرة النفطية التي انتعشت وازدهرت بفضل دماء الجنود السوريين والمصريين في أعقاب حرب 1973.
وفي الحقيقة فإن مواطني هذه المنظومة الذين يتقاضون رواتب عالية، تضعهم فعلاً في درجة متقدمة عالمياً، يشكلون، في الواقع، أقلية في معظم دول هذه المنظومة، وقد لا يتجاوزن الـ 30% في أحسن الأحوال، وفي دول أخرى ينخفضون إلى الـ10 بالمائة، كما هو في ما يسمى بدولة الإمارات العربية المتحدة. وهذه الرواتب المدفوعة قائمة بهذا الشكل على أساس عنصري بحت، ولا أخلاقي، ناهيك عن الظلم والحرمان والتمييز، الذي تعانيه المجموعات الأخرى الفقيرة والمحرومة والمهمشة من أية مزايا اجتماعية، أو اقتصادية، أو سياسية. والأصل أن تكون هذه الإحصاءات وفق ما يتمتع به جميع السكان وليس فئات محددة وبعينها من الناس. ولو وزعت الثروات والكتل النقدية بشكل عاد ومتساو،على جميع من يعمل في تلك الدول، ووفقاً لقوانين العمل الإنسانية والعادلة ومواثيق حقوق الإنسان، لاختفت تلك الدول نهائياً، كما غيرها عن هذه اللوائح التي تبجحون بها علينا ليل نهار، وبمناسبة ومن غير مناسبة. وهذا يقودنا على تمركز الثروة والكتل النقدية بأيدي فئات نخبوية وقليلة جداً من السكان، وبناء على اعتبارات قبائلية وعنصرية وعائلية وتمييزية ولا إنسانية مخجلة، فيما تعاني الغالبيات المهمشة من الفقر والجوع والحرمان والاضطهاد والاحتقار. وفي الحقيقة يقودنا هذا الأمر إلى تمييز آخر ضمن تلك النخب "الوطنية"، حسب اقترابها أو ابتعادها وارتباطها برباط الدم والعائلة مع السلالات القدرية الحاكمة في تلك البلدان. فهناك القبيلة الأم، والرئيسية المنزهة والمنزلة والمعصومة والمتميزة التي تحتكر كل شيء وتحظى بكل الامتيازات والإعفاءات والعطاءات المجزية، وهكذا نزولاً نسبياً متدرجاً حتى يصل إلى رتب وقبائل أدنى، وصولاً إلى فئات البدون العريضة، ومنزوعي ومحرومي الجنسية والذين لا يتمتعون بأي نوع من الحقوق والمزايا، وهذا أمر شائع ومعروف، للغادي والبادي في المنظومة الخليجية. لذلك فوجودها ضمن هذه الإحصائيات العالمية أمر غير دقيق ولا حتى منطقي من أية زاوية وجهة.
وعلى صعيد آخر، يعاني العمال الفقراء، وطبقة الخدم، والمقيمون بشكل عام، وهم الغالبية العظمى في معظم بلدان هذه المنظومة، من ظروف إنسانية وحياتية قاهرة جداً، تجعل الحديث عن بحبوحة الطبقات والنخب والمواطنين أمراً استفزازياً قبل أن يكون لا أخلاقيا، على نحو بغيض ومنفر يرقى إلى درجة ممارسة التمييز العنصري وعلى نحو مقصود وممنهج. فالقانون العام والتشريع الأخلاقي والإنساني العادل، يقول بأن يتقاضى كل من يشترك في نفس ظروف العمل الواحد نفس العلاوات والتعويضات والرواتب والأجور، غير أن هذا الأمر غير موجود البتة في هذه المنظومة، ولا تراعى اعتبارات الخبرة، والدرجة العلمية بين نفس العاملين في نفس الحقل والميدان، ويبقى الفصل هو للجنسية والانتماء، أما الكفاءات فلتذهب إلى الجحيم. لكن هناك استثناء واحد ها هنا، وهو فيما يخص العامل الإنكليزي، أو الأمريكي، حصراً، والذي يحظى برواتب حتى أعلى من رواتب وأجور المواطنين الأصليين.
والآن ماذا لو قامت أي دولة أخرى من دول العالم، بالعمل وفق معايير المنظومة الخليجية العنصرية، بحرمان غالبية السكان العطاءات والعدل والمساواة، ووزعت ثرواتها الوطنية، على فئات محددة من السكان، ألا تقفز فوراً إلى درجة الدول صاحبة أعلى الرواتب في العالم. ولتوضيح الأمر يمكن القول، ماذا لو قامت الولايات المتحدة، مثلاً، بتخصيص الأجور والرواتب وفق الانتماء العرقي أو الإثني أو الديني، كما تفعل المنظومة الخليجية، وقامت بتخصيص الكتلة الأكبر من الأجور والرواتب للبروتستانت على سبيل المثال، ألا تحتل فوراً المرتبة الأولى بدلاً من تلك المنظومة الكرتونية التي تتبجح بذلك الزعم الزائف؟ وماذا لو قامت بريطانيا مثلاً، بتقليد المنظومة الخليجية، وحددت الرواتب وفق الانتماء لعرق الأنغلوساكسون، وليس للاعتبارات الإنسانية والعصرية اللا تمييزية، ألا تصبح، على الفور، أغنى دولة في العالم، من حيث الرواتب والأجور؟ ولن نذهب بعيداً، ماذا لو قامت أية دولة في الشرق الأوسط بتخصيص الرواتب والأجور وفق المسطرة الخليجية، وقامت لبنان مثلاً، بتخصيص الجزء الأكبر من ميزانتيها لرواتب الموارنة، باعتبار أن رأس الدولة ماروني، وحرمان بقية السكان من المساواة في الرواتب والأجور، ألا يصبح هذا البلد هو الأغنى في العالم وفق هذه المعايير الخزعبلاتوية التي يطلون بها علينا بين وقت وآخر؟ لا بل لو قامت الهند، نفسها، اليوم، بتوزيع الناتج القومي عنصرياً على طائفة الهندوس، فقط، دون غيرها، وخصتها بالامتيازات والعطاءات والتسهيلات، ووفقاً للمنطق الخليجاوي، إياه،ألا يصبح فقراء الهندوس من الأغنياء وأصحاب أعلى الأجور في العالم؟
وعلى نفس السياق والمنطق، لو قامت اليوم المنظومة الخليجية، إياها، بتوزيع الثروة بعدل ومساواة، ومثل بقية خلق الله، ووفق قوانين عصرية لا عنصرية أو تمييزية، وعلى كل السكان، فهل ستحتفظ بما تزعم عن أنه إنجازات وطنية وقفزات نوعية وحضارية حققتها؟ إن هذه المزاعم والإحصائيات قد تكون حقيقية ودقيقة بالنسبة لدول مثل السويد والنرويج وسويسرا وغيرها، والتي جاءت في تلك الإحصائية، كونها تتعامل بقضية الأجور والرواتب وتوزيع الثروات الوطنية وفق معايير المساواة والعدل، والمواطنة والدستور والقانون الذي يتساوى أمامه الجميع، وتشميل كافة السكان بذلك من دون أية اعتبارات عنصرية. أما تضمين بعض الدول الخليجية ها هنا، فهو محض هراء وإقحام فج لا منطقي أو مقبول وخارج عن السياق. فالمقاييس الموحدة، والعدل والمساواة، والنفع العام، والشمولية لا الخصوصية، إضافة واعتبارات الأخلاقية الأخرى هي الأساس في هكذا دراسات. ولو وزعت دول الخليج نواتجها القومية بعدل ومساواة على عموم السكان، ومن دون استثناء، لكابدت العوز والفقر والدَّين والحرمان. إنها بحبوحات الفئات المحددة والأقليات المستأثرة بالثروة والسلطة والعباد والتي لا تخضع لا للدستور ولا لقانون ولا لأخلاق أو كتاب، ولا تعترف بشرعة لحقوق الإنسان. ففي مقابل كل راتب خليجي دسم هناك العشرات وربما المئات والآلاف من الفقراء والمعوزين والمحرومين والجياع والعمال الذين لا يتمتعون بأية حقوق أو يجدوا ما يسدون به رمقهم، ولا رمق عائلاتهم وأطفالهم، هذا في الجانب المادي، أما في الجانب المعنوي والأخلاقي، فهناك أكثر من ممارسة عنصر وسقوط أخلاقي مريع عبر ممارسة وتبني هذا النهج الفاضح من التمييز العنصري المقيت بين سكان في ذات الزمان والظروف الحياتية والعملية والمكان. وهذه الإحصائية ترتقي إلى مرتبة الفضيحة الأخلاقية المجلجلة والمرفوضة، قبل أن تكون خزعبلة أخرى من بين كثير غيرها من الخزعبلات.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا لولاية السفيه
-
لماذا يطالبون بتحرير فلسطين؟
-
سوريا والجيران: أما آن الأوان؟
-
ألغت عرسها لأن خطيبها نجم أفلام إباحية
-
اغتصاب جماعي ضد نساء دارفور
-
الشاي الأبيض للقضاء على البدانة
-
امرأة بريطانية على ذمة خمسة رجال في وقت واحد!!!
-
إحذروا الكولا!!!
-
أسيرة الجنس: الموديل الفاتنة تفر من قصر زوجها الأمير؟
-
ما رغريت تاتشر بعد ثلاثين عاماً
-
المثلية الجنسية في السعودية
-
فضائح ُآل سعود: هل تجلد الأميرة السعودية الزانية؟
-
تصحيح التفكير في عقل السوربوني الكبير2
-
ابن كاسترو ضحية لعاشقة وهمية على النت
-
تصحيح التفكير في عقل السوربوني الكبير (1)
-
مروة الشربيني: قصة اغتيال حجاب
-
الأزمة المالية العالمية: محرقة البليونيرات
-
فضيحة العمدة المثلي الذي فر مع صديقه تهز تكساس
-
مشيخات العبيد: كنتُ عبداً في الخليج الفارسي
-
فضائح الجنس تطارد الرئيس كنيدي إلى القبر
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|