محمود غازي سعدالدين
الحوار المتمدن-العدد: 2733 - 2009 / 8 / 9 - 08:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تسربت أخبار عن وزارة الداخلية العراقية ووزراه الثقافة مؤخرا تناولتها بعض الصحف والمواقع ألالكترونية , بأن في نية هاتين الوزارتين وبعد مناقشة الموضوع في مجلس الوزراء القيام بتطبيق برنامج حجب المواقع ألإباحية وبعض المواقع ألأخرى التي تسيء حسب قولهم في (سلوكية الفرد العراقي وأخلاق المجتمع العراقي !! ) ولعل من المهم الخوض في هذا الموضوع و خصوصا بعد بروز قوى عديدة من ألأحزاب ألإسلامية وشخصيات محسوبة على بعض ألأحزاب العلمانية أيدت وتنادي بتطبيق فكرة حجب مثل المواقع (القصد هنا خاصة المواقع ألإباحية الجنسية).
من المهم القول أنه بعد عملية تحرير العراق في 9/4/2003 توفرت مساحة جيدة للمواطن العراقي في ألإطلاع على كل ما هو متطور عبر الشبكة المعلوماتية (الانترنت) ووجود البث الفضائي وانتشار التقنية الحديثة من قبيل وسائل ألاتصال وانتشار الشركات التي تقوم بتوفير هذه الخدمات بعد عقود من العزلة التي عايشها المجتمع العراقي عموما في ضل ألأنظمة الشمولية والدكتاتورية المتعاقبة .
لعلنا هنا لا زلنا نتذكر أيام النظام المقبور كيف منعت ألأطباق الفضائية عن المواطنين البسطاء والمغلوبين على أمرهم وخصصت مكافآت مجزية لمن يرشد ويدل على أحداها لتصادر بل ويزج في المعتقلات وتصادر أمواله المنقولة وغير المنقولة في حال وجود معلومات عن استعمال ألأطباق الفضائية أو مشاهدة أحد البرامج السياسية أو خبر في إحدى الفضائيات التي تتطرق إلى موضوع قد يمس بشكل أو بآخر نظام حكم البعث , وأصبحت ألأطباق الفضائية (ما كان متعارفا عند العراقيين بال دش) حكرا على مسئولي الدولة الشمولية وقصورهم ومنازلهم الخاصة ومنتدياتهم أبان العهد البائد.
و يتبادر إلى ذهني هذا السؤال إي نموذج ونظام سوف تتبناه الدولة العراقية بمؤسساتها الرسمية ؟ هل سيكون نظامنا على غرار دولة ولاية الفقيه في إيران ؟ أم على غرار السعودية ؟ أم مصر أم جمهورية ليبيا (العظمة وليست العظمى) أم اليمن الكئيب أم جمهورية طالبان !! فدستورنا العتيد المختلف عليه لحد ألآن ينص بصورة واضحة إلى أن دين الدولة الرسمي ألإسلام كما ينص في ذات الوقت انه لا يجوز تشريع نص يتعارض مع مبادئ ألإسلام ومبادئ الديمقراطية وحريات ألأفراد , تناقض وتضارب واضح في هذه الفقرات كافة .
تلمست الدولة العراقية شيئا لا بأس به من الحرية والديمقراطية وخصوصا بعد انحسار امتداد الجماعات المتطرفة في غرب ووسط العراق وكذلك انحسار ليس بالكبير للجماعات الشيعية المتطرفة في الجنوب ولكن الخوف كل الخوف أننا بدأنا نشهد يوما بعد يوم نشهد توارد ألإخبار عن مطالبة بمنع جملة من الظواهر التي قد تقيد حرية المواطن العراقي بدأ من المطالبة بمنع استيراد الخمور وإلزام وإكراه المرأة على لبس الحجاب في بعض المدن ومنع المراقص والمنتديات بل وحتى التدخل في حرية الشباب في الحدائق والمتنزهات والجامعات في عدد من المدن والتدخل في الشؤون الشخصية في بعض ألأحيان كقصة الشعر وشكل اللباس ونوعه وطوله وعرضه ودرجة سمكه حتى باتت بعض المدن قد لا تسمح لدخول المرأة سافرة أو أنها قد ترغم وتكره على ارتداء الحجاب رغم انفها !!
لعلي أذكر المسئولين العراقيين أن الحرية التي وهبها الله لبني البشر وبدون استثناء في موضوعة ألأيمان والكفر به عز وجل هي أقصى ومنتهى درجات الحرية حتى جاء الخطاب موجها إلى النبي من باب التذكير في جميع ما يخص شؤون التبليغ في الرسالات السماوية عموما وليس خصوصا (فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ) (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مذكر لست عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ ٌإِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ إلى نهاية الآية ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) (لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء) (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ).
هل باتت الدولة العراقية الحديثة تسير نحو إقامة (دولة العراق ألإسلامية ) التي تنادي بها الجماعات ألإرهابية من التكفيريين والبعثيين القومجيين المتخفين تحت عباءة ألأحزاب ألإسلامية وحتى بعض العلمانية منها المتطرفة وخصوصا في مناطق كالموصل وكركوك و ديالى تشاركهم فيها جماعات شيعية متطرفة لا يختلف خطابهم وتوجههم مع خطاب هؤلاء المتطرفين قيد أنملة واحدة.
من المهم القول أن أية خطوة من قبيل حجب المواقع ألإباحية ومنع استيراد الخمور وتقييد الحريات الشخصية تعد بنظري غاية لا تخدم أحدا سوى أنها تخدم جماعات التكفير ومعارضي عملية تحرير العراق ومن لا يؤمن بالمشروع الديمقراطي الحقيقي داخل العراق.
كان من ألأجدر والأجدى للحكومة العراقية وهذه ألأصوات التي تدعو إلى مثل هذه ألأشياء ألالتفات ومتابعة شبكات تمويل وتجنيد ألإرهابيين عبر ألانترنت وعمليات غسيل ألأموال التي تجري عبر الشبكة العنكبوتية ومكافحة الفساد المستشري في جسد ومؤسسات الدولة العراقية ومكافحة البطالة والفقر المستشري بين ذوي الدخل المحدود , بل لا بد أن تقتصر إجراءات وزارة الداخلية والثقافة على موضوعة منح الرخص والإجازات لأماكن ومنتديات ألانترنت ومتابعة ومراقبة برامج ألإرهابيين عبر هذه الشبكة وترك الحرية لصاحب الرخصة في أن يقوم بحجب أي موقع عن مستخدميها ورواد المكان أو المنتدى أو عدم حجبها ليصبح ذلك شانا شخصيا يعود للمواطن العراقي دون تدخل الدولة وسلطاتها ولا ضير من أن تكون هناك برامج وشروط للوزارتين او للحكومة العراقية في أثناء منح هذه الرخص لمنتديات ألانترنت أو دور السينما في عدم السماح لفئات ألأطفال في عدم الدخول لهذه المنتديات والمواقع ومشاهدة أفلام في دور السينما لا تلاءم أعمارهم وتخصيص دور عرض خاصة أو أيام في ألأسبوع تخصص للأطفال واليافعين تعرض فيها أفلام تلاءم عقلية الطفل والمتلقي كل حسب فئته العمرية .
لعل في حال تطبيق هذه الخطوة قد نشهد مطالبات أخرى بمنع عرض ألأفلام في دور العرض (السينما) التي بدأت تشهد إقبالا من قبل روادها في بغداد خاصة بعد تحسن الوضع ألأمني نسبيا , بحجة عرض مشاهد إباحية وجنسية بين مشاهد ألأفلام المعروضة وقد نشهد مستقبلا غلق مثل هذه دور السينما وليأتي الدور على المسارح ودور الباليه والملاهي والكازينوهات ومنع الرياضة النسائية والجمباز التي بدأت تشهد حركة جيدة ولو بشكل محدود بسبب الضغط العشائري والديني الذي تمارسه الجماعات المتطرفة تحت عباءة ألإسلام لينقلب العراق في النهاية إلى جمهورية طالبان جديدة !!
تقول الحكمة (كل ممنوع مرغوب) ولعل أن خطوة من هذا القبيل قد تخطوها الحكومة العراقية قد يعود بمردود عكسي على المجتمع العراقي ولعلنا هنا نذكر أمثلة على تقييد وفرض مثل هذا النظام الصارم على مستخدمي ألانترنت في بعض الدول كالسعودية ومصر حيث تفرضان قيودا صارمة على شبكات ألانترنت ومستخدمي هذه الشبكة في نفس الوقت تشير آخر ألإحصاءات أن السعودية ومصر تتصدران قائمة الدول التي ينتشر فيها ظاهرة التحرش الجنسي والاغتصاب وعمليات (غسل العار والشرف ) وتجارة الجنس وامتهان للمرأة والإنسان بصورة عامة , مع ملاحظة أن هذه الحكومات ومثيلاتها تقوم باستغلال هذه الظواهر أحسن استغلال من إلقاء تبعة ما تشهده دولهم من مشاكل عديدة (بدءا بالحاكم ألأزلي الخالد) وتعزوه إلى ظهور ألأجهزة الحديثة وتقنية ألانترنت والمحمول والفضائيات ولتحرض المنابر على ذلك وينعق الناعقون عليها صباح مساء أن كل هذا صنيعة (الغرب الكافر ودسائسه) وما هي إلا ألاعيب من الشيطان وخبائثه يراد بها إفساد امة المسلمين !! ألا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون.
على الحكومة العراقية بدلا من تقييد حرية المواطن وكما قلنا أن تضع قوانين صارمة لغرض منع ظاهرة التحرش الجنسي والاغتصاب وكل ما شانه التعدي على حقوق المواطن دون التدخل في أي مسألة تتعلق بحريته الشخصية .
لعل الدولة العراقية لم تقف لحد ألان على نموذج مثالي تحتذي به (كالولايات المتحدة أو أي نظام ديمقراطي في البلدان ألأوربية ) وتعيش تخبطا واضحا في ضل وجود الاختلاف الكبير بين الكتل السياسية من تيارات إسلامية تريد تطبيق نظام ولاية الفقيه في كل شيء ((copy+ past وتيارات قومية متطرفة أخرى لا تؤمن بتطبيق ديمقراطية حقيقية ومنها من يريد ويروج لان تكون الدولة العراقية على غرار دولة أمراء السعودية التي لا زالت تقوم بقطع وحز الرقاب في السر والعلن في داخل المملكة (وتترك جثثهم معلقة ومتروكة أمام ألملأ) وخارجها بتصديرها للإرهاب ألأسود إلى العالم بأسره.
ألا بجدر بالدولة العراقية والقائمين عليها وقبل القيام بمثل هذه المبادرات أن تأخذ نموذجا واحدا من الولايات المتحدة مثال واقعي واحد فقط تناقلته شتى وسائل ألإعلام ألأمريكية والعالمية وهي فضيحة التحرش الجنسي للرئيس ألأمريكي السابق مع المتدربة في البيت ألأبيض (مونيكا لوينسكي) والذي أعترف هو صراحة بأنها كانت خطأ أخلاقيا شنيعا في حياته وأعلن عنه وبكل شفافية وصراحة في مذكراته بالنسخة الانكليزية والعربية ومن ثم قيدت العديد من التزاماته القانونية والوظيفية بعد انتهاء عمله كرئيس للدولة العظمى في دورته الثانية .
المسئولون العراقيون أمام مسؤولية تاريخية وأخلاقية في وضع أسس متينة لدولة ديمقراطية حديثة تراعى فيها حقوق ألإنسان وتصان حرياته الشخصية فالعراق قد دخل توا في تجربة الدولة الحديثة وقد تلمس شيئا ولو القليل من الحرية , ويجب عليكم وضع برامج لتأهيل لشباب والعازيين والعاطلين والفقراء وتوفير الخدمات و ألامتيازات التي تتمتعون بها أنتم والتي حرم منها المواطن العراقي , واحجبوا عن أنفسكم تهم الفساد و ألاختلاس وسفراتكم ألإستجمامية إلى مختلف الدول واحجبوا عن أنفسكم جميع امتيازاتكم وأرصدتكم المالية , واتركوا متنفسا واحدا للشعب العراقي لم تدخل فيه سلطة الدين ومن ثم سلطة الدولة لنذكركم أن الدين لله والدولة والوطن للجميع .
#محمود_غازي_سعدالدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟