|
الديالكتيك المستباح (4) : الأنفجار العظيم
يعقوب ابراهامي
الحوار المتمدن-العدد: 2733 - 2009 / 8 / 9 - 08:16
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
سأسجل فيما يلي أهم ما كتبه حسقيل قوجمان حول ما جرى ويجري في معهد التجارب الذرية CERN وحول "الأنفجار العظيم" (Big Bang) ، سواء كان ذلك في مقاله الأول أو في ردوده على الأنتقادات التي وجهتها له، كي أستطيع بعد ذلك أن أرد عليه القول بالقول، بشفافية تامة، وأن "أكيل له الصاع صاعين" .
ولكني قبل ذلك أريد أن اؤكد، مرة أخرى ، على ما قلته في مقالات سابقة: 1. أنا أرى إن أهمية هذا النقاش تكمن فقط في الكشف عن الخراب الذي أنزلته الستالينية في الفكر الماركسي، وليس في "منازلة" شخصية مع صديق أحترمه. أنا أرى حسقيل قوجمان ضحية من ضحايا الستالينية، وناطقاً باسمها، في آن واحد، وأناقشه على هذا الأساس. 2. إن صداقتي لحسقيل قوجمان لا تمنعني من استخدام أشد العبارات وأقساها ما دام الأمر يتعلق بالكشف عن الحقيقة. وهذا ما أتوقعه منه أيضاً. 3. في ما كتبته وأكتبه قد تقع أخطاء علمية. نحن نتحدث هنا عن أمور "لا يقبلها العقل" ، وأنا لم أدرس هذه "الأمور" بصورة منظمة. كل ما أتمناه هو أن لا تكون هذه الأخطاء كثيرة وعميقة بحيث تسيء إلى الفكرة التي أدعو إليها.
حسقيل قوجمان يقول: (القارئ الذي تابع كتابات حسقيل قوجمان في "الحوار" يمكنه أن يستغني عن قراءة هذه الأقتباسات وينتقل مباشرة إلى القسم التالي من المقال . أنا أسجل هذه النصوص لغرض الشفافية في العرض، وسأعيد ذكر أجزاء منها عند الحاجة) . "بهذه المناسبة وعلى ذكر نشوء الكون لابد من الاشارة الى ما يحدث اليوم في عالمنا. فقد توصل العلماء الى ان هذا الكون الذي نعرفه نشأ فيما سمي الصدمة الكبرى (Big Bang) وان هذه الصدمة وقعت قبل ١٧ مليار سنة. وقد شاعت على هذا الاساس فكرة ان للكون بداية وكأنه خلق من لا شيء فكان ذلك حجة للذين يعتقدون بالخلق، اي ان الكون نشأ نتيجة لقوة خارجة عنه هي التي خلقته من لا شيء. ولكن التجربة العلمية التي يعمل العلماء اليوم على اجرائها تدل على خلاف ذلك. يقوم العلماء اليوم باجراء تجربة مصغرة للصدمة الكبرى في نفق طوله ٢٧ كيلومترا على الحدود السويسرية الفرنسية ويعدوننا باجرائها في اليوم العاشر من الشهر الجاري. ولكن هذه التجربة التي يقومون باجرائها لا تجرى كصورة مصغرة لخلق كون جديد من فراغ بل تجري على تحقيق تصادم مواد جديدة تنطلق بسرعة الضوء لتصطدم وتشكل صورة من الصدمة الكبرى. وهذا يعني ان الصدمة الكبرى لم تكن خلق كون من لا شيء بل كانت صدمة شكل من الكون لا نعرفه او يعرفه العلماء الذين يقومون بهذه التجربة وان على الانسان ان يطور علمه لهذا الشكل من الكائنات الذي نشأ عنه الكون. وهذه التجربة سواء نجحت ام فشلت ينفي نظرية الخلق ونظرية وجود قوة خارج الكون قامت بخلق الكون وتستطيع ان تنهيه بنفس طريقة خلقه."
"(يقول يعقوب) ان ما كتبته عن ال Big Bang "لا يصمد امام ابسط نقد علمي. هذه امور في غاية التعقيد ولا يمكن تبسيطها". واضاف ان ما يجري في سيرن ليس تجربة للصدمة الكبرى." "في الحقيقة انا لم اكتب في مقالي شيئا عن الصدمة الكبرى او "الانفجار العظيم" ولم احاول تبسيط او تعقيد هذه التجربة. فكل ما قلته هو ما قرات عنه عددا من المقالات التي تجمع كلها على ان التجربة هي تجربة مصغرة للصدمة الكبرى. فانتقاد صديقي لم يكن موجها لي بل الى جميع هؤلاء الذين كتبوا عن التجربة وليس لي ما اضيفه على ذلك."
"ولكن صاحبي (يعقوب) اظهر اعجابا سخريا بجملة وردت في مقالي هي "هذه التجربة سواء نجحت أم فشلت تنفي نظرية الخلق ونظرية وجود قوة خارج الكون". وعلق عليها بعبارته : هذه, والحق يقال, نظرية جديدة في فلسفة العلم ومغزى التجربة العلمية. . . ولكني مثل صديقي اعتقد إن التجربة العلمية هدفها تأكيد أو تفنيد فرضية علمية معينة وفقاٌ للنتائج التي تتمخض عنها التجربة. وانا لم اتحدث في مقالي عن نتائج التجربة او عن فشلها او نجاحها ولا يشكل فشل اية تجربة نقصا او اهانة للقائمين بها." "قلت في مقالي ان ما اريد التوصل اليه لا يرتبط بنجاح التجربة او فشلها. ولكن صديقي فهم من ذلك "إن نجاح التجربة أو فشلها لا أهمية له على الأطلاق , المهم هو مجرد إجراء التجربة." وقد شك هو نفسه في صحة فهمه لقصدي." "ان ما اردت ان اتوصل اليه لا علاقة له بنجاح او فشل التجربة. كل ما اردت ان اصل اليه هو ان "هذه التجربة سواء نجحت أم فشلت تنفي نظرية الخلق ونظرية وجود قوة خارج الكون". واعتبر قولي هذا نظرية جديدة في فلسفة العلم ومغزى التجربة. حقا ان صديقي لم يفهم شيئا مما اردت التوصل اليه."
"في الوصف الذي قرأته عن تجربة سيرن قبل اجرائها هو انها تقوم على اساس دفع جسمين بسرعة الضوء وفي درجة حرارة تقرب من الصفر المطلق ليصطدما. وما يهمني في الهدف الذي اردت التوصل اليه هو ان التجربة تقوم على اساس اصطدام مادتين. وهذا يعني ان الكون الذي نعرفه والذي نشأ عن الصدمة الكبرى او الانفجار العظيم نشأ عن مادة اخرى ولم ينشأ عن لا شيء، عن طريق خلق مادة من لاشيء."
"ان الديانات والفلاسفة المثاليين اتخذوا من الصدمة الكبرى او الانفجار العظيم برهانا على ان الكون نشأ من لا شيء وان قوة خارج الكون خلقته. ولكن التجربة الحالية مبنية على اصطدام مادتين ببعضهما. وقد اعتبرت ذلك برهانا على ان الصدمة الكبرى لم تكن خلقا لكون من لا شيء بل كانت تحولا من مادة بصورة ما الى الكون نتيجة صدمة كبرى. وبهذا رد على الفلسفات التي زعمت بان الصدمة الكبرى برهان على وجود قوة خارج الكون خلقت الكون من لا شيء. ولهذا قلت ان التجربة سواء نجحت ام فشلت لا تغير من هذه الحقيقة، حقيقة نفي فلسفة الخلق. اذا كان صاحبي يعتقد بفلسفة الخلق فهذا شانه وهو ليس اخر من يعتقد بها. ولكن معرفتي له تشير الى انه مادي في تفكيره ويؤمن بالعلم ولا ادري ان كنت مخطئا في ذلك."
" ان المادية تعتبر عدم امكانية خلق مادة من لا شيء. فهي تعتبر ان المادة يمكن ان تتحول من صورة الى اخرى ولا يمكن خلقها. ولذلك فالمادية لا تؤمن بان الصدمة الكبرى كانت خلق الكون من لاشيء كما تعتقده الفلسفة المثالية وشتى الديانات. وان كون التجربة تتألف من اصطدام جسمين ماديين يؤكد ان التجربة ايا كانت لا يمكن ان تؤكد الاراء المثالية التي تؤمن وتروج على خلق الكون من لا شيء في الصدمة الكبرى وانما تؤكد النظرية المادية بان المادة يمكن تحولها من شكل الى اخر ولا يمكن خلقها. ولكن يعقوب يحب ان يكرر ويعد قراءه بكتابة مقال عن ان حسقيل يعتقد أنه يعرف عما يجري في معهد الأبحاث الذرية CERN أكثر مما يعرفه علماء المعهد". "ولكني ما زلت انتظر مقاله الموعود الذي يثبت فيه هذا الاتهام."
"الصائب" ، "الكاذب" وما "لا معنى له": إذا استثنينا الجمل التي تشير إلى أماكن وتواريخ معينة، أو إلى أرقام وحقائق كطول النفق أو عمر الكون، فإن الفقرات السابقة تحتوي على نوعين من الجمل: النوع الأول هو جمل لا يمكن إطلاق صفة "الصائب" أو "الكاذب" عليها لأنها جمل "لا معنى لها" ، ولا يمكن فهمها (nonsense باللغة الأنكليزية) . النوع الثاني هو جمل يمكن فهمها لكنها "جمل كاذبة" . ليس في الفقرات السابقة جملة صحيحة واحدة (عدا ما استثنيناه أعلاه). أريد أن أوضح ماذا أعني عندما أقول: هذه "جملة لا معنى لها".
"شمال بغداد" و"شمال القطب الشمالي": إذا جاء أحدهم وقال لكم: "أنا أسكن شمال بغداد" ، فإنكم تفهمون ماذا يقصد (بافتراض أنكم تتكلمون اللغة العربية). قد يكون الرجل صادقاً في قوله، وهو يسكن حقاً في إحدى الضواحي "شمال بغداد". وقد يكون كاذباً وهو يخفي مكان سكناه الحقيقي خوفاً من أن تناله أيدي "جنود الله" (ممن يسميهم البعض "المقاومة الباسلة"). في كلتا الحالتين أنتم تفهمون ما يقوله لكم. الجملة: "أنا أسكن شمال بغداد" هي جملة ذات معنى، لا لأن بغداد عزيزة وقريبة من القلب دائماً ("بلادي وإن جارت علي عزيزة") ، بل لأن "شمال بغداد" هو مكان يمكن الأشارة إليه في الخارطة، يمكن الذهاب إليه مشياً على الأقدام ويمكن السفر إليه بالسيارة. أما إذا جاء أخونا هذا وقال لكم: "أنا اسكن شمال القطب الشمالي" ، فبعد أن تتغلبوا على الصدمة الأولى، ستسألونه إذا كان يتكلم اللغة العربية أم لغة أخرى لا تفهمونها، لأنكم لا تفهمون ما يقوله. وإذا أصر على أنه يتكلم اللغة العربية الفصحى فقد تنصحونه بتناول بعض الأقراص المسكنة والتزام الفراش بضعة أيام لأنه على ما يبدو مرهق الأعصاب ويتفوه بأقوال "لا معنى لها" : "شمال القطب الشمالي" ؟ ما هذا الكلام؟ ليس لهذا التعبير معنى على الأطلاق. نحن نعرف ما معنى "الشمال". نحن نعرف ما هو "القطب الشمالي". لكننا لا نفهم ما معنى "شمال القطب الشمالي". هذا كلام "لا معنى له". Nonsense. الجملة: "أنا أسكن شمال القطب الشمالي" هي جملة "لا معنى لها".
"القطب الشمالي" و"الأنفجار العظيم": يقول قوجمان: " ان الكون الذي نعرفه والذي نشأ عن الصدمة الكبرى او الانفجار العظيم نشأ عن مادة اخرى ولم ينشأ عن لا شيء، عن طريق خلق مادة من لاشيء." " ان الصدمة الكبرى لم تكن خلق كون من لا شيء بل كانت صدمة شكل من الكون لا نعرفه او يعرفه العلماء وان على الانسان ان يطور علمه لهذا الشكل من الكائنات الذي نشأ عنه الكون". " ان الكون الذي نعرفه والذي نشأ عن الصدمة الكبرى او الانفجار العظيم نشأ عن مادة اخرى ولم ينشأ عن لا شيء، عن طريق خلق مادة من لاشيء."
يحق للمرء أن يعارض نظرية "الأنفجار العظيم". هناك بين العلماء (وإن كان عددهم ضئيلاً) من يعارض نظرية "الأنفجار العظيم" ويتمسك بنظرية أخرى تدعى "نظرية الكون الثابت" (Stable State Universe). لكن المرء لا يستطيع أن يتبنى نظرية "الأنفجار العظيم" ثم يتكلم ، في نفس الوقت، عما أدى إلى "الأنفجار العظيم" . لا يستطيع المرء أن يوافق على نظرية "الأنفجار العظيم" ثم يكتب بعد ذلك عما "كان" "قبل" الأنفجار العظيم. لماذا؟ كل من أنهى الدراسة الأبتدائية يعلم إن "قبل" هي ظرف زمان. لكن "الزمان" (TIME) و"المكان" (SPACE) لم يكونا موجودين "قبل" الأنفجار العظيم. وبدون زمان ومكان كيف يمكن الحديث عما كان "قبل" ؟ "قبل" ما؟ هذا كلام "لا معنى له". Nonsense. "الأنفجار العظيم" هو بداية للزمان والمادة والمكان. هذا ما تقوله نظرية "الأنفجار العظيم". يحق ل"مفكر ماركسي" ، طبعاً، أن لا يصدق ذلك. (هناك، كما قلنا، آخرون لا يصدقون ذلك). ولكن لا يحق لمفكر أي كان، ماركسي أو غير ماركسي، أن يملأ صفحات "الحوار" ، وأن ينهك القارئ ، بكلام غير مفهوم ، كلام "لا معنى له" ، أو بعبارة أخرى: nonsense . أريد أن أقتبس هنا وصفاً جميلاً جداً، كدت أقول شعرياً، ل"الأنفجار العظيم"، كتبه فيزيائي موهوب، حائز جائزة نوبل في الفيزياء، ليون ليدرمان. (آمل أن لا تشوه الترجمة جمال النص الأنكليزي الأصلي. سأضع بعض الكلمات الأنكليزية الأصلية بين قوسين) :
"في البدء كان الفراغ (Void). خلوُ (Vacuum) فريد من نوعه، لا شيء (Nothingness) : لا مكان، لا زمان، لا مادة، لا ضوء ولا صوت. القصص تبدأ عادةً من البداية، لكن قصتنا هذه هي عن الكون، ولسوء الحظ ليست لدينا أية معلومات عن البداية. لا شيء. صفر. نحن لا نعرف شيئاً عن الكون حتى بلغ سن الجزء البليون من الترليون من الثانية ، أي وقتاً قصيراً بعد أن خلق في الأنفجار العظيم (Big Bang). أما ما حدث في نقطة البداية نفسها، فلا يعلم ذلك إلا الله." (وحسقيل قوجمان). هل أخطأت عندما قلت إن قوجمان يعرف عن "الأنفجار العظيم" أكثر مما يعرفه علماء الدنيا قاطبة؟
كتاب سيء الصيت: فكرت كثيراً ما الذي أوحى ل"مفكر ماركسي" بهذه الصورة الخيالية عن "مادتين مجهولتي الهوية" تتصادمان فتحدثان "إنفجاراً عظيماً" (Big Bang) ينشأ على أثره الكون وما فيه. هل قرأ ذلك في كتاب عن "الأنفجار العظيم"؟ هل شاهد ذلك على شاشة التلفيزيون؟ هل طالع ذلك في الصحف؟ هل عثر على ذلك في الأنترنت؟ من أين إذن جاءه هذا الخيال الخصب؟ وجدت الجواب قبل بضعة أيام على صفحات "الحوار". نعم ، حزرتم جيداً. إنه كتاب "الموعظات الدينية" الذي يعتبره الستالينيون إحدى معجزات الفكر البشري. هناك وجدت ستالين ينقل عن لينين، عن الفيلسوف القديم هرقليتس أنه قال: "ان العالم، الكل في واحد، لم يخلقه اي اله أو اي انسان، بل انه كائن وسيبقى كائنا إلى الابد، يندلع اندلاعا منتظما ويخبو بانتظام". وستالين ينقل عن لينين قوله : "هذا عرض جيد جدا لبدايات المادية الديالكتيكية". ("المادية الديالكتيكية والتاريخية" ، بقلم يوسف ستالين ، ترجمة حسقيل قوجمان). (نلفت نظر قوجمان إلى أن "هذا عرض جيد جدا " لنظرية "الكون الثابت" لا لنظرية "الأنفجار العظيم".)
الماركسية ، المادية الكيالكتيكية ، و"نظرية الخلق" : لا أريد هنا أن أتحدث عن نظرية "الخلق". قد أتحدث عن ذلك في حلقة قادمة (أنتبهوا إلى كلمة "قد"). عندها ساشير إلى "المناخ الثقافي" الذي يعيشه "مفكرنا الماركسي" بهذا الخصوص. أقول فقط إن قوجمان لا يعلم ، على ما يظهر، إن النقاش اليوم لا يجري ، كما جرى قبل مائة عام، ً بين من يعتقدون إن الأرض كروية ، ومن يقولون أن الأرض واقفة على كف عفريت. النقاش حول "نظرية الخلق" يدور اليوم بين حائزي جوائز نوبل في الفيزياء من كلا الجانبين. والنقاش ، مع نظرية "الخلق" أو ضدها، لا يبدأ بجملة "إن الفلسفة المادية تقول" ، أو "إن تعاليم الدين تقول" ، بل بجملة "لقد أثبت العلم إن . . ." . وفي هذا النقاش لا ينفع أبداً "إيمان" المرء ب"المادية الديالكتيكية". كل ما ينفع هنا هو نتائج البحث العلمي. أليس غريباً أن هناك "مفكراً ماركسياً" يعتقد إن كتاباً في الفلسفة نشر قبل ثلاثة أرباع القرن، (وبغض النظر عن قيمته العلمية)، هو الجواب الحقيقي للتحديات التي تضعها الفيزياء الحديثة أمام "المادية الديالكتيكية" ؟ أليس غريباً أن تنال ترجمته ونشره على صفحات "الحوار" أستحسان وإعجاب البعض؟ ما بالكم يا قوم؟ ألم تستيقظوا بعد من "نومة الكهف" ؟ هل سمعتم إن الأنسان خطا على سطح القمر، وصل إلى المريخ ، غاص في أعماق الذرة وهو اليوم قاب قوسين أو أدنى من الله؟ ماذا يفيدكم كتاب كتب في "عهد الجاهلية" ، في ظل "محاكم التفتيش" ولأغراض سياسية؟
يقال إن ديراك، أحد الآباء المؤسسين لنظرية "الكوانتوم" ، كان يبدأ محاضراته بأن يأخذ قطعة طباشير، يضعها على جانب المنصة ، ينقلها إلى الجانب الثاني، ثم يتوجه ألى تلاميذه ويقول: حسب الفيزياء الكلاسيكية فإن قطعة الطباشير هذه يمكنها أن توجد إما في الجانب الأيمن أو في الجانب الأيسر من المنصة. لا يمكنها أن توجد في كلا الجانبين في آن واحد. أما حسب نظرية "الكوانتوم" ، فإننا إذا استبدلنا قطعة الطباشير بألكترون ، فإن نفس الألكترون يمكنه أن يوجد في الجانب الأيمن وفي الجانب الأيسر من المنصة في نفس الوقت. هذه هي التحديات التي تواجه "المادية الديالكتيكية" اليوم ("مادة" متواجدة في مكانين مختلفين في آن واحد ، ألكترون واحد يمر من ثقبين مختلفين في آن واحد ، "قطة شرودينكر" الحية والميتة في آن واحد). وفي مواجهة هذه التحديات لا يفيدنا ما قاله هرقليتس قبل آلاف السنين. (نذكر بالمناسبة إن كراس "المادية الديالكتيكية والتاريخية" ، ليوسف ستالين، هو في الواقع فصل من كتاب عن تاريخ الحزب البولشفي. هذا الكتاب الذي يفترض أن يكون كتاب تاريخ هو نموذج ل: "كيف يجب أن لا يكتب التاريخ". في حينه شاعت فكاهة تقول أن "التكهن" بالماضي في الأتحاد السوفييتي أصعب بكثير من التنبؤ بالمستقبل، لأن الماضي يتغير باستمرار.)
هل يمكن القيام بتجربة مصغرة ل"لأنفجار العظيم"؟ طبعاً لا. لا يمكن القيام في المختبر، في مكان معين وزمان معين، بتجربة تخلق هي بنفسها الزمان والمكان. لا يمكن القيام بتجربة فيزياوية لحدث بدأ من نقطة فريدة (Singularity) إنهارت فيها كل قوانين الفيزياء (عدا "قوانين" الديالكتيك طبعاً). هذا كلام غير معقول. Nonsense. قلت هذا لقوجمان. ولكنه بدل أن يفعل ما يفترض أن يفعله كل كاتب يحترم قراءه (أن يذهب ألى موقع CERN في الأنترنيت ليتبين الحقيقة) أخذ يسخر مني ويحيلني إلى عشرات الصحف التي كتبت عن التجربة. ولكن الكاتب هو المسؤول المباشر أمام قرائه على ما يكتب، لا الصحف التي ينقل عنها. وعن أية صحف يتحدث؟. أنا أشك أن هناك صحيفة واحدة تحترم قراءها قالت إن ما يجري في CERN هو تجربة مصغرة ل"لأنفجار العظيم". من أين استقى حسقيل قوجمان أخباره؟ ولماذا أصر على خطأه رغم تحذيري له؟ وهل صدقت إذن عندما قلت إنه يعرف عما يجري في CERN أكثر مما يعرفه العاملون في CERN إنفسهم؟.
التجربة المزعومة في CERN كانت "ضرورية" لقوجمان كي يثبت صحة فهمه ل"قوانين الديالكتيك". هل حاول قوجمان أن يدخل بعض "التعديلات" على الواقع كي يتفق مع وجهة نظره الفلسفية؟ عاموس كينان (1927-2009) : لم يحقق حلمه أريد الآن أن أبكي رمزاً من رموز النضال من أجل السلام الأسرائيلي-العربي ومن أجل ("فلسطين" إلى جانب "إسرائيل") غادرنا هذا الأسبوع. عاموس كينان ، ألأديب، ألصحفي، الكاتب الساخر، المعلق السياسي، الكاتب المسرحي، الرسام ، النحات والمناضل من أجل السلام مات يوم الثلاثاء ، 5.8.2009 ، وهو في الثانية والثمانين. ولد عاموس كينان في تل أبيب ونشأ في عائلة عاملة يسارية. (في آخر مقابلة صحفية له مع القناة الأولى روى كينان كيف أن أباه كان يضع العلم الأحمر في يده ويأخذه معه إلى مظاهرات أول أيار). إشترك في حرب الأستقلال وجرح. وفي "اليوم السابع" من حرب "الأيام الستة" دعا في مقال كتبه بتاريخ 11.5.1967، في جريدة "هآريتس"، إلى الإنسحاب من كل الأراضي المحتلة، إلى منح الشعب العربي الفلسطيني حق تقرير المصير وإلى إقامة دولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل: "إن السلام مع اللاجئين (الفلسطينيين) هو السلام الحقيقي. فلننتهز الفرصة لئلا نندم". قاوم الأحتلال وحذر من عواقبه على المجتمع الأسرائيلي نفسه. وفي عام 1970 كان من مقيمي "مجلس السلام اسرائيل-فلسطين" وذلك في وقت كان مجرد ذكر فلسطين يعد تطرفاً. دعا إلى الأعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية في وقت كان ذلك يعد خروجاً على القانون. كان من أبرز الكتاب في الملحق الأسبوعي لجريدة "يديعوت أخرونوت" ، الذي دعاه اليمين المتطرف "فتح لاند" (أي: بلاد فتح) لأنه ساند حركة التحرر الفلسطيني. حتى آخر أيامه دعا عاموس كينان إلى السلام الإسرائيلي-العربي. إسلوبه الخاص في الكتابة ، الذي جمع بين البساطة والسخرية، أحدث ثورة في الكتابة باللغة العبرية الحديثة. دفن في قبوص "عينات" ، في جنازة علمانية ، على وقع أنغام موسيقية غنتها إبنته وكتبتها خصيصاً له عندما كان لا يزال على فراش المرض. "عاموس كينان كان حلماً"- قال الشاعر ناتان زاخ في رثاء صديقه – "حلماً لم يتحقق".
ردود وتعليقات: إلى الأخ العزيز Alaaddin Al-Dhahir (علاء الدين الظاهر؟) : رسائلك وتعليقاتك تصلني باستمرار رغم أنها لا تنشر. أستفسرت عن أسباب عدم نشرها ولكني لم أتلق جواباً. أشكرك على كلماتك المشجعة. يبدو أن هناك الكثير من المشترك بيننا ، لاسيما حبنا للرياضيات. ولكن لماذا تكتب بالأنكليزية؟ هل هناك في العالم كله لغة أجمل من اللغة العربية؟ الحجة التي أوردتها لا تقنعني على الأطلاق. نحن في عهد العولمة ويمكن الحصول على كل شيء في كل مكان. شكراً مرة أخرى.
إلى أبي الوفا: 1. أنا لا أحقد على الشيوعية. لا يمكنني أن أحقد على قضية (وفكرة) أمضيت معظم حياتي ، منذ سن الخامسة عشر ، في الدفاع عنها. 2. الشعب اليهودي لن ينسى أبداً دور الأتحاد السوفييتي وستالين في تحطيم آلة الحرب الهتلرية وتخليص اليهود من الإبادة الجماعية. الشعب اليهودي لن ينسى أبداً تضحيات الشعوب السوفييتية في الحرب ضد النازية. والشعب اليهودي لن ينسى أبداً إن الجيش الأحمر الظافر هو الذي حرر أوشويتس. 3. قل لي أنت ماذا تريدني أن أفعل عندما أقرأ إن ستالين سلم شيوعيين ، رفاقي في السلاح ، للجستابو؟ هل تريدني أن أسكت؟
إلى الصديق حسقيل قوجمان: منذ أن قال لي أستاذ اللغة العربية في مدرسة "شماش" الثانوية ، في بغداد ، قبل أكثر من نصف قرن : "أنت أحسن طالب في الصف" ، كنت واثقاً أن أحداً لن "يغلبني" في "قواعد اللغة العربية" ، إلى أن قرأت "حوارك" الثالث معي. كنت أعرف إن "ما" بعد "إذا" زائدة ، ولكني لم أعرف إن "في" بعد "ماء" زائدة. لذلك لم أعرف إن جملة "الماء حركة" وجملة "الماء في حركة" لهما نفس المعنى بالضبط. هذا درس ثمين في "ديالكتيك اللغة" لا أنساه.
#يعقوب_ابراهامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(الديالكتيك المستباح (3
-
الديالكتيك المستباح (2)
-
الديالكتيك المستباح (1)
-
حسقيل قوجمان -يؤمن- بماركسية بلا كارل ماركس (أخيرة)
-
حسقيل قوجمان -يؤمن- بماركسية بلا كارل ماركس (3)
-
حسقيل قوجمان -يؤمن- بماركسية بلا كارل ماركس (2)
-
حسقيل قوجمان -يؤمن- بماركسية بلا كارل ماركس (1)
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|