محمود شاكر شبلي
الحوار المتمدن-العدد: 2732 - 2009 / 8 / 8 - 08:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ان كل الديانات والتيارات الفكرية لابد وأنها تعتقد بصحة مبادئها وأفكارها وتفوقها على المباديء والأفكار الأخرى ولهذا فأن الأقوام التي تؤمن بها تحاول أن تبشر بها و تنشرها حتى يؤمن الأخرين بها , ولذلك فقد اصطدمت بشعوب تؤمن بديانات و بثقافات أخرى رافضة للجديد ومعتزة بمبادئها ودياناتها , وحدثت جراء ذلك حروب متعددة راح ضحيتها الكثيرين وانتهت بسيطرة أقوام على أقوام أخرى وفرضهم لثقافاتهم وأديانهم ولكن ذلك لم يحل المشكلة وبقيت الصراعات مستمرة ومحاولات فرض القيم والنهج بالقوة بقيت أيضا مستمرة ..
لذلك ترى حملات التبشير المسيحي والحروب الصليبة والفتوحات الأسلامية والأسكندر وهولاكو ونابليون وهتلر وصدام كلهم قد تصادموا مع ثقافات وديانات ومباديء أخرى بالأضافة الى وجود عوامل غيرها طبعا وراء هذا التصادم .
وبعد تلك الصدامات الأيديولوجية الدموية التي حدثت عبر التاريخ فأن الكثير من الأمم قد فهمت أصول اللعبة وعلمت أن فرض الأفكار والمباديء والديانات بالقوة يجلب الكثير من المتاعب والماسي وأن القضية قد تحولت من تصادم قيم ومباديء الى تصادم مصالح , لذلك فقد جنحت تلك الأمم الى منهج الوسطية والأعتدال وترك التطرف والغلو الذي يسبب الخراب أكثر مما يسبب الصلاح .
وقد دخل مبدأ الوسطية الى تفكير الأقوام والشعوب بعد تجارب مريرة وبعد ظهور نزاعات فكرية وصراعات داخل تلك المجتمعات انتهت بأنتصار مبدأ الوسطية في بعضها وانتصار مبدأ التطرف في بعضها الأخر.
والعالم الأسلامي الجدير بالأيمان بالوسطية لكونها منهجا قرانيا قد نزع الى التصالح مع الأقوام الأخرى والتعايش معها سلميا مرغما حينا ومقتنعا حينا اخر بعد ظهور الكثير من المفكرين والقادة والمصلحين الذين يدعون للألتزام بمبدأ الوسطية الأصيل في الأسلام والذين تصدوا لدعاة التصادم والحروب حتى وضعوا الأسلام في مساره الحقيقي بعد ان حاول المتطرفون والغلاة والطغاة أن يأخذوه بعيدا .
وقد كَثُرَتْ الآياتُ القرآنيَّةُ والأحاديثُ النبويَّةُ في الأمرِ بالوسَطيَّة والحَثِّ عليها ومَدْحِ أَهْلِها قال تعالى: ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾ [ الإسراء:29] ،
وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾[ الفرقان:67]
وقال صلى الله عليه واله سلم : إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ .
]
ولكن نشوء الفكر الوهابي في الجزيرة العربية وانتشاره خارجها تسبب في ظهور التشدد والغلو المسمى بالحركات السلفية مرة أخرى , وقد تحول قسم منها الى تكفيرية ما لبثت أن تسلحت وأخذت تمارس أعمالا بشعة بحجة الجهاد ونصرة الأسلام وهي في الحقيقة اذت الأسلام والمسلمين أكثر مما أذت غيرهم وعادت عليهم بنتائج وخيمة .
أن أكثر هولاء الغلاة المتطرفين يعتمدون على نصوص قرانية مبتورة ومعزولة عن سياقها الصحيح ويتعصبون لأقوال بعض السابقين المتطرفين أمثال ابن تيمية الحراني ومحمد بن عبد الوهاب أو المعاصرين من علماء الضلالة كأبن لادن والظواهري وابن جبرين ويظنوها انها هي الحق المطلق وتركوا اراء القسم الأكبر من العلماء المعتدلين الرافضين لمبدأ الأجبار والأكراه والقتل , تركوا ذلك مدفوعين بتعصب بغيض وتقليد مشوه واتباع اعمى.
وكان نتيجة هذه المواقف المتطرفة هو تشويه سمعة الأسلام الذي هو دين السماحة واللطف , فأستغل أعداء الأسلام هذه المواقف , وراحوا يلصقون به صفات التطرف وألأرهاب واقصاء الأخرين فصار اسم الأسلام مرادفا للأرهاب والتطرف وقد شجع على ذلك ايضا أن بعض المسلمين لايفهمون حقيقة الأسلام وأساؤا تطبيق مبادئه.
,فأي دين هذا الذي تقطع بأسمه الرقاب؟ وتسفك الدماء ؟ وتنتهك الحرمات؟
كل هذا جعل كثير من الناس يعتقدون أن الدين هو سبب البطش وألأنتقام والعنف والأرهاب. لهذا فواجب علينا أن نصحح هذه المفاهيم , وأن نبين للعالم أن الاسلام يدعو الى الرفق في كل الأمور وانه يكافيء على الرفق وليس على العنف . وأن المجرمين والقتلة أمثال القاعدة والتكفيريين وغيرها لم يدرسوا العلوم الأسلامية ولم يفهموا حقيقة الأسلام البسيطة المبنية على التسامح ولم يطلعوا على سيرة النبي الكريم (ص) التي فيها دروس كثيرة عن السماحة والعفو وقبول المعذرة واحترام الأنسان وباقي المخلوقات.
ولقد أحسنَ مَنْ قال: إذا خرجَ الشَّيءُ عن حَدّه انقلبَ إلى ضِدِّه، فالشَّجاعةُ إذا لم تُضْبَطْ صارَتْ تهوُّراً، والجُودُ إذا لم يُضْبَطْ صار إسْرافاً، والتَّواضُعُ إذا لم يُضْبَطْ صارَ ذِلَةً ومَهانةً وخُنُوعاً، وهكذا، وخَيْرُ الأُمُورِ أوسْاطها .
ان الأسلام هو دين الوسطية أي المنهج الوسط المعتدل وأن هذه الأمة هي أمة أرادها الله أن تكون وسطا في كل شيء الأية ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدً ﴾
لذلك فالوسطية تحتم مايلي :
أولا: الوسطية في التعامل :
1- أمة وسط في التصور والأعتقاد بحيث لاتغلو في التجرد الروحي ولاتغلو في الأيمان بالماديات.
2-أمة وسط في التفكير والشعور..لاتجمد على ماعلمت وتغلق منافذ التجربة والمعرفة ,ولا تتبع كل من يأتي بجديد غير محكم .
3- امة وسط في التنظيم والتنسيق,لاتدع الحياة كلها للمشاعر والضمائر ,ولاتدعها كذلك للتشريع والتأديب انما ترفع ضمائر الشعوب بالتوجيه والتهذيب , وتكفل نظام المجتمع بالتشريع والتأديب .
4- امة وسط في الأرتباطات والعلاقات, لاتلغي شخصية الفرد ومقوماته , ولاتلاشي شخصيته في شخصية الجماعة .
ثانيا: الوسطية في العقيدة :
وتتجلى بأن منهج الأسلام هو منهج وسط بين المدرستين الفكريتين المادية والمثالية.حيث انه يجمع بين الروح والمادة ولاينكر دور أي منهما في الحياة .
ثالثا : الوسطية في الشريعة
حيث اعتمد الأسلام الوسطية في العبادات والمعاملات من حيث أخذ الجانب السهل والمسامحة عند ارتكاب الخطا أو الأثم وترك الغلو والتطرف .
رابعا : الوسطية في الأخلاق والسلوك
حيث حث الأسلام على الأخلاق الحسنة وعلى مسامحة المسيء وعلى السلوك الطيب وعلى الكلمة الطيبة وترك فاحش القول وفاحش الفعل .
هناك حقائق غابت عن أذهان المتطرفين وهي:
1-أن واجب المسلم لايكون بقتل المخالفين لفكره وانما بمساعدتهم على الهداية الطوعية .
2-ان قتل الأخرين من الأديان والمذاهب يؤدي الى تشجيع الصراعات والحروب .
3- ان التطرف والغلو يشوه سمعة الأسلام ويهدم الدين ويبعد الناس عنه .
4-ان العنف سيعود عليهم بالعنف من جانب الأخرين .
5- ان قتل الناس وخطفهم وارعابهم هو أثم كبير ولايقبل به الله وجزاءه نار جهنم.
6- ان مبدأ الجهاد هو لخدمة الناس ولرفاهيتهم وليس لقتلهم وأن الجهاد الأصلي والأكبر المقصود به هو جهاد النفس وتنظيفها من أدران الكبر والحقد والاثام , أما الجهاد بمعنى القتال وهو الجهاد الأصغر فله ضوابطه الشرعية القاسية والدقيقة .
7- أن الناس جميعا أحرار ولايجوز فرض أي فكر بالقوة عليهم وانما الدعوة الى الله تكون بالحكمة والموعظة الحسنة , وأنه لا أكراه في الدين .
فالاعتدال والوسطية منهج الحق ومنهج الأنبياء وأتباعهم ، ويتمثل ذلك بالإسلام بعد مبعث النبي صلى الله عليه واله سلم
لهذا كله فأنه يتوجب على المسلمين جميعا الأنتباه الى أن الأذى والضرر الذي يسببه التطرف والغلو هو اذى كبير وعليهم القضاء عليه ومحاربته بلاهوادة اذا ما أرادوا أن يعيشوا على وجه الأرض بسلام وعليهم أن يعرفوا أن مبدأ الوسطية هو ضرورة العصر الحديث وكل العصور اذا ما أرادوا الخير للناس ولأنفسهم . .
#محمود_شاكر_شبلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟