|
السعودي الملحد والمادة 18
سلام السوسنة
الحوار المتمدن-العدد: 2731 - 2009 / 8 / 7 - 04:05
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا يشك أي متابع للحياة السياسية في السعودية بحقيقة التحالف الحيوي بين الأسرة الحاكمة والمؤسسة الدينية، الأولي توفر للثانية العصا التي تطوع بها الشعب والثانية تقدم للأولى القاعدة الإيديولوجية والتبرير الإلهي لحكم هذا الشعب. وتعزوا كتابات المؤرخين هذا التحالف إلي مؤسسي الحركة الوهابية من جهة والأسرة الحاكمة للسعودية من جهة أخرى. ضمن هذا التحالف تهيمن المؤسسة الدينية السعودية على كل وسائل التعبير هيمنة مطلقة، تجاوزت في أماكن كثيرة حدود المملكة، وهي مزودة بإمكانات مادية هائلة، إذ يتحدث بعض الدارسين عن ما يقرب من ثمانين مليار بترودولار تم إنفاقها على الدعوة الوهابية. عشرات القنوات الفضائية والإذاعات، مئات الصحف ، آلاف المساجد والكليات الدينية والمعاهد الشرعية، آلاف المواقع الإلكترونية... كلها تتداول نفس الأحاديث وتكرر وتنقل وتشرح وتختصر وترجع إلى ابن تيمية والبخاري وأبو هريرة وبقايا العصور المظلمة في أوسع عملية غسل للدماغ عرفها تاريخ الدعوذة الديني*. في خضم هذه الهستيريا الجماعية بقيت شمعات صغيرة لم تستطع سياط وسيوف ودولارات الوهابية إن تطفؤها. أعني المدونات "البلوغ" التي ينشرها شباب الخليج على الانترنت دون إذن السلطان أو مباركة آل الشيخ. منذ بضع سنوات تميز مدون سعودي استعار اسم الرواندي بتعليقاته الحادة وبمواضيعه الجريئة. لقد تطرق لكل شيء يعتبره مشايخ المملكة القاحلة من كبائر المحرمات: فقههم البائد،علومهم المضحكة المبكية في أحكام الحيض والنفاس،وصفاتهم ورقاهم وآياتهم الشافية وإعجازهم في التداوي بالحجامة وبول البعير. وفي الكثير من مقالاته تحدث بدراية واحد من أهل الدار عن المال والجاه والسلطان الذي تدره تجارة الدين عليهم. وفي كل مقال يعلن الراوندي إلحاده وثورته على الموروث الديني بكامله ورفضه لكل مقدساته نصوصاً وأشخاصاً وتاريخاً. أما ما يجعل مدوننا الرواندي بحق فريداً متميزاً فهو أسلوبه في الكتابة والذي لا يجاريه ولا يشبهه به أحداً. هذا الرجل لا يكتب وإنما يرسم بالكلمات صورا كاريكاتيرية! صورا تتسم بالتطرف والطرافة، بالمبالغة والخروج أحيانا عما هو متعارف عليه ومقبول من العبارات والكلمات المتداولة. ويعلم كل هواة هذا الأسلوب أن الهدف هو إيقاع الصدمة على القارئ ليستفيق من هدهدة العبارات المألوفة ... ليستفيق من رتابة الكلمات المألوفة المباحة. من سوء حظ مدوننا الراوندي أن تعليم الرسم للأطفال من المحظورات الوهابية وإلا لأصبح علماً في فن الكاريكاتير. أعرف أن الكثير من قرائه يعيب عليه أسلوبه الفج وهم لا يعلمون أن الرجل متمرسٌ باللغة العربية ومدرسٌ لها وقادرٌ على الكناية والتشبيه والاستعارة والمجاز وكل ما ابتدعه نفاقنا العربي عندما نريد أن نقول ولا نقول. كانت كلماته تثير غضب ونقمة وشتائم الإسلاميين كما أثارهم رسم الدانمركي لنبيهم وعلى عمامته قنبلة. كيف لهم أن يدركوا الفرق بين الخطاب التحليلي والخطاب الساخر المحرض؟ ولم يكتف المدون الرواندي بهذا. لقد أقدم على فعل لا أعرف له مثيلا في مستنقعاتنا الراكدة التي نسميها أوطاناً. لقد نشر على الملأ هويته مدعمة بأوراق رسمية مثل جواز سفره ورخصة القيادة وشهاداته الجامعية. لا يجهل مدوننا السعودي معنى أن يصرخ رجل في وجه المؤسسة الدينية الوهابية معلناً إلحاده متهما إياهم بالنهب والتسلط والتحريض على القتل. انه يعلم انه يجلدون ويسجنون ويقطعون الأطراف والرؤوس لأقل من هذا بكثير. ولكنه تصرف كما لو كان في ميدان فروسية يعلن بشهامة عن اسمه أمام خصمه كما يفعل المبارز الشريف. رفض أن يقبل التخفي كمن يحمل شراً بينما يرى انه يحمل فكرا ويبشر بحرية الرأي العقيدة. رفض أن يقبع في الظلام بينما يظل دعاة الظلام تحت أضواء الشهرة في فضاء المال والجاه. وكان له ذلك وأصبح أول مدون سعودي وربما إسلامي يلقي بالقناع تحت الإقدام ويصرخ أنا لم اكذب ولم أسرق ولم اقتل ولم أرسل للقتل أحدا فلم أتخفى؟ الحق أن يكون من يتخفى هو خصومي ممن جعل من شباب السعودية مشاريع قنابل وأحزمة ناسفة. لقد أتم راوندي اليوم كل هذا، وأصبح جزءا من تاريخ التدوين الحر. لقد ألقى حجرا في هذا المستنقع العفن الراكد المسمى الخنوع العربي. لقد ألقى حجرا في في هذه المياه الراكدة الآسنة .... إنه وببساطة استخدم حقا أساسيا من حقوق الإنسان أقرته المادة 18
لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة. الأصدقاء قراء وكتاب الحوار المتمدن نحن نتابع ونتظاهر ونكتب عما يجري للصحفية السودانية لبنى الحسين التي ستجلد لأنها ظهرت بالبنطال وترفض بكل حزم وشرف ان تختبئ خلف حصانتها لتجنب المحاكمة. بالضبط كما يرفض الراوندي أن يكتب خلف اسم مستعار. يبدو أن جيلا من الرواد يرفض التقية والمدارة ويصرخ مطالبا بحرياته الأساسية دون أي خلفية سياسية كما يفعل صديقنا الراوندي وكما تفعل لبنى الحسين، هل سنتركهم وحيدين؟ هل نلومهم أنهم تحرشوا بالوحش الوهابي؟
الحوار المتمدن هو من بين المنابر القليلة التي يمكن ان نعبر بها جميعا بالكتابة أو بالتعليق عن حق المدون حميد بن سلاف العنزي –الراوندي- أن يكون سعودياً وملحداً وعِبْرَهُ عن حقنا جميعا في حرية الاعتقاد والتعبير. فلنفعل!
عنوان مدونة الراوندي أو حميد العنزي هو: http://rawndy.blogspot.com/
* الدعوذة مصطلح يجمع بين كلمتي الدعوة والشعوذة، ابتدعه بن كريشان احد أطرف وأذكى مدوني الخليج وعنوان مدونته هو: http://benkerishan.blogspot.com/
#سلام_السوسنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأسلام الحقيقي.... ومنين اجيبه؟
-
الرئيس و صلاة الإستسقاء وقصة القسيس والفلاح
-
أذكرٌ أنت أ م أنثى؟
-
الغرب شيطانٌ رَجيمْ . هل من أدلّة؟
-
سأسألكم عندما يصل الإخوان الى السلطة
-
أنكحتك موكلتي على مبلغ قدره كذا
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|