مصطفى عنترة
الحوار المتمدن-العدد: 832 - 2004 / 5 / 12 - 06:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تجري هذه الأيام مفاوضات غير معلنة بين المغرب واسبانيا حول إمكانية تولي وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية مهمة الإشراف على تأطير الأئمة وتنظيم الفضاءات الدينية المتواجدة باسبانيا على غرار ما هو معمول به في سبتة ومليلية المدينتين المغربيتين المحتلتين. ومن المنتظر أن تعرف العلاقات بين البلدين تقدما على مستوى التعاون الأمني في اتجاه ضبط المجال الديني ومحاصرة الجماعات الاسلامية الجهادية خاصة منها تلك التي تتخذ من الجارتين مرتعا لتحركاتها واعمالها الارهابية. ولعل أحداث16 ماي من السنة الماضية بالدارالبيضاء ومثيلتها في11 مارس الماضي بمدريد قد وضعت البلدين أمام تحد جديد فرض عليهما تكثيف جهودهما المشتركة من أجل محاصرة المد الاصولي المتنامي. فماذا اعدت وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية من تدابير واجراءات في اتجاه الحفاظ على صورة الاسلام كما هو معتمد رسميا بالمغرب؟
حاول المغرب منذ أحداث 16 ماي الإرهابية مراجعة استراتيجيته المتعلقة بتدبير المقدس اليومي، وذلك من خلال إعادة هيكلة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وتوسيع مجال المجالس العلمية وتعيين أعضاء جدد بالمجلس العلمي الأعلى والمجالس الجهوية وإحياء وتفعيل دور الرابطة المحمدية لعلماء المغرب التي عوضت رابطة علماء المغرب، إلا أن هذه المراجعة للشأن الديني داخليا لا ينبغي أن تحجب عنا الاهتمام بذات الشأن بالمهجر وخصوصا بالدول حيث تتواجد أعداد كبيرة من أبنائنا المغاربة. فماذا أعدت الجهات المعنية من تدابير وإجراءات من شأنها أن تكفل لهم ـ من موقع مسؤوليتهم بأرض الوطن ـ رسم الإطار الذي ينبغي أن تمارس داخله طقوس مقدسنا اليومي بدول استقبال رعايانا المغاربة وتوجيه كيفية التعاطي مع الشأن الديني هناك توجيها عقلانيا يتماشى مع صورة الإسلام كما هو معتمد رسميا بالمغرب؟
الخطر
أكيد أن الأحداث الإرهابية التي طالت بعض الدول كإسبانيا وقبلها السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، وضعت المغاربة دوليا في خندق الاتهام، كما وضعت الحكومة المغربية رسميا في الميزان، بمعنى أن الرأي العام الدولي أصبح ينتظر أن يتم الإقدام على اتخاذ إجراءات عملية على المستوى الرسمي في محاولة لكبح جماح هذا المد الإرهابي خاصة وأن العمليات الإرهابية التي كشف التحقيق عن ضلوع مواطنين مغاربة فيها قد رسمت خارجيا صورة للمغرب يبدو فيها وكأنه بلد مصنع ومصدر للإرهابيين!!
وما يثير الاستغراب أكثر أن المغرب يعتمد إسلاما معتدلا ومتسامحا يدعو إلى التعايش مع الأجناس والأديان الأخرى وما شابه ذلك من القيم الانسانية النبيلة، إلا أن بعضا من أبنائه أصبح أداة طيعة في يد تيارات إسلامية متطرفة كما هو الحال بالنسبة إلى تنظيم القاعدة لصاحبه أسامة بن لادن، ذلك أن الأحداث الأخيرة أكدت تسخير بعض العناصر ذات الجنسية المغربية لتنفيذ عمليات إرهابية هنا وهناك، وهذا الوضع أحدث تشويشا على صورة المغرب في الخارج.
المسؤولية
سبق ل عبد الكبير العلوي المدغري، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق، أن برأ وزارته من مسؤولية تعيين الأئمة في دول المهجر والإشراف عليهم، وذلك بمناسبة عزم السلطات الهولندية على طرد مجموعة من أئمة المساجد، معتبرا أن وزارته لم تعد تتحمل أية مسؤولية بعد إحداث مؤسسة الحسن للمغاربة القاطنين بالخارج والوزارة المكلفة بشؤون الجالية المغربية بالمهجر اللتين تكفلتا بهذا الأمر.
وكان نفس الوزير قد برأ نفسه مرة أخرى في خرجة إعلامية بيومية الصحراء المغربية بعيد أحداث 16 ماي من جملة من الاتهامات التي وجهت إلى وزارته، ملقيا بالمقابل بكل المسؤولية على كاهل وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية التابعة لها والتي تمتلك آليات المراقبة والتتبع والتدخل.. فمن هي إذن الجهات المسؤولة عن تدبير هذا القطاع بالخارج؟
لازلنا ننتظر أن تفصح الدوائر المعنية عن طبيعة الخطة التي تم إعدادها لتوجيه الأئمة والمرشدين والوعاظ الدينيين بالخارج خاصة بعد الإشارة التي تضمنها
الخطاب الملكي الأخير (30أبريل 2004) والموجهة إلى أبنائنا بالمهجر. فاختيار وتكوين وتأطير الأئمة يجب أن يخضع لمقاييس معينة، يتم على ضوئها انتقاء نخبة دينية قادرة على صون صفاء صورة الاسلام كما هو معتمد ببلادنا وعلى التكيف مع مقتضيات تطور العصر ومجابهة كل الانحرافات والتيارات الدخيلة.. بالشكل الذي يساعد سلطات دول الإقامة على الحفاظ على استقرارها، كما أن حبل التواصل يجب أن يظل ممدودا وموصولا بشكل يسمح بممارسة مراقبة منتظمة تجعل حضور الجهة الوصية فاعلا ومؤثرة..
التخوف
لعل الإجراءات والتدابير التي اتخذتها الحكومة الإسبانية والرامية إلى مراقبة خطب الجمعة والمساجد وإلغاء المصليات من أماكن العمل، أمر يمشي في نفس الاتجاه بعد أحداث 11 مارس الأخيرة، وهي التدابير التي أثارت جدلا واسعا داخل الأوساط المهتمة بالشأن الديني والمعنية به، حيث اعتبرها البعض مساسا بالحق في الممارسة الدينية، فيما اعتبرها البعض الآخر أمرا مشروعا لا يرمي سوى إلى تأمين استقرار البلد وأمنه. كما عرفت صيغة المراقبة هذه سجالا قويا طرحت خلاله أسئلة حملت في طياتها قلقا حيال من سيراقب وحيال كيفية هذه المراقبة قانونيا، علما بأن بعض الدول ذهبت بعيدا في هذا الاتجاه إلى حد وضع كاميرات فيديو داخل الفضاءات الدينية أيام الجمعة والاحتفالات الدينية الكبرى..
ويأتي خوف الإسبان من استفحال ظاهرة الانتشار العشوائي للمساجد وعدم التحكم في مضمون الخطب التي تلقى على مسامع المصلين أيام الجمعة، إذ إن بعض الخطب الحماسية تتضمن إشارات ودعوات إلى العنف والتطرف وتخوض في بعض القضايا المجتمعية الكبرى دون مراعاة مصالح دول الإقامة، خاصة وأن البعض من هذه المساجد عرف خوصصة غير معلنة خارج دائرة مراقبة السلطات، مما حوله إلى ما يشبه مقرات تستغل من طرف تنظيمات إسلامية متشددة للتأطير والتعبئة والتنظيم.. كذلك من المتوقع أن تخضع المراكز الثقافية الإسلامية والنوادي الدينية.. لمراقبة صارمة لأنشطتها وتحرك نشطائها خوفا من كل الانزلاقات التي يمكن أن تحدث هناك... فالعديد من هذه التنظيمات الجهادية حاولت استغلال مقولة الحرية الدينية واستخدامها لتحقيق أهداف ملغومة سرعان ما كشفت عنها الأحداث والوقائع. واستدل المسؤولون الاسبان بالأسلوب الذي شرع المغرب في انتهاجه بخصوص تنظيم وهيكلة الحقل الديني ، مشيرا إلى الأفكار الكبرى التي تضمنها خطاب الملك محمد السادس الأخير، في مدينة الدار البيضاء حيث أعلن إجراءات مهمة تخص إصلاح الشأن الديني وإعادة هيكلة وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية.
ومن المتوقع أن تدخل الحكومة الإسبانية تعديلات على قانون حرية الأديان الذي صدر في بداية الثمانينيات ، بمراعاة التطورات الحاصلة والحادثة عالميا ومحليا، كما قد يقوم المغرب بمساعدة الجارة الاسبانية من خلال الإشراف على تأطير الأئمة وتنظيم الفضاءات الدينية المتواجدة باسبانيا على غرار ما هو معمول به في سبتة ومليلية المدينتين المغربيتين المحتلتين.
تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن أغلب الدول الأوروبية التي توجد بها جاليات تعتنق ديانات أخرى، تعاني شبه فراغ قانوني في مجال حرية الأديان. وقد ظهرت في السنوات الأخيرة أصوات تدعو إلى تقنين تلك الحرية وتضييقها حتى ولو تعارضت الإجراءات مع الأسس القانونية التي تقوم عليها الدولة.
وجذير بالذكر في هذا الباب إلى أن هذه المراقبة لا ترمي ـ حسب ما صرح به وزير الداخلية الإسباني ـ إلى مراقبة الإسلام وحده، بل هي موجهة إلى وضع كل الأديان تحت المجهر, ومن المقرر أن تصدر الحكومة الإسبانية قانونا ينظم الممارسة الدينية داخل ترابها على غرار ما صنعت جارتها الفرنسية.
وكانت فرنسا قد طردت أحد الأئمة الجزائريين بدعوى "التحريض على العنف"، إلا أن المحكمة هناك سرعان ما ألغت قرار وزارة الداخلية، كما تعتزم السلطات الفرنسية ـ حسب بعض المصادر الإعلامية ـ في ذات السياق طرد إمام تركي بتهمة الانتماء إلى جماعة تركية متطرفة تسعى إلى إقامة دولة إسلامية في تركيا.
التعاون
لقد بات من الضروري تطوير أساليب التعاون الأمني بين الجارتين المغرب وإسبانيا لمواجهة هذا العدو المشترك والبحث عن السبل الكفيلة بوضع حد لمده المتنامي يوما بعد يوم، بحيث يكون الهدف الذي يضعه هذا التعاون المشترك نصب عينيه هو بالأساس تجفيف الينابيع التي تنبجس منها الأفكار المتطرفة وتكثيف الجهود للبحث عن أنجع الوسائل القانونية لمراقبة أنشطة هذه الجماعات الدينية وتحركاتها..
ومعلوم أن العديد من جمعيات ذات الحساسية الاسلامية في إسبانيا تخوفت من المبالغة في إضفاء الطابع الأمني على المراقبة الدينية، تفاديا أن تنتج عن هذه المبالغة نتائج عكسية، وطالبت بتقديم مساعدات تهم إنشاء كليات ومؤسسات أكاديمية تتولى تكوين الخطباء والوعاظ الدينيين، وفق الأساليب الصحيحة، ويحملون شهادة معتمدة.. فأوربا ملزمة اليوم بتقديم الدعم المادي والمعنوي لتمكين المغرب من التوفر على الآليات الفعالة الكفيلة بجعل هذا القطاع تحت أعين الجهات المسؤولة حتى يكون بمقدورها تتبع كل خطواته واستشراف كل المخططات الرامية إلى العصف بأمن المغرب بوابة أوربا الكبرى وضرب رصيده من العلاقات الثنائية الوطيدة التي تجمعه ببلدانها.
#مصطفى_عنترة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟