|
سجن -أبو غريب- اقامته الديكتاتورية وفضحته الديمقراطية!
شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 832 - 2004 / 5 / 12 - 06:16
المحور:
حقوق الانسان
-1- فُجعنا وفُجع العالم من حولنا بالأفعال الشنيعة التي تم ارتكابها في سجن "أبو غريب" من قبل بعض المرضى النفسانيين من قوات التحالف. ويبدو أن سجن "أبو غريب" قد كُتب له أن يكون سجن الارهاب والعذاب من قبل الحكام المجانين كصدام حسين ومن قبل بعض المجانين المرضى من جنود قوات التحالف. ويبدو أن الدعوة لهدم هذا السجن الذي أقامته الديكتاتورية وفضحته الديمقراطية ومحو آثاره التي طالبت بها وزارة الدفاع الأمريكية دعوة جريئة ومفيدة للقضاء على هذا التاريخ من الارهاب والأعمال الوحشية. ولو وضعنا جانباً هذه الموجة الانسانية والعربية من الاستنكار والتقزز والشعور بالذنب المُبرر تماماً تجاه من تم تعذيبهم من الارهابيين في سجن "أبو غريب" وتأملنا في ظاهرة الاستنكار العالمي الغربي والأمريكي على وجه الخصوص من أكبر رأس في الدولة الأمريكية المسؤولة عن هذه الجرائم، وهو جورج بوش الى أصغر صحافي في جريدة نيويورك تايمز، لوجدنا أنه لولا الديمقراطية التي يتمتع بها المجتمع الغربي عامة، لما جرؤ جندي امريكي على تصوير من جرى من فظائع، ولما جرؤ صحافي امريكي أو صحيفة امريكية على نشر ما ارتكب من آثام في سجن "أبو غريب". فالديكتاتورية هي التي بنت سجن "أبو غريب" ليس كمبنى، ولكن رمزاً للتعذيب الوحشي الذي مارستة الديكتاتورية الصدامية المنهارة. والديمقراطية وحدها هي التي اتاحت فضح جرائم "أبو غريب" وسوف تهدمه غداً وتهدم معه هذه التاريخ الأسود. والديمقراطية وحدها هي التي سمحت للصحافة الغربية بنشر الآ ن ما تم نشره من صور أليمة. والديمقراطية وحدها هي التي دفعت رئيس الدولة العظمى الوحيدة في العالم للاعتذار المباشر وغير المباشر عن هذا العمل الشنيع علماً بأنه ارتكب في حق أعداء الديمقراطية وأعداء التقدم وأعداء الحرية في العراق، وأنه تم ارتكاب مثيل له بل أكثر شناعة قبل أسابيع عندما تم سحل جثث المقاولين الأجانب والتمثيل بجثثهم في الفلوجة ولم تتحرك أثناءها جميعة عربية أو اسلامية واحدة لاستنكار ما حدث إلا القليل القليل. بل ان الإعلام العربي امتد وهلل بطريق مباشر أو غير مباشر لمثل هذه الأعمال الدموية الشنيعة. والديمقراطية وحدها هي التي دفعت الكونجرس الأمريكي لاستجواب وزير الدفاع وهيئة اركانه استجواباً مريراً ومُقرّعاً كاد أن يخلع الوزير من كرسيه عندما سُمح لمحتجين ومتظاهرين بدخول الكونجرس والمناداة باستقالة وزير الدفاع. الديمقراطية وحدها هي التي اتاحت كل هذا. وسجن ابو غريب أصبح شاهداً على الديمقراطية التي يتمتع بها الغرب والتي يريد أن يطبقها في العالم العربي.
-2- لقد شهد العالم العربي بعد الاستقلال وفي النصف الثاني من القرن العشرين سلاسل من الجرائم التي ارتكبت بحق الشعوب وبحق المثقفين المعارضين في سجون السلطات العربية، فمن جرؤ على كشف كل هذه الجرائم غير بعض الكتاب وبعض الروائيين من أمثال الروائي الراحل عبد الرحمن منيف في روايته (شرق المتوسط) و(الآن هنا) ورواية يوسف أدريس (العسكري الأسود) ورواية نجيب محفوظ (الكرنك) وغيرها من الروايات؟ من جرؤ على كشف ما كان يجري في سجون عبد الناصر من اعمال وحشية وفظائع تفوق ما كان يفعله بعض المرضى من جنود التحالف في سجن أبو غريب؟ لقد حالت عهود الاستبداد والطغيان والديكتاتورية من كشف كل ذلك. من كان يجرؤ أن يكشف عن تعذيب المساجين السياسيين الذين قضوا في سجون حكم الأحزاب القومية عشرات السنين دون محاكمة، وقد قتلتهم الأمراض المستعصية بعد أن تم تعذيبهم أشنع تعذيب؟ لقد حالت عهود الاستبداد والطغيان والديكتاتورية من كشف كل ذلك. من كان يجرؤ على كشف كل ما ارتكبه صدام حسين من جرائم يشيب لها الولدان؟ بل من كان يجرؤ على التنديد بكل ما فعله عبد الناصر وغيره من الديكتاتوريين العرب في الشرق والغرب في المعارضة من تذويب جثثهم بالأسيد (فرج الحلو مثالاً لا حصراً) وتسليط الكلاب عليهم ليفعلوا بهم ما تفعل الرجال بالنساء، كما قرأنا في بعض التقارير السرية؟
-3- لقد حالت عهود الاستبداد والطغيان والديكتاتورية من كشف كل كل ذلك. وما زالت جمعيات حقوق الانسان ومنظمات العفو الدولية تصدر تقاريرها الطويلة والموثقة التي تدين بها ما يجري في السجون العربية منذ نصف قرن ويزيد وحتى الآن ولا من مجيب. فالإعلام العربي في معظمه المقروء والمسموع والمشاهد مشترى ومباع للأنظمة العربية التي تقوم بتعذيب المعارضة بفظائع أكثر مما ارتكبه بعض مجانين ومرضى جنود قوات التحالف في العراق. ولكن العرب لا يجيزون قتل العربي أو التنكيل به بيد أجنبي في حين انهم يجيزون قتل العربي والتنكيل به بيد عربي. ألم يفتِ المفتون القوميون والدينيون بألف فتوى وفتوى بجواز ابادة المعارضة بالطريقة التي يريدها الحاكم وبما يراه؟ ألم يتقوّلوا على الرسول بأقوال وأحاديث لم يقلها، ومثلها:(أطع حاكمك ولو جلد ظهرك وسرق مالك). ألم يفتِ المفتون القوميون الدينيون لصدام حسين بشرعية غزو الكويت والسعودية والتنكيل بأهلها كما تم مع الأسرى الكويتيين وغيرهم؟ من الشنيع والفظيع أن يتم ما تم في سجن "أبو غريب" اثناء حكم صدام، ومن قبل بعض المرضى من جنود التحالف. ولكن الأشنع والأفظع أن لا يتم فضح مثل هذه الأعمال في عهد الديكتاتورية الصدامية المنهارة. ومن المريح والمطمئن أن يتم فضح هذه الأعمال في عهد الديمقراطية الجديدة في العراق. تلك هي محاسن الديمقراطية وتلك هي مساويء الديكتاتورية!
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إذا عُرفَ السبب بَطُلَ العجب!
-
لماذا العَجَب بعد أن فَعَلْنا العُجَاب؟!
-
الفضائيات ودورها الثقافي
-
لنقف إلى جانب ثورة -الفاسح- بعد أن تعبنا من ثورة -الفاتح-!
-
الفضائيات والأفيون الرخيص
-
سينور ثاباتيرو: هل تعلم ماذا يعني قراركم بسحب القوات الاسبان
...
-
درس عظيم في الديمقراطية العراقية
-
لماذا نُصرُّ على الديمقراطية لا الشورى، وما الفرق بين الشورى
...
-
هل استبدل العراق بساطير الديكتاتورية بعمائم المؤسسات الدينية
...
-
فتوى القرضاوي لنُصرة فرعون!
-
نِعمَةُ الأُميّة في العالم العربي!
المزيد.....
-
دلالات اصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق نتنيا
...
-
قرار المحكمة الجنائية الدولية: هل يكبّل نتانياهو؟
-
بعد صدور مذكرة اعتقال بحقه..رئيس الوزراء المجري أوربان يبعث
...
-
مفوضة حقوق الطفل الروسية تعلن إعادة مجموعة أخرى من الأطفال
...
-
هل تواجه إسرائيل عزلة دولية بعد أمر اعتقال نتنياهو وغالانت؟
...
-
دول تعلن استعدادها لاعتقال نتنياهو وزعيم أوروبي يدعوه لزيارت
...
-
قيادي بحماس: هكذا تمنع إسرائيل إغاثة غزة
-
مذكرتا اعتقال نتنياهو وغالانت.. إسرائيل تتخبط
-
كيف -أفلت- الأسد من المحكمة الجنائية الدولية؟
-
حماس تدعو للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية لجلب نتنياهو و
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|