نزار سعيد العاني
الحوار المتمدن-العدد: 832 - 2004 / 5 / 12 - 04:22
المحور:
حقوق الانسان
لا يختلف اثنان على أن تعذيب السجناء العراقيين وامتهان كرامتهم في سجن أبو غريب وربما في سجون عراقية أخرى يعتبر في كل المقاييس الدولية جريمة حرب يجب أن يعقاب عليها كل الذين شاركوا في تنفيذها والذين أعطوا الأوامر بأرتكابها والذين حاولوا التستر عليها.لقد هزت هذه الجريمة البشعة وجدان الضمير العالمي الذي صدم بحجم الممارسات اللاانسانية التي مارسها جنود الأحتلال الأمريكي المسؤولين عن التحقيق في سجن أبو غريب السيء الصيت والذي حوله النظام المقبور الى أسوء مسلخ بشري في العصر الحديث. في ذلك السجن قضى عشرات الألوف من خيرة ابناء شعبنا نحبهم في هدوء وصمت دون أن يتحرك الضمير الأنساني قيد شعرة حتى بعد سقوط النظام البعثي الفاشي وانفضاح الكثير مما كان يجري في ذلك السجن وعشرات السجون المنتشرة في كافة أنحاء العراق في ظل الصمت العربي والدولي على ما كان يجري في ظل نظام المقابر الجماعية.الملفت للأنتباه هو حجم ردة الفعل العالمية على هذه الجريمة في حين كان السكوت على جرائم صدام هو سيد الموقف حتى من قبل دول تتشدق كثيرا بحقوق الأنسان والحريات الأنسانية فما هو السبب يا ترى ؟ للجواب على هذا السؤال ثلاثة أفرع, الفرع الأول هو ما يتعلق بحقوق الأنسان العربي في ظل الأنظمة العربية الحالية وهو موضوع مقالتي هذه, و الثاني يتعلق بالمصالح الضيقة لتلك الدول التي تتشدق بحقوق الأنسان والدفاع عن المبادىء الأساسية لها الا انها فشلت في فضح ممارسات النظام الصدامي الفاشي بسبب تفضيلها لمصالحها الضيقة على حساب المبادىء والقيم التي تتشدق بها واحسن مثال على تلك الدول هي فرنسا وألمانيا واللتان حاولتا حتى اللحظة الأخيرة منع انهيار النظام لأسباب لا تخص الشعب العراقي ولا مصالحه كما ادعتا. أما الثالث فهو شراء صدام ورشاؤه للكثير من قنوات الأعلام العربي ولعدد كبير من القوى السياسية العربية وحتى العالمية خارج نطاق الأنظمة الحاكمة, وسأتطرق الى هذا الشق أيضا بشىء من التفصيل. فعن الشق الأول من الجواب هو ما يتعلق بحقوق الأنسان العربي ليس في العراق فقط ولكن في كل الوطن العربي الكبير من المحيط الى الخليج, فالدول العربية حتى تلك الدول التي تدعي وجود ديمقراطية فيها لها اسوء سجل في مجال حقوق الأنسان وتتفوق على العديد من أنظمة الأستبداد في العالم في غمط تلك الحقوق,وتقارير منظمة العفو الدولية ومنظمات حقوق الأنسان في العالم خير دليل على ذلك.ان ممارسات الأنظمة العربية بحق شعوبها هي ابشع بكثير مما يتصور المرأ, فهذه الأنظمة لا تقيم وزنا لحقوق الأنسان العربي ويكفي أن شرطي الأمن في أي دولة عربية يتمتع بسلطات وصلاحيات لا يتمتع بها وزير بل حتى رئيس وزراء أي دولة عربية ان وجد رئيس لوزراء فيها. فمن يعتقد أو يصدق ادعاء سلطات الأحتلال في العراق ان الممارسات التي تم فضحها في سجن أبو غريب هي ممارسات فردية لأفراد شواذ يقع في خطأكبير , فالممارسات التي تمت ضد المعتقلين تمت بعد دراسة ودراية من قبل أعلى المستويات السياسية والعسكرية وشارك فيها خبراء نفسيون كثيرون, حيث درسوا سجل حقوق الأنسان في العالم العربي ووجدوا ان التعذيب والأغتصاب وامتهان كرامة السجين هي سياسة روتينية ويومية في الوطن العربي والا لما تجرأ جنود الأحتلال على مثل هذه الممارسات اطلاقا, واذا كان ما جرى عملا فرديا فلماذا لا نسمع من وسائل الأعلام التي فضحت ممارسات الأحتلال عن مثل هذه الممارسات الفردية في سجون الولايات المتحدة وبريطانيا؟ ولا يحتاج المرأ لكثير من العناء للجواب لأن القوانين التي تحمي الأنسان في تلك الدول لامجال لأنتهاكها بهذا الشكل الفاضح والا سقطت أنظمة وأطيحت رؤوس كثيرة. ان ادانة مقترفي هذه الأعمال وان كان مطلبا ملحا بالنسبة لنا كعراقين وعرب الا ان الأدانة التي نطالب بها هي ادانة لكل الأنظمة العربية وقوانينها الجائرة التي تعامل الأنسان العربي كصرصار من الممكن دعسه في اية لحظة. اليست تلك الأنظمة هي من رفضت استقبال قوى المعارضة العراقية وصمت أذانها عن سماع شكوى العراقين مما يقوم به نظام صدام, وهل يصدق عاقل ان الحكام العرب لم يسمعوا قط عن اساليب التعذيب والقتل والأمتهان التي كان يمارسها نظام صدام ضد ابناء العراق وهل يصدق أحد أنهم لم يسمعوا قط عن اغتصاب الألاف من حرائر العراق على يد ابن الطاغية عدي وعصابته المجرمة, اذن لماذا هذا التباكي على حقوق الأنسان العراقي الأن ؟ ان من يمتهن كرامة رعاياه في كل دقيقة وكل ثانية لا يمكن ان يكون حريصا على حقوقنا وكرامتنا ولن يشرفنا كعراقين تباكي هؤلاء الحكام على كرامتنا الممرغة على أيديهم قبل أن يمرغها الأحتلال.
أما فيما يتعلق با الشق الثالث من الجواب وهو شراء صدام ورشاؤه للكثير من قنوات الأعلام والقوى السياسية العربية والعالمية فحدث ولا حرج وكوبونات النفط خير دليل على ذلك ولكني سأشير فقط الى شراءه ورشاؤه للكثير من وسائل الأعلام العربية من صحف وفضائيات , وما بناء حي سكني للصحفين في عمان واهداءهم سيارات المارسيديس الا مثال صارخ على المستوى الأخلاقي المنحط الذي وصل اليه حال الأعلام العربي والذي يتحمل مسؤولية لا تقل عن مسؤولية الأنظمة العربية لما حصل في سجن ابو غريب. فعندما يظهر اعلاميون عرب على شاشات الفضائيات وينكرون وجود تعذيب وقتل واغتصاب في عهد صدام ويمجدون الطاغية ويصفونه بقائد الأمة العربية ويصل الأمر الى حد انكار وجود المقابر الجماعية و يتهمون الأحتلال بتلك المقابر التي وصل عدد الراقدين فيها الى أكثر من ربع مليون انسان , كيف يتوقعون ان تعامل قوات الأحتلال الأنسان العراقي . ان هؤلاء الأعلامين الذين يتشدقون الأن بالدفاع عن حقوق الأنسان العراقي ويتباكون على الكرامة المهدورة, يتحملون مسؤولية كبيرة فيما حصل, فهؤلاء الذين خانو الأمانة الصحفية واصطفوا الى جانب جلاد شعبنا يستحقون منا كل الأدانة , وجريمتهم يجب أن لا تمر بدون عقاب. كيف يتوقع هؤلاء معاملة الأحتلال للمعتقلين وهم يقفون أمام الفضائيات وفي صحفهم الصفراء يشتمون الشعب العراقي ويوصمونه بالخيانة ويغطون على جرائم النظام المقبور ؟ الم تشجع مواقفهم هذه سلطات الأحتلال على ارتكاب كل تلك الممارسات الشنيعة التي عرضتها الصور المنشورة؟ فهل يتوقعون من محتل ان يعامل رعايا دولة محتلة معاملة لائقة, في حين اشقاءهم يديرون لهم ظهورهم في جحود ليس له مثيل؟اني أوجه صرخة لكل ابناء العروبة الخيرين وهم كثيرون, وأقول لهم كما يقول المثل العربي " رب ضارة نافعة" لنجعل من مأساة أبو غريب حافزا لنا على رفض كل القوانين المهينة لكرامة الأنسان العربي ولنوحد جهودنا من أجل اجبار النظام العربي على احترام حقوقنا وعلى انهاء العسف والظلم المسلط على رقاب شعوبنا وتنظيف سجوننا من كل معتقلي الرأي ليس على طريقة ابن الطاغية المقبور قصي بل بأطلاق سراحهم ورد الأعتبار لهم , ولنوقع على ميثاق شرف نسميه ميثاق أبو غريب نتعاهد فيه الدفاع عن بعضنا البعض ضد الطغيان والأستبداد من أجل مجتمع عربي يسوده العدل والقانون.
#نزار_سعيد_العاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟