أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - العفيف الأخضر - مراهنة علي ضبط تلاقح الثقافات والحضارات















المزيد.....


مراهنة علي ضبط تلاقح الثقافات والحضارات


العفيف الأخضر

الحوار المتمدن-العدد: 165 - 2002 / 6 / 19 - 07:01
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 

 

 


صدام وحوار الحضارات امنيتان لا تعبران، كما هو حال الاماني كثيرا وغالبا عن الواقع التاريخي المحيط والمعقد الذي لا تحيط به الشعارات السهلة التي لا وظيفة لها سوي اعفاء العقل من مهنته: التعقل.
صدام وحوار الحضارات فعلان اراديان والحال ان التاريخ تحكمه اتجاهات عفوية موضوعية أي مستقلة عن القصد البشري. صدام المصالح بين الدول ــ لا صدام الحضارات ــ هو الذي ساد البشرية التي كابدت سبعة آلاف عام حربا من تاريخها المكتوب الذي لم يعرف إلا 375 عاما من السلام لم تكن في الواقع إلا هدنة بين حربين. اما حوار الحضارات فلم يتحكم في التاريخ قط الذي حكمته دائما لعبة موازين القوي بين الدول والمجموعات. رهاني هو علي تحويل تلاقح الحضارات والثقافات العفوي إلي تلاقح واع أي الي حوار خلاق.
مهمة المثقف ليست هجاء او مدح ما يجري في العالم أي تقبيحه او تجميله لانهما فعلان عبثيان، بل المطلوب هو تحليل الواقع وفهمه عسي ان يغدو التدخل الواعي في صيروراته ومساراته ممكنا.
تفاديا للبلبلة المترتبة عن سوء استخدام المصطلحات، سأوضح مفهومي الثقافة والحضارة المترادفين في الواقع. الثقافة تشير الي الانتقال من الخام، الطبيعي، الغريزي، والبايلوجي إلي المحول، المصنوع، المكتسب والواعي. وهو ما تشترك فيه الثقافة مع الحضارة التي تعني الانتقال من البادية الي المدينة ومن البداوة الي التحضر. لكن الحضارة تفترض مفهومي التقدم والتطور: التقدم من الخصاصة الي الرفاهية ومن الماضي الي المستقبل ومن الخرافة الي العقل. اما التطور فيعني صيرورة الاشياء والاحياء والمجتمعات من البسيط الي المعقد ومن الادني الي الارقي سواء في الآداب او الفنون والعلوم والتكنولوجيات او في السلوك والعادات. بعض السيولوجيين خص الحضارة بالعمل والتكنولوجيا بينما قصر الثقافة علي الملامح الخاصة بكل جماعة بشرية. وعندما يقول هؤلاء ان الحضارة اليوم واحدة والثقافات شتي فانهم يريدون بذلك القول ان العلوم والتكنولوجيات التي تقوم عليها هذه الحضارة اليوم واحدة في مناهجها ومعاييرها نظرا إلي ان المفاهيم العلمية بما هي معرفة عقلانية للانسان والعالم، معرفة كونية يسلم بها كل ذي عقل سليم مهما كان انتماؤه الثقافي او الجغرافي. يفضل بعض السيولوجيين والانثروبولوجيين تخصيص الثقافة بالبني الاجتماعية والفنون والمعتقدات وعادات الملبس والمأكل والمشرب والمنكح. الحضارات والثقافات محكومة بقانون التلاقح اي التأثير والتأثر المتبادلين وهكذا كانت الحضارة الاغريقية تلاقحا مع الحضارات المصرية، البابلية والهندية. بدورها كانت الحضارة العربية الاسلامية محصلة التلاقح مع الحضارة الاغريقية، الهندية، الفارسية والرومانية. اليهودية كانت بنت التلاقح مع الديانتين التوحيدية المصرية (في ظل حكم اخناتون الذي تسميه التوراة ابراهيم) والوثنية البابلية.

تلاقح سريع
في الحضارات والثقافات القديمة كان التلاقح بطيئا لبطء الاتصالات. اما في الازمنة الحديثة فقد تسارع التاريخ فتسارعت وتائر التلاقح بفضل تقنيات الاتصال والبث والتبادل والسياحة والهجرة واختلاط السكان. وهكذا شيئا فشيئا اطاحت الثورة الصناعية علي امتداد ثلاثة قرون بكل اشكال الحمائية الاقتصادية والثقافية. وصف البيان الشيوعي عملية توحيد الرأسمالية للعالم بهذه الكلمات: علي انقاض الانعزال القطري والقومي القائمين علي الاكتفاء الذاتي تنمو تجارة عالمية وتبعية متبادلة بين جميع الامم. ما هو صحيح بصدد الانتاج المادي لا يقل صحة بخصوص الانتاج الفكري. فالاثار الفكرية لأمة ما تصبح ملكا مشتركا لجميع الأمم ويغدو قصر النظر والتقوقع القوميان مستحيلين اكثر فاكثر ويولد من جميع الآداب القومية ادب عالمي واحد. تبدو هذه الفقرة كما لو انها كتبت اليوم لوصف تأثيرات العولمة علي اعادة هيكلة العالم وثقافاته بينما هي كتبت منذ 154 عاما. منذ الآن المشاكل القومية الاساسية غدت مشاكل عالمية ومتكافلة. لم يعد في امكان أية أمة ان تحل بمفردها مشاكل مثل الايدز، المجاعة، الجفاف وتلوث البيئة. عولمة المشاكل تتطلب عولمة حلولها وتاليا حوارا عالميا لتنظيم وضبط التبعية المتبادلة بين الأمم كافة التي اوجدتها السوق العالمية منذ القرن الثامن عشر. الاداة التي حملت هذه التبعية العالمية المتبادلة هي التلاقح بين الحضارات والثقافات بجميع صوره. علي مر العصور كانت الحضارات تتزاوج ويخصب بعضها بعضا. التهجين لا النقاء هو القانون الذي يحكم وما زال في الحضارات والثقافات. الثقافات النقية اي المنطوية علي نفسها تنقرض وفق قانون الانتخاب الطبيعي. وحدها الثقافات التي تنفتح علي الثقافات والحضارات الاخري فتعيرها وتستعير منها هي التي تتجاوب مع حاجات الناس وتنتصر في معركة الانتخاب الطبيعي اي التكيف مع المحيط. وهكذا فالعجز عن التكيف مرادف للاندثار. كما ان الطفل يتعلم بالتقليد فكذلك الانسانية. وهذا ما وصفه ابن خلدون: المغلوب مولع بتقليد الغالب. وهذا ما فعله اليابانيون بعد هزيمتهم امام الامريكيين في الحرب العالمية الثانية عندما تخلوا عن جوهر تراثهم الذي لم يعد متكيفا مع حاجات العصر فأعاق دخولهم الي الحداثة السياسية فنبذوا الفاشية واستبدلوا بها الديمقراطية محولين امبراطورهم من إله لا يسأل عما يفعل الي ملك يملك ولا يحكم علي غرار ملكة المملكة المتحدة. وهكذا قلدوا غالبهم الامريكي في حداثته اي ديمقراطيته وعلومه التكنولوجية وثقافته. التلاقح الحضاري الذي يتخلي به المغلوب عما يعيق دخوله الي حداثة الغالب لم يتحقق الا في الامم اللقيطة حضاريا اي تلك التي لم تمتلك تراثا تليدا يلعب دور الضمير الاخلاقي الطاغي الذي يردعها عن تقبل قيم وعلوم حداثة لم يعرفها تراثها. اليابان وبعض بلدان جنوب شرق آسيا انخرطت في الحداثة من دون مقاومة مريرة او شعور ساحق بالذنب، لكن الصين العريقة حضاريا قاومتها وما تزال خاصة في ما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الانسان. لماذا؟ لان تراث الاسلاف اي عبادتهم بالتعلق بتراثهم يهيكل المخيال الجمعي بضرب من الرق النفسي يجعل الاسلاف يحكمون عبر تراثهم من وراء قبورهم حياة الاحياء فيملون عليهم نمط تفكيرهم وحياتهم مقدمين لهم اجوبة ماضيهم علي اسئلة حاضرهم. وهي الي ذلك اجوبة يقينية تسد باب التساؤل واعادة النظر والتجديد والابداع علي غير منوال الاسلاف. يقول مرسيا الياد: (عندما كان المبشر الانثروبولوجي (ستريلهو) يسأل قبيلة ارنثا الاسترالية عن سبب اقامة بعض الشعائر، كان اعضاؤها يجيبونه لان اسلافنا امرونا بذلك (..) في غينيا الجديدة يرفض اعضاء قبائل الكاي تغيير انماط حياتهم قائلين: لان الاسلاف كانوا يفعلون ذلك ونحن نتصرف مثلهم كما روي ذلك منذ خلق الارض: كما ذبحوا كذلك يجب علينا ان نذبح وكما فعل اسلافنا في سالف الازمان كذلك يجب علينا ان نفعل اليوم).
هذا لا يعني ان قانون التلاقح الثقافي لا يسري علي الثقافات التي يحكمها الاسترقاق النفسي للاسلاف بل يعني فقط ان التلاقح الثقافي فيها يكتسي شكل الصدام الدموي احيانا بين القديم والجديد، بين الوافد والاصيل، لكن الاتجاه التاريخي العام هو الي تقارب الثقافات وتلاقحها وتوحيدها وهو اتجاه ازداد اليوم اتساعا وعمقا بفضل ثورة الاتصالات (التلفون، الفاكس، الانترنت، الراديو، التلفزيون، الفضائيات، اوتوسترادات المعلومات..) التي جعلت التلاقح الثقافي جاريا بكثافة غير مسبوقة علي مدار الساعة. وهكذا يدمر كل يوم اكثر الانغلاق الثقافي الذي فقد مبرر بقائه بعد انهيار الحمائية الاقتصادية امام دفق الرساميل، السلع، الخدمات، الافكار، والاشخاص. كما لم يعد ممكنا اقامة حواجز جمركية ضخمة في وجه الواردات الاقتصادية المنافسة للمنتجات المحلية كذلك لم يعد في الامكان اقامتها في وجه الواردات العلمية، الفكرية والثقافية الحمائتان الاقتصادية والثقافية هما منذ الان من الماضي.
التلاقح الحضاري والثقافي ظاهرة تاريخية موضوعية مثل الظواهر الطبيعية من العبث مقاومتها. بفارق واحد: الظواهر الطبيعية لا سبيل لكبتها اما الظواهر التاريخية فيمكن كبتها لبعض الوقت لتندفع بعد ذلك كالاعصار اي في صورة ثورة عشوائية بدلا من التطور الطبيعي والسلمي المتدرج وهو ما شاهدناه في الكتلة الشرقية التي فجرها من داخلها تلاقح الثقافات بالاذاعات والتلفزيونات العربية. ويبدو ان الظاهرة علي وشك ان تكرر نفسها في إيران حيث تلفظ اديولوجيا المحافظين المنغلقة علي نفسها أنفاسها الاخيرة. السبب؟ استحالة القطيعة مع حضارة العصر العلمية والتكنولوجية والثقافية والفنية. لان هذه القطيعة تعادل انتحارا جماعيا. صين ماو تسي تونج احتفلت بقبولها بعد طول انتظار في المنظمة العالمية للتجارة، قلعة العولمة وتلاقح الاقتصاديات والثقافات وايران الخميني ما زالت تناضل لتصبح عضوا فيها. لا الصين الملحدة ولا ايران الاسلامية راضيتان عن عولمه الاقتصاديات والقيم الثقافية. ولكن مكره أخاك لا بطل. التلاقح الحضاري والثقافي قانون عام لا يصد ولا يرد. فما هي اشكال تحققاته التاريخية؟ عديدة. التوفيق (سانكريتيزم) وهو ما تحقق مثلا في الصابئة التي كانت مزيجا من العرفان اليهودي والمسيحي والمانوي والمجوسي. وبالمثل كانت اليهودية تجميعا لعناصر من ديانه اخناتون التوحيدية واخري من الديانة البابلية الوثنية. الصورة الاخري التي يأخذها التلاقح الثقافي هي التمثل اي هضم عناصر من الثقافات الوافدة مع الاحتفاظ بما هو جوهري في الثقافة الاصلية.. المثال الاشهر لذلك هو الحضارة العربية الاسلامية التي تمثلت فلسفة وعلوم الاغريق والهنود والفرس الوثنية لكنها احتفظت بجوهرها الخاص: التوحيد، الشكل الثالث هو اتحاد الثقافة الوافدة بالثقافة الاهلية الي درجة طغيان الوافد علي الاصيل. وهو ما نعاينه اليوم في ما يسميه السسيولوجيون (أمركة العالم) اي تبني تكنولوجيا، وقيم وانماط السلوك والاستهلاك والحياة الامريكية خاصة من لدن الاجيال الشابة المتلهفة علي الجديد واللامألوف والموضة. امريكا، اوروبا واليابان هي الاقطاب الثلاثة المؤثرة في العالم اليوم اقتصاديا وعلميا وتكنولوجيا وثقافيا ومنتجاتها علي اتصال دائم بالثقافات الاخري الاقل تطورا وانتشاراً وتنافسية. 90 في المائة من اخبار العالم تنقلها اربع وكالات انباء غربية. وهكذا يكون التأثير في الثقافات الاخري اكثر من التأثر بها. لماذا؟ بسبب ضعف تنافسية الثقافات الاخري العلمي والتكنولوجي وايضا الثقافي. مثلا الفكر النقدي، الديمقراطية، حقوق الانسان والمواطن، حقوق المرأة، المساواة بين الجنسين وبين جميع الاجناس، الفصل بين المؤمن والمواطن بالمساواة في حقوق المواطنة وواجباتها بين المواطنين المختلفين دينيا واثنيا او لغويا، الاعتراف بالجسد وبالفرد الذي يختار قيمه باستقلال نسبي عن المجتمع وفصل الديني عن السياسي والفصل بين الدين والبحث العلمي والابداع الادبي والفني والفصل بين المطلق الميتافيزيقي والنسبي التاريخي وحماية البيئة.. هذه القيم الفلسفية هي جميعا بنت الحضارة الحديثة حصرا. بالتأكيد وجدت في الحضارات والثقافات السالفة ملامح منها لكنها لم توجد ككل متماسك إلا في الحضارة العالمية المعاصرة. هذه القيم كونية لان كل عقل سليم في اي مكان كان يقبلها. تشربتها معظم الثقافات الاخري. لكنها ما زالت تواجه مقاومة في ثقافتنا العربية الاسلامية. عدم اقتباس ثقافتنا لها وبالاحري انتهاكها يجعلها متورطة في صدام مزدوج خارجي وداخلي: خارجي مع منظمات حقوق الانسان في العالم، مع منظمة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة مع الاعلام العالمي والرأي العام العالمي والدبلوماسية الدولية: اقدم مثلا علي ذلك من عشرات الامثلة، النزاع المتواصل بين لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة وحكومة السودان في عهد الترابي بخصوص مسألة اعادة الرق. وتجد نفسها في صدام داخلي مع قطاعات متنامية من السكان خاصة النساء والشباب والمثقفين والاقليات ومنظمات حقوق الانسان القومية،. والمثل الابرز علي هو الصراع المحتدم الان بين الاصلاحيين والمحافظين في الجمهورية الاسلامية الايرانية والذي قد يتطور الي حرب أهلية. كل ثقافة تنغلق اليوم علي نفسها لا تفعل غير نشر اعلان مضاد لنفسها وتحريض اتباعها علي الانغماس العشوائي في الحداثة عملا بالقانون النفسي: الرغبة في انتهاك المحرم: (احب شيء الي الانسان ما منع). في هذا السياق قال انتوني ليك رئيس مجلس الامن القومي في ادارة كلينتون الاولي: (بفضل الثورة الاسلامية في ايران غدا اسلوب الحياة الامريكية هو المثل الاعلي للشباب الايراني) وتنبأ بان الشباب الجزائري سيصنع صنيع الشباب الايراني اذا حكمت الجبهة الاسلامية للانقاذ الجزائر).

تلاقي متدامج
تلاقي الاقتصاديات القومية في اقتصاد عالمي متدامج جري حتي الان علي نحو عفوي ومتوحش: استفاد منه البعض وسقط البعض ضحايا له. الاخصائيون في العالم متفقون علي ان ما تفتقده عولمة الاقتصاد هو مؤسسات الضبط علي الصعيد العالمي لان الدولة القومية ليست قادرة علي ضبط ما يجري خارج حدودها. وظيفة مؤسسات الضبط هي التحكم في مسار ووتائر التدفقات الاقتصادية لتقليص آثارها الجانبية والتضامن مع ضحاياها بتقديم التعويض لهم. البعض اقترح الاكفاء بتعزيز المؤسسات القائمة واعادة توجيهها والتنسيق بينها لتشتغل كجهاز عالمي متكافل في التجارة والمال والعمل والصحة والثقافة بحيث تغدو معاييرها في هذه المجالات ملزمة للجميع. المأخذ الاساس علي هذا الاقتراح هو ان هذه الهيئات تقنوقراطية لا ديمقراطية لان اصحاب القرار فيها غير منتخبين. قدم الباحث الفرنسي في المستقبليات جاك اتالي مشروعا ينطلق من نموذج الاتحاد الاوروبي لتأسيس حكومة عالمية تضطلع المنظمة العالمية للتجارة فيها بدور لجنة بروكسل في ضبط المتبادل التجاري منعا لصدام الدول اي منعا للحرب التجارية التي قادت الامم الي الحرب العالمية الثانية، يقوم مجلس الامن بعد تعديله بتمثيل بلدان الجنوب فيه بدور الحكومة العالمية التي تسهر علي منع الصدامات السياسية بين بلدان المعمورة. وأخيرا ينتخب سكان العالم برلماناً عالميا يعبر عن آراء ومصالح البشرية كافة لفرض رقابة ديمقراطية علي باقي هيئات الحكومة العالمية. لكن جاك اتالي المهتم بالثقافة سها عن هيئة مركزية في الحكومة العالمية هي منظمة ثقافية عالمية اي اليونيسكو المحسنة لتتفرغ منعا لصدام الثقافات لمعالجة التعليم والاعلام والثقافة في العالم. مهمتها تجنب احدي صور هذا التلاقح وهو المحو الثقافي بضبط التلاقح الثقافي العفوي المتروك لقانون الانتخاب الطبيعي اي البقاء للاصلح: للاقوي والاكثر قدرة علي المنافسة وسيطرة علي وسائل ثورة الاتصالات اي ثقافات الشمال. كما ان قوانين السوق ليست قادرة ــ بدون ضبط ــ علي حسن تدبير الاقتصاد العالمي فلذلك قوانين التلاقح الثقافي العفوي تتطلب ضبطا ملائما لطبيعتها حتي لا تندثر الثقافات الاقل تنافسية. اليونيسكو الجديدة هي التي ينبغي ان يوكل اليها ضبط التلاقح الثقافي ببرنامج اعلامي وتعليمي يضمن درجة معقولة من التنوع الثقافي في العالم. كيف؟ باعادة هيكلة المؤسسات التعليمية في العالم لمجانسة برامجها في ما خص القيم الكونية مثل الديمقراطية وحقوق الانسان باعتبارها قيما ثقافية عابرة للقوميات يتعرف فيها العقل الانساني علي نفسه لتخريج اجيال انسانية ذات وعي متجانس لا ينتهك حقوق الانسان ولا يسكت علي انتهاكها ومتشبع بقيمة التضامن البشري وباحترام البيئة باعتبار الارض وطن الانسانية الحقيقي المهدد بكارثة ايكولوجية مميتة. ذلك سيكون ولا شك اهم مكسب اخلاقي تحققه الانسانية في كل تاريخها مثل هذا البرنامج الاعلامي والتعليمي العالمي يساعد شباب العالم علي استيطان كل ما هو ديمقراطي وعقلاني وانساني وكوني ومحرر وحافز للانسان علي التفكير بنفسه واللجوء للحكمة بدل القوة ويساعد علي غلغلة هذه القيم في الوعي العام. بالتوازي مع هذا البرنامج العالمي الموحد تنفرد كل مدرسة قومية ببرنامج حديث يعلم النشء عناصر ثقافتها الخاصة بشرط شارط ان لا تتعارض مع القيم الكونية اي لغتها وفنونها وتاريخها وادابها. وفي كل الجامعات يدرس الطلاب برنامجا ادبيا مهجنا يزودهم بنبذ من روائع الاداب والفنون في جميع الامم وجميع العصور لتخريج اجيال ذات تكوين ثقافي تعددي. في فرنسا يدرس التلاميذ مادة جديدة هي الذوق لحماية المطبخ القومي من الاندثار لحساب الاكلات السريعة المنمطة. لا تستطيع اليوم اية ثقافة ان تصمد الا اذا حدثت نفسها ويسرت نفسها لتحبب نفسها لابنائها.
خلال تسعينيات القرن الماضي قررت الحكومة الالمانية تحديث اللغة الالمانية لتصمد في وجه الانكليزية والفرنسية داخل اوروبا الموحدة. ورشة المطالبة بتحديث الرسم الفرنسي لتبسيطه اكثر فاكثر مفتوحة.. البعض يدعو الي كتابة صوتية لتيسير الفرنسية علي متعلميها. أما ورشة تحديث العربية فما زالت لم تفتح بعد رغم ان طه حسين طالب بتسير النحو واحمد امين طالب بالغاء الاعراب اي تغيير اواخر الكلم وهو ما حققه هادي علوان في كتاباته الاخيرة. نحونا شديد التعقيد وتجاوزه التطور. معظم خريجي الجامعات واساتذتها يرفعون بحروف الجر ومع ذلك فان فصاميتنا الثقافية التي تمارس عكس قناعاتها وسياسة النعامة ما زالتا تشكلان عائقين ذهنيين يعوقاننا عن التفكير في تيسيره لتكييفه مع تطور النطق فاللغة ليست استثناء من سنة التطور. لماذا لا نبدأ بمجانسة البرنامج التعليمي في ما يخص القيم الكونية في الفضاء العربي؟ ولماذا لا نفعل ذلك ايضا عبر شراكة متوسطية علما بان الشراكة الاقليمية والعالمية هي من اولويات حقبتنا. شراكة اقتصادية، علمية، تكنولوجية، وثقافية لجعل التبعية المتبادلة بين بلدان كل اقليم وبلدان العالم مضبوطة ولجعل العلاقات بين البلدان تقوم علي التضامن لا علي موازين القوي التي هي صورة محسنة من قانون الغاب.
الشراكة الاقليمية والعالمية هي منذ الآن الاداة الاساسية للتحكم في التغيرات الكبري واعادة التفكير جماعية في التحديات الجارية التي لم يعد بامكان اية امة ان تواجهها بمفردها مثل الانفجار السكاني، الاوبئة، الفقر، تهميش الشباب، الهجرة، الامية، المخاطر النووية والايكولوجية. توجد الآن بداية شراكة متوسطية اقتصادية فلماذا لا نطالب بتوسيعها لتغدو شراكة حضارية ثقافية ايضا فيتحاور المثقفون والمجتمعات المدنية في الضفتين الشمالية والجنوبية للمتوسط حول المشاكل والتحديات المشتركة والمشاكل والتحديات لم تعد منذ الآن قومية بل اقليمية وعالمية. التلاقح الحضاري والثقافي المضبوط في اطار شراكات اقليمية وشراكة عالمية سيكون تلاقح القيم الكونية قيم الديمقراطية وحقوق الانسان، اما التلاقح المتروك لقانون الانتخاب الطبيعي فسيكون انتصارا للقيم السلعية والاستهلاكية الغربية علي جميع قيم العالم. هل آن لانسانية القرن الحادي والعشرين ان تشرع في التفكير في صنع تاريخها بنفسها بدلا من مكابدته من موقع المتفرج السلبي؟. محاضرة القيت في مؤتمر (الجمعية المصرية للدراسات التاريخية) عن (في عالم متغير: الحضارات صدام ام حوار؟. الذي عقد في القاهرة خلال شهر نيسان (ابريل) 2002.

جريدة (الزمان) العدد 1238 التاريخ 2002 - 6 - 19


#العفيف_الأخضر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العمليات الإنتحارية مجازفة بمستقبل الشعب الفلسطيني
- ما العمل بعد الزلزال ؟


المزيد.....




- بالصور..هكذا يبدو حفل زفاف سعودي من منظور -عين الطائر-
- فيديو يرصد السرعة الفائقة لحظة ضرب صاروخ MIRV الروسي بأوكران ...
- مسؤول يكشف المقابل الروسي المقدّم لكوريا الشمالية لإرسال جنو ...
- دعوى قضائية ضد الروائي كمال داود.. ماذا جاء فيها؟
- البنتاغون: مركبة صينية متعددة الاستخدام تثير القلق
- ماذا قدمت روسيا لكوريا الشمالية مقابل انخراطها في القتال ضد ...
- بوتين يحيّد القيادة البريطانية بصاروخه الجديد
- مصر.. إصابة العشرات بحادث سير
- مراسل RT: غارات عنيفة تستهدف مدينة صور في جنوب لبنان (فيديو) ...
- الإمارات.. اكتشاف نص سري مخفي تحت طبقة زخرفية ذهيبة في -المص ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - العفيف الأخضر - مراهنة علي ضبط تلاقح الثقافات والحضارات