|
ما هي العلمانية من منظور خصومها؟؟
سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر
(Sohel Bahjat)
الحوار المتمدن-العدد: 2728 - 2009 / 8 / 4 - 08:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تحت هذا العنوان سنبدأ في البحث عن مفهوم كلمة "علمنة" و "علمانية" أو "Secularism" حسب المصطلح الإنكليزي المتداول و الذي يعني فصل الدين عن السياسة ـ العلمانية الجزئية حسب عبد الوهاب المسيري ـ و تعني لدى البعض الآخر فصل العالم المادي الزمني عن عالم الدين و الغيب ـ العلمانية الشاملة حسب المسيري مرة أخرى ـ و الحقيقة هي أن العلمانية لا تعني الإلحاد و الوقوف ضد الدين، و إن كانت توفر للمواطن الحرية لإظهار قبوله أو رفضه للدين، لكن المشكلة في العالم الإسلامي تكمن في أن أنظمة دكتاتورية استبدادية كنظام ناصر و صدام و القذافي و مبارك تعلن علمانيتها و تواجه المعارضين المؤمنين بالدين بشعار العلمانية في خلط واضح بين العلمانية الإيجابية ـ الحيادية ـ و بين المناهج الإلحادية التي واجهت الدين بالعنف، كالشيوعيين و الماركسيين في الاتحاد السوفيتي و الصين و عبد الناصر و صدام و البعث في العراق. هذه المواجهة شوهت العلمانية في الوعي الجمعي لهذه المجتمعات و جعلت الكثيرين لا يفرقون أو لا يميزون بين العلمانية كطريقة أو منهج للتسامح و تقبل الآخر و بين الموقف العقائدي و الفكري في رفض أو قبول الدين أو دين معين، فالعلمانية ليست ضرورية للتعايش بين الإيمان و الإلحاد فحسب بل في تعايش الأديان مع بعضها البعض و كان إدراك أهمية العلمانية خلال الحرب الدينية خلال القرنين 16 و 17 أحد أهم أسباب توجه المجتمعات الغربية إلى تبني العلمانية كمنهج لنظام الحياة، و سنرى كيف أن ظواهر الإلحاد و العنصرية القومية جاءت نتيجة تحولات فكرية رافقت نشوء العلمانية و لم تكن نتاجا مباشرا لها، بالتالي فإن العلمانية تقدم أفضل الموجود و هي لا تدعي أنها كاملة كما أن العلمانية هي صنع إنساني بحت و ليست نتاجا "شيطانيا" كما يصورها وعاظ السلاطين أو سلاطين الوعاظ "الولي الفقيه"، إنها بالأحرى وسيلة لتستمر الحياة السلمية. نبدأ مناقشة العلمانية من خلال نظرة خصومها إليها، و ليكن النموذج الأكثر طرحا هنا هو ما كتبه المرحوم عبد الوهاب المسيري في نقد العلمانية و توابعها التنويرية و الحداثية و الرأسمالية، فالرجل قام بنقد موسع لمفهوم العلمانية و خلال قراءتنا لنقده نجد أن الرجل اعتبر كل ما هو غربي (ســـــلبيا) و العلمانية هي إحدى هذه السلبيات، و لنبدأ مع أطروحاته بكتاب ((العلمانية تحت المجهر)) و الذي ألفه مناصفة مع الدكتور عزيز العظم ـ الصادر عن دار الفكر دمشق و دار الفكر المعاصر بيروت 2000 يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري: و كان معنى المصطلح ـ أي العلمنة ـ في البداية محدود الدلالة و لا يتسم بأي نوع من أنواع الشمول أو الإبهام، إذ تمت الإشارة إلى "علمنة" ممتلكات الكنيسة و حسب. بمعنى "نقلها إلى سلطات غير دينية"، أي إلى سلطة الدولة أو الدول التي لا تخضع لسلطة الكنيسة. و في فرنسا، في القرن الثامن عشر، أصبحت الكلمة تعني (من وجهة نظر الكنيسة الكاثوليكية) "المصادرة غير الشرعية لممتلكات الكنيسة". أما من وجهة نظر مجموعة المفكرين الفرنسيين المدافعين عن مثل الإستنارة و العقلانية المادية و المعروفين باسم "الفلاسفة" (فيلسوف Philosophes) (و يشار إليهم أيضا باسم "الموسوعيين")، فإن الكلمة كانت تعني "المصادرة الشرعية لممتلكات الكنيسة لصالح الدولة" و لكن المجال الدلالي للكلمة اتسع، و بدأت الكلمة تتجه نحو مزيد من التركيب و الإبهام على يد جون هوليوك John Holyooke (1817 ـ 1906 ) أول من صك المصطلح بمعناه الحديث و حوله إلى أحد أهم المصطلحات في الخطاب السياسي و الاجتماعي و الفلسفي الغربي. و قد حاول هوليوك أن يأتي بتعريف تصور أنه محايد تماما (ليست له علاقة بمصطلحات مثل "ملحد" أو "لا أدري"). فعرّف العلمانية بأنها: ((الإيمان بإمكانية إصلاح حال الإنسان من خلال الطرق المادية، دون التصدي لقضية الإيمان، سواء بالقبول أو الرفض".." نهاية الاقتباس ـ العلمانية تحت المجهر ص 12 و أنظر أيضا كتابه العلمانية الشاملة و العلمانية الجزئية ج 1 ص 15 لقد حصر المسيري مسألة العلمانية و تطور معناها و مفهومها في مستوى النظر و كأن الموضوع كله متعلق بتطور فكري "نظري" بحت لا علاقة له بالتطور الاجتماعي و السياسي و حتى السايكولوجي الفردي، فالعلمانية ليست نتاجا مدرسيا بحتا و إن كان هذا ينطبق على جزء منها، فالإنسان لا يشك في حقيقة من الحقائق إلا عندما يرى أنها لم تعد عملية أو ليس في الإمكان الاستفادة منها بأي وجه من الوجوه، و أوروبا لم تشك في نزعتها الدينية إلا عندما وجدت أن الدين أصبح مشكلة بدلا من أن يكون حلا أو أن الدين أصبح سببا في انقسام الناس لا عامل وحدة و تناغم، فعدى أن المسيحية كانت قد أصبحت في القرون الوسطى لعبة في أيدي الملوك فكان أن أخرج الملك الإنكليزي هنري الثامن بلاده من الكنيسة الكاثوليكية بسبب رغبته في الطلاق من زوجته و لأن الكنيسة الكاثوليكية كانت ترفض الطلاق إلا لعلة الزنا، و لأن ملوكا آخرين شنوا حروبا باسم الحفاظ على "الدين القويم"، إظافة إلى ذلك كانت فضائح رجال الدين و استغلالهم للدين قد بلغ أوجه، كل هذه الأسباب و غيرها كانت عاملا نفسيا قبل أن نركز على العامل العقلي و النتاج الأكاديمي البحثي، و إذا كان المسيري يرى أن هذا الحديث لم يعد محايدا بمجرد إبعاد الدين عن المعادلة، و لكن اختيار جون لوك لحل مشاكل الإنسان بالوسائل المادية لا تعني إلا أن العالم المادي بدوره لا يمكنه التدخل في شؤون الدين كون الدين متعلق بالروح و بسبب تنوع الظاهرة الدينية، فلو اعترف النظام العام بدور أساسي للدين في إدارة حياة الإنسان فإن السؤال الذي سيطرح نفسه و بقوة هو "ماذا عن الحل الإسلامي"؟ و أيضا "ماذا عن الحلول اليهودية و المسيحية"؟ و كل دين سيطرح سؤاله المشروع عن دوره في تنظيم حياة الفرد و المجتمع و إدارة النظام العام و ننتهي بكارثة حقيقية. يقول المرحوم عبد الوهاب المسيري: و الحديث عن "إصلاح حال الإنسان" ليس حديثا محايدا، كما قد يبدو لأول وهلة، فهو يفترض وجود نموذج متكامل و رؤية شاملة (للإنسان و الكون) و منظومة معرفية قيمية يمكن "إصلاح حال الإنسان" حسبها. و هنا يحق لنا أن نسأل: هل مثل هذه المنظومة "تضاف" إلى العلمانية أم أنها جزء لا يتجزأ منها؟ فإن كانت تضاف إليها فمن أي مصدر نستقيها؟ و هل الأمر متروك لكل إنسان أو مجتمع أن يختار مثل هذه المنظومة؟ و إن كان جزءا عضويا من العلمانية، أي النموذج الكامن وراء المصطلح، فهل حدد هوليوك السمات و الملامح الأساسية لهذا النموذج؟ أعتقد أن الإجابة عن مثل هذا السؤال الأخير بالنفي أو الإيجاب سيكون أمرا صعبا، فهوليوك لا يتصدى بصراحة و وضوح لقضية القيمة (هل هي قيم مادية)؟ أو قضية المعرفة (هل مصدرها الحواس فحسب)؟ و هو يتحدث عن سمات الإنسان دون تعريف للسمات الأساسية لما يشكل جوهر الإنسان الذي ستتم العملية الإصلاحية عليه و باسمه (هل هو إنسان طبيعي / مادي).." العلمانية تحت المجهر ص 13 يحاول المسيري طرح إشكالية يستطيع من خلالها نقض المنظومة الغربية العلمانية التي يرى أنها هي التي صنعت مصطلح "علمنة" و "علمانية" كما سنرى في كتابه حول العلمانية الشاملة و الجزئية، فالمشكلة هنا حسب رأيه تكمن في النقطتين الأساسيتين و هما "تعريف ماهية الإنسان" و "مصادر المعرفة" و من خلال هاتين النقطتين و بشكل نظري كلي ـ حيث أنه سيناقش تطور مفهوم العلمانية تاريخيا بمنهجية بعيدة عن التحقيق العلمي ـ سيحاول نقض العلمانية التي لا يرى إلا أنها مجرد "مفاهيم و قيم غربية" تصدّر إلينا على أنها "مفاهيم و قيم إنسانية" و يريد بالتالي إقامة "حداثة" و "تنوير" و "تطوير" منتج من ثقافتنا نحن "عربية إسلامية حسب المسيري"!! و هو ما نشك أن يتم دون الدخول مرة أخرى في المجال المعرفي الغربي الذي تجاوز الغرب و أصبح عالميا بالفعل، و المسيري نفسه يؤكد ضرورة بعض جوانب من العلمانية الجزئية كالفصل بين الدين و بعض جوانب إدارة الدولة "المصدر نفسه ص 16" و "العلمانية الشاملة و العلمانية الجزئية ج 1 ص 17 ـ 18 حيث يشير إلى وجود نوع من العلمانية في الإسلام" و لكن هذه العملية الجزئية أو التي تجتزيء الحقيقة غير فعالة إذ تصبح علمانية محدودة كهذه مجرد قناع لهيمنة فكرة دينية أو قومية.
#سهيل_أحمد_بهجت (هاشتاغ)
Sohel_Bahjat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخلافة و الولاية الفقهية.. نقاط مهمة (ح 3)
-
الخلافة و الولاية الفقهية.. نقاط مهمة (ح 2)
-
الخلافة وولاية الفقهية.. نقاط مهمة
-
الخلافة -البابوية الإسلامية-
-
مدخل إلى إشكاليات العلاقة بين العلمانية و الإسلام
-
الأزمة العراقية... و النافخون في النار
-
انتخاب نجاد... إعلان حرب
-
نظام رئاسي برلماني و لعنة -التوافقات-
-
من أجل ائتلاف عراقي ديمقراطي إنساني
-
التوافق... خطوات لإلغاء هذا المصطلح النفاقي
-
الرئيس المتوافق عليه... ليس منتخبا
-
رسالة إلى أخي العباسي.. حول -قصور الملالي-
-
العراق و المواجهة الحتمية بين إيران و الولايات المتحدة
-
سايكوباثية -السياسي- العراقي و علاجات -الفقيه-!!
-
حرّيّتنا... مشوهة كتمثالنا!!
-
9 نيسان... يوم إسقاط هبل
-
هوية العراق (إنسانه رخيص)!!
-
مجتمعات القسوة و -أعمى العمادية-!!
-
المقاومة القذرة بين سقوطين
-
عمرو بن العاص و الاستراتيجية العراقية
المزيد.....
-
اللجوء.. هل تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي عن رفضه حزب البدي
...
-
بيان الهيئة العلمائية الإسلامية حول أحداث سوريا الأخيرة بأتب
...
-
مستوطنون متطرفون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
-
التردد الجديد لقناة طيور الجنة على النايل سات.. لا تفوتوا أج
...
-
“سلى طفلك طول اليوم”.. تردد قناة طيور الجنة على الأقمار الصن
...
-
الحزب المسيحي الديمقراطي -مطالب- بـ-جدار حماية لحقوق الإنسان
...
-
الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس وسط العنف الطائفي في جنوب ا
...
-
الضربات الجوية الأمريكية في بونتلاند الصومالية قضت على -قادة
...
-
سوريا.. وفد من وزارة الدفاع يبحث مع الزعيم الروحي لطائفة الم
...
-
كيفية استقبال قناة طيور الجنة على النايل سات وعرب سات 2025
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|