أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - كامل عباس - لماذا تحول العقل البشري من نعمة للإنسان الى نقمة عليه ؟؟!!















المزيد.....

لماذا تحول العقل البشري من نعمة للإنسان الى نقمة عليه ؟؟!!


كامل عباس

الحوار المتمدن-العدد: 831 - 2004 / 5 / 11 - 07:05
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    


للبيئة في عصرنا الراهن حضور مميز في كافة المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية , وقد أصبح لها فرع خاص من العلم يدعى علم البيئة – Ecology – وهو العلم الذي يدرس العلاقة بين الكائنات الحية والوسط المحيط بها , وتنتظم هذه العلاقة ضمن مجموعة عوامل محددة كالحرارة والمناخ والرطوبة والضغط بحيث تشكل ما يسمى بالنظام البيئي – Ecosystem – وكل نظام بيئي يحوي عدة مكونات حية ومكونات غبر حية على علاقة وتفاعل دائم فيما بينها تفاعلا ديناميكيا بحيث تبقى نسبتها الى بعضها دائما ثابته تقريبا . فالكائنات الحية جميعها بلا استثناء تتفسخ جثثها بعد الموت وتتفكك وتتحول الى مواد عضوية يتم امتصاصها من التربة لتدخل في تركيب خلايا حية جديدة وهكذا دواليك .
كل الأنظمة البيئية التي سبقت الانسان كانت العوامل الطبيعية هي الأقوى في تحديد العلاقة بين المكونات الحية وغير الحية , وكانت كل الكائنات الحية تلهث وراء حركة الطبيعة منفعلة أكثر مما هي فاعلة فيها , وأرقى ما وصلت اليه في هذا المجال هو القطيع الحيواني الذي ينظم حياته مع الوسط المحيط به بناء على أفعال منعكسة شرطية مركزها قشرة المخ, تثبتت بالوراثة وشكلت ما يعرف بالغرائز . الى ان جاء النوع البشري كنتاج وثمرة لتطور الأنواع الحية ومعه الوعي , النوع البشري وحده امتلك ذاكرة وتاريخا وحياة اجتماعية متطورة تنتقل فيها خبرة وتجربة الأجيال السابقة الى الأجيال اللاحقة
كان من المفروض أن يتدخل الوعي ليدفع بالتوازن البيئي نحو الأفضل لمصلحة حياة أقل بؤسا وأكثر نعيما , بدلا من ذلك جرى العكس على صعيد علاقة الإنسان بالبيئة والدليل على صحة قولنا التلوث البيئي الشامل في عصرنا الحالي ونحن هنا نستعرض جزءا يسيرا من هذا التلوث كدليل على ما نقول :
1- التلوث الكيميائي :
ونذكر منه على سبيل المثال لا الحصر التلوث الناتج عن استخدام المبيدات الكيميائية بالشكل العشوائي السابق . تستخدم المبيدات الكيمياوية عادة لحماية المحاصيل الزراعية والقضاء على الأمراض المخيفة التي تنقلها الحشرات ، مثل التيفوس والملاريا وطاعون الغدد اللمفاوية ، وأهمها الهيدرو كربونات المفلورة التي تسبب لسعات متكررة لأعصاب الحشرات فتجعلها تنقبض وتموت سريعا , أشهر المبيدات هو مبيد (D.D.T ) والذي اخترعه العالم بول مللر وأخذ عليه جائزة نوبل بسبب قضائه على مرض التيفوس الذي اجتاح أوروبا في الحرب العالمية الثانية , الذي جرى بعد ذلك أن ذلك المبيد استعمل على نطاق واسع وبدون أي تقنين في العالم , وقد تبين فيما بعد أنه لا يتفكك بسهولة وينتقل مع المياه ومع بخارها في الهواء ويتراكم داخل الخلايا , من السلاسل الغذائية الدنيا حتى العليا وخاصة الطيور , ويتدخل في استقلاب الكالسيوم , ويؤثر على النسل , وله مضار عديدة , مما جعله الآن محرم دوليا .
مثال آخر : هو استعمال الهرمونات الكيمياوية المتنوعة من أجل تسريع وتيرة النمو والحصول على أغذية مختلفة كما ونوعا في النباتات والحيوانات . إن تناولنا لتلك الأطعمة بما فيها من بقايا وتحولات لتلك المواد داخل الجسم يسهل الإصابة بالأورام الخبيثة وله أثر متعدد الأوجه على صحة الإنسان .
2- التلوث الضوضائي :
اعتادت الأذن البشرية على سماع والتقاط أصوات ذات تردد وشدة محددة تقاس بوحدة تدعى – الديسيبيل – والأصوات ذات الشدة ما بين 20 الى 40 ديسيبل تستقبلها أذن الانسان بارتياح وكلما ذادت شدتها أكثر بدأ الازعاج للعصب السمعي أولا . عصر الصناعة ذاد في وتيرة الأصوات وشدتها في كل مكان . في الشارع و في البيت لدرجة وصل معدلها في أغلب المدن الى 90 ديسيبل . إن الضجيج والضوضاء لا تؤثر على حاسة السمع فقط بل ولها تأثيرات جانبية تطال القلب وحتى قشرة المخ وتؤدي الى القلق وعدم الارتياح الداخلي والتوتر والارتباك وتنهك الجملة العصبية ككل .
3- التلوث الاشعاعي :
من منا لم يسمع بضربة الشمس المميته ؟ وسببها التعرض الطويل نسبيا لأشعة الشمس الحادة , مع أن التعرض لأشعة الشمس غير الحادة وفي أوقات معينة ينشط وظائف الجلد والدم والغدد..الخ . لقد تعايش الانسان مع حد معين من الأشعة في الجو حوله, ولها مصدران .
- مصدر كوني : إشعاعات قادمة من الفضاء ومن الشمس مرت بالغلاف الجوي فعّدلها ولطّفها قبل أن تصل الى الأرض
- مصدر أرضي : إشعاعات تطلقها نظائر مشعة طبيعية و والنظير هو عنصر غير مستقر يطلق أشعة معينة ويتحول الى عنصر مستقر , وتختلف الفترة الزمنية لذلك التحول من ثانية الى آلاف السنين .
أما المصدر الكوني , فقد بلغ تركيز أشعته التي وصلت الى الأرض درجة قد تقضي على الحياة برمتها وجميع أشكالها وليس على الإنسان فقط , إذا استمر ثقب الاوزون في الاتساع وهو على مزيد إذا لم نتدارك الأمر .
يوجد الاوزون في طبقة داخل الغلاف الجوي تعرف باسم طبقة الاوزون و ويقوم بامتصاص الأشعة فوق البنفسجية القاتلة للخلايا, وهو بحالة توازن ديناميكي هناك , فهو يتولد باستمرار بسبب تفكيك ضوء الشمس الاوكسجين الجزيئي الى أوكسجين ذري . لقد ثبت علميا أن نوعين من اكاسيد الآزوت وهي تتوفر في تلك الطبقة من دخان الطيارات وخاصة فوق الصوتية . والمصدر الثاني الذي يؤثر على طبقة الاوزون هو المركبات المنطلقة من استعمالات الكلورو فلورو كربون
/cfc / في التبريد والتجفيف والتي تعرف تجاريا ( غاز الفريون ) .
العالم كله يتحدث عن ثقب طبفة الاوزون لدرجة أنه خصص له يوم عالمي يسمى يوم لأوزون .
أما بالنسبة للمصدر الأرضي فقد تمكن الانسان حتى الآن من اختراع (1300) عنصر مشع . استعملها لأغراض حربية أكثر منها سلمية وخاصة داخل المفاعلات النووية , وجميعها ترسل أشعة ذات أطوال متباينه من الموجات ومنها مايسبب ظاهرة تأين الخلايا الحية , أي تشرد ميا ه الخلية الحية الى جذر هيدروجين موجب وجذر هيدروكسيل سالب وهذا ما يؤدي الى تغير في تركيب وبنية ووظيفة الخلايا الحية .
خطر الأشعة النووية متعدد الجوانب منها ما هو مميت بدقائق ومنها ما يؤثر على النسل , ومنها ما تظهر آثاره بعد عدة أجيال كما هو الحال مع نتائج إشعاعات القنابل الذرية التي ألقيت على هيروشيما وناغازاكي .
4- تلوث المياه :
( وجعلنا من الماء كل شيئ حي )
- قرآن كريم -
الماء العذب ضروري لكل خلية حية , فهو يشكل حوالي 60 الى 80% من وزنها حسب وظيفتها , وكل تفاعلات الخليةالحية تتم فيه . والماء الصالح للشرب تنحل قيه كمية معينة من الغازات والأملاح تجعل طعمه مستساغا ومقبولا وقد توفر في الماضي من الينابيع والآبار التي جرى لها تنقية طبيعية أثناء دوران مياهها في الأرض . أما الآن فكل المدن تجري له عمليات تنقيه وترشيح ومعالجة فيزيائية وكيميائية ليصبح صالحا للشرب , ومع ذلك فإن كثيرا من الملوثات الصناعية والبكتريولوجية في هذا العصر غير قابلة للتنقية والترشيح نذكر منها الرصاص والزئبق والكادميوم والنحاس والزنك والكروم والكوبالت وكلها تدخل في صناعة السيارات أو المواد البلاستيكية أو غيرها وترمى نفاياتها في الطبيعة فيغسلها المطر وينحل جزء من هذه العناصر في الماء على شكل أملاح معدنية قابلة للترسب في الخلايا الحية ,
5- تلوث الهواء :
يشكل الهواء الغلاف الجوي للأرض وتتوفر في طبقته السفلى جميع الظواهر المناخية والفيزيائية اللازمة لحياة الكائنات الحية من أدناها الى أرقاها والتي تعايشت مع تركيبه الثابت قبل عصر الصناعة التي غيرت من تركيبه كما ونوعا , دخان المصانع والسيارات والانفجارات الذرية والنووية والغبار الاسمنتي أضاف عناصر لم تكن موجودة فيه كأملاح الزنك والحديد والرصاص واليود المشع وكلها تدخل الى الرئتين ولها تأثيرها على الجهاز التنفسي والعصبي وتسبب أمراضا منها ما عرف ومنها ما لم يعرف بعد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لم نتحدث سوى عن جانب واحد من أثر مبتكرات العقل البشري على النظام البيئي المحيط بالانسان هو التلوث البيئي .
- لم نتحدث عن ذوبان الجليد غير العكوس في القطبين والذي يهدد بإغراق هذا الكوكب بمن فيه – لم نتحدث عن انزياح الفصول وتغير المناخ وأثره على صحة الانسان .
- لم نتحدث عن ارتفاع نسبة غاز ثاني أوكسيد الكربون في الجو لدرجة نتج عنها ظواهر خطرة على الحياة مثل ظاهرة الاحتباس الحراري .
- لم نتحدث عن ظاهرة التصحر وزحفها على المدن وتراجع الغابات والغطاء النباتي , وأثر ذلك على تغير نسبة الاكسجين في الجو .
- لم نتحدث عن الهزات الأرضية الحالية ومدى علاقتها باستخراج البترول من باطن الأرض بالشكل الذي يتم حاليا .
- لم نتحدث عن منجزات العقل البشري على صعيد الأسلحة الفتاكة المتنوعة اللتي تستعمل لتمزيق جسد الانسان من القنابل البكتريولوجية وجراثيمها التي تنهش جسم الانسان وهو حي, الى القنابل النترونية التي تضرب نتروناتها أي خلية حية تصادفها في طريقها ولاتضر بالمواد الجامدة التي لا حياة فيها !
عصرنا عصر مراهقة النوع البشري على كافة الأصعدة . عصر اللامعقول في أوج تطور العقل وهذا غيض من فيض .
- إن راقصة تهز بطنها في أحد الملاهي الليلية المنتشرة في كل دول العالم بلا استثناء يوازي دخلها اليومي الدخل السنوي لأي عامل منتج في أرقى البلدان
- تجارة الجنس لم تقتصر على أجساد النساء بل تعدتها الى المتاجرة بجسد الأطفال من الجنسين من أجل متع رخيصة لأساطين المال .
- تطورت أجهزة القمع من شرطة ومخابرات وجيوش في كل مكان لتبدو كالعلق الآن على مسيرة النوع البشري
- أحسن توصيف لنفاق قادة العام الحاليين هو قول الشاعر .
قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر
وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر
والمراهقة على مستوى النوع فيها الكثير من سمة المراهقة على مستوى الفرد , إن مرحلة المراهقة من أخطر المراحل في حياة الفرد الانساني ذكرا كان أم أنثى وفيها يحكم سلوك المرء الانفعال والنزق والطيش ومحاكمة الامور من منظار عاطفي بسبب الهزات في النمو الجسمي والعصبي تلك الفترة, وإذا كانت مراهقة الفرد قويه فقد تقتله أحيانا , ولكن كثيرا من المراهقين ينقلبون على ماضيهم ويصبحون أشخاصا متزنين يحكمهم العقل والتاني في كل سلوكهم .
وإذا كان الهواء والماء وهما عصب الحياة الحساس قد تلوثا وأصبحا ممرضين . أفلا يحق لنا ان نطرح السؤال العريض التالي
هل حضارتنا نتيجة النهضة العلمية الحالية في تقدم أم في تقهقر ؟؟؟؟؟
دعونا نقارن بين رحلة الانسان والبشر مع الحياة بين الماضي والحاضر .
قبل الاكتشافات العلمية الحديثة كان معدل الوفيات والولادات ثابت ومتوازن تقريبا . بعدالولادة كانت تتم عملية اصطفاء طبيعي للأطفال , وإذا اجتاز الطفل السنوات اللأولى من عمره يتنفس ما بقي من حياته هواء نقيا ويشرب ماء زلالا ويأكل ما تجود به الطبيعة من ثمار ولحوم . لم تكن الحياة سهلة ولكنها كانت ممتعة وجميلة وخاصة في النصف الثاني من العمر .
أما في العصر الحالي . يولد الطفل وتجري له كل أنواع اللقاحات من الأمراض التي كانت تفتك به سابقا .شلل , جدري , حصبة , دفتريا , سل , طاعون . يرقان , ...الخ , ونادرا ما يموت الطفل بعد تطور علم الطب الحديث , ولكن بعد أن يصلب عوده مع الهواء والماء الملوث والطعام المعدل وراثيا ومع التلوث الضوضائي والاشعاعي التي تخلق جميعها أمراضا عصبية ونفسية جديدة , إذا أضفنا الى ذلك الزحام الذي يجعلنا نتأفف من عرق أجسادنا بعد اختلال المعدل بين الولادات والوفيات لصالح الأول , لقلنا أن الكثير من الناس في النصف الثاني من العمر يركض وراء الموت والموت يهرب منه .
عصرنا عصر القلق والتوتر والأمراض النفسية , فأيهما أفضل الموت البطيئ كل يوم في ناطحات سحاب فيها كل أنواع الخدمات . أم الموت السريع في بيوت طينية ضمن الظروف القديمة ؟؟؟؟
وسائل الاتصالات الحديثة جعلت العالم كله قرية واحدة ولكن هل الحياة فيها أجمل من الحياة في القرى القديمة المنعزلة عن بعضها ؟ أترك الجواب للقارئ بعد أن يططلع على النمطين من الحياة التي عشتهما في قريتي .
قريتي (بشراغي ) قرية ريفية تابعة لمنطقة جبله ، محافظة اللاذقية , عروس الساحل السوري تبعد عن المدينة بحدود 20 كم وتعلو عن سطح البحر حوالي (750) م . تحررت من الاقطاع أواسط الأربعينات من القرن المنصرم , وامتلك فلاحوها أرضهم الفقيرة بترابها الغنية وروابيها وسنديانها المعمر . كان أهاليها في ذلك الزمن يعيشون في بيوت طينية متلاصقة حياة عادية هادئة وديعة رغم الصقيع والبرد وقساوة الطبيعة ومخفر الشرطة معا , وقودهم الحطب وضوؤهم سراج الكاز وشرابهم من نبع شحيح وطعامهم خبز التنوروما أنبتت الأرض من طيباتها, لكن هواء تربتهم كان عليلا ومياه نبعهم زلالا , وقد خفف من صعوبة الحياة تضامنهم مع بعضهم ,
- من لم تلد غنماته أحد الأعوام يأكل من الحليب واللبن والزبدة مثل جيرانه
- من لم يزهر كرمه يصل العنب الى بيته .
- من تأخر في حراثة كرمه تهب القرية كلها لمساعدته .
- العائلات الخالية من الشباب والصبايا بسبب نوائب الدهر يحسب حسابها أولا في جمع الحطب ومئونة الشتاء . أول حملة حطب من كل صبية لتلك العائلات كما يتم ترميم ونزح الثلج عن تلك البيوت في الشتاء قبل غيرها .
أما أروع صور التضامن فتتجلى عند ولادة بيت جديد فيها , عندها تتحول القرية الى خلية نحل .
- الصبايا ينقلن المياه بجرارهن
- الشباب يحملون جذوع الأشجار على أكتافهم من الوادي
- الرجال يعمرون الحيطان المزدوجة
- الأولاد يحفرون التراب الأبيض والنسوة تنقله والشيوخ تجبله بأقدامها
وعندما بصبح البيت جاهزا لتشييد السقف , ينتقى يوم من الأيام بعناية وإقرار العرافين والمشايخ على أنه يوم سعد . ذلك اليوم يصبح كرنفالا حقيقيا للقرية , العجائز تشرف على طبخ خروف مع البرغل والمرق أعِد خصيصا لهذه المناسبة تأكل القرية منه جميعها , وفي ذلك اليوم تتوقف القرية عن العمل في حقولها , ومن ذهب الى الحراثة أو قام بأي عمل تناولته ألسن الجميع بالقدح والذم .
أما اليوم فقد تباعدت البيوت عن بعضها وأصبح لكل بيت فيها سوره الخاص وكل بيوتها دخلته الحضارة والتكنولوجيا من كهرباء وغاز ووسائل إعلام مرئية ومسموعة , فقط تنقصها المياه ولكنها متوفرة في صهاريج متنقلة وحسب الطلب بعد الاتفاق على السعر, أما نبعها الأصلي فقد جفت مياهه كليا وبساتينها فقدت فواكهها نكهتها الأصلية إذ أنها تسمد بأسمدة كيمياوية وترش بالمبيدات يوميا وطعامها يعتمد على سوق جبلة , وهواؤها لم يعد عليلا بسبب مصفاة بانياس القريبة منها , ومناخها قد تغير ولم يعد يعرف الصيف من الشتاء وأحيانا تمر الفصول الأربعة على القرية بيوم واحد ، أما صور التضامن السابق فلا تتجلى الا بعد الوفاة حيث تدب النخوة بالجميع وقبلها لو يموت جارك من العذاب والألم لن تسمع به . كل بيت جمهورية مستقلة بحد ذاته , شبابه يستلقون على أسرتهم وبين يديهم العالم من خلال أجهزة التحكم .

كيف السبيل لأعادة التوازن البيئي الى مجراه الطبيعي ؟

معرفة الداء هي نصف الدواء , والداء من وجهة نظري يكمن بطبيعة الانتاج الرأسمالي القائم على سوق العرض والطلب وما يخلقه من فوضى في الانتاج بسبب محركه الأساسي – تحقيق أكبر نسبة من الربح لمصلحة فئة صغيرة في المجتمع تنظر الى البيئة وكأنها حديقة قصورها الخلفية ترتبها على هواها غير عابئة بمصلحة الأجيال اللاحقة . والبديل هو نمط انتاج اشتراكي ينطلق من المصلحة العامة للمجتمع ككل . والحديث عن الاشتراكية حديث سياسي بامتياز يخرج عن محور هذه الدراسة , ولكن لا بد من قول كلمة بهذه العجالة وسط إحباط عام من كلمة اشتركية بسبب فشل أول تجربة اشتراكية في العالم .
إن خصوصية عصرنا والانتقال فيه من الرأسماليه الى الاشتراكية تتجلى بدور الوعي في هذا الانتقال _وعي كينونة الانسان ووجوده الانساني المختلف عن بقية الأنواع الحية –بدلا من العنف الثوري والانقلاب من نظام الى آخر عبر الثورات _ ان استعمال العنف سيعيدنا الى عصر البربرية ويدمر حضارة كوكبنا ككل من جراء استعمال أسلحة الدمار الشامل .
هذا الوعي تمظهر في الآونة الاخيرة بشعاعي أمل .
الأول : هو انتشار منظمات البيئة, أحزاب الخضر ووجودها الفعلي على الأرض .
الثاني : نزول جماهير عريضة الى الشارع في أغلب دول العالم أثناء الحرب الأخيرة على العراق تهتف لا للحرب لأنها أصبحت تعي ماتسببه تلك الحرب من ويلات وآلام للبشرية ولو كان ذلك الوعي مايزال جنينيا ,
أخيرا سأقدم هنا مثالا بسيطا عن الفرق بين الرأسمالية والاشتراكية في علاقة كل منهما بالبيئة .
في ظرفنا الراهن الحق لكل مواطن امتلاك سيارة خاصة إذا استطاع .
في أي نظام اشتراكي قادم يجب أن يحرم المواطن من هذا الحق وسائل المواصلات مؤممة وبيد الدولة وهناك موظفون مهمتهم إيصال كل مواطن الى المكان الذي يرغب وبوسائل مناسبة .
لذلك القرار جوانب إيجابية كثيرة على البيئة في مقدمتها اعادة التوازن البيئي لغازثاني اوكسيد الكربون في الجو .
الخلاصة . إن الخطوة الأولى على طريق الألف ميل , طريق الوصول الى بيئة نظيفة يعاد فيها للهواء نقاؤه وللماء عّذوبته وللزهرة عطرها الطبيعي وللفصول دورتها الاعتيادية هو العمل جميعا أفرادا ومؤسسات وأحزابا وقوى رسمية ودولية وشعبية على قاعدة
نحن جميعا مسافرين على ظهرمركب وهو في عرض البحر أصابه ثقب, إن لم نعمل معا على سده غرقنا جميعا .

ملاحظة : كتبت هذه الدراسة عام 1992 في سجن صدنايا العسكري وهي تنشر لأول مرة
كامل عباس –
اللاذقية



#كامل_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رابطة العمل الشيوعي في سوريا - عرض – تحليل - نقد
- قراءة ثانية في كتاب صدام الحضارلت
- التروتسكية والستالينية داخل سوريا في خندق واحد ضد الامبريالي ...
- حزب لكل الطبقات الاجتماعية أ م حزب لطبقة بعينها ؟؟
- نحو حزب شيوعي سوري من طراز جديد
- مقاطعة الحرة ......... لماذا ياحضرات ............ ؟؟!!
- الإصلاح السياسي المرتقب والدور المفترض أن نلعبه فيه
- مدخل الى فهم عصري لحل المسألة الكردية


المزيد.....




- هل يمكن أن يعتقل فعلا؟ غالانت يزور واشنطن بعد إصدار -الجنائي ...
- هيت .. إحدى أقدم المدن المأهولة في العالم
- ما هي حركة -حباد- التي قتل مبعوثها في الإمارات؟
- محمد صلاح -محبط- بسبب عدم تلقي عرض من ليفربول ويعلن أن -الرح ...
- إيران تنفي مسؤوليتها عن مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات
- سيدة من بين 10 نساء تتعرض للعنف في بلجيكا
- الدوري الإنكليزي: ثنائية محمد صلاح تبعد ليفربول في الصدارة
- تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية وقتال عنيف ...
- هل باتت الحكومة الفرنسية على وشك السقوط؟
- نتنياهو يوافق مبدئيا على وقف إطلاق النار مع لبنان.. هل تصعيد ...


المزيد.....

- ‫-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر ... / هيثم الفقى
- la cigogne blanche de la ville des marguerites / جدو جبريل
- قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك ... / مصعب قاسم عزاوي
- نحن والطاقة النووية - 1 / محمد منير مجاهد
- ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء / حسن العمراوي
- التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر / خالد السيد حسن
- انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان ... / عبد السلام أديب
- الجغرافية العامة لمصر / محمد عادل زكى
- تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية / حمزة الجواهري
- الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على ... / هاشم نعمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - كامل عباس - لماذا تحول العقل البشري من نعمة للإنسان الى نقمة عليه ؟؟!!