|
اوراق سياسية - لقاء مع حازم جواد
محمد سعيد الصگار
الحوار المتمدن-العدد: 2728 - 2009 / 8 / 4 - 08:24
المحور:
سيرة ذاتية
قد لا تكون لهذه الأوراق أهمية من نوع ما، بعدما شاعت كتابة المذكرات والمقابلات الصحفبة والفضائية، كما قد تكون لها فائدة لمن يعقد المقارنات بين ما فيها وبين ما نشر من مذكرات وذكريات لمن ترد أسماؤهم. ومبرر نشرها هنا، كونها قيلت بحضوري دون مقدمات وتحضير، وحملني الظن بفائدتها، كونها قيلت في جلسات رخيّة، وأحياناً في مجالس شراب جمعتني بهم؛ ومن جانبي، كنت حريصاً على التمسك بقدر كاف من الصحو لتدوينها في وقتها، تقديراً لأهمية القائل وما يقول. مع قناعتي الشخصية بكون الجميع يحاول إعطاء الصورة الأصفى لسلوكه وممارساته، وهو مما لا يدخل في قناعاتي الشخصية، ولكنني أورده كما سمعته، وليس من المستبعد أن تختلف بعض التفاصيل عن ما جاء في كتبهم ومذكراتهم المنشورة.
وإذا كان هناك تداخل في بعض المواد، فشأنه أنني أعود إلى وريقات دوْنتها في حينها على غير اتساق، وأنا أدونها كما هي بين يدي منذ أكثر من ثلاثين سنة، ظنّاً مني بأنها تفصح عن جوانب غير معروفة، أو معروفة بإيجاز لا يعرف تفاصيله الكثيرون.
لقاء مع حازم جواد في لندن پاريس. الساعة الثانية بعد منتصف ليلة 1982/12/30:
أنا عائد توّاً من بيت عبد الرحمن منيف الذي دعاني لقضاء الأمسية في بيته، وفاجأني بلقاء عبد الستار الدوري الذي سمعت عنه كثيراً. وحازم جواد وزير خارجية 8 شباط 1963 الذي سبق أن التقيته في لندن، في فندق سنترال پارك، وعرّفني عليه فاضل حسين، مسؤول الفندق. ولكون ما دار في هذه الأمسية ذا أهمية تاريخية تتعلق بتاريخ الوطن الحديث. آثرت أن أدوّن منها ما علق في ذهني قبل الركون إلى النوم، رغم نعاسي بعد بوم شديد الإجهاد. لقد حرصت، قبل بدء الأمسية، على أن لا أحتسي من الخمر ما يفرّط بانتباهي، فقد كنت أقدّر أن أن ما سيدور سيحناج إلى انتباه ومناقشة؛ وهكذا كان.
سبّ حازم، ودان نظام صدام؛ وقال في ما قاله تعقيباً على إنشاء مسجد الدولة الكبير ببغداد: «إن صدام وجماعته يريدون أن يحموا آخرتهم بأن يُدفنوا في المسجد لعلمهم أن المسلمين لا ينبشون قبور المساجد، ويمثلون بموتاهم، وبذلك يأمنوا نقمة الشعب بعد موتهم».
وقال أيضاً إنه مسؤول عن (إنقلاب) 8 شباط من أوله حتى نهايته؛ وعرض عليّ أن أسأله عن أي شيء يخطر لي عنه. وعندما سألته عن البدايات، قال إنهم (أي البعثيين)، قبل شهرين من الإنقلاب كانوا يتدارسون الموضوع، وأنه على الحزب - وكان مسؤولاً عن الخط العسكري فيه - خطة تتضمن تقديراته الشخصية عن مقاومة الشيوعيين للإنقلاب، تفيد بأن الشيوعيين سيعارضون الإنقلاب. وسيطرحون مجموعة من الطلبات على الإنقلابيين تكون بمثابة امتحان لصدقهم ووطنيتهم، تتلخص بإطلاق سراح بعض المعتقلين وإعفاء آخرين من المحكومين، وعدد من الطلبات الأخرى، تليها موافقة على الحكم الجديد؛ وأن البعثيين كانوا يفكرون بمنح الحزب الشيوعي امتياز صدور جريدته (اتحاد الشعب)، بعد شهرين من الإنقلاب. ولكن خطة البعثيين كانت نغنرض، في البدء، إبعاد أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي إلى برلين الشرقية بالرغم من عدم اعتراف العراق بألمانيا الديموقراطية؛ على أن تُجرى محاكمة المسؤولين عن أحداث الموصل وكركوك وفق القوانين المرعية؛ ولكن مقاومة الشيوعيين صبيحة 8 شباط أفسدت هذه الخطة، فحصل ما حصل.
وقال إن الضحايا من الطرف البعثي، حتى يوم 11 شباط كانت ثلاثة أضعاف الضحايا الشيوعيين، وأن مقتل توفيق منير كان عن طريق الصدفة غير المخطط لها. (وعقّب ستار الدوري الذي كان حاضراً، أن رأي مهدي الحافظ بطابق رأي حازم جواد في عدد القتلى في الأيام الأولى). وعندما سألته عن البيان رقم 13 الذي أباح إبادة الشيوعيين، قال إنه بيان (غير سياسي)، وإنه من قبيل الحماية للإنقلاب. وهنا قال عبد الستار الدوري إنه هو نفسه الذي أذاع هذا البيان. وعندما قلت لحازم جواد إن المجازر التي حصلت تجاوزت بالفعل نطاق حماية الإنقلاب، سألني: كيف؟ فقلت له إن مقتل سلام عادل وأبو سعيد (عبد الجبار وهبي) وجمال الحيدري ومحمد صالح العبلي وعدنان البراك، وغيرهم جاء بعد استتباب الإنقلاب وغياب ضرورة إعدامهم، قال إن تصرفات فردية تحكمت في ذلك. وهنا عقّب عبد الستار الدوري فقال: «إن إعدام أبي سعيد وجمال الحيدري ومحمد صالح العبلي تمّ على يد سعدون شاكر وخالد طبرة في منطقة الحصوة، وأنهم أُمروا بحفر قبورهم بأنفسهم ليدفنوا فيها»، وإن أبا سعيد قال لسعدون شاكر وخالد ما معناه إنكم شباب، وهذه العملية التي تضطلعون بها لا تخدم إلا أعداء الوطن، وربما تكون هذه الحقائق بعيدة عنكم باعتباركم شباباً فلمَ تقدمون عليها؟ ولكن سعدون شاكر وخالد طبرة أعدموهم ودفنوهم في القبور التي حفروها لأنفسهم، ومن بعد أخبروا مسؤولي الإنقلاب عن ذلك فصدر بيان التنفيذ.
وفي هذا الوقت، قال حازم جواد « إنه يسمع بذلك لأول مرة » !
وقد سبق هذه الأحاديث أحاديث أخرى عن عفلق ونشأة البعث، فقال ستار الدوري إننا نعرفه منذ البدء عميلاً للمخابرات الأمريكية وإسرائيل، فاحتج حازم على وصف عفلق بالعمالة، ولكنه بعد نصف ساعة من الشراب والحوار الثنائي بيني وبينه أقرّ بأن عفلق عميل للمخابرات الإمريكية.
ومما قاله حازم جواد في هذه الأمسية، إن الشيوعيين مسؤولون عن بعثرة كثير من القوى القومية، فلو كان للحزب الشيوعي أدنى إشارة إلى حقّ الفليطينيين بأرضهم، وإيمانهم بالوحدة العربية، لكنّا كلنا شيوعيين ! وأثناء الحديث وصف الحزب الشيوعي بقوله: «... وعندنا هذا الحزب الشيوعي العظيم». وقال: «إن نظام صدام يتشبّث بحزب البعث».
الساعة الثالثة وعشر دقائق بعد منتصف الليل، نعست كثيراً، ولا أستطيع المقاومة، سأنام.
*
لندن الإثنين 1983/1/24:
دعاني حازم جواد هذا اليوم على الغداء، وعرض عليّ أن أدعو من أحب معي، فشكرته وقلت له سآتي وحدي. وعند الظهر نزلت للقاء به في صالون فندق (سنترال پارك)، فلاقاني فاضل حسين، وقال إن حازم لم يتمكن من المجيء إلى الفندق، والتمس أن نذهب إليه في بيته في منظقة (هولاند پارك)الراقية، فذهبنا. (والحقيقة أنني كنت أتنصل من اللقاء بحازم لعدم رغبتي في إقامة علاقات معه، فتهربت من دعوته أكثر من مرة، ولكن فاضل حسين لامني على ذلك، وقال إن الرجل ينتظرك كل يوم في الصالة، وأنا لا أجد ما يبرر تهربك من لقائه).
استقبلني الرجل بحفاوة بالغة، وجلسنا نتحدث ساعة، ثم أخذنا إلى (مطعم مرّوش) اللبناني في (إيجوير رود). تغدينا. ودار حديث متنوّع، تناول في ما تناول، نشرة (الناصرية) التي تصدر في لندن، والتي يكوّن (سامي فرج علي) أبرز عناصرها، وتّعَدّ مقالاته في معارضة النظام العراقيوكشف خفايا سياسته أهم ما تحتويه المجلة. وقد أثنى حازم كثيراً على المجلة، وعلى دقة معلوماتها؛ وقال إنها الآن واسعة الإنتشار، وإنها تبيع في سورية وحدها خمسة آلاف نسخة، وإن أصحابها تعرضوا إلى إغراءات كثيرة من ساسة العراق، وإذ لم تُفلح انقلبوا إلى التهديد. وقال إن سامي الذي ينشر دائماً صورته مع مقالاته، لم يهتم بذلك التهديد، وكان يقول (أي سامي)، إذا أرادوا دمي فليأخذوه.
وعندما سألت حازم عن مدى دقّة الوقائع التي ينشرها سامي في مقالاته، قال: إنها صحيحة، وأنه قريب من مصادر الأخبار. وكان يبدو من كلامه أن (الناصرية) لن تستمر، وأنها قد تتعرّض إلى القمع والتخريب، وقد يُغتال أصحابها لنمسكهم براديكاليتهم.
وهنا أسرّ إليّ بأنه سمع من سامي أنني، وجماعة آخرين ننوي إصدار جريدة بتمويل من شخصيات وطنية عراقية، وسألني عما إذا كان ذلك صحيحاً، فقلت له: نعم صحيح، ولكننا في دور تأسيس المشروع؛ فقال: هل ستكون صحيفة معارضة، فقلت له إنها ستكون صحيفة ديموقراطية، للديموقراطيين والديموقراطية، وستكون مستقلة تماماً عن أي تنظيم سياسي. فأثنى على ذلك وقال: أنتم أكفاء لمثل هذا.
وهنا لمّح لي بأن مجلة معارضة أخرى في سبيل الصدور، وأن اسمها سيكون (صوت الشعب العراقي)، أو (طريق الحرية)، أو (صوت الطليعة)، أو أي اسم مقارب. وسألني أي الأسماء أفضل؟ فلم أجب. وواصل هو كلامه قائلاً: إن هذه المجلة ستكون بديلاً عن مجلة (الناصرية) إذا تعرّضت إلى نكبة؛ فسألته عما إذا سيكون له شخصياً دور فيها، فقال: إي، وسألني أن أكتم ذلك، فوعدته.
(وأنا الآن آعتذر إليه عن نشر ذلك، بسبب تقادم العهد، ودخوله في خانة الذكريات).
عند انتهاء الغداء عانقني مودّعاً على أمل اللقاء في وقت قادم. في هذا اللقاء دار حديث عن البيان الثلاثي (السوري - الليبي - الإيراني) ولكنني لم أتذكر منه شيئاً، إذ كنت في وضع صحي سيء، وكانت معدتي تضايقني فلم أستطع التركيز على كل ما دار من حديث.
ملحوظة: * هذا هو لقائي الثاني بحازم جواد في سنترال پارك اوتيل، فقد كان الأول في بيت عبد الرحمن منيف يوم 1982/12/30. * عرفت، فيما بعد، أن لحازم جواد حصة في فندق سنترال پارك إوتيل في لندن، إلى جانب موفق الخضيري وجاسم الباقر. * الجريدة التي كنا نستعد لإصدارها هي جريدة (الآن)، ولها حديث آخر في هذه الذكريات.
* [email protected]
#محمد_سعيد_الصگار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أهي عناوين وهمية ؟
-
ليس براءة ذمّة
-
تحية إلى قمر البصرة
-
بطاقة إلى الحزب الشيوعي العراقي
-
أهذا هو الوفاء؟
المزيد.....
-
صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب
...
-
لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح
...
-
الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن
...
-
المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام
...
-
كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
-
إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك
...
-
العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا
...
-
-أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص
...
-
درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|