أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام محمد - حوار مع واحد مجنون















المزيد.....

حوار مع واحد مجنون


هشام محمد

الحوار المتمدن-العدد: 2725 - 2009 / 8 / 1 - 08:20
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كان لي زميل عمل، وشبه صديق، مولع بمحاورتي في شؤون الدين والفكر والسياسة وحتى الرياضة والفن. لم تكن تلك الحوارات "القسرية" لتولد بعفوية، وبلا مواعيد. كان صاحبي هذا يفرضها علي فرضاً. وكانت جل محاولاتي لتجنب السقوط في تلك الأفخاخ الحوارية دائماً ما تبوء بالفشل لشدة اصراره وعناده على ملاحقتي ومحاصرتي وأحيانا استفزازي. رغم امتعاضي من فضاضة اسلوبه إلا أني كنت اقدر له نبل مقاصده وطيب نواياه من تلك الحوارات والتي كان يأمل من ورائها تبيان خطل افكاري وتهافتها وسلامة أفكاره وصدقها، ومن ثم اعادتي لطريق الحق والنجاة. أما أنا فكنت اتفادى قدر الامكان الدخول في تلك النقاشات العقيمة لثلاثة أسباب: أولها، أن حواراتنا نحن العرب أشبه بمبارزات ومعارك كلامية، غالباً ما تورث الكراهية والتنافر والقطيعة بين أطرافها. ثانيها، أني لا اجد نفعاً من حوار مع شخص يؤمن مسبقاً أنه على حق وأني على باطل، ما دام أنه يتحدث نيابة عن الإسلام الذي لا يأتيه الباطل لا من خلفه ولا من بين يديه. ثالثها، أنه كغالبية المسلمين، شحيح في معارفه وضعيف في قراءته. ولما يكلف صاحبي هذا نفسه عناء القراءة والبحث وهو يتلقف شفاهة جواهر الحكمة ودرر المعرفة من افواه شيوخ الدين وكهنته!



تركت عملي السابق قبل خمسة اعوام تقريبا، وتقطعت خيوط الوصل بينه وبيني، إلا أن نتفاً من تلك الحوارات البائسة مازلت سابحة في فضاء الذاكرة. في احدى المرات، وبينما كنت متجهاً للمصعد، إذ به يلحق بي، وينحى بي إلى جانب المصعد. اقترب مني برأسه أكثر من اللازم، كأنه ينوي أن يهمس لي بسر...

قال بصوت خافت: هل أنت... ليبرالي؟

ربما ظن أني سأدفع تلك التهمة عني، لكني اجبته بكل هدوء: تلك تهمة لا أنفيها وشرف لا أدعيه.

نظر إلي نظرة مشفقٍ، قائلاً: ما لك بهذه الأشياء وعندنا الإسلام الذي لم يترك لا شاردة ولا واردة إلا وأدلى دلوه فيها! ثم مضى يعدد مناقب الإسلام وفضائله...يا أخي، الإسلام حدثنا عن كل شيء. لقد اخبرنا كيف نمشي، كيف ننام، متى نحيا، متى نموت، أين نذهب، ماذا نأكل، ماذا نلبس. يا أخي، الإسلام علمنا حتى ماذا نقول إذا جامعنا نساءنا، وركبنا سياراتنا، ودخلنا الأسواق، ودخلنا الحمام، وخرجنا منه.

قلت، وأنا لا أكاد أداري تململي من حديثه هذا: فعلاً، لقد انشغل الإسلام بتلك الصغائر من الأمور التي لا نفع ولا ضر منها، واهمل ما هو أهم وأعظم من قضايا جوهرية ومسائل كبرى تؤثر على حياة الفرد والجماعة.

قال بلهجة لا تخلو من التحدي: ما الذي اغفله ديننا؟ الله قال في كتابه: "وما فرطنا في الكتاب من شيء"!

قلت: ماذا ـ مثلاً ـ عن مسألة الخلافة والنظام السياسي؟ لماذا انشغل الله ونبيه بالصلاة والصوم والحج والجهاد والجماع والسواك واللحى دون مثلاً أن يحدد لنا كيف نختار الخليفة وكيف نعزله وكيف نحاسبه؟ أليس الإسلام نظاماً شمولياً كما تدعون، لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وخاض فيها؟ ألم يكن الله ورسوله على اطلاع مسبق بما سيلحق أمته من تمزق وتشرذم بسبب اختلافهم على كلمة واحدة وقائد واحد؟ لماذا ترك أمته نهباً للصراعات الدامية، وانهمك في اخبارنا عن التوافه من الأمور، مثل ماذا يستحب علينا قوله إذا سمعنا صوت الرعد أونزل المطر!



قال، وهو بالكاد يقاوم ضحكته على سخافة عقلي وبطلان منطقي: يا عزيزي، لقد أودع الله في رؤوسنا العقل، ومنحنا فسحة للتفكر والتدبر. الإسلام ترك لنا كثير من القضايا الدنيوية كي نديرها في ضوء الكتاب والسنة.

قلت مقاطعاً: سبحان الله! للتو قلت أن الإسلام لم يترك صغيرة أو كبيرة إلا وتكلم عنها، والآن تحدثني عن تفويض الإسلام للمسلم حرية إدارة شئونه الدنيوية في إطار كتاب الله وسنة نبيه! حسناً، سأتجاوز عن هذا التناقض الذي تعانيه أنت وباقي المسلمين من دون أن تشعروا به بالطبع. إذا صح أن الإسلام قد ترك لنا أن نحتكم إلى العقل فلماذا مثلاً ترفضون النظم العلمانية والديمقراطية كنماذج سياسية واجتماعية في ظل غياب رؤية دينية متماسكة وجلية؟

قال: لا حاجة لنا بالديمقراطية ولدينا ما هو خير...الشورى.

قلت: أجاد أنت أم تمزح؟ اتقارن نظاماً هزيلاً وتعيساً كالشورى بنظام رفيع ومتفوق كالديمقراطية؟!

قال محتجاً: لا تقل هذا! الشورى نظام إلهي ارتضاه لنا نحن المسلمين.

قلت وقد بلغ القرف بي حداً لا يطاق: يا سيدي الكريم! الشورى ليست منحة سماوية. العرب قبل إسلامك عرفوا الشورى ومارسوها. الإسلام، ابن البيئة البدوية، لم يعرف ديمقراطية اثينا الراقية، لهذا قبل بالشورى المتعارف عليها والمعمول بها عند القبائل العربية. ثم كيف تضع الشورى فوق الديمقراطية وليس لدينا في تاريخنا الطويل نماذج وأمثلة على استخدامات للشورى؟ ألا تعلم أنها تحيد كافة أفراد الشعب من المشاركة السياسية وتحصرها في عدد محدود من الأشخاص الذين يقع عليهم اختيار الحاكم، هذا إن وجدوا. ألا تعلم أن الشورى لا تلزم الحاكم بشيء، ولم يعرف يوماً أن أحد من القادة قد نزل على رأي تفتق عنه اجتماع مجلس الشورى المصغر.

غريب أمرك يا عزيزي! إنك تسخر من مجلس الشورى الصوري لدينا هنا، وتحتقره، رغم أنه أفضل بمرات من لجان الشورى التي عرفتها الخلافة الإسلامية. تتساءل متى سيبقى الفرد لدينا مغيباً ومقصياً من لعب دور ولو صغير في صياغة سياسات الدولة والتصويت عليها، وهذا ما تكفله لك "الديموقراطية الكافرة". أترفض الدواء لعلاج الأمراض المزمنة التي تعانيها هذه المجتمعات البائسة لمجرد أن وصفة العلاج تأتيك من الخارج، وليست موجودة بين دفتي القرآن والسنة؟!

=======

وفي مرة، ونحن في طريقنا خارج المبنى، سألني عن البرامج والمسلسلات التي اجتذبتني في شهر رمضان. قلت له، البرنامج الفلاني والمسلسل الفلاني، ثم ذكرت له اسم مسلسل "ربيع قرطبة" كأحد الأعمال الرمضانية المميزة. لم اكن أعلم أن اسم قرطبة سينكأ في داخله جرحاً عتيقاً منذ أن طرد عبدالله الصغير آخر ملوك الأندلس. خرجت من جوفه زفرة ساخنة كسموم مدينة الرياض في يوم صيفي لاهب، واتبعها بقوله: آه يا الأندلس! لقد اضعناها نحن العرب بتخاذلنا وتفككنا وتقاتلنا.

قلت مبتسماً: الحق عاد لأصحابه. الأسبان احق ببلادهم من العرب الغزاة.

قال بتمرم: المسلمون هم من أشعلوا قناديل الحضارة في تلك البلاد، وجعلوا من شبه الجزيرة تلك جنة للطوائف الدينية، وهم لا ينكرون ذلك.

قلت: اتتحدث باعجاب عن التعايش السلمي بين الأديان والأطياف الديني؟! إنك لا تطيق المختلف ولا تعترف حتى بحقه في الحياة فمالي أراك قد غيرت نغمتك الآن؟!

قال، متجاهلاً ما قلته للتو: صحيح أن الأسبان هم أصحاب البلاد الأصليين ولكن نحن من تولينا بناء تلك البلاد وتطويرها.

قبل أن يكمل، قلت: إذا كان الأمر كذلك فلماذا تحاربون اليهود وهم من جعلوا فلسطين، باستثناء المناطق التي يحكمها الفلسطنيون، جنة لا مثيل لها في منطقة الشرق الأوسط. لولا اليهود لكانت فلسطين كباقي البلدان العربية مع بعض الاستثناءات طبعاً؟!

هنا، هاج الأصولي القابع في رأسه: نحن المسلمون غير! نحن ذهبنا لأسبانيا والهند والصين ومجاهل أفريقيا كي نخرجهم من عتمة الكفر والضلال إلى نور الإسلام والحق. الله أمرنا بحمل الإسلام إلى شعوب الأرض. جهادنا تكليف وإلزام إلهي وليس بهدف استغلال أراضي الغير وسرقة خيراتها.

قلت: تخيل يا سيدي الفاضل لو أن مغولياً من أحفاد جنكيز خان وهولاكو خرج إلى الشارع مطالباً باسترجاع املاك اجداد الضائعة في أواسط آسيا والهند وايران والعراق. من المؤكد أن الناس سترميه بالجنون وسيحصبه الصغار بالحجارة. تخيل لو أن ايطالياً من أحفاد يوليوس قيصر ونيرون قد خرج إلى ساحات روما صائحاً: وايوليوسياه وانيرونياه! اعيدوا إلينا كروم وعنب وتفاح وزعتر الشام التي سرقها منا العرب الأجلاف. ستعتبره الناس مادة مسلية للتندر والضحك، وستلتقط كاميرات جوالاتهم بالصوت والصورة هذا الرجل الذي يبدو أنه قد بعث من جديد بعد ألفي عام!



عاد صاحبي مرة أخرى ليحدثني عن الرسالة الإلهية المزعومة التي يحملها المسلمون دون باقي البشر. وبدأ يحدثني عن سيناريوهات المستقبل، وأن الأرض ومن عليها سيرثها المؤمنون في نهاية الزمان!

هنا، أدركت أن صاحبي هذا ليس بأقل جنوناً من ذاك المغولي والإيطالي المتخيلين. سلمت عليه بسرعة، متذرعاً بحاجتي للذهاب إلى السوق قبل أن يؤذن لصلاة العصر. في طريقي لسيارتي، تساءلت عن عدد المصحات العقلية التي يلزم بناءها للمجانين، مثل صاحبي هذا! المضحك أنه لا يعتبر مجنوناً بمقاييس مجتمعاتنا، بل مسلماً مخلصاً، ومؤمناً غيوراً على دينه وشرفه. أما أنا العلماني الليبرالي فلست إلا انبطاحياً، ومتخاذلاً، ومتأمركاً، ومستلباً فكرياً، وذيلاً لقوى الاستكبار والإمبريالية، ومتسولاً على أبواب السفارات الغربية. بالمناسبة، هل تقدم السفارات الحاقدة مكافآت وحوافز لأمثالي من بني علمان وبني ليبرال؟ إذا كان هذا صحيحاً، فأرجو اعطائي عنوانها...ودمتم سالمين!!!






#هشام_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكتاب المستعمل
- حرية فرنسا الجميلة
- وداعاً مايكل جاكسون
- الحكمة المصلوبة
- وثني الأمس ومسلم اليوم
- هل أسلموا حقاً؟ أم تراهم يحلمون؟
- خير القرون...حقيقة أم خرافة؟
- استراليا تعلمنا كيف نتوظأ!
- خصوصيتنا ولو كره الكافرون
- كفانا مساجد!
- شروط صناعة المأساة: غزة والعراق ودارفور نموذجاً
- مواصفات البطل العروبي...وأشياء أخرى!
- يبكون على دماء غزة...ويرقصون على دماء العراق ودارفور!
- ملاحظات على الهامش
- ماذا لو لم يبعث محمد؟
- احجار الدومينو وأبو هريرة وابن عباس
- الكلام المحظور عن ختان الذكور (2/2)
- الكلام المحظور عن ختان الذكور (1/2)
- الشيخ غازي... وزوبعتان في فنجان
- مدينة الشيطان ترحب بكم


المزيد.....




- الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض ...
- من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرتا اعتقال نتنياهو وجال ...
- الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت ...
- تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ ...
- استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
- 82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام محمد - حوار مع واحد مجنون