أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عبد الحسين شعبان - وحدانية الدولة وتعددية المجتمع!















المزيد.....

وحدانية الدولة وتعددية المجتمع!


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 2732 - 2009 / 8 / 8 - 08:57
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


جعل الفكر الليبرالي ثلاثية: الدولة، والمواطن، والسوق متلازمة، فالمواطن والسوق حيز عام وليس الدولة، وكل ما هو ليس حيزاً عاماً هو حيز خاص. والمجتمع المدني خارج الدولة قائم على اقتصاد السوق، ثم أصبح يرتبط بتوسيع حقوق المواطنة خارج الدولة.
إذن لا يمكن تصور دولة دون مجتمع، كما لا يمكن تصور مجتمع دون دولة، أي قوانين وأنظمة ومؤسسات لحفظ النظام والأمن وحماية أرواح وممتلكات المواطنين. وإذا كانت الدولة ذات طبيعة دواوينية وتراتبية، فإن المجتمع له طبيعة أخرى بما لها من علاقات ومصالح وتكوينات وهيئات، تتقاطع وتتفاعل مع الدولة التي تنظم علاقات الأفراد مع بعضهم، كما تنظم علاقات الهيئات أو التكوينات الاجتماعية بالدولة.
ولعل من خصائص المجتمع المدني أنه تعددي، وهذا يعني التنوع والاختلاف، بل والصراع أحياناً، رغم قيامه على تضامنات جزئية أو عامة، ولعل ذلك أحد مصادر نمو السياسة ومبرر وجودها، والتعدد والاختلاف هو مصدر حركة وإغناء وتطوير، وعكسه هو السكون والثبات وعدم التطور.
يقصر البعض تعريف المجتمع المدني على التنظيمات والتجمّعات المتنوعة للفاعليات والانشطة المهنية، مثل: (النقابات، والمؤسسات الثقافية، والجمعيات المهنية، ومنظمات حقوق الانسان، والمرأة، والطفل، والبيئة، والصحة...الخ)، والبعض الآخر يمدّه ليصل إلى الأحزاب السياسية وتنظيماتها كما تذهب إلى ذلك مدرسة فرانكفورت اليسارية، في حين أن بعضاً آخر يعتبر هذه الأحزاب تستهدف الوصول الى السلطة، وتالياً كيف ستكون أحزاباً حاكمة ضمن إطار المجتمع المدني؟
ولهذا فهو يستبعدها، لأن وظيفة المجتمع المدني رقابية، رصدية، اقتراحية، اجتماعية، وليست الوصول الى السلطة، في حين يحاول البعض الآخر التوفيق بين قبول ورفض الاحزاب، فهو يستبعدها من دائرة المجتمع المدني، في ما إذا وصلت إلى السلطة، ويقبلها حين تكون خارج السلطة. ولعل في ذلك عودة إلى الفكرة التي تحدث عنها فلاسفة القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بخصوص التمييز بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي.إن سبب التمييز بين المجتمعين المدني والسياسي، أن الأخير يسعى إلى الهيمنة على المجتمع المدني سواء لعناصره الفردية أو الجماعية، محاولاً التأثير على واقعه ومستقبله أكانت سلطات حاكمة أو أحزاباً معارضة، ولهذا السبب فإن أغلبية دعاة المجتمع المدني، لا يعتبرون المفهوم يشمل الأحزاب السياسية، لأنهم معنيون بالأهالي، في حين أن الاحزاب معنية بالسلطة.
ومثلما يميز البعض بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي، يميّز أيضاً بين المجتمع المدني والمجتمع الأهلي، فالأخير مصطلح سبق انتشار مصطلح المجتمع المدني، وهو حسب المطران غريغور حداد كان ولايزال يشتمل على الأسر والعائلات والعشائر والقبائل والأعراف، التي تستند اليها أو تنبع منها، وكان غالباً ما تستوحيها في المذاهب الدينية وعاداتها... أما المجتمع المدني فيشتمل على المؤسسات الطوعية التي تعبّر عن إرادة الناس ومصالحهم... .
المجتمع المدني إذن هو تعبير طوعي عن إرادة الناس الحرة (قطاعات متعددة)، أما المجتمع الاهلي فهو عفوي وطبيعي وتلقائي بحكم الانتماء العائلي أو العشائري أو القبلي أو الجهوي أو غير ذلك.
ومثلما هناك فروق بين المجتمعات المدني والسياسي والأهلي، فهناك فروق بينه وبين المجتمع الديني، فالأول هو جهد طوعي في الفضاء العام من جانب مجموعة متفاعلة لديها مصالح مشتركة، أما المجتمع الديني ففيه تراتبية سلطوية أبعد من حدود الاختيار أحياناً.
إن شرعية وجود المجتمع المدني مهمة من حيث وظيفتها الاعتراضية السلمية، ذلك أن توسّع فكرة المجتمع المدني، فتح باباً لدخول شركاء جدد في الحياة العامة لا يشكّلون خطراً على الأنظمة القائمة، لكنهم يرصدون ويراقبون ويحتجون ويعترضون ويقترحون بدائل عما هو قائم، لدرجة أن بعض أطراف الحكومات أو أقطابها أحياناً تراه يصفق لهم بحرارة في فنادق الدرجة الأولى، لأن الأمر بتراكمه أنشأ فهماً مشتركاً وإن لم يتبلور بعد، من أن المجتمع المدني هو موجه في إطار ما هو قائم، ولا يريد التدخل بالسياسة أو إحداث تغييرات بالقوة، لكنه لا يلين بالدعوة إلى الإصلاح والتغيير، ويعتقد البعض أن دوره أقرب إلى دور الهيئات الأهلية في المجالات التطوعية، من أعمال خيرية وتربوية ومهنية ونقابية وغير ذلك.
أما بخصوص فكرة وجود مجتمع مدني عربي، فهناك من يشكك في وجوده، وإن وجِدَ فهو غير قادر على فرض إرادته أو رغباته أو تأثيراته على قرارات الدولة، كما هي حالة أوروبا الغربية والشرقية، أو حالة بعض أقطار شرق آسيا أو أميركا اللاتينية، بمعنى آخر حسب قول الدكتور باقر النجار من الصعب أن تجد مجتمعاً مدنياً في المنطقة العربية مستقلاً عن الدولة وقادراً بالتأثير عليها ، ولكنه يقبل بفكرة وجود منظمات غير حكومية أهلية مستقلة عن الدولة في بعض البلدان العربية مثل: مصر، والمغرب، ولبنان، والكويت، والبحرين، في حين أن الأقطار الأخرى لا تبدو فيها هذه المنظمات موجودة وإن كان الأمر بدرجات متفاوتة. إن الهدف من مناقشة مفهوم المجتمع المدني هو إخراج المصطلح من التأييد والرضا واليقينية حد التقديس عند البعض، ومن السخط والتنديد والاتهام حد التدنيس عند البعض الآخر، وتحويله إلى أمر تاريخي- اجتماعي ديناميكي ومتحرك، يمثل الطاقة الكامنة لدى فئات اجتماعية ومهنية واسعة للإسهام في صنع المستقبل السياسي والمشاركة في رسم السياسات من خلال نقد الخطاب السائد بين السلطة والمعارضة أحياناً، عبر حقل ثالث، يمثل خياراً مجتمعياً لتفعيل المشاركة وضمان الحقوق الانسانية وتأمين الحريات العامة والخاصة.
إن الإصوات العربية التي نددت بأطروحة المجتمع المدني الجديدة، لم تنطلق جميعها من رؤية واحدة، فمعظم الحكومات المحافظة أو الثوروية اعتبرتها تقليعة مستوردة أو مشبوهة وفعلت ذلك أيضاً الجماعات التقليدية المتشددة حتى وإن كانت في المعارضة، ونظر إليها البعض الآخر من زاوية اقترابها أو ابتعادها من الصراع مع القوى المهيمنة على المستوى الدولي، خصوصاً محاولات توظيف بعض مؤسسات المجتمع المدني أو بعض إداراتها لأجندات خارجية واستغلالها أحياناً بالضد من المصالح الوطنية العليا، أو هكذا يتم تفسير بعض النشاطات المطالبة بالحريات وحقوق الانسان باعتبارها ممالئة للغرب استرضاءً له كما يعتقد أصحاب هذا الاتجاه، أو للحصول على التمويل أو لمكاسب سياسية!
وهناك اتجاه نقدي للمجتمع المدني ينبع من داخله أحياناً انطلاقا من زاوية ديمقراطية وتنويرية وليس بهدف الإساءة أو التشهير، وهذا الاتجاه يرى أن المجتمع المدني ضرورة لا غنى عنها وحاجة ماسة، لا يمكن إحداث التحول والاصلاح الديمقراطي بدونها، بما يستوجب دعم مؤسساته والترخيص لها قانونياً، إلا أنه ينتقد بعض ممارساتها وتوجهاتها وتشبث بعض قياداتها بمواقعها، فضلا عن بعض أساليبها البيروقراطية واللاديمقراطية.
يمكنني القول إن المجتمع المدني العربي مازال ناشئاً وهو حديث التكوين، وفي بعض البلدان جنينياً أو ان هناك انقطاعاً قسرياً قد حدث فيه وعطّل من دوره كما هي التجربة العراقية، سواء قبل الاحتلال أو بعده، وهناك تداخلات كثيرة عليه، بل واتهامات جاهزة ضده، لكنه أخذ تدريجياً يتطور ويؤثر، خصوصاً أن طائفة من الاحتجاجات حتى في البلدان المغلقة والمحافظة أخذت طريقها الى التبلور، ولقيت اهتماماً دولياً حتى إن كان ذلك له علاقة بأجندة بعض القوى الكبرى الخاصة، لكن الأمر ينمّ عن إرهاصات بدأت تتأسس وتترك تأثيراتها، وإنْ كانت محدودة على مسار نقد الدولة والممارسات الحكومية، ومطالباتها بالاصلاح الدستوري والقانوني والاجتماعي وحق المشاركة وتأسيس الجمعيات والنقابات والأحزاب وحقوق المرأة وغير ذلك.
ولعلّ هذا الأمر هو جزء من مسار كوني ومن تطور أممي لا يمكن للبلدان العربية أن تعزل نفسها عنه، وكأنها جزر نائية غير معنية بالتطور الدولي، الأمر الذي يفرض على الحكومات مواكبة هذا التطور والسماح لمؤسسات المجتمع المدني، من العمل.
ولهذا، فإن البلدان العربية تغدو أكثر حاجة من غيرها إلى تنمية وتعزيز دور المجتمع المدني وتمكينه من القيام بواجباته من خلال كيانات مستقلة غير حكومية، غير ربحية، حرة وغير إرثية وقائمة على الانتماء الطوعي والتعددي وتتعامل مع منتسبيها على نحو شفاف وديمقراطي، وذلك لحاقاً بالتطور الدولي.
• باحث ومفكر عربي



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جدار برلين!
- مفارقة السيادة والتدخل الإنساني!
- نفط العراق.. وجوهر الخلاف
- النفط والاقتصاد الريعي
- الابرتهايد..
- يوم السيادة -العراقي- وشيء من المصارحة
- هل هي هموم «شيوعية» أم وطنية؟!
- استعصاء الديمقراطية؟
- خصوصية الحالة الإيرانية!
- هل القدس عاصمة للثقافة العربية؟
- سوسيولوجية المدينة وسايكولوجية الجماهير!!
- هل عادت أطياف ماركس أم أن نجمه قد أفل؟
- المجتمع المدني العراقي: هواجس ومطارحات!
- استراتيجيات المجتمع المدني
- الانسحاب الأمريكي الشامل من العراق أمر مشكوك فيه
- التنمية والمجتمع المدني العربي ..
- الديمقراطية التوافقية والديمقراطية «التواقفية»!!
- الجواهري نهر العراق الثالث!
- عن الاستفتاء والإصلاح في العراق
- التنمية والمجتمع المدني: الشراكة والتجربة العالمية!


المزيد.....




- ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ ...
- أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال ...
- الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق ...
- العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة ال ...
- البيت الابيض يعلن رسميا رفضه قرار الجنائية الدولية باعتقال ن ...
- اعلام غربي: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت زلزال عالمي!
- البيت الأبيض للحرة: نرفض بشكل قاطع أوامر اعتقال نتانياهو وغا ...
- جوزيب بوريل يعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنيا ...
- عاجل| الجيش الإسرائيلي يتحدث عن مخاوف جدية من أوامر اعتقال س ...
- حماس عن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: سابقة تاريخية مهمة


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عبد الحسين شعبان - وحدانية الدولة وتعددية المجتمع!