حسن الناصر
الحوار المتمدن-العدد: 2724 - 2009 / 7 / 31 - 09:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من الواضح ان المقومات الشخصية والسيكلوجية للرئيس الاميركي اوباما تتباين بشكل كبير عن سلفه بوش او من سبقه من رؤساء الولايات المتحدة , فشريط الفيديو الذي أثار ضجة أعلامية في الوسطين الاميركي والعالمي والذي يظهر فيه اوباما وهو ينحني انحناءة مبالغ بها امام ملك السعودية يعطي انطباعاً بلا شك عن شعور الرجل بالدونية قد تكون متأتية بسبب اصله الافريقي او بسبب جذوره الاسلامية , مما أوقع على عاتقه نتيجة لذلك حتمية النجاح في مشواره الرئاسي وتنفيذ وعوده الانتخابية التي مازالت تترنح في هذه المرحلة بالتزامن مع تركة ثقيلة خلفها له سلفه بوش من ازمة اقتصادية ضربت قلب الأقتصاد الاميركي مع اعباء الحرب مادياً وبشرياً في كل من افغانستان والعراق .
ورغم ان الولايات المتحدة هي دولة مؤسسات الا ان الدور الذي يضطلع به الرئيس يجعل منه عراب السياسة الأكبر بلا منازع فهو عديل الكونكرس في الثقل السياسي ان لم يترجح عليه وأدواته كرئيس فعالة التأثير أمام نفوذ الكونكرس ورغم ان مبدء الفصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية جامد وتام في النظام الرئاسي على العكس من النظام البرلماني الذي يكون فيه الفصل مرناً فان يد الرئيس الاميركي تمتد الى نفوذ السلطة التشريعية بعدة ادوات لعل ابرزها اناطة رئاسة مجلس الشيوخ الى نائبه الذي يدور بفلكه بطبيعة الحال , وهناك قول مأثور للرئيس ترومان يوضح هذا المعنى بقوله ( ان الصلاحيات التي يتمتع بها رئيس الولايات المتحدة تجعل من نابليون والقيصر والاسكندر المقدوني يحسدانه عليها) .
ومن سياق المقدمة اعلاه انتهي الى ضرورة مفادها بان السياسة الاميركية التي قد تحاك لعقود وآجال قادمة بناء على دراسات مستفيضة تجريها دوائر الاستخبارات ومراكز البحوث تعتريها احياناً انعطافات تتماهى وضرورة المرحلة وفق رؤيا مؤسسة الرئاسة التي تُختزل قراراتها بشخص الرئيس فقط , اذ حتى الوزراء الذين بمعيته ماهم الا مستشارين له خلافاً لما تحمله صفة الوزير في النظام البرلماني .
المترشح من الاحداث الاخيرة واللقاءات التي جرت بين الجانب الاميركي وبعض قيادات البعث والفصائل المسلحة في تركيا وبتنسيق مبطن من طارق الهاشمي بعد زياراته المكوكية الى هناك بحجة مفاوضات المياه مع الجانب التركي جاءت نتيجة ضغوط المحور الثلاثي العربي السعودية ومصر والاردن على الادارة الاميركية وبالاخص السعودية التي ترمي بثقلها الاكبرباتجاه أنفراد الحكم في العراق للطائفة السنية كهدف ستراتيجي لها تغذيه الخشية من طموح الشيعة من سكان المنطقة الشرقية الغنية بالنفط التي بدأت تتعالى اصواتهم بالانفصال عن السعودية مؤخراً ومن نفوذ ايران المتزايد في منطقة الخليج , اضافة الى البعد العقائدي المتأزم بين الشيعة والوهابية .
واذا علمنا بان الادارة الاميريكة الحالية تختلف جذرياً عن سابقاتها فشعور التعاظم وامتلاك مقادير الامور والهيمنة العالمية لديها بدأت تتقهقر امام الضرورة الملحة في معالجة الملف الاقتصادي الاميركي المنهك بالتعاطف مع نبض الشارع الاميركي الراهن الذي لايهمه من امر العراق وافغانستان شيئ بقدر اهتمامه بشأنه الاقتصادي اليومي , لذا نجد ان التحالفات والمؤتمرات وتنسيق الجهود بين الدول الأغنى عالمياً ومنها السعودية بطبيعة الحال بدأت تظهر بشكل واضح لأمتصاص الأزمة الاقتصادية التي تسببت بها الولايات المتحدة مما خلخل من موقعها المتصدر عالمياً امام تسلق الاتحاد الاوربي والصين .
ونتيجة للاسباب المذكورة آنفاً فان التأثير السعودي والخليجي خاصة وباقي المحور العربي عامة في مؤسسة الرئاسة الاميركية الحالية بات اكبر وامتن مما كان عليه في عهد الرئيس بوش الابن الذي اتصف بالصلابة وعدم الرضوخ للضغوط الخارجية والمحلية , مما ينسحب بالتالي على قوة النفوذ الإقليمي الراهن لهذه الدول في المنطقة وخاصة العراق .
المفرز من الموضوع بانه ليس من مصلحة الاميركان قلقلة عرى الصداقة مع حلفائها من دول الخليج الغنية امام شعارات نشر الديمقراطية في العالم التي اثبتت عقمها بعد استشفاف انحدار العراق الى مستنقع التطرف الديني الذي تقاتله اميركا اضافة الى قلقها من محور ايران المتنامي داخل المؤسسة السياسية العراقية.
من هذا المنطلق وبسبب فشل الحكومة الحالية في تخفيف محنة الشعب العراقي ورفع المستوى الخدماتي للبلد وتليّف بعض القضايا الشائكة التي أمست عسيرة على الحل او التوافق السياسي يأطرها دستور ملغم وفوضوي يضاف الى ذلك استفحال العداء الاقليمي للتجربة العراقية التي مازالت تتعكز على الولايات المتحدة التي انفردت في حقل الدعم المادي والاعتباري للعراق بعد ان تخلت اغلب الدول المتحالفة معها عن هذا الملف نجد ان آلية التغيير الحكومي في بغداد بانقلاب عسكري واردة في ذهنية الادارة الاميركية وان لم تكن حتمية , خاصة وانها كأدارة جديدة لاتتحمل وزر التغييرالسياسي في العراق الذي انجزته الادارة السابقة وهي من حزب آخر كما هو معروف , لذا لاتتكلف مسؤولية ادبية امام الرأي العام الاميركي .
يؤيد هذا الطرح ان هذه الاجتماعات جرت دون اشراك الحكومة العراقية , وفي تركيا التي تخشى من تنامي طموح الاقليم الكردي في الانفصال مما يهدد امنها القومي , هذا الاقليم الذي بدا واضح المعالم كدولة مستقبلية نتيجة العملية السياسية المترنحة في العراق, مع مراعاة ان القادة السياسيين في تركيا الآن هم نتاج احزاب ذات نكهة اسلامية وهناك معادلة ثابتة تقول بان كل نهج ديني فهو طائفي وكل نهج قومي فهو عنصري , لذا فليس من المستغرب ان تدعم تركيا مشروع تغيير الحكومة العراقية الحالية المصطبغة باللونين الشيعي والكردي اللذان يوقضان استعداء تركيا وريثة الدولة العثمانية , كما ان ظهور النفوذ التركي في الساحة العربية مؤخراً مؤشر على خلق توازن امام النفوذ الايراني المتنامي .
ان هذه الرؤيا ليست بعيدة عن ذهن سياسي العراق الان لذا نجد ان الكثير من الرعيل الثاني للسلطة بدأو بحزم امتعتهم ايذاناً بالرحيل لتعقب الاموال التي سرقوها والمودعة في مصارف العالم , فهذا عدنان الاسدي عين سفيرا في النروج وزميله حسين كمال سفيرا في اميركا والقائمة تطول.
ان المجسات الاميركية متيقنة ان في حالة قيام تغيير عسكري للسلطة في العراق بقيادة ضابط سني سيكسب وبقوة تأييد الجوار الاقليمي العربي , كما من المتيقن تأييده من الوسط السني على اختلاف توجهاته فعقدة احتكار السلطة مترسخة في وجدان الشخصية السنية العراقية يؤرقها شيوع الممارسات والشعائر الدينية الشيعية المتطرفة التي تناسلت بشكل غريب وهيمنت على الحياة العامة في العراق مما جعلت من الفرد الشيعي المعتدل ان يمتعض فكيف بالسني . اما الكرد الذين نشروا قواتهم بخطوط متقدمة لاقليمهم مع سيطرة كاملة على الاراضي المتنازع عليها فان التغيير ان لم يصب في مصلحتهم فلن يؤذيهم وسيقفون موقف المتفرج على ما ستسفر عنه الاحداث وقد اعتادوا الادارة المستقلة منذ عام 1991. والشيعة عدة اصناف فالبعثية منهم ومن كان في صفوف النظام السابق وتعرض للتنكيل والتشريد والتجويع من النظام الحالي فسيؤيد حتماً التغيير تحت أي ظرف لان الاعتبارت الشخصية اقوى بكثير من الاعتبارات الفئوية , والقسم الآخر الذي لم يكن له دور سابق او لاحق ويشعر بمرارة الحرمان والأسى وحجم السرقات والنهب الحكومي وتردي الخدمات فسيقف متفرج يترقب الاحداث دون تدخل, يبقى الطرف الذي تميشل وتجيش وفق اطر حزبية طائفية فسيحمل السلاح الى اجل مسمى ثم يتهاوى امام الزخم الداخلي والخارجي والبعض الآخر سيهرب الى ايران كما فعلها عام 1991 بعد ان ترك ابناء جلدته تحت رحمة دبابات الحرس الجمهوري , ولا اعتقد ستكون هناك مقاومة لها اعتداد فسيتهاوى كل شيئ كأوراق الشجر في فصل الخريف وذكريات الأمس ليست ببعيدة .
لذا يتحتم على الحكومة والبرلمان الذين ولّاهم الشعب هذه الامانة وقد خانوها مادياً أن لا يخونوها اخلاقياً , مع القليل من صحوة الضمير فامامهم نصف سنة او اقل وبالامكان رأب الصدع وتفويت الفرصة على زبانية الدوري ومحمد يونس الأحمد والتنظيمات التكفيرية , وعدم الركون للضغائن الشخصية او الاستماع الى اقلام السوء من المحرضين القابعين في اوربا والآمنين على أرواحهم وعوائلهم , كما لايعول على وعود العم سام التي طالما تملص منها وقلب لحلفائه ظهر المجن بعد ان تستدير بوصلة مصالحه بأتجاه آخر فالسياسة لاتمتلك أخلاق واوباما ليس ببوش .
أقول ويقول غيري بوجوب اجراء مصالحة وطنية حقيقية واستيعاب الجل الاعظم من ابناء الشعب لتأييد العملية السياسية , وان تعاد الحقوق المادية والاعتبارية للجميع عدا من ثبت اشتراكه بقرار قضائي في قتل الشعب العراقي في حقبة النظام السابق او الحالي , حيث ان التسامح من شيم الكرام ومقابلة الاساءة بالاحسان نهج الأبرار ناهيك عن مردوداته الايجابية بلجم الأحن وتكميم الاحقاد التي هي معول هدام في جسد العراق الذي لن يتعافى وهناك بطون مسغبة وأكباد تصرخ بالجوع , فيما دهاقنة السلطة يتنعمون بخيرات العراق بأفراط يضحك الثكلى ويشيب الاطفال .
كما يتحتم ايضاً صولة جادة على مكامن الفساد الذي ينخر بجسد المؤسسات الحكومية التي هضمت المليارات دون انتاج حقيقي او تطوير للبنى التحتية المتهرئة فالواقع مشين والخطر محدق وقد يقع ما نتخوف منه ولات حين مناص .
#حسن_الناصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟