|
من جنين إلى الفلوجة العجز الرسمي العربي خاصرة المقاومة الرخوة
نايف حواتمة
الحوار المتمدن-العدد: 830 - 2004 / 5 / 10 - 05:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يقول الشاعر العباسي أبو العتاهية: لكـل داء دواء عنــد عالـمه ومن لم يكن عالماً لم يـدر ما الـداء فما بالنا نمكن الداء من أحشائنا، ونحن نعرف يقيناً الداء والدواء ؟!! . لماذا بتنا أسرى دوامة زمن عربي دائري تظلله لا جدوى تراجيديا الخوف والقمع والعجز وغياب الفعل ؟!!. تراجيديا أكذوبة عديد الرسميات العربية الحاكمة التي لا تمل تكرار خديعة الانبهار بإعادة اكتشاف المكتشف، حتى تدفع عن نفسها حقيقة أن الزمن قد تجاوزها دوراً وبرامج، حين فشلت في تجاوز عجزها عن المقاومة والتغيير إذ اختزلت الأوطان ومصالح شعوبها في شخص الحاكم ومصالح حلفه السلطوي على قمة شرائح اجتماعية محدودة ومغلقة لا تفتح على الشعب وقواه الاجتماعية والحزبية والنقابية والثقافية التي تدفع نحو العصر الحديث، وإعادة بناء الدفاعات عن الأوطان وتقدم المجتمعات العربية. بحر من الدم أريق في جنين ويراق كل يوم في فلسطين، بحر من الدم أريق في الفلوجة ويراق كل يوم في العراق، لكن كل هذا لم يقطع حتى الآن السبات الذي يقف على عتبات الموات من مياه المحيط إلى الخليج كما نقول نحن المشارقة، ومن الماء إلى الماء كما يقول أخوتنا المغاربة. دم يراق وشعوب تغفو وتداور آلامها بين نواجذ وأنياب ومخالب الطامع المحتل وبين طواحين القمع المنظم . فاجأنا بعض العرب ممن جادت أنفسهم بالتعقيب على عطايا بوش الابن لشارون بأنهم تفاجئوا بموقف إدارة بوش الابن غير المتوازن، وكأن موقف هذه الإدارة أو الإدارات التي سبقتها اتسم يوما ما بالتوازن حيال الصراع في الشرق الأوسط، أو كأن هؤلاء المعقبين العرب أو أولئك الذين تلحفوا بالصمت سعوا حقيقة إلى انتزاع موقف متوازن من الإدارات الأمريكية المتعاقبة، والتي بقي دعم العدوانية التوسعية الإسرائيلية ركنا ثابتاً في سياساتها الخارجية. المأزق العربي الرسمي الراهن هو الابن الحرام لسياسات الـ (لا موقف) الرسمية العربية، والتي كانت تتحول في سياق التطبيق العملي إلى مقاربة مع الطرح الإسرا – أمريكي ، ففي الوقت الذي كان يذبح فيه الشعب الفلسطيني على أيدي القتلة الإسرائيليين بسلاح وتمويل أمريكي، كانت الكثير من العواصم العربية من وراء ستار دخان بيانات الشجب الممجوجة تفتح قاعات الشرف في ميدان حكامها لقتلة أطفال القدس والضفة الفلسطينية وغزة، وتتبادل فتح السفارات والمكاتب التجارية مع إسرائيل، وراح أكثرها يعلن براءته من مقاومة المحتل الإسرائيلي الغاصب، وكما عدوى مرض السارس سرت موضة لعب دور الوسيط المحايد بين الفلسطينيين والجلادين الإسرائيليين، لذلك لم يكن لنا مستغرباً أن عواصم بعيدة جداً عن خطوط التماس مع الاحتلال وجدت لها دوراً تلعبه في جوقة الوساطة والتطبيع . موقف أكثر الأنظمة العربية من الحرب الأنكلو - أمريكية على العراق ومن ثم احتلاله، قدم للأجيال التي ولدت في ظل أنظمة الحكم الشمولية العربية وديماغوجيا حرب البيانات الخلبية، صورة أكثر مرارة عما كان وجرى في النكبة الفلسطينية والعربية الكبرى في العام 1948، وعما سيجري إذا استمر واقع الحال العربي على ما هو عليه . فتحت مياه وسماء وأرض عربية لجيوش المحتل لتعبر منها إلى احتلال العراق وعودة زمن الاحتلال المباشر تحت وابل من زغاريد "عربان" أسكرتهم نشوة جيوش "التحرير" الأمريكية، لتفيق أمتنا على طعنات خنجر احتلال في العراق يمثل فك الكماشة الآخر للاحتلال الإسرائيلي، ولا ندري أين سيزرع في جسد أمتنا خنجر احتلال جديد . بضغط وابتزاز من بعض الدول العربية المتجاورة مع أجندة السياسات الأمريكية رسّمت جامعة الدول العربية مجلس الحكم العراقي ممثلاً للشعب العراقي، كل هذا حتى يؤمن احتلال هادئ للحليف الأمريكي !! وحتى تتم محاصرة المقاومة العراقية، وسقفها بسقف سياسات مجلس الحكم العراقي تحت سقف هيمنة المندوب السامي الأمريكي وكأن التاريخ استدار إلى عشرينات القرن الماضي، لكن دماء المقاومة العراقية التي انطلقت باكراً خلطت كل الأوراق، وعاد الكثير من "عربان" التنظير لتحرير العراق ليقروا بخجل أن العراق محتل، وبأن العراق يقاوم، ومن سخريات القدر أن إقرارهم هذا جاء متأخراً عن الإقرار الأنكلو – أمريكي بأكثر من عشرة أشهر، جرت فيها الكثير من الدماء العراقية . بائسة هي السياسات الإقليمية العربية التي تتغطى بقشور ادعاءات الدهشة والمفاجأة والأسف على المواقف الأمريكية المعلنة، وآخرها ما أُعلِنَ عنه قبل أيام في واشنطن، بوش الابن قالها على رؤوس الأشهاد بأن وجهة النظر الأمريكية في رؤيتها لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وفي شروط وأسس التسوية الدائمة تتطابق مع وجهة النظر الإسرائيلية الرافضة للانسحاب حتى خطوط الرابع من حزيران/ يونيو 1967تحت دعوى أن التسوية الدائمة يجب أن تأخذ بالحسبان الوضع القائم على الأرض، والتغيرات الديموغرافية والاحتياجات الأمنية لإسرائيل، وشطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين تطبيقاً لروحية القرار الدولي194، وحصر عودة البعض منهم إلى أراضي الدولة الفلسطينية المفترضة، وهذا أيضاً مقيد بالشروط الإسرائيلية . موقف السلطة الفلسطينية وبعض العواصم العربية المعلن أتحفنا باكتشاف أن الموقف الأمريكي هذا غير متوازن، مع قبولنا بعبثية إعادة اكتشاف المستهلك من الخطاب السلطوي العربي نقول للمرة ما بعد المليون، اكتشافكم العظيم هذا سيكون ذا معنى لو أسست عليه سياسة مواجهة تأخرت قروناً عدة لإعادة التوازن إلى السياسات الأمريكية، التي صبت على الدوام في صالح العدوانية التوسعية الإسرائيلية، وهذا لا يكون بسقف سلطوي فلسطيني وسياسي عربي هابط وقابل للهبوط أكثر مثاله الصارخ وثيقة يعلون نسبية والبحر الميت ـ جنيف، وتفكك وحدة موقف الدول العربية دون إجماع قمة بيروت 2002 على مبادرة السلام العربية، بل بثبات عند حدود الحقوق الدنيا للشعب الفلسطيني وللشعوب العربية، هل هذا ممكن؟ نعم ممكن، ولكن ثمنه الانخراط في برنامج عربي شامل مدافع عن الحق العربي في الأرض والسيادة عليها، وهذا بالطبع يتعارض مع سعي الكثير من الرسميات العربية التي لا ترى هدفاً لها غير اللهاث لوصل حبال الود التي تقطعها الإدارة الأمريكية، كمخرج وحيد في الحفاظ على ذواتها مجسدة بإدامة الحكم القاصر عن الارتقاء إلى الحدود الدنيا من حماية المصالح العربية المشتركة للأنظمة والأوطان. بؤس أكثر السياسات الرسمية العربية أنها تحاصر نفسها بنفسها، ولا أدل على ذلك من مبادرة "الشرق الأوسط الكبير" الأمريكية، فالتراجع تحت ضغط المشاريع الأمريكية ـ الصهيونية نتيجته الوحيدة والمنطقية فتح الشهية الاستعمارية، لأن الأطماع الاستعمارية التوسعية لا تقف عند حدود فلسطين والعراق، بل تسعى إلى قولبة المنطقة من خلال إعادة رسم خارطتها الجيوسياسية، قولبة تمس الوحدة الترابية لكل بلد من البلدان العربية، كما جرى ويجري في فلسطين والجولان السوري المحتل، والعراق والسودان. قولبة تشظي المجتمعات العربية وتردها إلى قبائل وجماعات متناحرة على أساس اثني وديني وعرقي وطائفي، وكل هذا مدخلاً لتكريس الهيمنة الأمريكية ـ الصهيونية على شعوب وأوطان وخيرات العرب. مما سبق فإن تعطيل إنجاز مشاريع وقرارات الإصلاح الديمقراطي الشامل في البلاد العربية وجامعة الدول العربية عن موعد القمة العربية شكل مؤشراً خطيراً على اختراق أمريكي ـ إسرائيلي كبير بات يهدد بشكل خطير بقايا النظام الرسمي العربي، فمن عطلوا إنجاز مشاريع الإصلاح الديمقراطي قرروا الاختلاف (أو لنقل قُرر لهم الاختلاف) على برامج يتفقون في ممارساتهم العملية داخل بلدانهم على عدم تطبيقها، فحتى الشعارات اللفظية بات ممنوعاً تعريبها، وحتى الممانعة اللفظية بات ممنوعاً إطلاقها. أمام هذا المشهد السلطوي الفلسطيني والعربي المتداعي لن نطلق الشعارات الكبيرة، لن نطالبهم مرة واحدة بالدمقرطة والأخذ بالفكر الحداثوي، وبخطط التنمية المتوازنة المستدامة لتحديث بلداننا، لن نطالبهم بالتشريع الفوري للتداول السلمي للسلطة وتشريع حق العمل الحزبي السياسي والجماهيري، سنطالبهم ببرنامج الحد الأدنى، برنامج الممانعة لا المواجهة الذي يقوم على الأسس التالية: أولاً: التمسك بقرارات الشرعية الدولية كأساس لحل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، والصراع العربي ـ الإسرائيلي، لأن التمسك بقرارات الشرعية الدولية كفيل بإعادة التوازن لخارطة الطريق، ومنع اثقالها بالشروط الشارونية المتساوق معها أمريكياً، كفيل بوقف التراجعات الخطيرة في وثائق يعلون ـ نسيبة، البحر الميت ـ جنيف، وتفكيك مبادرة السلام العربية، وكل هذا بنى عليه بوش وعوده لشارون، فوثيقة يعلون ـ نسيبة شطبت علناً وصراحة حق عودة اللاجئين، ووثيقة البحر الميت ـ جنيف فعلت ذلك مداورة وفعلت المحذور المرعب الآخر بالموافقة على ضم المستوطنات الاستعمارية الكبرى لإسرائيل، والموت السريري لمبادرة السلام العربية نتيجة تفكك الموقف العربي وغياب آليات التنفيذ لها، وعليه لا مكان لأصحاب هذه المشاريع الهابطة عن الشرعية الدولية بادعاء ما ادعوا من "استنكار" وعود بوش لشارون . ثانياً: تقديم الحدود الدنيا من الدعم المادي والسياسي للمقاومتين الفلسطينية والعراقية، ومنع الاستفراد بسوريا الهدف القادم للعدوانية الأمريكية. ثالثاً: إغلاق العواصم العربية لأبوابها أمام متعهدي التنازلات الفلسطينية ومثالها المسخ وثيقة جنيف ـ البحر الميت، وأمام من نصبتهم حكاماً للعراق قوات الاحتلال الأنكلو ـ أمريكي، حتى لا يتم خنق المقاومتين الفلسطينية والعراقية. رابعاً: الحفاظ على الحدود الدنيا من التنسيق العربي، بما يبقى على ما تبقى من النظام الرسمي العربي. خامساً: وضع برامج إصلاح ديمقراطي ملموس للانفتاح على الداخل العربي بغية تحصينه في مواجهة الخطط الإسرا ـ أمريكية الهادفة إلى تفتيت الوحدة الترابية لبلداننا، وتشظية المجتمعات العربية مقدمة لبسط الهيمنة الأمريكية ـ الإسرائيلية على المنطقة. هل ما سبق ممكن ؟!! جوابنا أن ما سبق لازم حتى نبعد عن شعوبنا الحرائق القادمة ومآسيها. وأخيراً نقول قدر الشعبين الفلسطيني والعراقي في هذه المرحلة أن يقدما على مذبح حرية وفداء شعوب وأراضي الأمة العربية المزيد من الدماء، حتى لا يقول قائل في حالنا العربي الراهن كما قالت شاعرة العرب الخنساء قبل ألف عام: إن الزمان وما يفنى لـه عجب أبقى لنا ذنباً واستؤصل الرأس ابقى لنـا كل مجهول وفجعّنـا بالحالميـن فَهُـمْ هامٌ وأرماس إن الجديدين في طول اختلافهما لا يفسدان ولكن يفسـد النـاس
#نايف_حواتمة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار مع نايف حواتمه
-
رسالة مفتوحة إلى القمة العربية المؤجلة
-
28 عاما على يوم الأرض في مواجهة حروب التهجير والتذويب
-
ليكن وفاؤنا لدم الشهيد الجليل وحدة وطنية في خندق المواجهة ضد
...
-
حواتمه في رسالة إلى الشعب الفلسطيني
-
شارون يريد ثمنا لهروبه من غزة سقوط أيديولوجية الاستيطان بداي
...
-
مقابلة مع نايف حواتمه
-
نايف حواتمة الامين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في
...
-
تعددت المشاريع والجوهر واحد إما اتفاق يشرع الضم أو ضم أحادي
...
-
مقابلة مع نايف حواتمه
-
حتى ينجح حوار القاهرة 3 أسس توحيدية يجب أن نتفق عليها …
-
هذا الشعب الذي علمنا معاً كيف نحب …
-
في الذكرى (86) لوعد بلفور الصهيونية صنيعه الانحطاط الأخلاقي
...
-
أنى للداء أن يكون دواء أوسلو – جنيف مرة أخرى بعيون -إسرائيلي
...
-
مقابلة مع نايف حواتمه
-
الذكرى (33) لرحيل جمال عبد الناصر
-
عشر سنوات على أوسلو تغييب أسس الحل المتوازن، والمرجعيات أسقط
...
-
عشر سنوات على أوسلو تغييب أسس الحل المتوازن، والمرجعيات أسقط
...
-
الانتفاضة الفلسطينية رافعة وطنية كبرى
-
طاولة مستديرة وحكومة وحدة وطنية
المزيد.....
-
الحكومة الإسرائيلية تقر بالإجماع فرض عقوبات على صحيفة -هآرتس
...
-
الإمارات تكشف هوية المتورطين في مقتل الحاخام الإسرائيلي-المو
...
-
غوتيريش يدين استخدام الألغام المضادة للأفراد في نزاع أوكراني
...
-
انتظرته والدته لعام وشهرين ووصل إليها جثة هامدة
-
خمسة معتقدات خاطئة عن كسور العظام
-
عشرات الآلاف من أنصار عمران خان يقتربون من إسلام أباد التي أ
...
-
روسيا تضرب تجمعات أوكرانية وتدمر معدات عسكرية في 141 موقعًا
...
-
عاصفة -بيرت- تخلّف قتلى ودمارا في بريطانيا (فيديو)
-
مصر.. أرملة ملحن مشهور تتحدث بعد مشاجرة أثناء دفنه واتهامات
...
-
السجن لشاب كوري تعمّد زيادة وزنه ليتهرب من الخدمة العسكرية!
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|