|
أين الله -حوار مابين مؤمن وملحد
راندا شوقى الحمامصى
الحوار المتمدن-العدد: 2721 - 2009 / 7 / 28 - 07:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سأل الملحد المؤمن بالله :في أي سنة وُجد ربك؟ قال المؤمن : الله موجود قبل التاريخ والأزمنة فلا أول لوجوده ثمّ سأل المؤمن: ماذا قبل الأربعة قال الملحد: ثلاثة فرد الممؤمن: وماذا قبل الثلاثة فقال الملحد: اثنان فسأل المؤمن: وماذا قبل الاثنان فرد الملحد: واحد فسأل المؤمن: وماذا قبل الواحد؟ فأجاب الملحد: لا شيء قبله فقال المؤمن: إذا كان الواحد الحسابي لا شيء قبله فكيف بالواحد الحقيقي وإنه قديم منذ الأزل ولا أول لوجوده فقال الملحد: في أي مكان يوجد ربك؟ قال المؤمن: لو أحضرت مصباحاً في مكان مظلم فإلى أي جهة يتجه النور؟؟؟ قال الملحد يتجه النور ويوجد في كل مكان قال المؤمن: إذا كان هذا النور الصناعي!! فما بالك وكيف بنور ربّك ربّ السموات والأرض!! قال الملحد: عرّفنا شيئاً عن ذات ربّك؟ فقال المؤمن: هل جلست بجوار مريض مشرف على الموت وفي النزع الأخير؟ قال: جلست قال المؤمن: هل كلمك بعدما أسكته الموت؟ قال: لا قال المؤمن: هل كان قبل الموت يتكلم ويتحرك؟ قال: نعم قال المؤمن: وما الذي غيّره؟ قال: خروج روحه قال المؤمن: أ خرجت روحه؟ قال: نعم فقال له المؤمن: صف لي هذه الروح-هل هى صلبه أم سائلة كالماء أم غازية كالدخان والبخار؟ قال: لا أعرف شيء عنها فقال له المؤمن: إذا كانت الروح المخلوقة لا يمكنك الوصول إلى كنهها فكيف تريد مني أن أصف لك الذات الإلهية!!!!!!!!!!!!!!!
وهذا يعني بأن الكون وجميع المخلوقات وما فيه من قوى قد خلقها خالق متعال وهو فوق قدرة الإنسان والطبيعة . هذا الموجود المقدس المنزه الذي نسميه الله سبحانه وتعالى له السلطة المطلقة على مخلوقاته وهو (القدير) بالإضافة إلى العلم والمعرفة الكاملة والشاملة وهو (العليم) . وقد يكون لدينا مفاهيم مختلفة عن الله وطبيعته وقد نصلّي له بلغات مختلفة وندعوه بأسماء متنوعة مثل الله ، يهوه ، الرب أو براهما ولكننا في جميع الأحوال نتحدث عن نفس الوجود المقدس المنيع . تعظيما وتجليلا لله سبحانه وتعالى يقول حضرة بهاء الله : " سبحانك اللهم يا إلهي أنت الذي لم تزل كنت في علو القدرة والقوة والجلال ولا تزال تكون في سمو الرفعة والعظمة والإجلال كل العرفاء متحير في آثار صنعك وكل البلغاء عاجز من إدراك مظاهر قدرتك واقتدارك كل ذي عرفان اعترف بالعجز عن البلوغ إلى ذروة عرفانك وكل ذي علم أقر بالتقصير عن عرفان كنه ذاتك(1-من كتاب "حديقة عرفان " ص53). أشار حضرة بهاء الله بأن الله عز وجل أعظم وأجل من أن يدركه أحد أو يتصوره العقل البشري المحدود أو يحدد بأي شكل من الأشكال : " شهد الله لنفسه بوحدانية نفسه ولذاته بفردانية ذاته ونطق بلسانه في عرش بقائه وعلو كبريائه بأنه لا إله إلا هو لم يزل كان موحد ذاته بذاته وواصف نفسه بنفسه ومنعت كينونته بكينونته وأنه هو المقتدر العزيز الجميل وهو القاهر فوق عباده والقائم على خلقه وبيده الأمر والخلق يحيى بآياته ويميت بقهره لا يسئل عما يفعل وإنه كان على كل شئ قدير وإنه لهو القاهر الغالب الذي في قبضته ملكوت كل شئ وفي يمينه جبروت الأمر وإنه كان على كل شئ محيط له النصر والانتصار وله القوة والاقتدار وله العزة والاجتبار وإنه هو العزيز المقتدر المختار". :" إن سبيل الكل إلى ذات القدم مسدود وطريق الجميع مقطوع . محض الفضل والعناية اظهر الله مـن بين الناس شموسا مشرقة من أفق الاحدية واعتبر عرفان هذه النفوس المقدسة هو عرفان ذاته". (بهاءالله) "سبحانك اللّهم يا إلهي كيف أذكرك بعد الذي أيقنت بأن ألسن العارفين كلّت عن ذكرك وثنائك ومنعت طيور أفئدة المشتاقين عن الصّعود إلى سماء عزّك وعرفانك، لو أقول يا إلهي بأنك أنت عارف أشاهد بأن مظاهر العرفان قد خلقت بأمرك ولو أقول بأنك أنت حكيم أشاهد بأن مطالع الحكمة قد ذُوّتَت بإرادتك وإن قلت بأنك أنت الفرد، ألاحظ بأن حقايق التفريد قد بعثت بإنشائك وإن قلت إنك أنت العليم أشاهد بأن جواهر العلم قد حُقّقت بمشيئتك وظهرت بإبداعك فسبحانك سبحانك من أن تشير بذكر أو توصف بثناء أو بإشارة لأن كل ذلك لم يكن إلا وصف خلقك ونعت أمرك واختراعك، وكلّما يذكرك الذاكرون أو يعرج إلى هواء عرفانك العارفون يرجعُنّ إلى النقطة التي خضعت لسلطانك وسجدت لجمالك وذُوّتَت بحركة من قِبَلك..."( بهاء الله، "منتخباتي، آثار حضرت بهاء الله"، لانكنهاين، ألمانيا، لجنة نشر آثار امري، ١٩٨٤، ص١٠-١١.) أكد حضرة بهاء الله بأن الله عزّ وجلّ منزّه عن إدراك كل مدرك، يعجز العقل البشري كل العجز عن أي تصوّر واضح لذاته أو وصف تلك الذات أو معرفة حقيقتها، إذ لا يعرف ذاته وكنه حقيقته إلا هو، فإجمالاً لا يعرف الله إلا الله: "فسبحانك سبحانك من أن تذكر بذكر وتوصف بوصف أو تثنى بثناء، وكل ما أمرت به عبادك من بدايع ذكرك وجواهر ثنائك هذا من فضلك عليهم ليصعدنّ بذلك إلى مقر الذي خُلِقَ في كينونتهم من عرفان أنفسهم، وأنك لم تزل كنت مقدساً عن وصف ما دونك وذكر ما سواك، وتكون بمثل ما كنت في أزل الآزال، لا إله إلا أنت المتعالي المقتدر المقدس العليم..."( "منتخباتي" ص ١١.) فالمشار إليه بالأسماء الحسنى ليس ذات الحقّ، فمهما أطلقنا على الله من أسماء وصفات وقلنا إنه القوي القدير أو الودود الرحيم أو العادل الكريم، فإن هذه الألفاظ ما هي إلا مشتقات أملتها علينا التجربة الإنسانية المحدودة لمعاني القوة والرحمة والعدالة والمحبة. والحقيقة إن معرفتنا لأي أمر من الأمور إنما هي معرفة محدودة وتقتصر فقط على مفهومنا الشخصي لصفات ومزايا تصوّرها لنا خبرتنا الضيقة وعقلنا المحدود. "اعلم أن العرفان على قسمين: معرفة ذات الشيء ومعرفة صفاته، ومعرفة الذات تكون بمعرفة الصفات ليس إلا حيث إن الذات مجهولة غير معلومة، ولما كانت معرفة الأشياء بالصفات لا بالذات وهي مخلوقة محدودة، فكيف إذاً يمكن معرفة حقيقة الذات الإلهية وهي غير محدودة... لهذا فمعرفة الله عبارة عن إدراك الصفات الإلهية وعرفانها لا إدراك الحقيقة الإلهية، ومعرفة الصفات أيضا ليست معرفة مطلقة، بل إنما تكون بقدر استطاعة الإنسان وقوّته، والحكمة عبارة عن إدراك حقائق الأشياء كما هي، أي على ما هي عليه، وذلك بقدر استطاعة الإنسان وقوته، لهذا فليس هناك سبيل للحقيقة الحادثة لإدراك كنه الذات، بل إنها فقط تدرك الصفات القديمة بقدر الطاقة البشرية، فغيب الذات الإلهية مقدس منزّه عن أن تدركه الموجودات، وكل ما يدخل تحت التصوّر إنما هو إدراكات إنسانية، فقوّة الإدراك الإنساني لا تحيط بحقيقة الذات الإلهية..."( "من مفاوضات عبد البهاء: محادثات على المائدة" من منشورات دار النشر البهائية في بلجيكا، ١٩٨٠، ص ١٦١-١٦٢.) من هذا يتّضح أن معرفة الإنسان بالله إنما تعني العلم بصفات الله وسجاياه وحَسب ولا تعني المعرفة المباشرة لحقيقة الخالق أو الذات الإلهيّة. وهذا بحد ذاته يطرح التساؤل: كيف نتوصل إلى معرفة الصفات الربّانية؟ لقد كتب حضرة بهاء الله ما معناه أن كل ما في هذا الوجود هو من صُنع الله، وكل شيء بالتالي ينمّ أو يكشف عن مزيّة من صفات خالقه. ومثال ذلك أننا نستطيع أن نستشف قدرة الله وعظم صنعه حتى ولو تأمّلنا في الحجر أو البلّور وكيفية تكوينهما يزداد إدراكنا لعظمة الله وتظهر قدرته وصفاته المهيمنة كلّما دقّقنا النظر فيما صفا من المعادن وما أُبدع خلقه وصناعته. ولمّا كان ابتعاث الله رسولاً أو مظهراً إلهيّاً هو أسمى وأرفع أشكال الخَلْق فجميع الكمالات والفيوضات والتّجليات لذات الحقّ ظاهرة في حقيقة المظاهر الإلهية، فالأسماء والصّفات والمحامد والنّعوت التي نصف بها الخالق العظيم كلها راجعة إلى هذه المظاهر المقدّسة: "إن ما في السماوات وما في الأرض مهابط لظهور الله وصفاته... وينطبق هذا على الإنسان بصورة خاصة، فقد اختصّه الله دون غيره من الموجودات فشرّفه وميّزه... وتجلّت في الإنسان صفات الله وأسماؤه على نحو أشرف وأكمل من غيره... وأكمل الناس وأفضلهم وألطفهم هم مظاهر شمس الحقيقة، لا بل كل ما سواهم موجودون بإرادتهم، ويحيون ويتحركون بفيضهم..."( "منتخباتي"، ص ١١٧-١١٨) (مترجم عن الفارسية) على الرغم مما يكشف عنه الحجر وما يظهره الشجر من إبداع الخالق ودقة صنعه، فإن الكائن الواعي، أي الإنسان، وحده قادر على تصوير الصفات الإلهية وقولبتها في حياته وتصرّفاته. وبما أن المظاهر الإلهية هي بالفعل في حالة الكمال، فإن أقرب فهم كامل للمعاني العميقة لصفات الله يتجلّى في حياة البشر. فالله لا يحدّه جسد ولا تحوطه مادة، ولذا فنحن غير قادرين على رؤيته جهاراً أو مشاهدة ذاته أو شخصه. ومن ثم فإن إدراكنا القاصر ومعرفتنا المحدودة للمظاهر الإلهية هما في الحقيقة أقصى ما نستطيع الوصول إليه في محاولاتنا لعرفان الله: "قل إن الغيب لم يكن له من هيكل ليظهر به إنّه لم يزل كان مقدّسا عمّا يُذكر ويُبصر... إن الغيب يُعرف بنفس الظهور، والظهور بكينونته لبُرهان الأعظم."( "منتخباتي"، ص ٣٩.) وفي قول آخر مشابه: "ولمّا أن كانت أبواب عرفان ذات الأزل مسدودةً على وجه الممكنات لهذا باقتضاء رحمته الواسعة في قوله سبقت رحمته كل شيء ووسعت رحمتي كل شيء، قد أظهر بين الخلق جواهر قدس نُورانيّة، من عوالم الروح الروحاني على هياكل العزّ الإنساني، كي تحكي عن ذات الأزلية وساذج القدمية..."( "كتاب الإيقان"، من منشورات دار النشر البهائية في البرازيل، ١٩٩٧، ص ٨٢ مترجم عن الفارسية)
#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أحد روّاد النّهضة العربيّة في مصر يُعرّف عبد البهاء والبهائي
...
-
وحدانيةُ الله من المنظور البهائي
-
نداء إلى أهل العالم من صغيره إلى كبيره
-
الأدب والدين
-
نحو مجتمعات متآزرة في عالم عناصره متفاعلة متحدة
-
ماهو الدين ؟؟؟؟
-
ما هو الدين؟؟؟؟؟
-
فليسقط الخلاف ولنُبعد الاختلاف-فلا خلاف ولا اختلاف
-
الوصيّة في البهائية وأهميتها-الجزء الثالث والأخير-(3)
-
الوصيّة في البهائية وأهميتها-(2)
-
الوصيّة في البهائية وأهميتها
-
الزواج فى التشريع البهائى
-
حقائق وبراهين للعاشقين
-
الرؤية البهائية للمجتمعات المتماسكة
-
دلائل الالوهية وبراهينها واثبات لزوم المربي للإنسان منذ الأز
...
-
اصحاب الكهف
-
من يخط طريق المستقبل-(2)
-
من يخط طريق المستقبل؟-(1)
-
الأمل في السلام العالمي الذي هو وعد حق
-
النظام العالمي القادم والعولمة
المزيد.....
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|