|
حتى نكون على بينة المشكلة الحقيقية ليست مع الاسلام !
جمال محمد تقي
الحوار المتمدن-العدد: 2721 - 2009 / 7 / 28 - 08:06
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
انما مع من يريد اشغالنا به وحصرنا به وخوض حروب دونكيشوتية معه وتصويره وكانه كتلة صماء تغلف المجتمعات العربية والاسلامية التي لا يمكن لها ان تتحرر منه الا اذا كسرته وسلمت نفسها وعقلها ومصيرها وبيضها الى رسول الحرية ومنقذ البشرية صاحب الدين الليبرالي الذي لا دين فيه غير دين الدراهم المدورة مع دورات راس المال التي لها وحدها الحرية المطلقة في تنظيم حياة الناس ، فالناس احرار حتى الثمالة وكاملي الحقوق حتى التخمة ، فقط عندما يكون الراسمال وسوقه هما من يقودان حركة المجتمعات ونموها ولا شيء اخر ، وان هذا الدين هو الذي يجب ان يسود ، انه دين العولمة الذي لا يرحم من لا يعتنقه بل انه قادر على جعله خارج التاريخ ، فالليبرالية خاتمة كل الديانات و لا دين بعدها حتى نهاية التاريخ هذا ما تريده اجندات العولمة الامريكية ومن يتجند لها جهلا او بالدفع المنظم مدفوع الثمن ـ دينكم دنانيركم ـ ! العكس صحيح مشكلتنا مع من يستثمر جهده وامواله مباشرة او بالواسطة في الاسلام وتسيسه لجعله شماعة ليسقط عليها كل غسيله الوسخ ، نابشا بالقبور ومتجزءا للحقائق في الموروثات العقائدية والروحية لمجتمعاتنا من اجل مزيد من الخلخلة والتفكيك وذلك بجعلها فعلا ـ ناقصة عقل ودين ـ وذلك يتكريس عقد وهمية بالنقص والدونية لتهرب من نفسها مرتمية باحضان من استعد مسبقا لتلقفها وتركها تدور حول نفسها ودون انقطاع لتدوخ ويغمى عليها ليفعل بها ما يشاء ! طبيعي جدا ان يكون هناك سلفيون ومتشددون وتكفيريون وهم قلة ، ان كانوا مسلمون او مسيحيون او يهود او سيخ او هندوس والتاريخ حافل بهم كما هو حافل بالاكثرية العادية في تطلعاتها الايمانية والسياسية ! الغير طبيعي ان يقرأ الدين من وجهه المتشدد والعصبوي فقط ، الغير طبيعي ان يستثمر الدين ومعطياته التاريخية وتأويلاته لاغراض سياسية داخلية وخارجية ، الغير طبيعي ان تتعاطى مخابرات ومراكز البحوث الاستراتيجية التابعة للبنتاغون والسي اي اية والحلف الاطلسي مع التنظيمات الدينية المتشددة بشكل انتهازي مقيت ، امريكا كانت حليفة استراتيجية للاسلام المتشدد في افغانستان ، وهي لم تكن بمعزل قبلها عن دعم الحركات المتشددة بالضد من الحكومات المعادية لها ، كما في تجربة عبد الناصر وعبد الكريم قاسم ! الم يتضح بان ابن لادن وعائلته كانوا اصدقاء صدوقين لعائلة بوش وتشيني ؟ اسأل هنا المتشدقين بالسياسة الليبرالية الامريكية : ما الفرق بين طالبان والسعودية كنظام ديني ؟ واذا كان الجواب يقول الفوارق بسيطة ، اذن لماذا تصمت امريكا صمت القبور ازاء السعودية ، بل لماذا تحمي النظام فيها من كل مكروه حداثوي لا يصب بمصلحة بقاء تبعية السعودية للامريكان ؟ نعم هناك انتقادات شكلية هنا وهناك لذر الرماد في العيون لكن المصلحة الامريكية تقتضي بقاء هذا النظام قائما حتى لو رفضته اكثرية الناس وهو لن يقوى البقاء لولا القمع المزمن الذي لا يضير الحرية الامريكية في امتصاص سوائل الذهب الاسود في ارضها ! تجاوز تخلفنا لا ينجز الا بتنمية حقيقية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية ، التعليم والتعليم العلمي ، والبناء العلمي للبنى التحتية ، والدفع قدما بالراسمالية الوطنية وخاصة الصناعية والخدمية ، وتعزيز دور القطاع العام الى جانب الخاص والمختلط ، ومحاربة الفساد بكل اشكاله ، والسعي لحماية المنتوج المحلي الزراعي والصناعي مع التخطيط الاستراتيجي للاكتفاء الذاتي ، واستثمار عائدات الثروات الطبيعية لاصلاح التشوه الحاصل بالاقتصاد وهياكله الارتكازية ، السعي لانجاز تكاملات اقتصادية وسياسية بينية ، وقبل كل ذلك بناء دولة المواطنة دولة المؤسسات الدستورية ـ تكافوء الفرص والتداول الديمقراطي للسلطة ـ !
اثناء صعود نجم حركة التحرر العربية واتساقها مع الصراع العالمي الى جانب قوى السلام والعدالة الاجتماعية واليسار في العالم لم يكن وقتها للاسلاموية السياسية ثقل يذكر ، الاخوان والمتشددون ومجالس الافتاء السعودي وهيئة النهي عن المنكر كلها كانت موجودة والازهر موجود والنجف ومرجعياته موجودة ، ولكن حركة التحرر العربية بمختلف روافدها كانت هي صاحبة زمام المبادرة ، صاحبة مشروع تحرري حداثوي اخذ بيد الشارع نحو افاق تتطلع للتنمية والحداثة التي لم تكن تالفها مجتمعاتنا ! ففي فترة الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي شرعت قوانين متقدمة للاحوال الشخصية ، وبعضها منع تعدد الزوجات ، وساوى بين المرأة والرجل في المفاصل الاساسية ، ومجتمعاتنا تقبلت ذلك رغم وجود الاصوات المتشددة ، ولكن بعد ان تراجعت حركة التحرر العربية واصبحت سمة العصر العولمة الراسمالية بنسختها الامريكية ، تراجعت اغلب المكتسبات المتحققة وارتفعت اصوات التشدد الديني بل مكنت من ان تكون هي صاحبة زمام المبادرة ! هذا الواقع لن يطول ابدا لانه واقع شاذ فيه ما يكفي من التناقضات لتجعله لاحقا هزيل متاكل ومنزوي ، مثله مثل العولمة الامريكية ذاتها والتي لا بد لها ان تهزم امام اصرار الشعوب بما فيها اكثرية الشعب الامريكي من اجل سيادة القيم الانسانية بالضد من سياسة التوحش الامبريالي تلك السياسة التي تغذيها الاطماع وحب التملك والبحث عن الارباح والغنائم دون الالتفات حول العالم للمليارات المتزايدة فقرا وجوعا ومرضا وحاجة ، والى مخاطر تهوراتها على البيئة وعلى مصير الانسان على هذه الارض ! مشكلة الانسانية جمعاء ليست الاديان التي مر على قيامها ازمان ودهور واحقاب وعصور ، مشكلة الانسانية جمعاء تكمن بالاستغلال الراسمالي الذي وصل لمرحلة لا تطاق بحيث يستغل فيها كل شيء ودون اي واعز اخلاقي او انساني ـ الدماء والارحام وجسد المرأة والرجل والطبيعة والبيئة ـ ولا يتورع عن الابادة الشاملة وباكثر الاسلحة فتكا من اجل مزيدا من الارباح والفوائد التي لا يتمتع بها سوى قلة قليلة من السكان ! الارض والانسان ومنذ الازل متصالحان بغزارة الانتاج ، ولكن ومنذ ظهور الملكية الخاصة وانقسام المجتمع طبقيا تعاني الارض والانسان معا من سوء في التوزيع هذه هي المشكلة ، وما عدا ذلك تفاصيل هامشية بعضها مضلل وبعضها تكرار وبعضها انتقائي وبعضها عصبوي !
#جمال_محمد_تقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النفط سلاح في معركة تقسيم العراق !
-
ابن رئيسنا سفير فوق العادة !
-
بلاد نشفت إلا من النفط والثورة !
-
هل سينكسر خنجر اوباما وهو يطعن الشبكة الحديدية ؟
-
ارض السواد تشوى وتملح !
-
اجابات مباشرة !
-
البارزاني يدستر للجمهورية الكردية الثانية بعد مهاباد !
-
من يعوض العراق ؟
-
مدينة الارامل المرأة العراقية في مسيرة التحرير !
-
خريف الليبرالية !
-
لمن نكتب
-
شنو يعني اشننزع بعد لاسرائيل حتى نغري النتن ياهو ؟
-
الخطاب غير النمطي لخادم الحرم الامريكي !
-
مبدأ الارض مقابل السلام تكريس للمغالطات الاسرائيلية !
-
تهافت الاديان يستدعي انتعاش الفلسفة ؟
-
هل القول بعودة المسيح او المهدي المنتظر -سماوي- ؟
-
فنتازيا الاديان السماوية !
-
ثلاثية العطش العراقي الماء والخضراء والحكم الحسن !
-
احبونا نحبكم !
-
وطني حقيبة وانا مسافر !!
المزيد.....
-
السيسي لرئيس الكونغرس اليهودي العالمي: مصر تعد -خطة متكاملة-
...
-
الإفتاء الأردني: لا يجوز هجرة الفلسطينيين وإخلاء الأرض المقد
...
-
تونس.. معرض -القرآن في عيون الآخرين- يستكشف التبادل الثقافي
...
-
باولا وايت -الأم الروحية- لترامب
-
-أشهر من الإذلال والتعذيب-.. فلسطيني مفرج عنه يروي لـCNN ما
...
-
كيف الخلاص من ثنائية العلمانية والإسلام السياسي؟
-
مصر.. العثور على جمجمة بشرية في أحد المساجد
-
“خلي ولادك يبسطوا” شغّل المحتوي الخاص بالأطفال علي تردد قناة
...
-
ماما جابت بيبي..فرحي أطفالك تردد قناة طيور الجنة بيبي على نا
...
-
عائلات مشتتة ومبيت في المساجد.. من قصص النزوح بشمال الضفة
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|