|
قواعد السؤال الوجودي للذات
وليد المسعودي
الحوار المتمدن-العدد: 2722 - 2009 / 7 / 29 - 07:06
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تظهر علاقة المجتمع العربي ، الاسلامي مع السؤال “ سؤال الذات والمجتمع والدولة والاخلاق والمعرفة .. الخ “ ضمن طبيعة استاتيكية جامدة ، ليس لان مجتمعاتنا خالية من الاسئلة الجوهرية المتعلقة بوجودها ، بل لانها تعتمد على المصادر الشمولية في السياسة والمعرفة والاخلاق .. الخ ، وهذه المصادر تقدم الأجوبة الجاهزة للفرد وما يحمل من تصورات حول وجوده اليومي والمستقبلي على حد سواء ، بالرغم من التناقضات التي يعيشها الفرد ، على صعيد الكرامة الانسانية ومستوى الحريات والتكافؤ في الفرص والإمكانيات البشرية ، والمصادر الشمولية من الممكن ان ترتبط بالدولة كأيديولوجيا “ قمع “ للسؤال والشك والرغبة في التغيير بعد استكمال مرحلة الفحص النقدي لدى الذات. ومن الممكن ان ترتبط بالسلطة الاجتماعية التقليدية التي تحبذ الاسئلة التي تدور في فلكها فحسب ، وليس تلك الاسئلة التي تستفز وجودها وتجعله معرضا للسؤال ، ومن ثم في موضع الصواب والخطأ ، والدولة التي تمنع المجتمع من التفكير والسؤال هي بلا شك دولة استبداد، ومثالها حاضر بشدة لدى مجتمعاتنا . كذلك الحال مع السلطة الاجتماعية التقليدية التي تفضل اسئلتها فحسب وليس الاسئلة التي من الممكن ان تغادرها اي تغادر وجودها المعرفي والثقافي . ان السؤال هو اس المعرفة والفلسفة والبحث العلمي ، من خلاله تولد الاجوبة والفرضيات والافكار الجديدة ، تلك التي تنتجها المخيلة البشرية ، وتلك التي تعيد انتاجها من جديد وفقا لمقتضيات العصور الجديدة اللاحقة ، والمجتمعات التي تعيش بلا اسئلة تخص وجودها هي مجتمعات معطلة عن الانتاج المعرفي والثقافي والانساني بشكل عام . ان اول الاسئلة التي ينبغي ان يطلقها الانسان العربي تتمثل في مساءلة الذات “ اعرف نفسك “ من خلال التعرض لها من حيث الموقع الوجودي والمعرفي والعلمي والقانوني .. الخ ، مقارنة بالذوات الاخرى المناقضة والمختلفة عن تفاصيل وجودنا الذاتي ، وهل تتمتع الذات العربية بكونها مستقلة عن السلطة الحاكمة؟ اي هل تملك فرديتها التي تقرر الحرية والاختيار بمعزل عن تأثيرات الدولة الحاكمة او نسق السلطات الحاكمة ؟ ولماذا يتم في كثير من الاحيان ربط مفهوم الذاتية لدينا بمفاهيم لا تحث على التفرد والاختلاف والاعتراف بقيمة المنجز الذاتي بعيدا عن نسق الافكار السائدة او نسق السلطة السائد ؟ ولماذا ايضا لا يوجد لدينا تاريخا من الحرية الذاتية في الابداع والاكتشاف بعيدا عن محددات السلطة ووجودها المعرفي؟ كل ذلك يضعنا امام عملية تشريح الذات العربية الاسلامية من حيث المعرفة التي اقصت الذاتية لدينا وبلورت تاريخيا مفاهيم لا ترتبط بما هو مرادف للذاتية اي الجماعية “ حكم الجماعة “ بل مرتبط بمفاهيم السلطة التي تتبع الحاكم الجائر ، المستبد ، الذي يفرض سلطانه على الجماعة ، بحيث تغدو الاخيرة اكثر قبولا بما يصدر عنه ، الامر الذي جعل الذاتية لدينا ليست بذاتية الجماعة “ اهل الحل والعقد “ بقدر ماهي ذاتية الحاكم المتفرد الذي كثيرا ما يأخذ صفات الإله المطلق ضمن مزدوجتين من الخير والشر ، الرحمة والعدل والقوة والجبروت .. الخ ، كل ذلك انسحب على طبيعة ذاتنا المعرفية اليوم نتيجة هيمنة هذه التصورات التاريخية عن الذات البطولية ، فضلا عن بقاء ذاتنا تابعة الى نموذج السلطة او الحاكم ضمن مقولة الناس على دين ملوكها ، وهذه المقولة تحمل الكثير من الحقيقة من حيث تبعية الناس الى طبيعة النظام السياسي والاقتصادي الذي يسهم في بقائهم ووجودهم ، وذلك الاخير لايمكن التعبير عنه إلا من خلال سياقات السلطة المطلقة وطبيعتها الجاهزة . ان مفهوم الذاتية لدينا يعاني من غياب التاريخ المؤنسن لها معرفة وسلوكا وخيار بشريا ، وذلك بسبب ما اسلفنا اعلاه من هيمنة ذاتية الحاكم وتأثيرها على ذاتية المجتمع بشكل مستمر ومتواصل وكذلك بسبب هيمنة النظم الشمولية في التفكير والمعرفة ، الامر الذي جعل حداثتنا منقوصة وغير مستوعبة للماضي والتاريخ والتراث إلا من خلال لغة التبجيل والتعظيم والثناء .. الخ ، بحيث لم توجد او لم تنتشر الكتابات النقدية لذلك الماضي او التراث ، كذلك الحال مع نقد التجارب الفاشلة من الحداثة في شكلها القومي الشمولي لم يوجد من يكرس لها الجهد والمعرفة بالشكل الذي يجعلها اكثر انتشارا وتأثيرا ، تلك المعرفة الموضوعية حول الذات ضمن طبيعتها الجاهزة والحاضرة وليست ضمن طبيعتها المثالية او تلك التي يراد لها ان تكون ، وذلك لان مغادرة الواقع يجعلنا نعيش في اوهام، كثيرا ما تدعمها السلطة الثقافية حول الذات المطلقة . ان محاولة انسنة الذات العربية والاسلامية نجدها في كتابات محمد اركون ونصر حامد ابو زيد والسيد القمني وخليل عبد الكريم .. الخ ، بالرغم من ان هذه الكتابات غير منتشرة في كثير من المجتمعات ، وهنا نذكر السعودية على سبيل المثال . كيف يمكننا تأسيس مفهوم الذاتية لدينا بعيدا عن طبيعة السلطة السائدة ونسقها المعرفي؟ كل ذلك يحتاج الى جهود معرفية ومشاريع ثقافية يأخذ بها الباحث والمفكر والمثقف الحديث ويجعلها قاعدة في بحثه وتنظيره الثقافي من اجل تجاوز مزدوجتين من الماضي والحاضر كما اسلفناه اعلاه ، وذلك التنظير يأخذ بنظر الاعتبار جميع الاخفاقات التي تعرضت لها الذات ويكشف عن ملابساتها وظروفها وكيفية الوصول الى الظاهرة الحالية اليوم من غياب مفهوم الذاتية على سبيل المثال ، وذلك الامر يتحقق من خلال مجموعة قواعد ندرجها كالتالي: 1 - قاعدة التحري والكشف عن الاخطاء : هذه القاعدة تبدأ بعملية البحث والكشف المستمر عن جميع الاخطاء والاخفاقات التي تعرضت لها الذات العربية الاسلامية منذ ظهور الاسلام او بالاحرى ما قبل ظهوره ، وذلك على اعتبار ان مجتمعاتنا ما تزال تحمل الكثير من الرواسب التي عبرت ازمنة الدين الاسلامي وظلت قابعة في نظامه المعرفي والثقافي ، وهنا نقصد بنظام العصبية والقبيلة الذي وجد ليؤسس له بشكل نظري وثقافي ضمن الابنية الفكرية للدين الاسلامي ، وهكذا نقول ان قاعدة التحري تجعلنا ماكثين في طبيعة الفحص التاريخي البعيد والقريب عن الاخطاء والاخفاقات التي تعرضت لها الذات ومدى الفشل في البناء والتطور طيلة ذلك التاريخ . 2 - قاعدة الشك او عدم اليقين : وهذه القاعدة تبدأ بعد عملية البحث والتحري والفحص التاريخي للاخطاء والاخفاقات ، من خلال اخضاع كل المعارف المنقولة والموروثة الى قاعدة الشك وعدم اليقين من خلال ربطها بالزمن المنتج لها ومن حيث توافر الظروف والآليات التي قادت الى تأسيسها بشكل يجعلها في مصافي المقدس والمتعالي عن النقد والكشف عن مضامينها ، وقاعدة الشك وعدم اليقين تمكننا من جعل المعرفة نسبية الحضور والتأسيس ضمن محتواها البشري الانساني ، دون مطلقات جاهزة تتبعها عادة السلطة المنتصرة سياسيا ، وبما انه لايوجد خطاب بريء، حسب تعبير رولان بارت، فان كل الخطابات والظواهر المعرفية مرتبطة بسياق وجودها السلطوي الذي يمثل الاخضاع والفرض والسيطرة بعيدا عن محتوى المعرفة او الفكر الذي تحمله الطبقة السياسية المنتصرة . وقاعدة الشك تبدأ في التخلي المطلق عن كل جاهز معرفي وثقافي يحمل الحقيقة في داخلنا ، حتى وان كانت هذه الحقيقة مرتبطة بأعز ما نملك من قيم ومعارف اعتدنا على قبولها بشكل مطلق الى حد بعيد . 3 - قاعدة التراكم المعرفي للنقد : وهذه القاعدة تتمثل في تكوين الكثير من التراكم المعرفي النقدي للذات دون مسبقات تتعلق بهذه الايديولوجيا او تلك او دون الوقوع في نظرية المؤامرة ، تلك التي تتصور ذاتنا المعرفية محاطة بالكثير من الاعداء الذين يريدون الغائها ونهايتها ضمن صورة الاعداء الذين عادة ما تصنعهم الطبقة السياسية المنتصرة من اجل ان تضمن بقائها في الهيمنة والوصاية على الافراد والمجتمع بشكل عام . ان قاعدة التراكم المعرفي النقدي ضرورة من ضرورات التجاوز والحداثة من خلالها نتمكن من تكثيف النقد وجعله سمة مجتمعية وثقافية حاضرة لدى الزمن القادم من خلال معايير العلمية والموضوعية الهادفة التي تحتاج الى المزيد من الحرية والجرأة في تكوينها وجعلها في سياق المألوف واليومي في حياة الناس وسلوكهم . 4 - قاعدة التفكير بالانسان : واخيرا لدينا قاعدة التفكير بالانسان وجعله مقياس لكل حقيقة ومعرفة ، وهذه القاعدة من المؤكد هي احدى قواعد العلم الحديث الذي انطلق منذ عصر النهضة مع ديكارت وسبينوزا ونيوتن وباسكال ، ومحورها ان التفكير بالذات ، الانسان ، يقود الى المزيد من الاضاءة حول مجمل المعتمات التي تواجهنا في السياسة والاقتصاد والمجتمع .. الخ ، وهذه القاعدة تجعلنا في عمق الوجود تفكير ومعرفة وتفسيرا له من حيث المعطيات الحاضرة والسابقة له ، من خلالها نتمكن من سبر ذاتية الانسان نحو المزيد من الحرية في الابداع والتقدم الدائمين .
#وليد_المسعودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الايديولوجيا في مناهجنا التربوية
-
مسارات التنوع الثقافي في العراق
-
المثقف والحرية واسئلة المستقبل
-
أطفال في الشوارع بين التسول والضياع
-
مفهوم الحقيقة بين العلم والدين
-
معوقات ثقافة الابداع في العراق
-
في تاريخية الكتابة والموت ( قلق الكاتب من محو الذاكرة )
-
فاعلية المثقف من العزلة والرفض الى الممارسة الاجتماعية
-
نحو علمنة الزمن الثقافي العربي
-
أزمة العقل السياسي العراقي ( بين الخضوع الايديولوجي وإعادة ا
...
-
البحث عن مهمة اجتماعية للفلسفة.. فكر لا يغادر مدارج الجامعة
-
الذات والاخر في صورة النقد المزدوج
-
معوقات مجتمع المعرفة في العالم العربي
-
سياسة الاندماج الاجتماعي الفعال في بناء الدولة العراقية
-
حرس بوابة الاخبار
-
مشروع ديكارت الفلسفي وإعادة ترتيب الوجود
-
المجتمع الجماهيري .. عامل محافظة ام تطور
-
مفهوم الحرية ركيزة اساسية لتطور المجمتع
-
محددات ثقافة الارهاب
-
لماذا يفشل المثقف الحر في في انتاج ابداع مختلف (المثقف والمؤ
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|