أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سليم الزريعي - قوى الإسلام السياسي : الخطاب والإيديولوجيا















المزيد.....

قوى الإسلام السياسي : الخطاب والإيديولوجيا


سليم الزريعي

الحوار المتمدن-العدد: 2719 - 2009 / 7 / 26 - 06:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بالاعتماد على ارتفاع الصوت ؛ وتسخير منظومة دعاوية وإعلامية استطاعت بعض قوى الإسلام السياسي أن تزين الواقع ، وحتى أن تغيّب الحقيقة وبشكل متعمد ؛ إذا ما كان ذلك في خدمة مشروعها السياسي ، يقينا منها أن الناس يجب أن تصدق ما تقول ، مهما كان ذلك القول مجافيا للواقع ؛ وإن جاء بشكل فج أحيانا ؛ وذلك بالاتكاء على ما تحاول ضخه من دعاية ؛ من أنها لا تقارب إلا الصواب والحقيقة المطلقة كونها تنتمي إلى قوى الإسلام السياسي .

وأي مراقب لما تقوم به تلك القوى ، يجد أنها تصيب وتخطئ كغيرها من القوى ؛ غير أن المشكلة هنا هو أنها لا تسلم بأنها قد تخطئ ، بل إنها تصر على أنها هي من يمسك باليقين سياسيا كان أو اقتصاديا أو فكريا ؛ وتلك في الجوهر هي مشكلة الأحزاب الإسلامية ؛ وكل الأحزاب الدينية ؛ في أي مكان من العالم ؛ ولأي دين انتموا .

فأن يكون الحزب ربانيا ، فهو هنا قد قطع صلته بالآخر ابتداء ، وأصبح وسيطا أو وكيلا عن الله ، وهو من ثم الوكيل الذي لا يمكن لأحد حزبا أو قوة سياسية أو اجتماعية أن تخطئه ؛ أو ترفض ما يقول به ؛ لأنها تصبح عندئذ خارج دائرة " الإيمان " ؛ لأن معيار تظهير الإيمان لدى تلك القوى ؛ هو أن تأخذ بما تقول باعتبارها الحقيقة أيا كان ما تقول سواء كان له علاقة بالواقع أو حتى بالعقل من عدمه .

ذلك أن تلك القوى لا تعرف العقل ، أي العقل المفكر ، وتريد من الناس عوضا عن ذلك العقل ، أن يكونوا بمثابة آلات مسيرة واجبها الشرعي كما تُظهر لهم ، هو أن يصدقوا بل وأن يؤمنوا بما تقول ، وحشر دور العقل في ذلك الحيز الضيق ، الذي يبعده عن وظيفته ، وهي التفكير والبحث والفحص والاستنتاج والقياس والاستدلال عبر العقل النقدي باعتباره مفتاح البحث عن الاقتناع ؛ في مقاربته للحقائق بعيدا عن التلقي السلبي الذي يصادر دور العقل العاقل .

وهي لذلك تمارس دور تغييب الوعي ؛ عبر خطاب ترجعه إلى مصدره غير البشري من أجل مواصلة استلاب عقول الناس ، خاصة في تلك المجتمعات التي ما زالت تعيش الحالة الأبوية على الصعيد النفسي والاجتماعي ؛ في إدارتها لحياتها ، حتى لو لم يكن هذا هو الواقع الموضوعي في ظل الحراك الاجتماعي الذي طبع العالم وخاصة المنطقة العربية بطابعه خلال النصف الثاني من القرن العشرين ؛ وبين أقصى حدود الترهيب ؛ وكذلك الترغيب تجري عملية إنتاج يقينيات تهرب من مواجهة واقعها البائس ، إلى ذلك النعيم الأخروي التي تُوعد به ، عِوضا عن تغيير هذا الواقع الآن ؛ عبر الفعل الواعي في الدنيا ،وليترك أمر حياته الأخرى كعلاقة بينه وبين خالقه .

ولعل أخطر ما تقوم به تلك القوى هنا ، هو في قيامها بالتقاط الشباب في سني المراهقة الغضة ، وقبل أن تتبلور اتجاهاتهم الفكرية من أجل توجيههم نحو وجهة محددة عبر حملة تلقين هي في تضاد مع فعل العقل النقدي؛ الذي من شأنه أن يكوِّن شخصية الإنسان ، وذلك عبر تجاوز العقل الفردي إلى البحث عن عقل جماعي عبر نموذج قائم يجب تمثله مهما كان مجافيا للواقع ، ولذلك يجري صياغة عقل ينكر أي نماذج حياتية أخرى معاشة في الواقع ؛ لصالح نموذجه الذي اقترن بذلك الأساس غير البشري في كل أبعاده .

هذه الحالة من استاتيكية العقل ، تعمل في إطار تلك الدائرة المغلقة من اليقينيات التي يصعب معها تصور وجود نماذج أخرى صالحة في الحياة ؛ يمكن أن تكون خيارا واعيا للناس ، ولذلك فإنها تتعامل مع تلك النماذج وفق شرط الضرورة ، ولكن على قاعدة أنها تعمل على نفيها في الواقع ، ارتباطا بأنها قد نفتها في العقل والذاكرة مسبقا ، حيث ما من مساحة لأي شيء آخر باستثناء نموذجها الذي يبدو وحده مفتاح أي مقاربة مع الآخرين .

وشرط الضرورة ذاك يعتبر شرطا مؤقتا بالنسبة لها ، ولأن الأمر كذلك فإنها قد تضطر إلى التعامل مع الآخرين وفق ما تعتبرها " التقية " ؛ كضرورة تفرضها المصلحة ؛ لكن جوهر فكرها وممارستها ، ينطلق من عدم الاعتراف بالآخر مطلقا ، مثال " نموذج طالبان " و " نموذج إيران " وعدم الاعتراف لا ينطلق من سبب دنيوي ، بل إنه يتأسس على بُعد إيديولوجي ، كون تلك القوى تعتبر نفسها الوحيدة التي تملك الحقيقة ، التي يجب أن تسود، وهو الهدف الذي تعمل من أجله ، وهو هنا تكليف شرعي ؛ هي من حددت زمانه ومكانه وإطاره وأدواته ،ومساحته ، وهو هنا ممتد ولا نهاية له .

هذا الواقع يعني بالضرورة التناقض مع الآخر أو الآخرين؛ الأمر الذي يجعل من تصرفات تلك القوى في إطار المشهد العام ، مشوشة وأحيانا متناقضة ، وأحيانا مصلحية بامتياز ، تحاول أن تغلف كل ذلك بخطاب تبريري دعاوي من السهل قبوله وتصديقه بل والتعبئة به ؛ لدى من استطاعت أن تصادر عقلهم النقدي ؛ لصالح عقل يقف دوره فقط عند التلقي ؛ دون أن يفكر، وهو لذلك مستعد في ظل حضور الغرائز عبر عملية الشحن الأيديولوجي أن يصبح بمثابة كائن بشري يسيره عقل آخر في ظل غياب عقله الذي تم استلابه تماما لصالح العقل "النموذج " الذي يجب أن يطاع فقط .

وهي لا تتورع عن فعل أي شيء من أجل تغليب نموذجها المفترض باعتباره أمرا مبررا شرعا ؛ كونه النموذج الفوق بشري كما يقول أصحابه ، الصالح لكل زمان ومكان كما يروه هم ؛ ومن أجل الوصول إلى ذلك لا بأس من استثمار الآليات الديمقراطية ، كأحد الخطوات اللازمة على طريق هيمنة نموذجها ؛ وساعة تصل إلى ما تريد ؛ فإنها عندئذ ستغادر تلك الآليات ؛ لأن دور تلك الآليات كان فقط في إيصالها لما تريد وحسب ، خاصة بعد أن استطاعت أن تقيم نموذجها الفوق بشري ، الذي لا يجب أن يخضع لما هو أدنى منه ؛ أيا كان النموذج الآخر .

لأنه من غير الشرعي بالمعنى الديني عندئذ ؛ أن يتم تغيير هذا النموذج الفوق بشري ؛ إلى نموذج آخر بشري ؛ كون غاية ما تعمل عليه تلك القوى هو إقامة ذلك النموذج النهائي كما تعتقد ؛ ولأنه كما تقول نهائي فلا معنى أو مجال عندئذ ، لما يسمى ب" لعبة الديمقراطية " ؛ وما يسمى بتبادل السلطة ، خاصة وأن السلطة المستندة إلى الإرادة الإلهية قد أقيمت ولا مجال لتبديلها ، حيث لا مجال عندها لأي وجود سياسي خارج نطاق تلك الدائرة المغلقة بإحكام ، والشواهد على ذلك في إيران وأفغانستان والسودان ( الترابي ) ،كما هي أيضا في غزة.

ولذلك لا يمكن أخذ ما تدعيه تلك القوى بأنها مع التداول والديمقراطية ، إذ كيف يمكن لها أن توافق على استبدال نظاما فوق بشري ، بما هو أدنى منه ؛ أي بنظام بشري ، كونها إن فعلت ذلك ؛ فإنها تناقض نفسها وجوهر مشروعها ؛ وما عبأت به أنصارها ؛ من أن نموذجها يحب أن يسود ، بسبب أنه غير بشري ، ومن ثم فإن أي تراجع عن استمرار هذا النموذج ؛ يعني نفي كل الأسس الشرعية التي قام عليها المشروع ، فهل يمكن تصور أن تقوم تلك القوى بذلك ؟

ولأنها لا تستطيع أن تناقض نفسها ، فمن الطبيعي والحال تلك أن تتنكر لكل دعاياتها السابقة حول الشراكة وتبادل السلطة ، باعتبار أن ذلك كان حاجة تفرضها المصلحة والهدف الأساسي ؛ ولذلك فإنها لن تتورع عن استمرار فرض نموذجها ولو بالقوة ، وعبر الترهيب المادي والفكري دون روادع ؛ لأنها تعتبر أن كل ما تقوم به هو تقرب إلى الله وتنفيذا للشريعة .

ومن ثم فإنه لمن بؤس القراءة والتقدير تصور أن تقوم تلك القوى باستبدال نظام فوق بشري كما تقول بنظام بشري ، على أساس أن تحقيق الأول كان انتصارا للحق ، كونه إعادة الأمور إلى نصابها ، ولذلك فإن أي محاولة لتغيير ذلك الواقع عبر صناديق الاقتراع وفق ذلك الفكر ؛ هو حرف للأمور عن نصابها ؛ وبما يخالف الشروط الشرعية ، والسؤال هل ستقبل تلك القوى بذلك ؟

وإنه لمن السذاجة من بعد ؛ التقدير أن أي قوة تتبنى هذا الفكر يمكن أن تفرِّط فيما تعتبره إنجازها السياسي والفكري ، أي " أسلمة المجتمع " ؛ لأنها هنا قد ربطت المجتمع بها وبوجودها ، وعليه فإن أي نكوص للمجتمع عن الشروط التي أقامتها يعتبر خروجا عن الشرع ، وهو الخروج الذي يجب أن يواجه عندئذ بالعنف من قبلها ، كون غاية المجتمع كانت قد تحققت بوجودها كنظام وتنظيم ، كما تعتقد ، وهو اعتقاد يتم إرجاعه إلى شرط النص الديني الذي لا تجوز مناقضته تحت أي ظرف كان .

وهنا تتراجع السياسة لصالح الإيديولوجيا؛ إلى جوهر مشروعها الذي لا يقبل الآخر؛ إلا كما تريده أن يكون وإلا فالنفي وبكل الوسائل، وفيما نعتقد تلك مشكلة جماعات الإسلام السياسي الجوهرية.



#سليم_الزريعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقاربات في نتائج المحرقة
- المقاومة : تباين المفاهيم
- حرب القوقاز: أبعد من أوسيتيا


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سليم الزريعي - قوى الإسلام السياسي : الخطاب والإيديولوجيا