أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - السلطانُ والخُّفُّ الجِلديّ














المزيد.....

السلطانُ والخُّفُّ الجِلديّ


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2719 - 2009 / 7 / 26 - 09:14
المحور: حقوق الانسان
    


كتب الأستاذ فهمي هويدي في "الشروق" مقالاً عنوانُه "شكرٌ آخرُ لأوباما"، يشكره فيه على أنْ مكّننا أن نرى القاهرة نظيفةً ولو ليومٍ أو بعضِ يوم. وحكى أنه قبل سنوات كان في طريقه إلى مدينة حلوان، فلاحظ أمرًا عجيبًا: أن طريقَ الذهاب، وحدَه، مرصوفٌ ونظيف، فيما طريقُ العودة مُهمَلٌ، شأنَ معظم طرق مصر! طلبَ تفسيرًا للّغز، فأخبروه أن الرئيس ذهب إلى حلوان بالسيارة، فقام بتمهيد الطريقِ من يُمهدون الطريقَ لمن يستحقون أن يُمهَد لهم الطريقُ، بينما عاد الرئيسُ من حلوان إلى القاهرة بالطائرة، فتُركَ طريقُ العودةِ على حاله!
ذكرتني تلك القصةُ بحكاية فولكلورية نعرفها جميعًا.
تقول الحكايةُ إن سلطانًا من العهد القديم قرّرَ أن يخرجَ في جولة بمدينته. وكان الناسُ وقتها يسيرون حفاةً، والطرق لم تعرف التعبيد بعد. فتشققت قدمُ السلطان من حصوات الطريق ورماله، ومن سخونة الأرض التي تعكس حرارةَ الشمس اللاهبة. فقال أحد الوزراء: سآمرُ العمّالَ بفَرش الطريق، التي ينوي أن يمشي عليها جلالةُ السلطانُ، بِبُسُطٍ من الجِلْد الناعم حتى لا تتأذى قدماه. وقال أحدُ العلماء من الحاشية: بدلاً من هذه الكُلفة، لماذا لا نصنع قطعتي جلد صغيرتين ونثبتهما في قدميْ مولاي وهو يمشي؟ وكانت تلك بداية اختراع الخُفِّ ومن ثَم الحذاء.
وأنا بعدُ طفلةٌ صغيرة، حكي لي أبي عن المعتقلات وغُرف التعذيب التي فُتحَت في عهد عبد الناصر، وغُلّقت على المثقفين والشيوعيين والوطنيين، الذين أحبوّا عبد الناصر ذاتَه حبًّا لا مزيدَ عليه! كنتُ أسألُه ببراءة: "بابا جمال يعرف هذا؟" فيجيبني: "طبعًا لا يعرف، الفسادُ ليس في الحاكم، بل دائمًا في حاشية الحاكم. لو عرف لهدم السجون على رءوس السجّانين!" ولمّا كبرتُ سألتُ محمود أمين العالم، المفكر الكبير، وأحد أشدِّ مُحبيّ عبد الناصر، السؤالَ ذاتَه بالبراءةِ ذاتِها: "هل كان ناصر يعرفُ أنكَ وشُهدي عطية وفتحي عبد الفتاح وإبراهيم الشريف وعبد العظيم أنيس وسواكم تُجلَدون وتُقَّتلون؟" فيجيبُني دون أدنى تردد: "أبدًا، أبدًا، مستحيل!"
والآن، أسألُ بالبراءة ذاتِها: هل من المحتمل أن يكون الرئيس مبارك على غير عِلمٍ بحال الطُرق قبل، وأثناء، وبعد، مروره عليها؟ أَمِنْ غير المحتمل أن يظنَّ الرئيس أن طرق مصر بالنظافة التي يراها في جولاته؟ يهاتفني صديقي الآن ويخبرني أن الرئيس قال في خطبةٍ: "طيب وماذا في أنهم يرصفون الطريق لأن مسؤولا سيمرّ؟ أليس في هذا نفعٌ للناس؟ المهم أن الطريقَ قد رُصِفت!" وأجيبُ السيد الرئيس بأن عليه إذًا، أولاً، أن يمرَّ في شوارع مصرَ جميعها وحواريها حتى تُرصف، ثم، ثانيًا، يعاودُ المرورَ بعد شهر، فجأةً دون أن يخبر أحدًا، لأنه سيكتشف أن الرصفَ لم يكن رصفًا بل تلوينٌ سطحيٌّ بطبقة قارٍ خفيفة لا تصمدُ إلا فترةَ المرور، بينما الرصف الدائمُ طبقاتٌ فوق طبقاتٍ تقاومُ عواملَ التعرية واحتكاك أطُر السيارات. ثم سأحكي له قصةً حكاها لي أحد قاطني مدينة "بنها" التي زارتها السيدة سوزان مبارك قبل عامين. قال إنهم رصفوا شارع "فريد ندا" (الطريق السريع القديم) الذي سيمرُّ به موكبُها، وطلوا، بالأبيض، الأبنيةَ التي ستقعُ عليها عيناها أثناء رحلتها. حتى أنهم لم يطلوا أربعة واجهات البنايات، بل الواجهتين اللتين ستبينان لها، وفقط! أليس هذا مُهينًا لنا كمصريين؟ ألا نستحقُ من وزاراتيْ البيئة والمرافق احترامًا يليقُ بنا، نحن أبناء أعرق حضارات الأرض؟
سيدي الرئيس، إن ستة ملايين موظف ممن تُخصَم منهم الضرائبُ رأسًا من المنبع هم مَن يقطنون الأحياءَ الفقيرة والعشوائيات، وهم أحقُّ الناس بأن تُمهَد لهم الطرقُ وتُطلى لهم البناياتُ، لأنهم دفعوا ثمن هذه الإصلاحات مقدّمًا؛ ليس من أموالهم التي في جيوبهم، بل دفعوها حتى قبل أن تصلَ أموالُهم جيوبَهم.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا مباحثَ بلدنا، أحبيِّنا
- أنا أستطيعُ، والناسُ تحبُّني
- الفِتْنةُ ليست دائمًا أشدَّ من القتل!
- للجريدةِ مآربُ أخرى
- لغةٌ -قايلة- للسقوط
- حتى الضفدع!
- أوباما، وغرفةُ الجلوس
- أجملُ قارئ في العالم
- فلتقصّ الشريطَ تلك السيدة!
- مقابر جماعية للمصريين
- ردُّ الأشياءِ إلى أسمائها الأولى
- المواطَنة ودرس الفلسفة
- هذا شابٌ من جيلي
- مصر
- سألتُ الأستاذَ: لمَن نكتب؟
- وأكره اللي يقول: آمين!
- الغُوْلَة
- -شباب يفرح القلب-
- بل قولوا إنّا شبابٌ صغار!
- إنهم يذبحون الأخضرَ


المزيد.....




- عمال إغاثة: أهم مستشفى في دافور يتعرض لإطلاق نار
- -الأونروا-: أكثر من مليون نازح أجبروا على النزوح مجددا من رف ...
- ألمانيا .. جدل بشأن إعادة اللاجئين الأوكرانيين العاطلين عن ا ...
- تواصل التحقيقات بشأن الهتافات العنصرية وسولت تكافح من أجل سم ...
- رغم قرار الإفراج عنه.. الاحتلال يحوّل المعتقل محمد خضيرات ال ...
- الخارجية الروسية تدعو الأمم المتحدة لإدانة الهجوم الإرهابي ع ...
- الاحتلال يحول فلسطينيا مريضا بالسرطان للاعتقال الإداري 6 أشه ...
- الإمارات تقدم 25 مليون دولار لبرنامج الأغذية العالمي لدعم ال ...
- الأمم المتحدة تعليقا على قصف سيفاستوبول: يجب تجنب سقوط ضحايا ...
- الأونروا: إسرائيل قصفت 69% من المدارس التي تؤوي نازحين بغزة ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - السلطانُ والخُّفُّ الجِلديّ