|
اليسار السوري وإعادة السياسة إلى المجتمع - 1
عادل أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 837 - 2004 / 5 / 17 - 03:10
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
العجز والفشل والإفلاس ، هذه هي حال الفكر التقدمي وحركته السياسية خلال الأعوام الخمسين الأخيرة . خمسين عاما حافلة بالأحداث والمتغيرات والحروب والهزات التي كان أعظمها أثرا على الإطلاق هو سقوط المعسكر الاشتراكي وزوال الاتحاد السوفييتي كقطب ثان في العالم آنذاك، الأمر الذي جعل من الولايات المتحدة الدولة العظمى والوحيدة والمهيمنة على العالم شرقه وغربه ، شماله وجنوبه . الدولة التي اقتحمت المنطقة مرتين : الأولى عام 1990 في عدوانها على العراق بحجة تحرير الكويت ، والثانية عام 2003 في احتلالها للعراق بحجة الأسلحة النووية، وهي الحجة التي تذكرنا بمذبة باي الجزائر كسبب لاحتلالها من قبل فرنسا الاستعمارية في ذلك الوقت . - فلا الماركسيون وعلى رأسهم الحزب الشيوعي استطاعوا استثمار المد القومي وتوظيفه بما يخدم أهدافهم السياسية، بل على الضد من ذلك وقعوا في مطب العدمية القومية، عبر فهم مجزوء ومبتسر ومقطوع عن سياقه لمبدأ الأممية البروليتارية الذي كان سائدا على الأقل حتى سبعينات القرن الماضي . ولا هم أحسنوا قراءة الوضع الطبقي والسياسي وبالتالي أساؤوا استخدام فكرة الصراع الطبقي كعامل أساس في مسيرة التقدم والتطور ، وهم وان استخدموا مبدأ التحالفات الطبقية والسياسية، إلا أنهم فشلوا فيه كذلك ؛ وليس أدل على هذا من موقف الحزب الشيوعي عند اشتراكه بالسلطة، وتماهيه معها في أكثر الأحيان ليتحول بالتالي إلى تابع وغطاء في نفس الوقت لكل ممارساتها التسلطية والقمعية، والتي أفقرت البلاد من خلال تكوين فئة جديدة كونت ثروتها من خلال السلطة، وحمتها بالسلطة لتقسم المجتمع إلى فئتين اثنتين لا ثالث لهما : الأغنياء أو ( البرجوازية الطفيلية الجديدة المتكونة عبر النهب والفساد والرشاوى ) من جهة ، والفقراء الذين يشكلون الغالبية المطلقة في المجتمع من جهة أخرى . . - ولا القوميون بالمقابل ( بعث وناصريون ) ، وهم الذين وصلوا إلى السلطة منذ عام 1963 ،استطاعوا أن يترجموا إلى أرض الواقع أيا من أفكارهم وشعاراتهم ، باستثناء التأميم والإصلاح الزراعي ومجانية التعليم وإعطاء بعض دور للعمال والفلاحين ، ورغم الكثير من الأخطاء التي رافقت هذه الإجراءات ، والكثير من الملاحظات على الجانبين التشريعي والتنفيذي ، إلا أن مجمل الإجراءات - والتي لعبت دورا تغييريا هاما في البداية - وبما أصابها وأصاب القائمين عليها من ترهل ووقوع في فخ البيروقراطية والروتين والفساد والإثراء غير المشروع والمحسوبية وغير ذلك وبما رافقها من ممارسات سياسية وأمنية ، قادت البلاد إلى طريق مسدود ، و لتجد نفسها في خطر داهم لا بد من تلافيه .
نستطيع القول أن الموقف من ومعالجة قضيتي فلسطين والوحدة العربية كانتا في أساس الفشل الذريع بل والسقوط الذي أصاب الفكر والأحزاب السياسية بالتالي ، مضافا إلى ذلك جملة المعالجات والمواقف والممارسات التي انتهجتها سواء تلك الأحزاب التي تسلمت السلطة ومن تحالف معها ، أو الأحزاب والحركات التي كانت في صف المعارضة على صعيدي السياسة الداخلية والاقتصاد ؛ ولن ندخل هنا في التفاصيل ومن يتحمل المسؤولية فهذه أمور قد أشبعت بحثا ودراسة نقدية ، إن السؤال المطروح هو فيما إذا كانت هذه القضايا مجتمعة هي الوحيدة التي شكلت أرضية هذا الفشل وتسببت بذلك السقوط .
بالقطع لم تكن تلك القضايا وحدها هي ما شكل أسباب الفشل والإفلاس ، بل كانت هناك أسباب أخرى ، وهي أسباب جوهرية ، ورغبة في الاختصار سنركز على قضيتين هامتين نرى أن لهما الدور الأساس في فشل الفكر أولا والأنظمة ثانيا والأحزاب ثالثا :
1ـ ضبابية الموقف من ، وعدم مقاربة ، قضية فصل الدين عن الدولة ، والسياسة عن الدين وما يتعلق بهذا الموضوع ويترتب عليه .
2 ـ تجاهل قضية المجتمع المدني ومؤسساته ولواحقه .
-2-
فيما يتعلق بالموضوع الأول فان عودة سريعة إلى موقف اليسار عموما والشيوعيون خصوصا من /الدين / وعلاقته بالدولة وبالسياسة ، ترينا- هذه العودة السريعة- كيف أنه لا وجود لهذا الموقف ألبته، وإذا ما وجد ، فان وجوده محصور في فقرة هنا وجملة هناك ، وأين ؟ في ثنايا ترجمة لنص ماركسي أو لمقال بحثي . وعلى العموم فان جملة ماركس الشهيرة " الدين أفيون الشعوب " كانت الأساس الذي بنى الشيوعيون موقفهم عليه ، ولا نعدو الحقيقة إذا قلنا أنهم حتى- وفي أغلب الأحيان- لم يفهموا هذا القول الشهير إلا بشكله البسيط وتحت غطاء الفلسفة ، بحيث قاد إلى الإعلان بشكل واضح أو مبطن عن تبنيهم للموقف المادي في الفلسفة مما عنى فكرة الإلحاد بعينها وهو ما ساهم بشكل كبير جدا في اغترابهم عن المجتمع عموما , وبالتالي ابتعاد ( جماهيرهم ) المفترضة عنهم ، وهم الشرائح الشعبية المشبعة ليس بالفكر وإنما بالموروث الديني وهو أمر طبيعي بالنسبة لمجتمع إسلامي عموما ولم يعرف الحداثة على صعيد الفكر والسياسة والمجتمع إلا مؤخرا وبشكل نادر جدا لا نجده إلا بين الأقليات الدينية والعرقية وعند أفراد قلائل من المسلمين عموما . وهو الأمر الذي استخدم كسلاح لا يفل من البلدان الرأسمالية والولايات المتحدة في محاربتها للشيوعية العالمية عبر الإسلام وأولئك الذين ادعوا أنهم ممثليه والناطقين باسمه دول ومنظمات وأحزاب.
إن السؤال المطروح على اليسار عموما هو كيف لنا أن نحقق فصل الدين عن الدولة وعن السياسة معا ؟ وهل بالا مكان الوصول إلى هذا الفصل ؟ وهل يشكل هذا اقترابا أو تلاقيا مع العلمانية والحداثة ؟ وأية علمانية ، وأية حداثة نعني ؟
لنطرح على أنفسنا السؤال التالي : كيف استطاع العرب والمسلمون في القرن الثاني للهجرة أن يصلوا إلى حالة استطاعوا من خلالها أن يطرحوا مسألة الدين والعقائد ومن ضمنها قضية خلق القرآن , وكذلك تناول الصحابة والتابعين دون استثناء، أكثر من ذلك تناولوا مسألة الخلافة بشكل عام وهل الخليفة هو خليفة الله على الأرض أم هو خليفة رسوله ؟ كما تناولوا قضية الإمامة والسياسة ، ومن هو الأحق بالإمامة ؟ هل هم آل البيت أم القرشيين عامة أم الصحابة أم أنها من حق أي مسلم على رأي الخوارج ؟
ما تفسير حالة أن المسلم شاعرا كان أو فقيها أو قاضيا أووجه عشيرة أو قبيلة كان بامكانه أن يسائل الخليفة والوالي عن كل شئ حتى وان كان مناوئا له ؟
كيف كان هذا يجري في بداية الدولة الإسلامية وفي أوج قوتها ؟ ولا يجري اليوم شئ لا من مثله ولا مما يقاربه ؟
هل الناس اليوم غير الناس في ذلك العصر ؟ أم أن الحداثة والتحديث وتطور العلاقات الاجتماعية التي انبنت على وتولدت من التلا قح الحضاري بين العرب والمسلمين من جهة وبين الشعوب والأمم الأخرى والتي دخل معظمها في الدين الجديد من جهة أخرى هي السبب وراء ذلك .
وإذا ما انتقلنا بالزمن إلى العصور الحديثة وتذكرنا الحال الذي كان عليه الفكر وحريته أيام الطهطاوي والأفغاني ومحمد عبده وعبد الله النديم وقاسم أمين والكواكبي وطه حسين وغيرهم . فما الذي يمكن أن نقوله عن هذه المفارقات العجيبة الغريبة ؟
دعونا نتذكر كذلك أن قانونا للأحزاب ظل معمولا به في مصر حتى قيام ثورة يوليو 1952 ، وأن قانون الأحزاب وجد في سوريا حتى عام 1963 وسنكتفي بهذين البلدين . إذن هناك عامل ما يقف وراء هذه الحالة . فما هو ؟ وما هي الظروف التي ولدته ؟
هل مبدأ الكفاية الاقتصادية للمجتمع يمكن أن تقود إلى حالة استقرار مجتمعي تفتح المجال بدورها لحرية فكرية وتسامح ديني وتماسك اجتماعي وتلاحم وطني ؟ انه أمر ممكن ومرجح ، ولكن هل كانت هناك كفاية اقتصادية في هذه الحالات ؟ ربما كانت موجودة فقط في العصر الإسلامي الأول حيث كانت الثروات تأتي من كل مكان لتصب في عاصمة الدولة الإسلامية وأمصارها .
هل يمكن القول أن التماس مع الآخر والتعرف على أفكاره والاختلاط به > التلاقح الحضاري مرورا باستباحة ماله وعرضه وصولا إلى استباحة دمه ، كل ذلك تحت راية الجهاد في سبيل الله ، والله ورسوله براء منهم ومن أعمالهم . أليست هذه الملامح ، هي ملامح العصور الوسطى المظلمة والتي لا تذكرنا إلا بمحاكم التفتيش الغربية ؟ .
أوليس من الأهمية بمكان أيضا أن نلاحظ أنه منذ اللحظة التي بدا التمايز الطبقي فيها واضحا، وتحول المجتمع بغالبيته العظمى إلى مجتمع فقراء ومحرومين ، اختفت الطبقة الوسطى >أطباء ، مهندسين، معلمين، موظفين ، كتاب وشعراء الخ < والتي كانت الوعاء المنتج للحراك السياسي والفكري في المجتمع . أوليس اختفاءها دلالة أكيدة على الشح الفكري والسياسي أولا وعلى الاستبداد بكل أنواعه ثانيا، وعلى مدى فقر المجتمع بالمؤسسات الكفيلة بتلمس خطاه ووضعه على الطريق الصحيح نحو مجتمع أفضل .
قد تحيلنا الفقرة الأخيرة إلى ما يشبه التعارض ظاهريا مع الماركسية ، ولكن الواقع يؤكد صحتها من جهة، كما يؤكد تساوقها مع التاريخ السياسي والاقتصادي للمجتمع ، وتلاقيها الفكري مع الماركسية الخاضعة والمتأثرة بسيرورة التطور والتقدم التاريخيين .
- 3 -
أما فيما يتعلق بالموضوع الثاني وهو مسألة تجاهل هذا اليسار للمجتمع المدني ومؤسساته ولواحقه ،فيكفي أن نورد الآتي :
كان زمنا يسيرا ذلك الزمن الذي عرفت فيه سوريا وجود قانون للأحزاب وحرية للصحافة وقضاء مستقل إلى جانب المؤسستين التشريعية والتنفيذية وفي كنف الدستور . صحيح أن الفارق الزمني بين اليوم والزمن الذي نتحدث عنه يزيد عن نصف قرن ولكنه حضاريا وفكريا وتقدما علميا يزيد عن ذلك بكثير . ومع هذا فنحن حين نجري مقارنة بين الزمنين ومن أي ناحية نختار لوجدنا الفرق هائلا بل وهائلا جدا ، فكل شئ ممسوخ ، مجتزأ ، مشوه يفتقد إلى الحرية والاستقلالية والى انعدام القاعدة الشعبية التي تدعمه وتؤازره وتمده بالقوة والاستمرارية على الدوام ، بعكس ذلك الزمن على الرغم من وضعه الجنيني ومن جملة الظروف المحيطة به كالتخلف الاقتصادي وهو الأهم والبؤس الاجتماعي والفقر والتخلف والأمية وغير ذلك من أحوال .
إن كل ما هو قائم اليوم ، أي ما يشكل الحياة السياسية ، يمكن وصفه بما يمكن أن نسميه توليفة ذات صبغة سياسية أو رداء سياسي لكنه في الحقيقة لا يمت إلى الحياة السياسية العصرية بما تشتمل عليه من أفكار الحرية والديموقراطية بصلة على الإطلاق .
فكيف ولم تم تجاهل هذا الموضوع ، وحتى فترة قريبة ،أوليست هذه القوى معنية بتقديم تعريف واضح ومحدد لهذا المصطلح ، المشكل ، والمتباين في تعريفاته المطروحة ، بصورة أخرى ، ما الذي نعنيه بالمجتمع المدني ؟ ما هي أدواته ومؤسساته ..؟
هل نجافي الحقيقة إذا قلنا أن كل القوى والتنظيمات السياسية العربية ومنها السورية يمينا ويسارا ، كانت ولا زالت حتى اللحظة تهدف للوصول إلى السلطة ، وللاحتفاظ بها عندما تصل اليها غير عابئة بما طرحته في برامجها، أو بما تعهدت به لجماهيرها . بحيث أننا لم نعرف مبدأ تداول السلطة ، ولأن هذه القوى من الأساس لم تطرحه عن قناعة به وإيمان بجدواه وفعاليته كتجل وتموضع واقعي للحرية والديموقراطية .
تأكيدا للقول الشهير أنه " في رأس كل شرقي يقبع دكتاتور صغير أو مستبد " فالإنسان في وطننا – الرجل- حرا كان أم مقموعا ، نراه مستبدا في بيته أو عمله أو حزبه . انه يترجم القمع الواقع عليه إلى قمع للآخرين .
وإذا أضفنا إلى هذا صفة مجتمعنا الشرقي كمجتمع ذكوري ألغى كيان المرآة وصادر حريتها وكينونتها الإنسانية ، وبالتالي ألغى فعالية ودور نصف المجتمع في البناء والعطاء والمشاركة .
ألا يكون والحال هذه طرحنا للديموقراطية والتعددية بهذا الاندفاع والحماس والتواتر والإصرار معا نتيجة منطقية لرؤية هذه اللوحة سواء شعوريا أو لا شعوريا من جهة ونتيجة للعجز والإفلاس والفشل الدائم في تحقيق أي من الأهداف السياسية التي طرحتها هذه القوى وبخاصة استكمال الاستقلال والتنمية وفي المركز منها حل القضية الفلسطينية والتقدم باتجاه الوحدة من جهة أخرى . وكل هذا مدعم بضغط التطورات العالمية الحاصلة على صعد النمو الاقتصادي والتحول السياسي والتقدم الحاصل في مسألتي الحرية الإنسانية والديموقراطية .
بالطبع نحن نثمن مثل هذه الاستجابة والتفهم للذات وللآخر ، وبالتالي فان الطموح هو في أن تكون هذه الاستجابة ورد الفعل الحاصلين قد تمكنتا فينا من خلال الاقتناع والإيمان معا بجدوى الشعارات المطروحة . إلا أن ما تجب ملاحظته هو ضرورة أن نقتنع أن مثل الحرية والديموقراطية خاصة، تحتاج إلى جهد وعمل كبيرين وفترة زمنية كي يترسخا في أذهان الناس ووجدانهم ويتحولا إلى حالة معاشة وواقعية ذات جذور في الأرض والمجتمع والواقع .
- 4 -
في ضوء ما تقدم ، يمكن لنا أن نحدد ما نعنيه ونريده بطرح فصل الدين عن الدولة وعن السياسة أولا، وما الذي نعنيه بالمجتمع المدني وكيف سيتجلى على الأرض ثانيا، وما هو دور الفكر والقوى السياسية والاجتماعية في هذا الموضوع .
- الدين اعتقاد إنساني ،إيمان بمنظومة فكرية محددة لها طقوس وشعائر تتجلى بناحيتين ، تعبدية وسلوكية. وهو تجسيد ل أو تعبير عن علاقة روحية خالصة للإنسان بربه أو بما يعتقده .
- وهو بهذا المعنى اقتناع واختيار وإيمان طوعي حر نابع من الذات الإنسانية ، ونكتفي للاستدلال على ذلك بآيتين من القرآن الكريم : ( لا تهد من أحببت إن الله يهدي من يشاء )، ( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ). هكذا وسواء اعتمدنا الفلسفة الوضعية أو النص الديني المقدس سنصل الى استنتاج واحد وهو الإقرار والتوافق على حرية الفرد الإنساني في الاعتقاد .
- لما كان هذا هو التصور العام للدين والفهم الأقرب لجوهره ، ولما كانت الدولة هي جهاز تسلطي ( ذو سلطة) على المجتمع ووسيلة للحكم والاداره والسهر على العقد الاجتماعي بين المواطنين فانه لا شئ يقودنا إلى الربط أو التمازج بينها وبين الدين . وهكذا يكون الفصل بينهما هو الطريق الأسلم ربما للحفاظ على عدم التداخل بينهما من جهة ونشوء الصراع بين أطرافهما من جهة أخرى .
- واستطرادا ولما كان الإسلام يقر بتعد د الأديان والرسل والكتب السماوية ، فان في هذا الإقرار والاعتراف دعوة واضحة للتعايش أكدها الفكر الوضعي بمفاهيمه عن التعدد وحرية الاختيار والاعتراف بالآخر . والتعايش هنا إنما هو تأكيد للحمة الاجتماعية التي من الواجب توفرها في المجتمع لأنها – اللحمة الاجتماعية- ولأنه –التعايش- سيؤديان معا إلى استتباب السلم الاجتماعي ، وسيكون ذلك أكثر ما يكون عبر ومن خلال العقد الاجتماعي الذي تتوافق عليه مجمل هذه الأديان والعقائد والأفكار .
- سيحيلنا هذا إلى النص القائل أن " الإسلام دين ودولة "، دولة الإسلام ، ويجب أن نؤكد هنا على مفهوم الدولة كوسيلة للحكم والإدارة وأداة تنفيذية للقانون من خلال السلطة الممنوحة لها من مجموع الناس في الدولة . أما المفهوم العام والشائع عن دولة الإسلام أو دار الإيمان مقابل دار الكفر فان في هذا تجن على الإسلام نفسه وعلى الفكر الإنساني عامة ، لأنه ينظر إلى الإسلام من خلال لحظة تاريخية تم اجتزاؤها ، اقتطاعها ، ومن ثم تجميدها ،مجردة من لحظتها التاريخية ومن سياقها ، ليعممها بالتالي كنظرة وحيدة للإسلام وفهم غير قابل للتحول أو التطور ، دون النظر إلى الصيرورة النامية والمتغيرة على الدوام في سيرورة التاريخ والفكر ، وذلك على الضد مما حدث للإسلام نفسه ، وإذا أردنا أمثلة فلننظر إلى الناسخ والمنسوخ في القرآن ،والى القول المتضمن " تتغير الأحكام بتغير الأزمان ", و" لكل زمان دولة " الخ ...
- يقود هذا وتحت شعار : البحث عن الغد الأفضل وفي سبيل مجتمع متماسك موحد آمن وحر إلى ضرورة فصل الدين عن الدولة ، الدولة كمؤسسة تمثل نظاما سياسيا واقتصاديا واجتماعيا .والدين كمنظومة فكرية إيمانية اعتقادية ، لها استطالات اجتماعية وحضارية وطقوسية تنحصر في معتنقي الدين والمؤمنين به .
- للدولة مؤسساتها من مؤسسة الرئاسة إلى السلطة التنفيذية ( مجلس الوزراء ) إلى السلطة التشريعية ( البرلمان) ، لها جهازها القضائي المستقل ، ولأنها دولة مؤسسات منتخبة من الشعب عليها أن تؤمن وجود الصحافة الحرة وتسهر على حرية كافة مؤسسات المجتمع ومنظماته المدنية المستقلة كالهيئات والأحزاب والجمعيات والمنظمات المستقلة ،وليس عليها ولا من حقها أن تفرض على المجتمع أية عقيدة سواء كانت دينية أو سياسية ،بل عليها أن تسهر على وتؤمن حقوق وحرية الأقليات الدينية منها والأثنية ، كطريق لتأمين والسهر على حقوق المواطنين كافة .
- أخيرا تأتي مسألة فصل الدين عن السياسة تتويجا لما سبق ، بمعنى أنه يتطلب إخراج الدين من دائرة السياسة ، وكذلك السياسة من دائرة الدين .
في الإطار ذاته يتطلب موضوع العنف دراسة وتحليلا وغوصا في أسبابه ، دوافعه تجلياته ، استطالاته والأثر المدمر والتخريبي له على المجتمع والإنسان ، لتصل كل القوى السياسية والاجتماعية والهيئات الفكرية والدول إلى إدانته ورفضه ووضع الأسس الكفيلة بإزالة أسبابه .
كلمة أخيرة ... إن رؤية الآخر أولا، والإيمان به والإقرار بوجوده وشرعية هذا الوجود ثانيا ، وحقه في التعبير عن نفسه ثالثا ، وفتح سبل الحوار والعيش المشترك معه رابعا هي الأمر الرائز والمنطلق الأساس نحو بناء مجتمع موحد متلاحم وصحي .
عادل أحمد
اللاذقية في 5/5/2004
#عادل_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول حزب الاشتراكية الديمقراطية في ألمانيا و مؤتمره الأخير
-
أربعة اتجاهات في السياسة الألمانية حول الحصار المفروض على شع
...
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|