|
كُتاب -التربية الوطنية-
هوشنك بروكا
الحوار المتمدن-العدد: 2716 - 2009 / 7 / 23 - 05:36
المحور:
المجتمع المدني
في الوقت الذي ينفتح فيه كل العالم على كلّه، ويتواصل كل البشر مع كله، وتدخل أخبار قيام وقعود العالم بكل جهاته، لحظةً بلحظة، إلى كل بيت، نرى في بعضٍ لا بأس به من العالم(البعض المغلق من العالم بالطبع، أو الذي يريد أن يكون هو العالم كله)، نرى كتاباً يتكاثرون من حولنا ك"البكتيريا الثقافية"، يلقون علينا نحن العالم القارئ المتلقي، "دروساً ومحاضرات" في التربية الوطنية، ويعلموننا أسهل الطرق وأقصرها، للوصول إلى قلب الوطن وحبه، على طريقة كراسات وكتيبات التعليم(كتعليم اللغات وفن الطبخ)، التي غزت المكتبات العربية في العقود الأخيرة من القرن الماضي: "تعلّم الوطنية خلال خمسة أيام"!
وفي الوقت الذي أصبحت ظاهرة "تعليم الوطينة" عربياً(خصوصاً بعد ظهور نخبة لابأس بها من الحداثويين والليبراليين العرب، الذين يريدون لأوطانهم وشعوبهم ومللهم ونحلهم الخروج من عباءاتهم القديمة، وتاريخهم الصدئ الذي عفى عليه الزمن)، ظاهرةً قديمةً طالها النقد والتفكيك والتشريح، فأنها تبقى كردياً، خصوصاً في كردستان الآن، حيث تعيش في العراق ك"شبه دولة"، ظاهرةً قديمةً جديدة.
من يقرأ في "صحافة كردستان"، وبعض ركابها المتسللين إلى الصحافات الأخرى، سيلحظ حجم كارثية هذه الظاهرة، التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من "الصحافة المجيدة" أيام "الديكتاتور المجيد"، و"البعث المجيد"، و"قادسيتهما المجيدة"!
والأنكى، هو أنّ هؤلاء "الركاب الصحفيين"، أو "الركاب الكتاب"، لا يتركون مناسبةً إلا ويكتبون فيها ما تتفتق بها قريحتهم، من "مديحٍ للكراهية"(عنوان رواية شيقة وممنوعة من التداول في معظم الدول العربية، للروائي والسيناريست المبدع، السوري خالد خليفة. تعيد الرواية طرح الأسئلة الممنوعة عن الصراع بين ثقافتين/ ثقافة السلطة؛ ثقافة الكراهية، وثقافة الإخوان المسلمين/ ثقافة الكراهية المضادة، خلال حقبة الثمانينيات من القرن المنصرم) وكل أخواتها الكثيرات اللامحبوبات، واللاشرعيات، في كردستان التي ما عادت "جبلاً صديقاً لأكرادها"، بقدر ما أنها آلت إلى "مزرعةٍ خاصة" يصول ويجول فيها المتنفذون الكبار في الحزب والدين والعشيرة.
فهذا يكتب عن "ديمقراطية كردستان" و"تجربتها الفريدة"؛ الضائعة بين ثلاث "ديمقراطيات غائبة" أصلاً، ولا تمشي على الأرض؛ ديمقراطية المثلث الحاكم(الحزب+الدين+العشيرة)!
وذاك يمدح في "عبقرية" الرئيس، وقيادته ل"سفينة كردستان"، بإعتباره "نوحاً جديداً"!
وثانٍ يصفف كل ما يمكن أن تجتمع في قاموسه من "كلمات عظيمة تليق بمقام العظام"، لكتابة "كتابٍ في المديح" من العيار الثقيل، تدخله إلى قلب الرئيس ونعمته!
وثالث يكتب في "فلسفة الرئيس المستقيمة"(كشارع نيفسكي؛ أحد أكثر شوارع العالم شهرةً واستقامةً؛ الشارع الذي كان عنواناً لإحدى قصص واحدٍ من أكبر أباء الأدب الروسي نيقولاي غوغول، والذي استشهد به قائد الثورة البلشفية، "الشيوعي المستقيم"، الرافع لشعار "الأرض والخبز والسلام"، فلاديمير إيليتش أوليانوف المعروف ب "لينين" ذات يوم بقوله: "أن الحياة ليست مستقيمةً كشارع نيفسكي)، و"صراط الرئيس المستقيم"، و"ديبلوماسيته المستقيمة"، و"نظرياته الجديدة المستقيمة" لتوليد الشرق الأوسط الكبير الجديد "المستقيم" تحت قيادة "كردستانه المستقيمة"!
ورابع ينفخ في "منجزات الحكومة الكردية الوطنية"، و"منجزات الحاضر الكردي الوطني"، ويفتح "الفال الكردي" متنبئاً، ب"مستقبل كردي وطني واعد أكبر"! وخامس، يمنح "الإستاذية" من أول تقريره "الصحفي" إلى آخره، ل"مسؤول في الحزب"، أو "مسؤول في العشيرة"، أو "مسؤولٍ في الأمن"، لمجرد كونه من جماعة الرئيس وآله وصحبه أو "ذريته المقدسة"، علماً أن ذاك المسؤول، الكبير بالطبع، لم يعرف من العلوم ، سوى "علوم الجبل"!
وسادسٌ، يختص بدراسة شئون أحوال "الكبار"، و"البحث الأبيض" في تبييض صورتهم، وتجميل خصالهم، وتقديس مدنساتهم، منذ أيام "كردستان الجبل" إلى "كردستان العسل"!
وسابعٌ، ينظّر في بيته(الكبير طبعاً، والممنوح له مقدّماً، مع كامل طاقم الحراسة والخدم والحشم) ل"علم جديد"، ينسبه إلى "الرئيس"(كلٌّ يضيف إلى إسم رئيسه اللاحقة "ئيزم"، ليصبح العلم هو كل الرئيس، والرئيس هو كل العلم)، ويدّعي بأنه "علم كردي كامل مكمّل، كلي القدرة، وصحيح"(على طريقة الماركسية التي قال فيها لنينين: "إن مذهب ماركس كليّ القدرة لأنه صحيح)!
والقائمة تطول..
هكذا أصبحت ظاهرة "ركوب الوطنيات"، للعبور إلى قلب الرئيس، ظاهرةً متفشيةً، تنخر كأي مرض ثقافي فتاك، في جسد الثقافة الكردية الراهنة، في الراهن المريض من كردستان المحررة منها والمفترضة.
والمتتبع لحالة الركود والقعود والجمود، التي تشهدها أجهزة الإعلام الكردية، المرئية والمسموعة والمقروءة، سيلحظ ظهور الكثير الكثير من "الرئيس والزعيم والقائد والحزب" فيها على حساب الشعب والثورة والوطن والدولة. هكذا يمشي هؤلاء الكتاب الركاب، كتاب الوطنيات وركابها، كردياً، في كردستان المتحققة والمفترضة، وخارجهما، في موكب "الرئيس والقائد"، على "جنازة الشعب والثورة والوطن".
هكذا يقتل كتاب التربية الوطنية الوطنَ، ويمشون في جنازته، كي تعيش صورة الرئيس: عاش الرئيس..يسقط الوطن.. يسقط! يسقط! يسقط!
#هوشنك_بروكا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عندما يصبح الفكر -زبالة-: دفاعاً عن عقل القمني
-
سلوك سوريا -الثابت-
-
أمريكا المتحوّلة والمسلمون الثابتون
-
صدام مات..فيما العراق بسلوكه حيٌّ يرزق
-
كردستان الإنتخابات: خرافة تمثيل الأقليات
-
مشكلة الموصل: بين مطرقة بغداد وسندان هولير
-
موسم الهجرة إلى البرلمان
-
هل رأس كردستان هو رأس الفساد؟ (2/2)
-
هل رأس كردستان هو رأس الفساد(1/2)
-
ثقافة الزعيم، كردياً
-
تورك: من لغة القنابل إلى قنابل اللغة
-
بيت أردوغان الذي من زجاج
-
نقمة العَلَم السوري: قتل العلَم بالعَلم
-
واأردوغاناه!!!
-
أردوغان، خاطفاً لفلسطين
-
مسعود بارزاني: كردستان في الإتجاه الخطأ
-
خالد مشعل: سياسة طهي الدين
-
دول الشوارع
-
فلسطين المحتلة مرتين
-
د. النابلسي من -الإخوان الجدد- إلى -المعتزلة الجدد-(2/2)
المزيد.....
-
كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
-
اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
-
السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في
...
-
ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
-
السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير
...
-
غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا
...
-
شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
-
هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و
...
-
ممثل حقوق الإنسان الأممي يتهرب من التعليق على الطبيعة الإرها
...
-
العراق.. ناشطون من الناصرية بين الترغيب بالمكاسب والترهيب با
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|