أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حامد حمودي عباس - منشور خطير كاد يطيح بنظام الحكم في العراق















المزيد.....


منشور خطير كاد يطيح بنظام الحكم في العراق


حامد حمودي عباس

الحوار المتمدن-العدد: 2715 - 2009 / 7 / 22 - 06:51
المحور: المجتمع المدني
    


خلال مرحلة من مراحل استشراء الحرب العراقية الايرانيه ، كان فيها النظام يتوجس شرا من جراء أية حركة يقوم بها الاهالي يشم منها رائحة لا ترضيه ، تكررت عمليات اعتقال تلاميذ احد المدارس الثانويه في مدينة الشاميه التابعه الى لواء الديوانيه ، وذلك بسبب عمليات التحقيق عن كتابة وجدت على جدران احد الصفوف تنال من سمعة الحكومه .. وكان الجميع في تلك الايام يعيشون أوقاتا عصيبة لمعرفتهم مصير من يعتقل لسبب كهذا .. وتم تنبيه كافة اعضاء الهيئة التدريسيه بالابلاغ عن أية ظاهرة مشبوهه داخل المدرسه لضمان عدم تكرار الفعل غير المرغوب به . وأكد مدير المدرسه في حديثه مع المدرسين على الخصوص ، بضرورة مراقبة ساحة المدرسه وصفوفها وكافة زواياها بحثا عن أية كلمة من شأنها أن تسبب مشكلة لهم جميعا .

مرت عدة أيام حيث كانت الامور تسير على ما يرام ، وكان الشعب العراقي حينذاك يفتقر غذاؤه لابسط مقومات الكمال ، ويحن لأي نوع من أنواع الفاكهة واللحوم بكافة انواعها بفعل ظروف الحصار الطويل وضغط ملابسات الحرب .

حيدركاظم هو أحد المدرسين في تلك المدرسه ، وقد عرفت عنه سخريته اللذيذه ومحاكاته الذكية للاشياء .. مر ذات يوم وسط الساحه اثناء تواجد الطلاب في الصفوف ، فلاحظ وجود قشر موز ملقى على الارض ، توقف عنده قليلا ، حمله بين يديه ، شمه بعنايه ، ومن ثم ألقاه في مكانه .. وهرع الى غرفة الاداره ليصرخ بالمدير ( استاذ .. اقرع الجرس فورا .. لقد وجدت منشور ضد الحكومه في الساحه الخارجيه ) .. امتقع لون المدير ، ولكونه يعلم مسبقا ميل الاستاذ حيدر للسخرية فقد كرر عليه الاستفسار عن الامر فوجده مصرا على قرع الجرس وتجميع الطلاب لمعالجة أمر جلل ..

هرول المدير الى حيث الجرس ، وقرعه بعنف عدة مرات ليتأكد من عملية التجميع ، وما أن تم له ذلك ، واصطف الطلاب مذعورين وسط الساحه بانتظار ما سيبلغون به من قرارات قد تكون احداها تخص اعتقال البعض منهم ، تحرك الاستاذ حيدر يتبعه مدير المدرسه وبقية المدرسين الى حيث توجه .. توقف عند قشر الموز وسط ذهول الجميع وهو يقول ( هذا هو المنشور الخطير .. اقسم لكم بالله حينما مررت عليه اضطربت كل خلجات جسدي ولم استطع الحركه لعدة لحظات .. فكيف بابنائنا الابرياء من الطلاب ؟؟ ) .. وتعمد على رفع صوته وهو يصرخ بألم واضح ( أيوجد منشور اخطر من هذا ضد الحكومه ؟؟ .. هل هناك تخريب اكثر من هذا التخريب ؟؟ ) .. ثم التفت ناحية الطلاب موجها الكلام لهم بعصبية ( يا كلب ابن الكلب الذي سولت له نفسه ان يرمي بقشر الموز في المدرسه ، ونحن جميعا نسينا بان هناك فاكهة اسمها موز ؟؟ ) .

تقدم بعدها لينحني على القشر العزيز بكل عنايه ، وحمله بين اصابعه ليعرضه على الجميع بيده ويتظاهر بمسح دموعه باليد الاخرى ، متوجها به وسط صمت عام الى حيث غرفة الاداره .. وما ان بلغها حتى انهال عليه كافة زملاؤه المدرسين يتقدمهم المدير بالضرب جزاء له على فعلته النكراء .
لقد أوحت لي تلك الواقعة ، والتي روى فصولها لي أحدهم ، بأن الحياة في كنف نظام يحتقر شعبه ما هي الا مزحة تموت عندها كل معالم الجد ، مزحة يتندر من خلالها التاريخ على جزء من بشرية لا تعي ولا تعرف كيف يسير أمورها طغاة من ابنائها استمرؤا في لحظة من غفلة الزمن القفز فوق مواقع هيأت لهم ان يكونوا أربابا لشعوبهم ينوبون عن ربهم الاعلى ، والذي هو الآخر توعدهم بالويل والثبور ان هم عصوا أوامره بطاعة أولياء أمورهم والخضوع أمامهم وفتح خزائن البلاد لهم دون حساب ، والتفاني في سبيل توفير الأنس لهم ولعيالهم وزوجاتهم وكلابهم وقططهم ذات الانواع الهجينه .
لقد كنت أحد الذين قضوا نهارات بكاملها وفي عز الصيف العراقي الملتهب ، أتدافع مع الجماهير الجائعه لأحصل على مكرمة السيد الرئيس حين قرر منحنا نحن العراقيين دجاجة مرة كل شهر ، وأتذكربأن مصيبتي ومصيبة عيالي حينذاك ، هي أن ضيوفا كانوا يحلون علي في داري يوم استلام تلك الدجاجه ، وكأنهم كانوا يرصدون الحدث ليستفيدوا من وقوعه في حينه ، حتى أن أحد أبنائي وفي ليلة كنا معتادين فيها على فقدان الكهرباء ، وعندما رن جرس الباب والعائلة بدأت لتوها تحتفل بالدجاجة المكرمه ، قام باحتضان القدر وهو لا يزال ساخنا وفر به الى سطح الدار وهو يقسم بأن لا يسمح لدخيل أن يفسد عليه فرحته .
ألجماهير المحتشده حول بناية توزيع مكرمة السيد الرئيس كانت هائجه في كل مرة تدعى فيها لاستلام تلك المكرمه ، الناس يركبون على ظهور بعضهم البعض ، والعرق يتصبب من أجسادهم وهم يزحفون نحو البوابة الرئيسية للمبنى قبل أن تنفذ الحصه ، وفي احدى المرات سرت شائعة بين الجمهور تفيد بأن أمير الكويت قد قرر الرد على القرار العراقي بأن أوعز بمنح سياره لكل مواطن كويتي ، فكانت للامير حصة من سباب الفقراء والبعض منهم ذكره باحسان لانه رحيم بشعبه ، المهم أن الجماهير الهائجه والمحتشده لاحتواء حصتها من خيرات البلاد ، كانت هي ذاتها التي ارتدت عن بكرة أبيها في يوم من الايام تاركة بوابة مبنى المكرمه لتصفق وبحرارة بالغه لقدوم السيد المحافظ ، حيث قرر ان يبادر بتفقد أحوال الناس هناك ويطمئن على حسن سير الامور ، لقد التهبت الاكف يومها وصاحت الحناجر هاتفة بحياة الحكومه ، وشق السيد المحافظ طريقه بصعوبة بالغه ، ولابد بأن الغبار الذي حركته أقدام المحتفين به قد اضطره للتراجع وعدم الاطالة في زيارته .. انني لا أنسى منظره وهو يعالج انفه بقطعه من ورق الكلينكس وبدا لي ساعتها وكأنه مصاب بالزكام ، مما زاد تقديري لمعاناته واصراره على القيام بزيارته تلك .
في تلك الايام ، وبينما الناس في شغل شاغل بترقب حلول موعد توزيع دجاج الرئيس ، توجهت الجماهير بتسارع مهيب لجمع النقود المعدنيه من كل مكان ، حيث سرت شائعة ضخمه تفيد بأن الحكومه قد قررت شراء النقود المعدنيه بالكيلو ، وأنها ستدفع مبالغ مجزية لمن يمتلك كميات أكبر منها .. ولم يتعب أحد نفسه بالبحث عن السبب ، غير أن كيلوات النقود الخرده بقيت حسب ما أتذكر عند اصحابها دون ان يشتريها أحد منهم ، وقد دامت العملية لاكثر من شهور قبل أن تموت .
الجماهير التي هاجت امام بوابات مراكز توزيع مكرمة الرئيس والتي زحفت لجمع النقود الخرده ، هي ذاتها كانت تهرع وكأنها في ( فزعة ) الى حيث يشاع بأن السيد الرئيس متواجد في مكان ما ، وكان الناس يتركون محلاتهم ومتاجرهم وعربات البيع وارصفة الشوارع وهم يجرون ويصفقون ويمدون الاعناق علهم يحضون بمكرمة من نوع آخر ، وهي مشاهدة اطلالة صاحب النعمة ووليها .
والجماهير هي ذاتها وعلى امتداد رقعة العراق الجغرافية ، قامت بالقفز فوق المسافات بين البصرة والكويت لتستفيد من مرحلة طارئه وتحصل على ما تناله من غنائم ، وهي ذاتها من ثارت ثائرتها لظلم اخواننا الكويتيين حين رفست جيوش العالم صدام حسين خارج حدود البلد المحتل ، وهي هي ، لا غيرها ، كانت بالمرصاد لكل حادث تضيع فيه سيطرة الحكومه لتنهب وتحرق وتدمر ، وتسرق التاريخ من المتاحف ، وتثقب انابيب النفط حينما تمر في الخلاء لتبيعه باثمان بخسه .
الجماهير هي التي نشطت وفي كل الاتجاهات لدعم الحروب الصدامية البغيضه حين أمدتها بالبشر عن طريق التفاني بمطاردة بعضها البعض لسوق الناس الى جبهات القتال وتأليف ما يسمى بالجيش الشعبي ، فلم يكن فرد من قوات الامن العراقية حينذاك يطارد الناس لتأليف ذلك الجيش وبنفس النشاط الذي يقوم به الناس المدنيين انفسهم ..
والجماهير، هي التي ثارت ثائرتها ضد بعضها البعض لتقتل وتهجر وتقطع الرقاب وتغتصب النساء وتتفنن في عمليات حرق المساجد والكنائس والمقاهي ومحلات بيع العطور والحلاقة ، لتتوجه حينما يحل المساء لتشرب الخمور وتزني وتسرق وتتنفس الحشيش ..
والجماهير هذه هي ذاتها وفي كل مكان ، هتفت بسقوط من منحها مكرمته دجاجا واثمان للخرده
حين هوى من عرشه وسقط ضحية جبروته وخبله وشعوره بالعظمه ، وهي نفسها والتي لا تريد ولحد هذه اللحظه أن تهدأ وتستكين حتى يتفرغ أولي امرها الجدد من اعداد انفسهم وميزانياتهم لتوزيع مكارم جديده ، قد تكون اكثر نفعا من كل المكارم السابقه .. ومن يدري ؟؟ .. فقد تكون هذه المرة بيضا لا دجاج .



#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أفكار حول إشكالية الهجرة من الريف الى المدينة في العراق .. م ...
- من مظاهر إنحسار الرقي العربي والاسلامي في بلدان اللجوء
- واحة من ذكريات عن مدينة كان يزهو العيش فيها .. وغدت خرابا تن ...
- بين واقع مزري لأمة يقتلها ( محرروها ) .. وبين المشاعر الكاذب ...
- سيد القمني .. مصر قالتها فيك قولة حق .. فالف مبروك .
- ألاستاذ شامل عبد العزيز .. وجهده المتميز لبيان تأثير التيارا ...
- في محافظة ديالى .. كانت لي هذه الحكايه .
- بين تمرد مشوب بالقلق .. ومصير مجهول .. هل من قرار ؟؟
- مجتمعاتنا لم تمر بما يسمونه مرحلة الطفوله ، وأطفالنا هم مشار ...
- ألرشوة حلال .. والمرتشي له ثواب القبول .
- ألعار سيبقى هو المصير المحتوم لجبهة الفكر الرجعي المقيت .
- لمسات لشعار .. فليسقط الوطن ولتحيا المواطنه .
- متى تنتهي عهدة الانظمة السابقه عن ما يجري في العراق اليوم ؟
- وفاء سلطان .. مبضع متمرس ، لا زال يضرب في عمق الورم العربي .
- أنا والأبيض المتوسط ... والمفوضية الساميه لرعاية شؤن اللاجئي ...
- بين الانتصارات الحقيقية للمرأة في الكويت ... وزيف التمثيل ال ...
- من منكم يعرف ( صبيحه ) ... سمراء العراق ... ضحية الزمن المكر ...
- ما هو السبب في انقراض حضارتنا ، كما يقول أدونيس ، وماذا علين ...
- هكذا يعاملون نسائهم ... وبهذه الطريقة نعامل نحن نسائنا .. فه ...
- ألمشهد العراقي من خلال بيان نيسان للحزب الشيوعي العراقي .


المزيد.....




- تصويت تاريخي: 172 دولة تدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير
- الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت ...
- أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر ...
- السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
- الأمم المتحدة:-إسرائيل-لا تزال ترفض جهود توصيل المساعدات لشم ...
- المغرب وتونس والجزائر تصوت على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وليبي ...
- عراقجي يبحث مع ممثل امين عام الامم المتحدة محمد الحسان اوضاع ...
- مفوضية اللاجئين: من المتوقع عودة مليون سوري إلى بلادهم في ال ...
- مندوب ايران بالامم المتحدة: مستقبل سوريا يقرره الشعب السوري ...
- مندوب ايران بالامم المتحدة: نطالب بانهاء الاحتلال للاراضي ال ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حامد حمودي عباس - منشور خطير كاد يطيح بنظام الحكم في العراق