كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 828 - 2004 / 5 / 8 - 06:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تضمن المحور الأول لندوة مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت البحث في موضوع: لماذا جرى ما جرى في العراق؟ وكيف جرى؟ وهو الموضوع الأكثر أهمية, حسب تقديري, إذ كنت أتوقع يبحث المدعوون المسالة من مختلف جوانبها بما يساعد على استخلاص الدروس الغنية والمفيدة للقوى السياسية القومية في العراق والدول العربية, إضافة إلى تعميم الفائدة على جميع القوى السياسية في العراق والمنطقة. ولكن المركز تبنى الطريقة التالية: وضع خطة ومفردات الأبحاث والطلب من الباحثين تقديم أبحاثهم في ضوء تلك الخطة والمفردات أو عناوين الأبحاث المشخصة سلفاً. وكان الهم الرئيسي للمركز هو: البحث في الإستراتيجية والأهداف الأمريكية التي استوجبت شن الحرب ضد النظام العراقي, واستبعاد البحث في العوامل التي تسبب بها النظام العراقي والتي ساهمت بشكل رئيسي في تقديم كل الحجج إلى الولايات المتحدة لحشد القوى والحكومات من أجل شن الحرب. وهو أمر يؤسف له, إذ أن مرامي مثل هذا التوجه واضحة وسلبية على مجمل عمل الندوة وحواراتها.
كلنا يعرف, ولم يعد خافياً على أحد, بأن إنقاذ الشعب العراقي من الدكتاتورية المنفلتة من عقالها لم يكن سوى "ناتجاً عرضياً", رغم أهميته للشعب العراقي, للإستراتيجية الأمريكية في العراق والمنطقة وعلى الصعيد العالمي, وأن للولايات المتحدة إستراتيجيتها الكونية التي تقترن اليوم بحركة العولمة الموضوعية وطرق الولايات المتحدة في تسخيرها لصالحها, وأهدافها في فرض هيمنتها على الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وعلى السياسة الدولية, باعتبارها القطب الأوحد والإمبراطورية الجديدة في العالم, وهي تسعى إلى توسيع مناطق النفوذ السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري والثقافي في آن واحد, والتأثير على مجرى الأحداث لصالحها والتحكم بشكل خاص في سياسة النفط في العالم في مواجهة منافسيها من حلفاء أمس واليوم في الاتحاد الأوروبي واليابان, إضافة إلى روسيا الاتحادية والصين والهند وغيرها. وكلنا يعرف الانحياز الأمريكي الكامل لإسرائيل وسياستها في فلسطين والمنطقة العربية عموماً, وأنها تسعى إلى حل المسالة الفلسطينية لصالح إسرائيل وضد تطلعات الشعب الفلسطيني العادلة والمشروعة في إقامة الدولة الوطنية الفلسطينية على الأراضي الفلسطينية وفق حدود عام 1967 وقبل حرب الأيام الستة. وكلنا يعرف بأن الولايات المتحدة ساندت بعناد وإصرار كل النظم الرجعية والاستبدادية في المنطقة العربية وتحالفت معها خلال النصف الثاني من القرن العشرين بهدف إعاقة تطور الفكر الاشتراكي والتقدمي في المنطقة تحت شعار "مكافحة الشيوعية". ولم يكن خافياً على أحد دعم نظم رجعية مثل النظام السعودي والشاهنشاهي في إيران على سبيل المثال لا الحصر, إضافة إلى الدعم الكبير لنظام البعث في العراق من أجل انتزاع السلطة في عام 1963 وخلالها, أو تأييد النظم القومية لاحقاً وكذلك دعم نظام صدام حسين لسنوات طوية وخاصة أثناء الحرب العراقية – الإيرانية. معروف لنا أيضاً وحشية الجنود والضباط المارينز أو الشرطة الأمريكية في تعاملها مع الناس, وقد اطلعنا على صور تعذيب اللاجئين إلى الولايات المتحدة من دول أمريكا الجنوبية وغيرها, كما نعرف ما يحصل في معتقل كوانتانامو في كوبا أو ما يحصل اليوم في العراق مع الأسرى العزل من العراقيات والعراقيين. كل هذا وغيره معروف لنا جميعاً ومعروف للعالم كله, وليس هناك من جديد في كل ما طرح من ملاحظات حول مشروع السوق الشرق الأوسطية الذي قدم قبل عدة أعوام أيضاًُ في محاولة لتسويق إسرائيل في هذا السوق دون أن يكون هنا الحل الواقعي المناسب للقضية الفلسطينية. وما سكوت الإدارة الأمريكية على العقوبات الجماعية التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني واستمرار الاحتلال وبناء الجدار العنصري العازل ... الخ إلا تأكيد لما نعرفه عن الولايات المتحدة. وقد كتبت قبل أسابيع مقالاً تحت عنوان "لست مناهضاً للولايات المتحدة الأمريكية, ولكن ....!" حاولت توضيح العوامل التي تجعلنا نقف ضد سياسات الولايات المتحدة في العالم والشرق الأوسط. وندرك أيها الأخوة في المؤتمر القومي العربي تماماً بأن السياسة الأمريكية, بغض النظر عن من يكون في البيت الأبيض, هي ذاتها والفارق يبرز في سرعة وقسوة التنفيذ لتلك السياسة إزاء المنطقة العربية, وهي التي نواجهها اليوم من قبل الصقور المحافظة واللبرالية الجديدة في البيت الأبيض والبنتاغون ووكالة المخابرات المركزية والاستخبارات العسكرية. ولكن هذا هو ليس الوجه الوحيد للولايات المتحدة الأمريكية, إذ أن الشعب الأمريكي ليس بالضرورة هذه الصقور وتلك الإدارة ووكالة المخابرات التي عرفنا أفعالها من خلال تعاونهم مع البعث ومع بعض القوى الأخرى ومع القوى الإسلامية المتطرفة التي أنتم أدرى بها أيضاً.
ولكن لِمَ لم تساءلوا أنفسكم عن العامل المركزي الذي تسبب في احتلال العراق, وعن العوامل المساعدة له في العراق والمنطقة العربية وفي سياساتكم أيضاً.
إن المسألة التي تجنبتها أوراق البحث التي قدمت في إطار هذا المحور كلية هي بالضبط الإجابة عن ذلك وعن هذا السؤأل: ما هي مسؤولية النظام العراقي في كل ما حصل؟ وما هي مسؤولية التيار القومي العربي الذي تمثلونه في كل ما حصل للعراق؟ وما هي مسؤولية القوى المتطرفة والإرهابية في التيار السياسي الإسلامي عن كل ذلك؟
إن السكوت عن ذلك يعني تأييد القوى المنظمة للندوة للسياسات التي مارسها النظام العراقي إزاء الشعب وقواه السياسية وإزاء الشعب الكردي والقوميات الأخرى وإزاء السياسات العدوانية التي مارسها نحو الداخل والخارج وانتهاكه الكامل لجميع مبادئ حقوق الإنسان الواردة في اللوائح والمواثيق والعهود الدولية والإقليمية والشرائع السماوية, بسبب قناعتها بأن هذه السياسة هي التي توصل العالم العربي إلى الوحدة, وهذه القناعة تعبر بالضبط عن بؤس السياسة والسياسة البائسة في آن واحد.
إن ما تجنبه السادة المتحاورون في الندوة هو الإشارة الواضحة والصريحة إلى أن صدام حسين بالدرجة الأولى وليس غيره, قد قدم العراق ومنطقة الشرق الأوسط, عبر سياساته الداخلية القمعية ودكتاتوريته وحربه ضد الشعب الكردي وحربي الخليج الثانية والأخيرة على طبق من ذهب هدية إلى الإدارة والسياسة الأمريكية العولمية. فغزوه الكويت ورفضه الخروج منها, رغم كل الوساطات الدولية والعربية والإقليمية, تسبب في حرب الخليج الثانية والدمار الشامل الذي لحق بالعراق وإعادة العراق إلى عصر ما قبل التصنيع, وفق تقرير الأمم المتحدة الذي نشرته مجلة المستقبل العربي الفصلية الناطقة باسم مركز دراسات الوحدة العربية, مع إدراكي بأن الولايات المتحدة كانت تنتظر مثل هذه السياسات من النظام المستبد لتجهز على المنطقة وتفرض احتلالها ونفوذها وتمرر سياساتها عل شعوبها. ورغم كل الذي قام به النظام كافأته المجموعة القومية, التي يقودها المؤتمر القومي العربية والتي تصدر سنوياً بياناً إلى الأمة تعلن فيه مفاخرها البائسة ومعاركها الخاسرة وكأنها المنتصرة, تماماً كما كان يفعل صدام حسين في كل معاركه الخاسرة, بعقد دورة المؤتمر في بغداد وبرعاية الدكتاتور الأهوج صدام حسين, رغم احتجاجات الكثير من القوميين الشرفاء والمعتدلين والواعين للمصائب التي جلبها صدام حسين على الأمة العربية. كما قام في تلك الفترة الحرجة رئيس هذا المركز بزيارة صدام حسين أيضاً, رغم رفض الكثير من القوميين العرب والديمقراطيين لمثل هذه الزيارة السيئة في المكان والزمان.
وفي الوقت الذي أدانت الندوة بعض النظم العربية وأساليبها في مواجهة الجماهير الشعبية, تبنت في الوقت نفسه نظماً عربية أخرى ووافقت عملياً على أساليبها في التعامل مع الجماهير الشعبية ومع القوى السياسية المختلفة وبرزتها وعقدت مؤتمراتها فيها, ومنها نظام التخلف في اليمن أو الدكتاتورية في ليبيا أو في بغداد, وهو تأكيد على إنها تكيل الأمور بمكيالين لا يمكن القبول به بأي حال وهو مخالف لمنطق الأمور.
ونست غالبية المدعووين إلى الندوة بأن أحد أبرز العوامل التي ساعدت على تفاقم تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العراق كان الموقف العنصري للنظام العراقي من الشعب الكردي ورفضه الاعتراف بحق هذا الشعب في تقرير مصيره بنفسه, حتى عندما أجبر النظام البعثي على إقامة الحكم الذاتي ورضا بها الشعب الكردي فرغه الدكتاتور من محتواه وعمل من أجل الإساءة للشعب الكردي وقيادته وحاول اغتيال قائد الشعب الكردي الراحل الملا مصطفى البارزاني ووجه ضربة قاسية للحركة وقيادتها عندما تآمر بخسة كبيرة مع شاه إيران وبرعاية أمريكية على القضية الكردية بأسرها. وعلينا أن نتذكر بأن القوى القومية التي كانت في السلطة مع البعثيين مرة وبغير البعثيين مرة أخرى, أي في أعوام 1963-1968, قد فضلت الحرب على الشعب الكردي من مواقع شوفينية وعنصرية بغيضة على حل المسألة لصالح الشعبين العربي والكردي وبقية القوميات بالطرق السلمية ولصالح إقامة الحكم الذاتي بل أصرت على الإدارة اللامركزية والتي رفضها الشعب الكردي بحق. ولا نحتاج إلى تذكير أن بعض من يقف على رأس المؤتمر القومي العربي اليوم كان منذ عام 1964 مشاركاً في الحكم الذي شن الحرب ضد الشعب الكردي ورفض حتى الاعتراف بالحكم الذاتي لكردستان العراق. ولم يصدر عن السادة أعضاء الندوة أي تصريح أو إشارة في "بيانهم العتيد الموجه إلى الأمة" ما يدين استخدام النظام المخلوع الأسلحة الكيماوية في المدينة الكردية حلبجة أو مجازر الأنفال وما وقع على الشعب الكردي طيلة العقود المنصرمة من ظلم وجور وقهر سياسي واقتصادي واجتماعي وقتل جماعي وإبادة فعلية. كما لم تصدر أية كلمة عن هذه الجماعة القومية التي تدعي التزامها بحقوق الإنسان حول التهجير القسري الدنيء للكرد الفيلية وقتل الآلاف منهم من قبل نظام البعث القومي الدموي. ولا يمكن نسيان أن هذه الجماعة ذاتها لم تحتج ولم تكتب شيئاً عن تهجير مئات الآلاف من العراقيات والعراقيين من عرب وسط وجنوب العراق إلى إيران بسبب كونهم من شيعة العراق والادعاء بكونهم من التبعية الإيرانية, وهم بهذا يؤكدون شوفينيتهم ونزعاتهم الطائفية!
إن القائمة طويلة, إذ لو حاولنا سردها لاحتاجنا إلى الكثير من الكتب حول ما قام به البعث الصدامي في العراق وقبلت به وسكتت عنه أو أيدته هذه الجماعة القومية بحجة حماية وحدة العراق والدفاع عن عروبته وقوميته. وللراغب في ذلك العودة إلى البيانات التي تصدر عن الدورات السنوية للمؤتمر القومي العربي. وأوكد هنا بأن الذي قام بمحاولة نحر القومية العربية والوحدة الوطنية العراقية في العراق والدول العربية هي الجماعية البعثية التي قادها صدام حسين وتلك الجماعات القومية التي أيدته وباركت سياساته ودافعت عنه, ومنها أبرز القوى المشاركة في الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية من عرب عراقيين أو من بلدان عربية.
لم يفكر القوميون من عرب العراق والبلدان العربية ولو لمرة واحدة في تقييم وتقويم سياساتهم في فترة عبد الكريم قاسم وما فعلوه حينذاك إزاء القوى السياسية الأخرى وتدميرهم لثورة تموز وقائدها عبد الكريم قاسم. وكان الشيوعيون أكثر منهم جرأة واستقامة في هذا الصدد, إذ قدموا أكثر من نقدٍ لسياساتهم في تلك الفترة.
لا يزال الإنسان يتذكر كيف أن بعض البعثيين القوميين والقوميين العرب قاموا بتمزيق وحرق القرآن الكريم واتهموا الشيوعيين بتمزيقه أو حرقه, إذ ليس من أخلاق الشيوعيين والديمقراطيين القيام بمثل هذه الأفعال الدنيئة, وهم يحترمون الدين الإسلامي وبقية الأديان والمذاهب ولا يوجد أي مبرر إنساني وأخلاقي في حرق القرآن من جانبهم. وها نحن أمام ذات القوى القومية والبعثية التي تقوم بأفعال مماثلة وتتهم الآخرين بها تماماً كما فعلوا حينذاك. إنها مشكلة نفسية وأخلاقية كبيرة أن لا يشعر الإنسان بالأخطاء التي يرتكبها ويكرر ارتكابها من جديد رغم الخسائر الفادحة التي لحقت ويمكن أن تلحق من جراء ذلك بالمجتمع بأسره.
أتمنى على القوميين العرب من التيار الذي نحن بصدده, فليس كل القوميين من هذا النمط, أن يعووا الواقع الجديد في العالم وأن يعووا تجارب العقود المنصرمة وأن يتحروا عن سياسات أكثر قرباً من الواقع وبعيداً عن الأفكار التي تبنتها الحركة القومية العربية في الثلاثينات من القرن الماضي والتي كانت تتطابق مع الفكر النازي.
إن النصيحة التي يمكن تقديمها للأخوة القوميين من أعضاء المؤتمر القومي العربي هي أن عليهم أن يتذكروا المصائب التي مر بها الشعب العراق خلال العقود المنصرمة وعلينا تجنب الانزلاق إلى ذات المصائب. إن احتلال العراق سينتهي بنضال الشعب العراقي وقواه السياسية الحية, وأن الاحتلال سوف لن يدوم ولن نسمح بدوامه, ولكن علينا اختيار الأساليب النضالية الأخرى في المرحلة الراهنة خاصة وأن أغلب دول العالم معنا والشعوب كلها معنا والأمم المتحدة معنا, وأن فرص إقامة الحرية والديمقراطية قائمة بفضل تضافر جهود الجميع, وعلينا جميعاً استثمار الفرصة لا تضييعها والبكاء على نظام دكتاتوري همجي سقط بفعل الحرب. ولكن ليس الكفاح المسلح والعمليات الإرهابية التي يفترض التخلي عنها حالياً, بل لا بد من التخلي عن الموقف الشوفيني ضد الشعب الكردي وضد حقه في تقرير مصيره وإقامة الفيدرالية الكردستانية في عراق جمهوري ديمقراطي اتحادي موحد.
سأتناول في الحلقة القادمة نتائج الدورة الخامسة عشرة للمؤتمر القومي العربي التي عقدت في بيروت في الشهر الرابع/نيسان/أبريل من عام 2004.
برلين في 7/5/2004 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟