أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - سلامة كيلة - التبشير بالخصخصة















المزيد.....

التبشير بالخصخصة


سلامة كيلة

الحوار المتمدن-العدد: 828 - 2004 / 5 / 8 - 07:09
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


يبدو خطاب الخصخصة (أي خصخصة الاقتصاد عبر إلغاء «القطاع العام» وإنهاء دور الدولة الاقتصادي/ الاجتماعي) كخطاب تجديد وتحديث وتغيير، وكميلٍ ضروري لتجاوز المشكلات الراهنة. وهو كذلك لدى قطاعات في السلطة، وقطاعات في المعارضة، التي يبدو أنها تسير نحو التوافق في «رؤية المستقبل»، بغض النظر عن مبررات كل طرف، والخلفيات التي ينطلق منها.
ولهذا يبدو السير نحو إلغاء «القطاع العام»، والتخلّي عن دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي و«التحديثي»، وبالتالي التخلّي عن حق العمل والتعليم المجاني والضمان الاجتماعي، يبدو كمسار تحديثي وحداثي، يتوافق مع حاجات المجتمع، ويلبي الرغبة في إنهاء احتكار السلطة، ومن ثم إشراك المجتمع في الحياة السياسية، وبالأخص تحقيق الانفراج والتكيف مع متطلباته.بمعنى أن الخصخصة هنا تبدو كضرورة تقدمية.
كما تبدو التجارب العالمية في هذا المجال نافلة، وخارج الحاجة للتأميل والتفكير، أو حتى الإشارة إلى وجودها وليس الإفادة منها فقط. هذه الإفادة التي تبدو غير ذات معنى، حيث نبدو وكأننا نبدأ تجربة جديدة لم تمارس من قبل، أو أن لنا خصوصيتنا الخاصة جداً، الأمر الذي يجعل تطبيقنا لشروط صندوق النقد الدولي، (وهي الشروط التي طبقت في أمم عديدة وقادت إلى انهيارات مريعة في الاقتصاد، وإلى إفقار شامل، وأزمات عميقة)، ولسياسات العولمة الليبرالية أو لأية سياسة مشابهة، تطبيق مختلف النتائج عن كل الدول الأخرى، حيث ربما لن يحدث إفقار شعبي واسع، ولن نغرق في بطالة ضخمة، ولن يتوقف التطور الاقتصادي، على العكس، سيزداد الاستثمار الحقيقي في قوى الإنتاج، وفي البنية التحتية، وسوف تتراجع البطالة، ويتحسّن الوضع المعاشي.
إذن، ستكون الخصخصة صيرورة (تطور حقيقي) عكس كل التجارب. لكن المسألة أكثر تعقيداً من هذه السذاجة، حيث أن دور الدولة الاقتصادي (الاستثماري والحمائي) نتج عن الإشكالية التي فرضها تحوّل النمط الرأسمالي إلى نمط عالمي ( و هي السمة المستمرة) حيث تحول الرأسمال الخاص في الأطراف إلى النشاط المربح في القطاعات المكملة للرأسمالية في المراكز (أي في التجارة/ الخدمات/ المال) الأمر الذي أبقى الاقتصاد المحلي دون قوى منتجة حقيقية، قاد إلى انتشار التهميش والفقر والبطالة. الدولة هي التي أعادت تنظيم الزراعة عن طريق الإصلاح الزراعي، وبناء الصناعة وتوفير كل الضمانات الأخرى.و لقد فُرض عليها هذا الدور ليس لميل إرادوي فظ، كما يشاع، بل نتيجة الحاجة الموضوعية. فقد كان تجاوز التخلف والتطور يفرضان ذلك. هذه مسألة من الضروري أن تظل واضحة لأن العولمة أعادت إنتاج ذات الآليات التي تهمّش الأطراف وتدفع الرأسمال المحلي إلى النزوح إلى المراكز. وبالتالي فإن دور الدولة هو مدخل التطور والحداثة، عبر كسر حلقة التبعية وتوفير الظرف لنشوء قوى منتجة تطور الاقتصاد وتراكم الرأسمال وكذلك تستوعب العمالة.
والمشكلة التي حدثت هي أن توقف تطور القطاع العام نتج عن النهب الذي تعرّض له، وسوء التخطيط الذي أعاق نموه. ومنع ترابط النمو الاقتصادي بالتطور التعليمي (والعلمي)، وبالرقابة الشعبية. الأمر الذي أدخل كل مؤسسات الدولة الإنتاجية والخدمية في أزمة، وأظهره كعبء يجب التخلص منه، لتصبح الخصخصة حلاً منطقياً من أجل حرمان الفئات النهّابة من مصدر نهبها، ولتحريك عجلة القطاع الخاص. لكن هذا الطريق يفضي إلى أن تصبح الفئات التي نهبت وراكمت الرأسمال هي التي تتحكم بالقطاع الخاص، لأنها ستتحوّل إلى رأسمالية خاصة مسيطرة (ربما عبر التحالف مع الرأسمالية القديمة)، ومترابطة مع الرأسمال العالمي، وبالتالي مخضعة السوق المحلي لهيمنة المراكز الإمبريالية. لتعود المشكلات التي جرى تجاوزها عبر دور الدولة الاقتصادي للظهور والسيادة (تدمير القوى المنتجة، التهميش، الإفقار، والبطالة).
ولا شك أن هناك في السلطة فئات لا زالت (تدافع) عن دور (القطاع العام)، لأسباب متعددة منها استسهالها النهب، أو شعورها أنها لم تثري كفاية، أو لكونها أصبحت عادة (وربما يقع ضمن ذلك البيروقراطية تحديداً). أو بالأساس لكون الفئات التي نهبت لم تستطع ترتيب علاقتها الهيمنية مع الرأسمالية القديمة (البرجوازية التجارية التقليدية)، ولم تستطع الالتحاق بالرأسمالية الإمبريالية. لكن كل ذلك لا يعني الترحيب بالخصخصة، ودعم اقتصاد السوق، لأنه كما أشرنا سوف يكرّس المافيات سلطة اقتصادية من جهة، وسوف تدمّر القوى المنتجة (الهشّة والتي تعاني من مشكلات عديدة)، ويعمّق البطالة والفقر والتهميش، الأمر الذي يعني تضرّر كبير لفئات واسعة من المجتمع (العمال والموظفون، وقطاعات من الفلاحين). إضافة إلى أن هذه الفئات سوف تحرم من الضمان الاجتماعي ومن حق التعليم (كما بدأ يجري)، ومن تعمّق الهوّة بين الأجور والأسعار (التي تصبح عالمية).
ربما تخسر بعض الفئات السلطوية من الخصخصة، لكن الأكثر خطورة هو أن المجتمع كله سوف يعاني، كما أن عجلة التطور (المتوقفة منذ عقدين تقريباً) سوف تنعكس إلى انحدار هائل نتيجة نهب «القطاع العام» عبر عملية الخصخصة لمصلحة المافيات ذاتها، ونتيجة انكشاف الاقتصاد المحلي على المنافسة العالمية، وبالتالي انهيار القطاع الصناعي المهمّش أصلاً، والقطاع الزراعي الأساسي لطبقة كبيرة من الفلاحين، ومن ثم تعمّق الاختلال في الميزان التجاري.
لكن لا بدّ من التوكيد هنا إلى الحاجة إلى النقد العميق لوضع «القطاع العام»، الذي ظل لعقود «بقرة حلوب»، لكنه ظل مصدر رزق مئات آلاف العائلات ومجال رعايتها. بمعنى أن المشكلة ليست في أن يبقى أو يخصخص، بل في الصيغة التي تجعله يتجاوز آليات النهب التي تعرّض لها، وليعاد بناءه على أسس تمنع ذلك وتسهم في تطوير قدراته عبر التأكيد على الكفاءة والتخطيط العلمي، والرقابة الحقيقية.
وهذا يفترض أولاً التأكيد على إعادة صياغة آليات السيطرة التي تتبعها الفئات الحاكمة، بما يفرض إعادة بناء الدولة على أساس ديمقراطي في المستوى السياسي، وعلى أساس تحقيق الرقابة المجتمعية عبر النقابات العمالية والفلاحية والمهنية، وهيئات المجتمع المدني، حيث أن الاستبداد السياسي المؤسس لدولة شمولية، كان المدخل لتفشي كل آليات النهب، وقصور الإدارة ونبذ الخبرات، وسوء التخطيط، وهو الذي أوصل «القطاع العام» إلى المأزق الذي يغرق فيه.
الخصخصة ليست حلاً، بل هي طريق انحدار. كما أن استمرار وضع «القطاع العام» راهناً ليس ممكناً، ولا هو مطلب، ولا يمكن الدفاع عنه. الطريق تتمثل في السعي لدمقرطة المجتمع، حيث عبرها يمكن معالجة مشكلات «القطاع العام»، ويمكن لدور الدولة الاقتصادي أن يحقق نهوضاً مجتمعياً شاملاً.




#سلامة_كيلة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطبقة العاملة واليسار في عصر العولمة
- اليسار السوري في واقعه الراهن
- مناقشة لفكر ملتبس المادية والمثالية في الماركسية
- المفكر والباحث الفلسطيني سلامة كيلة :المجتمعات المعاصرة تميل ...
- حول مشكلات السلطة والديمقراطية في الأمم التابعة ملاحظات في ص ...
- الاشتراكية أو البربرية
- العراق حدود-الوجود- الأمريكي والاستراتيجية البديلة -1
- نقاش حول العولمة في موضوعات المؤتمر السادس للحزب الشيوعي الس ...
- رحيل الأسد: إطلالة على التغيير المحتمل
- العـولمة آليات إعادة إنتاج النمط الرأسمالي العالمي
- الخيار الفلسطيني من الدولة المستقلة إلى الدولة ثنائية القومي ...
- في النقاش الماركسي الراهـن ضرورة الخروج من فوضي الأفكار
- الماركسية والثورة الديمقراطية ثورة أم ...........إصلاح؟!
- الماركسية والعقل الأحادي
- ملاحظات على ورقة المهام السياسية المقدمة إلى الإجتماع الثالث ...
- نقد التجربة التنظيمية الراهنة
- ملاحظات عن ماركس والعولمة
- عسكرة العالم: الرؤية الأمريكية لصياغة العالم
- بعد العراق نهاية عصر و بدء آخر
- صدام مصالح و ليس صدام حضارات - وضع الثقافة في الحرب الإمبريا ...


المزيد.....




- السفير الروسي يقود شاحنة -أورال- الجبّارة في ليبيا معلنا دخو ...
- توقعات بتباطؤ وتيرة خفض الفائدة في آسيا بعد فوز ترامب
- أكبر 10 دول تنتج الجزر بالعالم.. الجزائر والمغرب يتصدران الع ...
- اقتصادي: العراق يمتلك قاعدة بيانات موثوقة والتعداد لا يصنع ا ...
- هل تمنع مصر الاستيراد؟
- كيف سيؤثر عدم إقرار الموازنة في فرنسا وحجب الثقة عن الحكومة ...
- وزير الاستثمار السعودي: الجنوب العالمي يستقطب نصف التدفقات ا ...
- انخفاض أسعار الذهب بعد سلسلة مكاسب
- أهمية مؤشرات الأداء الرئيسية لتحقيق النجاح في الأعمال
- -فينيسيوس استحقها-.. بيريز يطالب بتغيير آلية التصويت بالكرة ...


المزيد.....

- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - سلامة كيلة - التبشير بالخصخصة