سعد سلطان
الحوار المتمدن-العدد: 828 - 2004 / 5 / 8 - 07:07
المحور:
الحركة العمالية والنقابية ودور اليسار في المرحلة الراهنة - ملف 1 ايار 2004
كان لفظ (البروليتاريا) يستخدم في المجتمع الروماني القديم , فمن المعروف أن ذلك المجتمع مكونا من ست طبقات اجتماعية , الأخيرة فيه هي طبقة الروليتاريا , فهذه الطبقة كانت معفية من الضرائب , وليست لها أية صفة اجتماعية , ولا ينظر إليها كمصدر فائدة إلا لإنجاب الأولاد ليتحولوا مستقبلا إلى عبيد وجنود. فالبروليتاريا , إذن , عند الرومان هي تلك الطبقات االسفلى , الفقيرة , والمعدمة في المجتمع .
في أوائل القرن التاسع عشر استخدم المفكر الفرنسي (سان سيمون) المولود في عام 1760م , والمتوفي 1825م , لفظ البروليتاريا لوصف الذين لايملكون أي نصيب من الثروة العامة , ولايحظون باية ضمانة من ضمانات الحياة , فهي ,حسب تعبيره (طبقة بلا ماضي وبلا مستقبل) .
ولقد تطور المفهوم واتسع في معناه على ماهو متعارف عليه في وقتنا المعاصر , في العلوم السياسية والاجتماعية والاقتصادية , وقد عرّف المفكر الألماني كارل ماركس (1818- 1883م) البروليتاريا بأنها الطبقة التي تتحمل كل أعباء المجتمع دون أن تنال أية ميزة من ميزاته , فهي طبقة لاتعيش إلا بقدر ما تجد عملا , وبالتالي , فهي, نتيجة لاضطرارها بيع قوة عملها , تصبح سلعة شبيهة بأية سلعة أخرى تخضع إلى كل قوانين السوق ؛ من مزاحمة , ومساومة , وعرض وطلب , ويعمل أفرادها في المصانع بالتحديد . وهي في رأيه تمثل الضياع الكامل للإنسان, هذا الضياع الذي لايمكن تعويضه إلا بأن يكسب الإنسان نفسه بأن يتحول إلى قوة مناهضة للطبقات الأخرى .
ومع تعقد شكل الحياة الاقتصادية والاجتماعية أشتق منه تعبير (البروليتاريا الرثة) , وهي تلك الفئات التي تعيش على هامش الأعمال الإقتصادية الصناعية , مثل مساحي الأحذية , وخدم المنازل , وجامعي العلب المعدنية , وغيرهم . وفي رأي المفكرين هذه الفئات متخلفة في الوعي, ويصعب اكتسابها الوعي البروليتاري المناضل .
وطبقة البروليتاريا قد لاتوجد في كل المجتمعات , أو قد تكون أقلية في بعض المجتمعات التي يغلب عليها الطابع الفلاحي , لكن مفهوم البروليتاريا يستخدم اليوم بكثرة في العلوم الاجتماعية على الرغم من عدم تطابقه مع واقع كثير من المجتمعات الإنسانية .
وعلى الرغم من هذا المفهوم أجنبي ولايتطابق بدقة مع الواقع العربي إلا أنه يستخدم في الفكر العربي الاجتماعي والسياسي بكثرة , وبعض الكتابات العربية تفضل استخدام تعبير (الطبقة العاملة) من دون تحديد , وهي تلك الطبقة التي تقوم بعبء العملية الانتاجية في المجتمع العربي .
إنّ (البروليتاريا) المعاصرة هي وليدة القرنين الثامن عشر والتاسع عشر , وظهرت نتيجة تحول المجتمع الأوربي من النمط الاقطاعي إلى النمط الرأسمالي الذي اتسم بتطور أساليب الانتاج وادواته , من الأساليب والأدوات الفلاحية الزراعية التي تعتمد على عضلات وجهد الفلاحين , إلى الأساليب اوالأدوت الصناعية , وبعبارة موجزة وليدة الثورة الصناعية , وبالتالي فإن تحديد مفهوم البروليتاريا بشكل علمي وموضوعي يحتاج إلى تحديد الطبقات الأخرى التي جاءت الطبقة البروليتاريا كنقيض لها , واهم هذه الطبقات هي طبقة (البرجوازية).
الطبقة العاملة وعلاقتها بالطبقة البرجوازية :
البرجوازية طبقة اجتماعية بدأت في الظهور على الساحة الاجتماعية بتلاوينها االثقافية والاقتصادية في القرن الرابع عشر نتيجة للثورة الزراعية , وتطور التجارة التي أدت إلى تراكم رأس المال , وبروز الابتكارت في أدوات الانتاج وأساليبه التكنولوجية , وقد استمر تطور هذه الطبقة حتى القرن الثامن عشر , حيث بدت كقوة اقتصادية وسياسية وفلسفية , استطاعت أن
تستولي على السلطة السياسة منهية بذلك النظام الاقطاعي القديم , ومعلنة قيام نظامها الرأسمالي الذي يقوم على انتاج السلع وبيعها في السوق من أجل الربح .
فالبرجوازية ترمز إلى الذين يملكون رأس المال والمصانع وأدوات الانتاج ومن دار في فلكهم , مثل التجار , ورجال الأعمال وأصحاب المحلات الكبيرة , وتاريخيا ارتبطت هذه الطبقة بالمدن الكبيرة ذات المصانع والأسواق التجارية الكبيرة .
وحسب التفسير الماركسي فإن المجتمع الرأسمالي قد قام على أنقاض المجتمع الاقطاعي, نتيجة ازدياد التجارة الدولية بين الشرق والغرب على أثر الحروب الصليبية , الذي صاحبه نشوء المجتمع البرجوازي , وقيام الثورة الصناعية , الأمر الذي أدى إلى ازدياد قوة الطبقة البرجوزية التي تمتلك مصادر الثروة العقارية والزراعية والصناعية .
إن البرجوازية: حسب الطرح الماركسي هي النقيض المباشر للبروليتاريا , تمتلك الثروة ووسائل الانتاج وأدواته , وتتحكم في التجارة وأسعار البضائع والسلع الاستهلاكية , وهي لا تعمل بيدها في الانتاج , وإنما توظف رأسمالها المالي لانتاج البضائع وبيعها في السوق من أجل الربح وزيادته باستمرار .
وهذه الطبقة تحول كل شيء : الفكر , والفن , والقيم , والإنسان إلى بضائع تباع وتشترى حسب العرض والطلب وقوانين السوق . لذلك فإن البروليتاريا هي الطبقة التي لاتملك أي شيء إلا جهدها وقوة عضلاتها , وهي في المجتمع الرأسمالي تبيع هذه القوة على الرأسماليين الذين يوظفونها في مصانعهم ومزارعهم لانتاج البضائع مباشرة لقاء أجر يكاد يساعدهم على الحياة في أدنى مستوياتها المعيشية . فالبروليتاريا بضاعة بشرية وتنطبق عليها آليات السوق الرأسمالية في البيع والشراء , أي تخضع لرحمة البرجوازي الذي يستخدمهم حين يشاء , وحسب متطلبات ربحه .
ويرى المفكرون الذين درسوا النظام الرأسمالي , أن هذا النظام يحمل بذور فنائه داخل أحشائه , فحيث يسعى البرجوازيون أو الرأسماليون إلى زيادة ثرواتهم فإنهم , في نفس الوقت, يزيدون من اتساع قاعدة الطبقة العاملة التي تصبح مفاتيح القوة الانتاجية في يدها , فمع تطور وعي الطبقة العاملة نتيجة لتناقضات النظام البرجوازي , وتكدس الثروة وتكثيفها يصبح المجتمع الرأسمالي على مشارف ثورة ة شعبية يقودها العمال , فتطيح بهذا النظام القائم على الاستغلال والجشع , وتدشن عهدا جديدا أساسه الحرية , والعدالة بين البشر .
وتضم البرجوزية ما يعرف بالبرجوازية الصغيرة , وهي تلك الشريحة الدنيا من هذه الطبقة , وتمثل صغار الفلاحين والتجار, وأصحاب الحرف اليدوية , يضاف إليهم صغار الموظفين والطلبة والمعلمين والجنود . وتعرف هذه الطبقة في البلدان المتخلفة بالبرجوازية الوطنية نتيجة لاتخاذها مواقفا متقدمة في قضايا التحرر الوطني والتنمية , وتأييدها لسياسات الاستقلال الاقتصادي , ورفض التبعية الخارجية , فهي في هذه البلدان , وفي بعض المراحل التاريخية من تطورها السياسي والتنموي حليفة الطبقة العاملة .
البروليتاريا في الألفية الثانية:
تتصف الألفية الثانية بعدة تغيرات رئيسية أهمها :
1- تطور الصناعة وتكنلوجيا الفضاء والأسلحة الفتاكة والمعلومات تطورا هائلا .
2- اندماج بلدان العالم في منظومة واحدة هي منظومة النظام الرأسمالي .
3- سيطرة الشركات المتعددة الجنسية على اقتصاد العالم .
4- وقوع العالم تحت هيمنة قطب رأسمالي واحد هو الولايات المتحدة .
5- تبني معظم دول العالم فلسفة اقتصاد السوق الرأسمالية .
6- سيطرة رأس المال المالي على مجمل اقتصاد المعمورة
وجراء هذه التغيرات تحولت البرجوزية إلى طبقة رأسمالية تسيطر , وتنهب ثروات شعوب العالم بشتى الوسائل السياسية (المعاهدات) والاقتصادية (الاستثمارات , الديون ...) والعسكرية (العدوان والاحتلال ...) , وأما البروليتاريا فتبدو وكأنها خارج مسرح التاريخ , فقد سقط المعسكر الاشتراكي وأصبحت مجتمعاته دولا تلهث وراء الرأسمالية , ودول حركات التحرر المتحالفه مع هذا المعسكر تحولت إلى مواخير وأسواق للنظام الرأسمالي , كما أن الكثير من شرائح الطبقة العاملة في الغرب أصبحت قانعة بأنظمتها وبسياساتها الخارجية , الاقتصادية منها والسياسية , ذلك لأنها أصبحت شريكة في الأرباح التي تحصلها من نهب ثروات الشعوب .
لكن الصورة الأخرى لهذه التغيرات تشير إلى أن الطبقة العاملة تعززت بقوى اجتماعية جديدة تمثلت في العاطلين والمطرودين من العمل , ومن الفئات التي تعاني من التمييز العرقي والطبقي , ومن الشعوب التي تتململ ضد الطغيان الرأسمالي , وعلى المستوى النضالي تجد حلفائها الجدد بين حركات السلام , ودعاة بناء العالم على أسس العدل والمساواة وحقوق الانسان, هؤلاء الحلفاء موجودون في كل أنحاء العالم , وقذفتهم إلى ساحات النضال كل الطبقات الاجتماعية , إنهم يولدون من أتون النار التي يوقدها النظام الرأسمالي , ومن آهات شعوب العالم.
#سعد_سلطان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟