|
إن الإصلاح أو التغيير الديمقراطي.. يتطلب تعديلات وتغييرات في النظام القانوني للدولة، وليس مجرد تجميلات جزئية هنا أو هناك..
قاسيون
الحوار المتمدن-العدد: 827 - 2004 / 5 / 7 - 06:19
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
أ. رجاء الناصر عشية الاحتفال بالذكرى الثامنة والخمسين لعيد الجلاء المجيد، وبدعوة من اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، عُقدت صبيحة يوم 16/4/2004 بدمشق في فندق «البلازا» الندوة الوطنية حول: «المخاطر التي تواجه سورية، ومهام القوى الوطنية».. حضرها طيف واسع من الباحثين والشخصيات الوطنية. وفيما يلي مداخلة أ. رجاء الناصر:
أولاً: أتوجه بالتحية إلى الأخوة منظمي هذه الندوة، نظراً لأهميتها، وهي تشكل مدخلاً للمؤتمر الوطني الذي ندعو إليه كمدخل للبحث عن مخارج للأزمات التي يتعرض لها الوطن.
ثانياً: سأقف عند بعض الملاحظات قبل المداخلة:
الأولى: الحديث عن الاستقواء بالأجنبي يطرح مسألتين: أهمية عدم التقليل من شأن وجود قوى مهيأة للاستقواء بالخارج، رغم عدم تأثير المجموعة الراهنة، حيث هناك الرأسمالية الطفيلية التي لاوطن ولادين لها وهي جاهزة للالتحاق في الوقت الحرج وهناك قوى رفعت أعلاماً انفصالية وأحرقت الأعلام الوطنية وهي أيضاً جاهزة للالتحاق، وهناك قوى متغربة (نخب ثقافية) جاهزة لتحويل البندقية من الكتف السوفييتي إلى الكتف الأمريكي.
المسألة الثانية: هي أن عدم الاستقواء بالخارج يجب أن يتكامل بعدم تقديم تنازلات للخارج. حتى لايصبح هناك تسابق على هذا الخارج.
الثانية: أهمية تعزيز ثقافة المقاومة من جهة ودعم المقاومة في العراق وفلسطين لأن تلك المقاومة هي مطلب قومي ومطلب وطني. وهي حماية لسورية ذاتها.
ثالثاً: هناك حديث عن عدم وجود إحباط شعبي، أنا أعتقد العكس، الإحباط موجود وتنامى بعد سقوط ربيع دمشق، هذا ما يمكن لمسه بوضوح في الشارع بعد الانتعاش الذي تم بعد خطاب القسم. ففي خريف دمشق انقطعت إمكانية التواصل مع الدعوة الرئاسية.
رابعاً: أهداف أمريكا واضحة ومحددة ومعروفة، المهم كيف نواجه أزماتنا ليس فقط لمواجهة المخاطر الخارجية بل من أجل بناء الوطن والإنسان وتقدمه وحريته وكرامته. وهذا هو جوهر مداخلتي عن الإصلاح والتغيير الديمقراطي في سورية والتي سأختصرها مشافهة تقيداً بالوقت.
عن الإصلاح والتغيير الديمقراطي في سورية
قبل الحديث عن متطلبات الإصلاح في سورية علينا أن نتوافق على طبيعة الإشكالات والأزمات التي تعيشها سورية وأحسب أن هناك مساحة واسعة من التوافق الضمني بين معظم السوريين على أن الفساد تحول من ظاهرة إلى جائحة، وأن طبيعة النظام شمولي، وهناك غياب للمشاركة، وحيث التزاوج بين الاستبداد والفساد الذي نتج عنه تحول السلطة من ممثلة مفترضة للطبقات الكادحة والمتوسطة إلى سلطة تعبر إلى حد التطابق عن الطبقة الرأسمالية الطفيلية عبر تحول عناصر السلطة الثورية من أبناء الفلاحين والعمال إلى شرائح عليا في الطبقة الطفيلية، هذه التوليفة ماكان لها أن تكون بهذه الصورة لولا الطبيعة الشمولية والأمنية للنظام التي أحكمت قبضتها على المجتمع بالقوة المجردة، أولاً، وبقوة القانون المفروض من قبلها وليس بإرادة المواطنين ثانياً. إن الخروج من هذه الأوضاع والتي يجري التعبير عنها بمصطلح الإصلاح والتطوير تقتضي بشكل رئيسي أمرين أساسيين:
أولهما: تغيير قطاعات واسعة من النخبة الحاكمة أي الجهة المسؤولة عن الأزمات أو ـ ما سمّوا بحراس المصالح ـ. وعن ما وصلت إليه البلاد وفرز عناصر بديلة تحمل برامج وتيارات (إصلاحية).
ثانيهما: تغيير رئيسي في طبيعة السلطة و المفاهيم الأساسية التي يقوم عليها شكل الحكم من «الشرعية الثورية» إلى قاعدة «الشرعية الديمقراطية»، أي نسف مرتكزات النظام الشمولي لصالح نظام تعددي تستمد السلطة مشروعيتها فيه من إرادة المواطنين عبر الاحتكام الدوري لصندوق الاقتراع.
إن الإصلاح أو التغيير الديمقراطي على ضوء هذه الفلسفة يتطلب تعديلات وتغييرات في النظام القانوني للدولة، وليس مجرد تجميلات جزئية هنا أو هناك، وهو إصلاح شامل ينطلق من القاعدة الفلسفية للديمقراطية المنوه عنها ويتطلب لتحقيقه:
1. إلغاء النص الدستوري حول وجود حزب بعينه يملك حق قيادة الدولة والمجتمع، حيث أن هذا النص ينطلق من أن هناك حزباً أو فكرة أو مجموعة من الأفراد هم فوق المجتمع، وإن هناك مشروعية خارج نطاق إرادة المواطنين المتبدلة عبر صندوق الاقتراع وحده، إلغاء هذا النص يقتضي إلغاء حزمة من القوانين التي تستند إليها وتتعلق بمؤسسات المجتمع والهيئات النقابية والمهنية، ومن المهم هنا أن ننوه إلى أن الاستناد إلى فرض القيادة لحزب بحكم القانون، يتضمن اعترافاً ضمنياً بأن هذا الحزب لا يستطيع الاستمرار بالحكم عبر الديمقراطية وعبر الانتخابات الحرة.
2. اعتبار حقوق الإنسان الأساسية المستمدة من شرعة حقوق الإنسان فوق أي نص دستوري أو قانوني، وهي ملزمة للجميع ولا تسقط العقوبات التي يستحقها المتعدون على هذه الحقوق بالتقادم.
3. إعادة الاعتبار لمبدأ المحاسبة وتطبيق قانون من أين لك هذا على جميع المسؤولين دون أي استثناء.
4. التأكيد على حق المواطنة لجميع السوريين بما تفرضه تلك المواطنة من حقوق وواجبات متقابلة.
5. إعادة الالتزام الإجمالي بضمان متطلبات المواطنة الأساسية من ضمان صحي وحق العمل (التعويض على العاطلين عن العمل). وضمان شيخوخة، وحق التعليم المجاني…إلخ.
هذه هي القاعدة الأساسية التي يجب أن يتشكل عليها الإصلاح والتغيير الديمقراطي في سورية. والذي هو بطبيعته إصلاح شامل مدخله تغيير مفاهيمي، وإصلاح سياسي، أي إصلاح طبيعة السلطة وأدواتها. الإصلاح الشامل يمكن أن يكون متدرجاً، بل إن الطريق الأسلم في الظروف الراهنة هو التدرج السلمي، ولكن لتحقيق هذا الانتقال السلمي والتدرجي والشامل بآن واحد يتطلب توفر عناصر أساسية في مقدمتها وجود تيار يقود أو يدفع إلى هذا التغيير وأن يمتلك هذا التيار برنامجاً واضحاً للإصلاح والتغيير.
الإشكالات الأساسية أمام حركة الإصلاح والتغيير الديمقراطي في سورية أنه ليس هناك تيار إصلاحي داخل السلطة، ونحن هنا نتحدث عن تيار وليس مجرد أفراد هنا أو هناك، ونتحدث عن برامج إصلاحية معلنة، وليس عن نوايا ورغبات، ونتحدث عن رغبة جدية بالإصلاح وليس مجرد رفع الإصلاح كشعار لقطع الطريق على آخرين.
إن الدعوة الإصلاحية السورية ترتكز على بعض القوى والأحزاب السياسية التي أجرت تغييرات واسعة في برامجها السياسية ومنطلقاتها الفكرية لصالح التعددية والتخلي عن الشمولية، وهي أحزاب ضعيفة التأثير في الوقت الراهن بسبب مصادرة السياسة من المجتمع طوال أربعة عقود، وهي تمثل اليوم حالة اجتماعية وقوة ضغط جزئي أكثر من أن تمثل قوة فرض للتغيير، وتحتاج إلى فترة ليست بقليلة لتستعيد قدرتها على فرض مطلبها بالإصلاح والتغيير، والقوة الأخرى وهي قوة سلبية مرفوضة هي قوة ضغط خارجية تدعو للإصلاح والتغيير الديمقراطي، وهذه القوة تتشكل أساساً من الإدارة الأمريكية، ومن الاتحاد الأوروبي، ولكن هذه القوى لها «أجندة» خاصة وأهداف متعارضة مع مطلب الحركة الإصلاحية الوطنية، فهي تربط الإصلاحات بتنازلات أساسية عن المصالح الاستراتيجية القومية العليا، كما أنها لا تملك مصداقية تاريخية وعملية في مجال الإصلاح الديمقراطي، ويعتبر احتلال العراق نموذجاً عن طبيعة أهداف وسياسات هذه القوى الخارجية، ورغم أن هناك تبايناً بين الموقفين الأمريكي الصهيوني، والأوروبي إلا أن هناك تقاطعات هامة من قبل الأوروبيين مع الإدارة الأمريكية في بعض المفاصل الهامة، القوة الثالثة في عملية الإصلاح والتغيير هي اشتداد الأزمات الداخلية والاقتصادية والاجتماعية وانسداد سبل الخروج منها عن غير طريق الإصلاح الجذري.
في ظل هذه المؤثرات والمصالح المتناقضة وغياب حركة إصلاحية جدية داخل السلطة تصبح مهمة الإصلاح والتغيير معقدة وصعبة وهي تحتاج إلى:
1. استعادة قدرة القوى الديمقراطية على التأثير في الشارع الشعبي، ودفعه إلى الانتقال من حالة الكمون والسلبية إلى دارة الفعل الإيجابي، عبر تبني مصالحه المباشرة، وتغيير الخطاب التقليدي وقيادة نضالات شارعية مطلبية ووطنية مستمرة ومتصاعدة.
2. في الوقت الذي يمكن فيه الاستفادة من ضغط الرأي العام الدولي، إلا أنه يجب القطع مع أي استقواء بالخارج وبالتحديد القطع مع مطالب هذا الخارج فيما يتعلق بالمصالح القومية العليا. وبالمناسبة لا يجوز التقليل من شأن القوى التي يمكن أن تستقوي بالخارج.
3. الدفع لبلورة تيار إصلاحي داخل السلطة وتقوية هذا التيار عند وجوده، وعدم اتخاذ موقف واحد تجاه جميع عناصر السلطة، دون التخلي عن الموقف العام منها.
4. رفع مطالب أولية تشكل مدخلاً للإصلاح وتكون محل إجماع وطني، وتحقيق اصطفاف وطني عريض حولها، دون السعي لتحويل هذا الاصطفاف إلى شكل آخر لعقلية شمولية بديلة.
ويمكن إجمال هذه المطالب بـ:
1. إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين والسماح بعودة المنفيين القسريين والطوعيين، وتصفية الإشكالات الناجمة عن الاعتقالات السابقة، والكشف عن مصير المفقودين وتسوية أوضاعهم القانونية.
2. إلغاء إعلان حالة الأحكام العرفية، أو حصرها في المناطق الحدودية مع العدو الصهيوني ولمدة قصيرة قابلة للتجديد عند الضرورة.
3. إصدار قانون للأحزاب وللجمعيات يسمح بتشكيل أحزاب سياسية وجمعيات اجتماعية وثقافية على قاعدة التعددية، دون التدخل من السلطة السياسية والإدارية.
4. إصدار قانون جديد للانتخابات على قاعدة النسبية، وحرية تشكيل القوائم وضمان نزاهة تلك الانتخابات التي تخضع لإشراف جهات محايدة ومستقلة.
5. إعادة الاستقلالية للسلطة القضائية وكفالة نزاهتها وحياديتها.
6. رفع الوصاية عن النقابات المهنية والعمالية.
7. إصدار قانون من أين لك هذا… ومنع الفاسدين من تولي الوظائف العامة.
إن تحقيق هذه المطالب يشكل مدخلاً لتجديد النخب السياسية ولبلورة تيار تغيير ديمقراطي داخل السلطة وخارجها ويساهم في إعادة السياسة للمجتمع، وبالتالي يطلق إمكانية تنفيذ إصلاح حقيقي شامل في الاقتصاد والإدارة كما في السياسة.
■■
#قاسيون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ندوة الوطن - المخاطر التي تواجه سورية،ومهام القوى الوطنية
-
بيان من الشيوعيين السوريين الوطن في خطر والعمال حماة الديار
-
المركزية الديمقراطية كمفهوم
-
بلاغ صحفي - الندوة الوطنية حول: «المخاطر التي تواجه سورية، و
...
-
تحديد آليات التنفيذ دون المساس بحق الأقلية بالتعبير عن رأيها
-
تطوير التنظيم وأدائه مهمة لايمكن تجاوزها
-
أبناء دمشق يؤكدون:أيتها السفيرة الأمريكية.. نحن لكِ بالمرصاد
-
فلاشات... الوجه الآخر لأحداث القامشل
-
رسائل وعرائض قبل أحداث الحسكة: أحزمة الفقر بالقامشلي أعطت إن
...
-
القمة العربية.. فشل جديد للنظام الرسمي العربي
-
واكتمل المشهد العراقي
-
العراق ينتفض
-
حول المناهج التعليمية بين طلاسم ثقافة الكاوبوي.. ويوسف العظم
...
-
من يريد للقامشلي أن تكون قميص عثمان؟
-
الوحدة الوطنية تحضيراً للمجابهة القادمة
-
اليوم العالمي للتضامن لبيك ياعراق... لبيك يافلسطين
-
بيادق الأمريكيين في العراق تتحرك سيناريو كلاسيكي أميركي لحرب
...
-
قراءة سريعة في الموضوعات المقدمة إلى فصيل رياض الترك 1 من 2
-
أزمة الكيان الصهيوني إلى أين؟
-
نداء نعم للوحدة الوطنية، لا للفتنة
المزيد.....
-
بوتين: لدينا احتياطي لصواريخ -أوريشنيك-
-
بيلاوسوف: قواتنا تسحق أهم تشكيلات كييف
-
-وسط حصار خانق-.. مدير مستشفى -كمال عدوان- يطلق نداء استغاثة
...
-
رسائل روسية.. أوروبا في مرمى صاروخ - أوريشنيك-
-
الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 80 صاورخا على المناطق الشم
...
-
مروحية تنقذ رجلا عالقا على حافة جرف في سان فرانسيسكو
-
أردوغان: أزمة أوكرانيا كشفت أهمية الطاقة
-
تظاهرة مليونية بصنعاء دعما لغزة ولبنان
-
-بينها اشتباكات عنيفة بالأسلحة الرشاشة والصاروخية -..-حزب ال
...
-
بريطانيا.. تحذير من دخول مواجهة مع روسيا
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|