|
مروة الشربيني: قصة اغتيال حجاب
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2713 - 2009 / 7 / 20 - 10:23
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
بعيداً عن تلك الوجدانيات والغرائزيات الفطرية الدينية الانفعالية الارتدادية المتشجنة التي رافقت عملية القتل، فإن ذلك لا يمكن فصله، بحال، عن صعود اليمين الفاشي المتطرف في أوروبا، والمترافق مع العداء لكل ما هو غريب ودخيل على الثقافة الغربية، وذلك نتيجة للحملات التحريضية في الإعلام الغربي على المهاجرين، واعتبارهم متسببين فيما جرى من أزمات اقتصادية قضت على ما تبقى من أسطورة البحبوحة والازدهار في الغرب، على الأقل، لما هو منظور، وقادم من الأيام.
فبعد أيام فقط، من تصريحات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن لا شرعية، ومخالفة النقاب والحجاب للأنظمة والقوانين في فرنسا، ورغبته المطلقة بالقضاء عليه، واعتبارهما رموزاً استفزازية دينية تهدد بنية واستقرار وتعايش المجتمعات الأوروبية العلمانية المتنورة، أقدم متطرف ألمان من حليقي الرؤوس الـ Skin-Headed ، المعبئين والمشحونين هم الآخرين، بالانقضاض على الدكتورة المصرية المحجبة مروة الشربيني، في قلب قاعة للمحاكمات، كانت تجري فيها مرافعات جراء خلاف سابق، بينها وبين القتيل على خلفية إفساح مجال لها في إحدى الحدائق العامة، وأقدم لذلك على قتلها طعناً بالسكين، كما قام بالاعتداء على زوجها، متسبباً له بجروح عميقة ومؤلمة.
والحقيقة فإن الموضوع من الحساسية والإشكالية بمكان، ما قد يوقع المرء في فخ الانحيازات لهذا أو ذاك فيما لو أطلق أية أحكام قيمية ومعيارية محضة، قد لا تناسب هذا أو ذاك، أو قد تبدو وأنها تصب في طواحين أحد الطرفين، أو تشعر فريق دون غيره بالرضا، وتجعل فريقاً يشعر بالسخط وعدم الرضا، في هذه القضية الشائكة التي شغلت بال الرأي العام في مصر والعالم برمته.
فمن جهة، ومن منظور علماني وإنساني وتحرري وحقوقي بحت، فإن من حق مروة الشربيني التنقل والسفر والعيش في أي مكان في العالم، وارتداء، أو لا ارتداء، ما يحلو لها من ملابس، بما فيها الحجاب، وبغض النظر عن اتفاقنا، أو اختلافنا، عليه من الأساس، وحصراً لجهة ترميزه واستغلاله من قبل الجماعات إياها، للاستعراض والاستفزاز الديني، ولربطه بصعود التيارات النفطوية الماضوية "الصحوية"، وشعاراتها السلفية، ومركباتها الفكرية اللاتطورية القاصرة التي لم يعد لها أي مكان في عالم اليوم، وصارت من مخلفات الفكر الإنساني التراثي العاكس لمرحلة عقلية بشرية آفلة بكافة مكوناتها وحسب إمكانياتها الفلسفية المتواضعة وثقافتها الآنية، رغم أن البعض يحاول اليوم، جاهداً، إحياءها، لأنه، في واقع الأمر، عاجز عن التأقلم مع مستجدات الفكر الإنساني الفلسفية الخارقة، ولا تتوفر لديه أية بدائل ونظم حضارية وفكرية إحلالية حديثة يحلها مكانها، وبسبب الخواء والإفلاس التاريخي الحضاري والفكري، فهو يعتقد أن ما أوتي في ذلك الزمن الغابر، وضمن سياقات ذلك العصر الإيديولوجية والإسطورية والحكواتية والسلوكية، هي قمة الفكر الإنساني، وفي هذا شطط ولغط، ولا منطقية، وتجن، واستغفال وتجاوز كبير.
ومن جهة أخرى، فإن المنظورات، نفسها، أعلاه، تضمن، وبكثير من الشفافية القانونية، ألا يتعرض أحد لأي نوع من الاستفزاز والابتزاز والقسرية التي بات البعض يمارسها غير آبه بخصوصيات المجتمعات، واحترام تقاليدها، وعدم فرض العقائد، والسلوكيات، والمظاهر، والعادات الاجتماعية المغلقة على الآخرين، وربطها بالناجي والطهراني والمعصوم، وفرض منطق العنجهية والاستعلاء والفوقية المرتبطة بالمقدس والأسطورة. فالقضية، في جوهرها، و بالدرجة الأولى، قضية ثقافة علمانية وإنسانية وحقوقية مطلوبة، وصار لزاماً أن يتحلى به الجميع، والديني، أولاً، كما اللا ديني، وهنا تبرز إشكالية رفض الديني للثقافة العلمانية. ثقافة، يبدو أنها لم تتكرس لا عند هذا ولا ذاك، بما يكفي لعدم إحداث أي قدر من الاحتكاك، والانفجار. كما يبدو أن المناخات الإعلامية والسياسية، باتت هي الأخرى، تؤجج المواقف، وتعبئ النفوس، على الجانبين، وتحدث تلك الحالات من الشحن والاحتقان، التي كانت ضحيتها تلك الإنسانة والأم والطبية مروة الشربيني، التي فقدت حياتها الأثمن والأغلى في صراع التجاذبات التي يبدو أنها تحتدم، وتسوء على نحو محزن وخطير في الغرب. ويبدو أن الصحوة المسيحية، التي تقف على النقيض والضد، وفي مواجهة ما يسمى بالصحوة الإسلامية، والتي كنا قد تكلمنا عنها، في غير مقال، آخذة في التبلور، على نحو ما، وما مقتل مروة الشربيني، ربما، ونقول ربما، إلا إحدى تجلياتها المؤسفة. والحال هذا، فإن وجود المهاجرين الذين لم يتمثلوا ثقافات المجتمعات الجديدة، والقضايا المرافقة لوجودهم، ومنها قضية الحجاب، في الغرب، قد بات يستلزم الكثير من الحذر في التعاطي معه، في ظل تنام مضطرد وقوي لليمين الأوروبي المتطرف مناهض للمهاجرين بشكل عام، لجهة تحميلهم عواقب المآلات الكارثية للأحوال الاقتصادية التي تعيشها أوروبا، والغرب بشكل عام، والعبث بمكوناتهم الثقافية والحياتية، وتهديد البنية المجتمعية الغربية، واستغلال ذلك سياسياً وتعبوياً من قبل أحزاب ذاك اليمين الغربي الهائج.
نعم، لقد كانت تصريحات الرئيس ساركوزي بمثابة جرس الإنذار، وربما دعوة لمتطرفين هنا، وهناك، للتحرك الغريزي الانفعالي، وهي تعتبر في أحد جوانبها البعيدة، الشق الإعلامي، أو السياسي، من جريمة اغتيال مروة الشربيني، غير إن قيام الشاب الألماني بارتكاب جريمته على الملأ، فهو بمثابة الشق التنفيذي والمادي الإحيائي من الدعوة لاغتيال الحجاب، التي أطلقها ساركوزي، على نحو متعلق بالحفاظ على علمانية الدولة ذاك الأساس الذي انبت عليه الجمهوريات الفرنسية المتتابعة، منذ انطلاق ثورتها الفرنسية قبل أكثر من قرنين من الزمان.
نعم لقد تم اغتيال الحجاب بطريقة ما، وهو درس دموي مؤلم وقاس. ومع ذلك يمكن القول، بأن مروة الشربيني، كما الشاب الألماني، هما ضحيتان. وهنا نحن لا نساوي بين قتيلة وسفاح. ولا ندعو، بشكل، ولا نؤيد قتل أي كان، ولكنهما ضحيتان لثقافات تتصارع، وإيديولوجيات تتناطح وسلوكيات إنسانية مغايرة ومتناقضة تتذابح، ويبدو أنها، لم تعرف، بعد، كيف ستتعايش، أو تتسامح.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأزمة المالية العالمية: محرقة البليونيرات
-
فضيحة العمدة المثلي الذي فر مع صديقه تهز تكساس
-
مشيخات العبيد: كنتُ عبداً في الخليج الفارسي
-
فضائح الجنس تطارد الرئيس كنيدي إلى القبر
-
جمعيات حقوق الإنسان السورية في قفص الاتهام
-
إعادة اكتشاف كونفوشيوس
-
أرفعوا أيديكم عن المرأة
-
هل الثقافة الجنسية ضرورية في المدارس؟
-
إعلام الموبايل من الصين إلى إيران؟
-
لماذا المطالبة بالجزر في الخليج الفارسي؟
-
ما هو سر هذا الحقد البدوي على إيران؟
-
من الذي قطع أذن فان كوخ فعلاً؟
-
ماذا يعني إسلام مايكل جاكسون؟
-
قوانين لأحوال غير طبيعية
-
هل كان إعدام سقراط عادلاً؟
-
الجنس الجماعي الثلاثي
-
قانون أحوال غير شخصية
-
من الفتوى إلى الجهاد: قضية رشدي وتراثها
-
لماذا يحتفي إعلامنا بالفساد في الأرض؟
-
إنها لم تنقرض يا...أدونيس
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|