احمد ملا طلال
الحوار المتمدن-العدد: 827 - 2004 / 5 / 7 - 06:00
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
لا يختلف اثنان على أهمية الأعلام ودوره المفصلي في التأثير على المتلقي , سواء كان إعلاماً مرئياً أم مسموعاً أم مقروءاً , وكيف يستطيع أن يصنع رأياً عاماً في هذا الاتجاه أو ذاك , مما ينعكس بدوره على عملية صنع القرار السياسي وخاصة في القضايا المهمة والحساسة والتي تخصص لها وسائل الإعلام عادة وبمختلف أشكالها مساحات واسعة جدا من مناهجها.
وقد اهتم العراقيون ومنذ عقود بهذ ا الجانب وخصوصاً بعد أن تصدرت أخبار بلدهم النشرات الإخبارية لجميع وسائل الإعلام , العربية منها والعالمية , طيلة هذه العقود بسبب ما مرّ با لعراق من أحداث وتقلبات سياسية واقتصادية وعسكرية إلى درجة تكاد لا تخلو أي نشرة أخبار من اسم العراق وما يحدث فيه من حوادث تعتبر مادة دسمة لجميع وسائل الإعلام .
وبعد أن تعود العراقيون على وضع المذياع على آذانهم مع إذلال صوته خوفاً من زوار الليل عبر سنوات الحرب العراقية الإيرانية , أو محاولة سماع خبر ما من مونتي كارلو أو ألبي بي سي يبشرهم بقرب رفع الحصار الاقتصادي , وإذا بالمارد الأمريكي وهو يلف حبل الخلاص برقبة الطاغية ويقلعه من جذوره ويقلع معه كل أشكال الرقابة والتقنين الإعلامي , ويفتح الباب واسعاً أمام القنوات الفضائية لتستغل لهفة العراقيين الذين حرموا من نعمة الأطباق اللاقطة كما حرموا من نقمتها .
وبسرعة البرق تكيف العراقيون كما هي عادتهم مع الزائر الجديد وأصبح ( ألدش) جزءاً لا يتجزأ من حياتهم اليومية وأضحى تأثيره واضحاً على ثقافتهم العامة وعلى توجهاتهم الفكرية وانتماءاتهم السياسية وقدرتهم على التقييم والمناقشة .
ومع بروز النبرة الطائفية للخطاب السياسي في المشهد العراقي بسبب ما خلفته سياسات النظام المقبور , أنبرت العديد من القنوات الفضائية إلى تصعيد وتضخيم الخطاب الطائفي والانحياز الواضح إلى هذه الطائفة أو تلك , وإبراز شخصيات ونشاطات هذا المذهب مع إهمال متعمد وتقصير واضح في تغطية ما يخص المذهب الآخر , وحسب ما تقتضيه مصلحة المسئولين عن إدارة هذه القنوات دون الاكتراث للآثار السلبية الناتجة عن هذا التمييز المترافق غالباً مع مجافاة للكثير من الحقائق والوقائع في تناقض واضح مع أخلاقيات المهنة وضرورة الالتزام بمبدأ الأمانة المهنية .
وتقف قناتي الجزيرة والمنار في مقدمة هذه القنوات وتعتبران مثالاً حياً وصادقاً لما سبق وصفه , فمنذ التاسع من نيسان من العام الماضي ونحن نشاهد وبوضوح الانحياز التام لقناة الجزيرة للعراقيين من أهل السنة والجماعة وكأن أهالي الانبار والموصل وصلاح الدين وبعقوبة قد خولوا وضاح خنفر عندما كان في العراق بصفته مراسلاً للجزيرة مكلفاً بتغطية أحداث الحرب الأخيرة قبل أن يقفز وبسرعة الصاروخ وبطريقة يكتنفها الكثير من الشك والغموض إلى قمة الهرم الإداري لهذه القناة بان تكون الجزيرة هي الناطق الرسمي باسمهم أو المعبرة عن أرائهم والمدافعة عن حقوقهم المهضومة من قبل أندادهم من الشيعة العراقيين ( حسب إيحاءات الجزيرة ) .
وينطبق نفس الكلام على قناة المنار ذات الأصول والحواضر الشيعية والتي أخذت على عاتقها متبرعة الدفاع عن شيعة العراق وإبراز مظلوميتهم على يد صدام وأعوانه من السنة ودفعهم لأخذ زمام المبادرة بدلا من ظالميهم على مدى عقود كما يوحي بذلك نهجها العام .
وتجسدت هذه المعادلة تجسيدا ًحياً ولافتاً خلال الأحداث الأخيرة في الفلوجة والنجف حيث أنبرت كلا القناتين لإرسال أفضل مراسليها إلى مواقع الأحداث وكل حسب اختصاصها فتوجهت الجزيرة إلى الفلوجة واستأثرت المنار بالكوفة والنجف.
وأصبحت الجزيرة منبرا لهيئة المسلمين وعلمائها , يطلقون من خلا ل شاشتها تصريحاتهم النارية دون أن يجابهوا بعبارة المذيعين المشهورة(شكراً أدركنا الوقت ) مع تخصيص صدر النشرات الإخبارية وبداية الشريط الإخباري المطبوع لمبالغات أحداث الفلوجة , وبعد أن( تَشبع وتُشبع ) تمر باستحياء مفضوح على أخبار النجف والكوفة ينقلها لها مراسلها من على هضاب الفلوجة واضعاً كفّه فوق حاجبيه ساتراً عينيه من أشعة الشمس وهو ينظر باتجاه المحافظات التي يسكنها عبدة القبور .
أمّا مقتدى الصدر ومجموعة الناطقين الرسميين باسمه , إضافة إلى مدراء مكاتبه في النجف والكوفة وفي مدينة والده رحمه الله , فلم يحلموا يوماً بتلك الدعاية المجانية التي وفرتها لهم قناة المنار الفضائية عبر تلك المساحات الإعلانية الواسعة والطاغية على نشراتها الإخبارية الرئيسية وبرامجها السياسية الحوارية والتي وجد فيها هؤلاء الشباب فرصة سانحة للتعبير عن آرائهم ومعتقداتهم ونظرتهم غير المدروسة لطريقة التعامل مع الاحتلال الأمريكي , ولا تنسى المنار أن تمر مرور الكرام في نهاية تغطيتها لأخبار العراق على ما يجري في الفلوجة من قتل وتشريد وتدمير للمنازل والمساجد الخالية من تربة السجود الكربلائية .
ويبقى العراقيون في خضم هذا السيل الإعلامي غير المسئول كما عهدهم من عرفهم بأعلى درجات الحيطة والحذر غير مبالين لهذا التطرف الإعلامي المقيت مستنبطين الحقائق بفطنتهم العالية وذكائهم المعروف ماضين في مسيرة النهوض والبناء والتحول , وسيثبتون للعالم اجمع بان ولائهم للإسلام ولعراقيتهم أقوى من أن تزحزحه انتماءاتهم الطائفية والمذهبية مهما حاولت بعض الأطراف أن تغذي هذه الانتماءات إعلامياً بدفع وتحريض من قبل جهات مغرضة تحاول استغلال الدم العراقي الطاهر للوصول من خلاله إلى أهدافها الخاصة .
#احمد_ملا_طلال (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟