رشيد بن بيه
كاتب باحث في علم الاجتماع
(Rachid Benbih)
الحوار المتمدن-العدد: 2717 - 2009 / 7 / 24 - 05:44
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
تتجلى الديمقراطية التمثيلية في انتخاب مواطني ومواطنات دولة ما لممثليهم؛ بهدف تدبير الشأن العام الوطني والمحلي لفترة محددة، وعلى أساس برنامج سياسي يستجيب لحاجيات وانتظارات أغلبية هؤلاء المواطنات والمواطنين.
وتعد الانتخابات إحدى أهم آليات تحقيق الديمقراطية التمثيلية؛ لكونها تساهم في التعبير عن الإرادة العامة التي يجسدها التصويت على برنامج حزب أو تحالف حزبي معين، من أجل حل الإشكاليات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعاني منا دولة ما.
وبالرغم من وجاهة الأسس النظرية للديمقراطية التمثيلية، فإنها من الناحية العملية تطرح العديد من الصعوبات، لكون الانتخابات لاتعبر بالضرورة عن الإرادة العامة. حتى وإن مرت في شروط نزيهة وديمقراطية؛ ذلك أن النقد الماركسي للديمقراطية التمثيلية، كشف على أنها وسيلة لاستدامة السيطرة الطبقية البرجوازية. كما يتفق العديد من المفكرين على أن النموذج الديمقراطي، ليس سوى أفضل نموذج من بين اختيارات سيئة.
كذلك، من المعروف والشائع، أن نقد الديمقراطية التمثيلية قد تبلور وتعمق في الدول الغربية الديمقراطية من قبل مفكرين كبار عكفوا على تفكيك الديمقراطية الغربية،( ألآن تورين، هابر ماس.. )، إن هذا النقد يعبر عن أزمة الديمقراطية التمثيلية كنظام للحكم. وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للدول الغربية التي صارعت من أجل بناء النموذج الديمقراطي منذ أزيد من قرنين، فإن أزمة الديمقراطية التمثيلية في الدول العربية، تكتسي طابعا حادا ومركبا. لكونها لم تصل بعد للنموذج الغربي من جهة، ولكون الأنظمة العربية، رفضت أصلا كل أشكال الديمقراطية التمثيلية من جهة ثانية. واكتفت بتبني الواجهة الديمقراطية بمضمون سلطوي؛ تجلى في منح الدساتير، وتزوير الانتخابات، والتعيين في المناصب، وقمع الأحزاب المعارضة وسحقها.
تتحدد مستويات أزمة الديمقراطية التمثيلية بالمغرب فيما يلي:
أولا: على المستوى الكلاسيكي للديمقراطية.
إذا كانت الدول الغربية قد تجاوزت الإشكاليات الكلاسيكية المرتبطة بالديمقراطية فإن المغرب لم يوفر بعد المطالب الديمقراطية الكلاسيكية التي تتجلى في:
تشريعيا: وضع دستور ديمقراطي، يفصل بين السلط، ويعترف بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة، ويضمن الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الثقافية الأمازيغية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية؛
مؤسساتيا: غياب توازن بين المؤسسات الدستورية: برلمان يشرع، وحكومة تنفد، وقضاء مستقل؛
حقوقيا: ضعف ضمان حقوق الإنسان وملائمة القانون الداخلي مع القانون الدولي وإزالة كافة القوانين التي تتعارض مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان؛
حزبيا: غياب ضمانات حقيقية لتعددية حزبية حقيقية، وعدم السماح لجميع الأصوات المعارضة بالتنظيم والتعبير الحر عن أرائها، وترك مكاتب التصويت والقضاء لحسم الصراع بين المكونات الحزبية المتنافسة بالمغرب.
تنظيميا: تردد في العمل على تنظيم انتخابات حرة نزيهة، وشفافة بإشراف هيئة مستقلة.
ثانيا: المستوى الحديث للديمقراطية:
لقد عملت الدول الغربية على تطوير نظام الديمقراطية التمثيلية، وتجلى أهم ما تم تبنيه في هذا الجانب في الكوطا النيابية. وهي بشكل عام، إجراء تدخلي لضمان حصول فئة معينة على نسبة محددة من المقاعد النيابية، وقد تظهر الكوطا النيابية بأشكال متعددة منها: الكوطا الاثنية، النسائية، الفلاحية، العمالية..
في المغرب، ولحد الآن، اكتفت الدولة بإدخال إجراء الكوطا النسائية، منذ انتخابات 2002 التشريعية. بالنسبة للانتخابات المحلية، تم إدخال هذا الإجراء في آخر انتخابات جماعية ل12 يونيو 2009.
إن حصيلة المغرب في هذا المجال ضعيفة جدا، حيت بقيت العديد من الفئات الاجتماعية خارج التمثيل النيابي، مثل الأمازيغ، الفلاحين الفقراء، الرعاة الرحل.
ضعف حصيلة المغرب في مجال إقرار الديمقراطية التمثيلية، ووضع أسسها سواء الكلاسيكية أو الحديثة، ساهم في تعميق أزمة الديمقراطية بالمغرب، التي تبينها التجليات التالية:
أولا: مقاطعة نسبة هامة من المواطنات والمواطنين للانتخابات سواء التشريعية أو البلدية؛
ثانيا: عدم تعبير الانتخابات عن الإرادة العامة، بفعل مقاطعة نسبة كبيرة من المواطنات والمواطنين للانتخابات؛ ذلك أن مايقارب نصف الكتلة الناخبة قاطعت الانتخابات الجماعية ل12 يونيو 2009 حسب الإحصائيات الرسمية. وما يقرب 70 بالمائة في الانتخابات التشريعية لسنة 2007.
ثالثا: خضوع الانتخابات لمحددات تقنية صعبة، (حصة العتبة، دعم الدولة، حصة الإعلام..)، وظروف اجتماعية محددة أدت إلى التلاعب بأصوات الناخبين من خلال المتاجرة فيها لمن يدفع أكثر.
رابعا: ضعف البناء الحزبي بالمغرب: ويتجلى ذلك في عدم استطاعة أي حزب استمالة أصوات جل الكتلة الناخبة حيت أن أكثر من 5 أحزاب، متعارضة التوجهات السياسية، تحصل على نسبة متقاربة من المقاعد الانتخابية مما يعقد مسألة التحالفات فيما بينها؛
خامسا: تمكن الأقلية الحزبية من قيادة الأغلبية الفائزة بأصوات الهيئة الناخبة، ففي الانتخابات المحلية ل12 يونيو2009، استطاع حزب الاتحاد الاشتراكي الذي يتوفر على 7 مستشارين الفوز برئاسة مدينة الرباط.
إن هذه التجليات تستدعي البحث عن السبل الكفيلة بالخروج من هذه الأزمة التي يستفيد منها لحد الآن المتلاعبون بالشأن العام، وحفنة من الانتهازيين، والإقطاعيين، والأعيان.
في نظرنا، الخروج من أزمة الديمقراطية التمثيلية بالمغرب، يقتضي القيام بعدة تغيرات على المستوى الدستوري المؤسساتي، والمستوى التشريعي، والحزبي، والمدني.
1- على المستوى الدستوري: تغيير الدستور قصد إقرار المزيد من الحقوق المدنية والسياسية والعمل على التنصيص فيه على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على غرار دساتير باقي الدول الديمقراطية. والفصل بين السلط وضمان التوازن بينها واستقلالية القضاء؛
2- على المستوى التشريعي: إلغاء كافة القوانين غير الملائمة للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وملائمة القانون الداخلي مع القانون الدولي لحقوق الإنسان؛
3- على المستوى الحزبي: السماح للأحزاب المعارضة بالتعبير عن آرائها وأفكارها. كما يتوجب على الأحزاب مراجعة بنيتها التنظيمية والإيديولوجية وضمان الديمقراطية الداخلية؛
4- على مستوى المجتمع المدني: منح حرية أكبر للمجتمع المدني في رصد انتهاكات السلطة، ومراقبة المجالس الجماعية وكافة المؤسسات الإدارية؛
5- على مستوى الإعلام: ضمان حرية واستقلالية الإعلام والصحافة واعتبارهما سلطة رابعة.
يتبين من خلال ما تم تقديمه من أفكار على أن المغرب، لم يعمل بعد على رفع الإشكاليات الكلاسيكية للديمقراطية ومن بين أهمها وضع دستور ديمقراطي يفصل بين السلط، في الوقت الذي مرت فيه العديد من الدول الديمقراطية الغربية إلى إدخال إجراءات متطورة في أنظمتها الديمقراطية التمثيلية. وهذا ما يجسد عمق أزمة الديمقراطية التمثيلية بالمغرب التي زادت من حدتها مقاطعة كتلة انتخابية هامة لكل العمليات الانتخابية التي تعتبر من بين أهم أسس الديمقراطية.
#رشيد_بن_بيه (هاشتاغ)
Rachid_Benbih#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟