حسن الناصر
الحوار المتمدن-العدد: 2710 - 2009 / 7 / 17 - 09:34
المحور:
القضية الكردية
ظهور الملا مصطفى البارزاني
ولد الملا مصطفى محمد عبد السلام البارزاني عام 1903 في مدينة بارزان التي هاجر لها أسلافه وتلقبوا بها بعد نزوحهم من منطقة مهاباد الكردية . وتقع بارزان على سفوح جبل شيرين لذا كانت عصية على الاجتياح العسكري ومنيعة بسبب وعورة التضاريس . والبارزاني هو الابن الأصغر للعائلة وله أربعة أشقاء آخرين , توفي أبوه قبل ولادته , وتشير المصادر الكردية بأنه تعرض للاعتقال مع أمه وهو بعمر ثلاث سنين , كما تشير نفس المصادر بان الملا قد تزعم مجموعة رجال وشارك في حركة الحفيد عام 1919وهو في عمر السادسة عشر, والمرجح ان هذه الرواية مصطنعة و ظهرت بعد بروز نجم البارزانيين وتبؤهم مقاليد السلطة في مدينتي اربيل ودهوك بداية عقد التسعينات من القرن الماضي , ومن المتواتر ان المؤسسات الإعلامية للحركات والتيارات ذات الطابع القومي او الديني او المذهبي وخاصة في دول المشرق تتصف بنمطية تمجيد الرموز القيادية لها وبالأخص الأموات منهم وإضفاء هالة من التبجيل على هذه الشخصيات وتحويلها الى أسطورة في ذهنية مريديهم البسطاء , لذا يتضح ذلك خلال إعطاء صبغة المشاركة للبارزاني في حركات محمود الحفيد باعتبار الأخير الثائر الأول في تاريخ الحركة الكردية المعاصرة .
وبسبب نتاج النفس القبلي التنافسي التي تزخر به السلوكية الفردية والجمعية للكرد ولأغلب شعوب المشرق وخاصة في مناطق الأرياف بدء النشاط السياسي لعائلة الملا مصطفى البارزاني بعد أفول نجم الحفيد عام 1931 لتتولى هذه الأسرة منفردة الزعامة السياسية الكردية كعنصر بديل لأسرة الحفيد , ففي عام ١٩٣٢ شارك البارزاني مع أخيه الأكبر احمد البارزاني في التمرد ضد الحكومة العراقية وبدءوا بشن هجمات مسلحة على مخافر الشرطة والمقرات الحكومية وحدث صدام مسلح مع الجيش العراقي مما أدى الى إحباط الحركة ونُفيَ البارزاني على أثرها الى مدينة السليمانية كونها مدينة لا تمتلك بها أسرته قواعد او نفوذ ملموس وهذا ماثل للعيان حتى الساعة , وبقي المذكور منفياً حتى عام 1943 حيث تمكن من الهرب والعودة الى قريته بارزان وبدء بتمرده الثاني لكن الحكومة العراقية استطاعت إخماده أيضاً ليغادر بعدها البارزاني عام 1945 مع بعض أنصاره الى إيران .
وبعد إعلان جمهورية مهاباد الكردية برئاسة القاضي محمد بمساعدة السوفيت الذين احتلوا المنطقة عام 1946 تولى البارزاني قيادة أركان الجيش في هذه الدولة الفتية وأسس في نفس العام الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي تزعمه حتى وفاته عام 1979 . وبسبب الضغوط الغربية على السوفيت التي اجبرتهم على الرحيل تاركين جمهورية مهاباد الكردية وزميلتها جمهورية أذربيجان اللتان لم يمر على تأسيسهما سوى أحدى عشر شهراً مكشوفتان أمام الجيش الإيراني الذي اجتاحهما ونكل بقياداتهما , وقد تمكن البارزاني من الهرب الى الاتحاد السوفيتي بعد ان ضاقت به السبل وسلم الكثير من أنصاره أنفسهم الى الحكومة العراقية ومن ضمنهم شقيقه احمد , حيث اصطحب معه مجموعة من رجاله اختلفت الروايات بعددهم فالمقل يعدهم 400 عنصر والمكثر يصل بهم الى 2000 , وكانت الرحلة شاقة وخطرة وسيراً على الأقدام ويطلق أنصار البارزاني على هذه الرحلة بالمسيرة الخالدة , وقد تناولها مسعود البارزاني بعرض مسهب في إحدى مؤلفاته .
بعد ذلك مرت فترة من الهدوء النسبي في المنطقة لحين قيام ثورة 14 تموز عام 1958 بزعامة عبد الكريم قاسم الذي سمح للبارزاني بالعودة الى العراق عام 1959 اثر طلب الأخير ذلك , واستقبله قاسم بحفاوة , واسكنه في دار نوري السعيد , ومنحه راتب شهري ضخم , كما سمح له بالعودة الى قريته بارزان .
في عام 1961 استأنف البارزاني تمرده من جديد ضد حكومة عبد الكريم قاسم , ومن الجدير بالذكر ان المتقصي لأدبيات الحركة الكردية يتلمس منها أحياناً كتابات بأقلام زعامات سياسية عاصرت تلك الحقبة الزمنية تترشح منها الشعور بالإثم بسبب التسرع في الصدام المسلح مع حكومة قاسم عام 1961 والبعض يضع اللائمة على شخص البارزاني كونه ذا نزعة انفصالية , وتسمى هذه الحركة وفق التنظير الإعلامي الكردي بانتفاضة أيلول والتي كان من تداعياتها انشقاق الحزب الديمقراطي الكردستاني عام 1964 بقيادة كل من إبراهيم احمد وجلال الطلباني تمخض بعد انهيار اتفاق آذار وهروب الملا مصطفى البارزاني وأسرته واغلب قياديي حزبه الى إيران منتصف السبعينات عن حركة جديدة باسم الاتحاد الوطني الكردستاني الذي تكون من ثلاثة أجنحة وله قاعدة من المثقفين وسكان المدن عكس الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يرتكز على الأرياف , كما انتهج هذا التنظيم في أطروحاته نهجاً اشتراكياً , ويعد الآن شريكاً للحزب الديمقراطي في زعامة الحركة الكردية .
وبعد تولي عبد السلام محمد عارف دفة الحكم عام 1963 أتفق مع عدد من القادة الكرد وبضمنهم البارزاني على حل شامل للقضية الكردية , حيث أعلن عن اتفاق نيسان عام 1964، والذي تضمن منح الحقوق الثقافية للكرد مع مشاركتهم في السلطة , الا ان الميول الانفصالية للقيادة الكردية حينها أفشلت المشروع , فاستمرت الحكومة العراقية بإجراءاتها بمنح الحقوق للكرد بمعزل عن البارزاني الذي استفزه هذا الأمر وأدى به الى الصراع المسلح مع الحكومة من جديد .
وبعد تسلم حزب البعث زمام السلطة وللمرة الثانية في العراق عام 1968 , أعلن عن اتفاقية الحكم الذاتي بين البارزاني وحكومة البعث عام 1970, الا ان عدم سلامة النية من قبل الطرفين الكردي والحكومي افشل المشروع ايضاً , واستأنف القتال من جديد الذي استمر لحين توقيع اتفاقية الجزائر بين صدام حسين وشاه إيران التي تنازل بموجبها صدام عن نصف شط العرب نظير وقف الدعم والتمويل الإيراني للبارزاني , وبمجرد تنفيذ بنود الاتفاقية انهارت الحركة الكردية بشكل تام , ولجأ البارزاني الى إيران ومن ثم الى الولايات المتحدة لغرض العلاج حيث توفي عام 1979 لإصابته بمرض السرطان . اما أبنائه الذين خلفوه بقيادة التنظيم فقد استقر بهم الحال في بريطانيا .
تقلب الملا مصطفى البارزاني خلال حياته السياسية في تحالفاته مع أطراف متعددة لدعم نشاطه المسلح ، فقد تحالف مع بريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وإسرائيل وسوريا وإيران من أجل تحقيق ما يصبو إليه من قيام دولة كردية , كما تذبذبت توجهاته وأطروحاته تبعاً لذلك , لذا أنتقده خصومه السياسيون بتفويت عدة فرص لحل قضيتهم وبالركون للقوى الأجنبية التي طالما خذلته وتركته يواجه مصيره منفرداً حتى تفوه الرجل أواخر حياته بعبارة (ان الجبال هي الصديق الأوحد للكرد)، أما أنصاره فيرون إن البارزاني قد دوّل القضية الكردية وجعلها أممية وليست إقليمية فحسب , وإنه بهذا قد خدم المشروع الانفصالي الكردي .
تشير بعض الوثائق التي سربت من جهاز الكي جي بي السوفيتي ومذكرات بعض ضباط هذا الجهاز والتي نشر البعض منها في موسكو وبعض دول الغرب بان الملا مصطفى البارزاني كان مرتبطاً بشكل رسمي في الجهاز المذكور وينفذ ما يطلبه منه السوفيت , وكان السوفيت يهدفون الى قلقلة مواقع نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وتركيا و إيران داخل الشرق الأوسط ، لذا قاموا بدعم الحركة الكردية في العراق و إيران و تركيا بهدف تأسيس دولة كردية مستقلة تضم أقاليم للدول المذكورة آنفاً , لما تشكله هذه الدولة في حالة ظهورها في تلك الفترة من توتر جدي لدى القوى الغربية وعلى رأسها بريطانيا بسبب طرق إمداداتها النفطية من العراق و إيران ، وكذلك الى الولايات المتحدة بسبب قواعدها العسكرية في تركيا . كما كان السوفيت يبيتون النية بخلق مصاعب لحكومة عبد الكريم قاسم التي بدأت في أواخر أيامها بإتباع سياسة مرنة تجاه الغرب قد يؤسس عليها عودة نفوذه في العراق . وهناك إشارات عبر قنوات سوفيتية غير رسمية الى جمال عبد الناصر تفيد بأنه في حالة نجاح مشروع الاستقلال الكردي فان موسكو ستدعم دمج الإقليم الغير الكردي للعراق بالجمهورية العربية المتحدة .
يتبع ...
#حسن_الناصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟