مشعل التمو
الحوار المتمدن-العدد: 826 - 2004 / 5 / 6 - 07:28
المحور:
القضية الكردية
( أن التنظيمات التي تحارب الحقيقة وتعاقب الجهد وتكافىء الخيانة والوشاية وتشجع على الكذب والازدواجية وتلغي القانون , هي تنظيمات الخراب العام ) ياسين الحاج صالح ؟
ليس لدينا مشكلة كوردية ؟ هناك ضيوف أو لاجئين أكرمت وفادتهم سوريا ؟ هذا هو الموقف الرسمي العلني السوري حيال الوجود الكوردي في سوريا , ناهيك عن الخطوط الحمر التي تراكمت مع الزمن في وجه أي بحث أو حوار أو موقف سوري رسمي أو معارض حيال هذه القضية , بمعنى كان الموقف الرسمي هو الناظم لموقف الكثير من القوى والفعاليات الوطنية الأخرى سواء كان ذلك عبر الابتعاد عن كل ما يغيظ السلطة , أو بحكم البنية السياسية ومرتكزات النظرية الناظمة لهذا الحزب أو ذاك , والذي ينطلق من ذات الثوابت والجذور المعرفية المكونة للوعي العروبي السائد تجاه الآخر المختلف قوميا .
أن المجتمع السوري يمتاز بكثرة القضايا المغيبة فيه , لكن المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية , ساهمت إلى حد كبير في ظهور هذه القضايا للعلن منذ ما يقارب السبع سنوات , حيث بدأت الحوارات بالتبلور حول ما يعانيه المجتمع السوري ككل وهو الذي يفخر بكثرة مغيباته , والتي كانت إلى أمد قريب مناطق لغمية يمنع فيها التصوير أو الاقتراب وغير قابلة للجدل أو الحوار , , أو وفق اللغة الرسمية خطوط حمر يحظر مداولتها وتناولها .
أن مجرد طرح القضايا للحوار العلني والأفقي في المجتمع , يمكن اعتباره خطوة ايجابية وفي الاتجاه الصحيح , ناهيك عن البعد التداولي الايجابي فيما يخص توسيع دائرة المشاركة الشعبية , هذا التشارك الذي شمل بشكل أو بآخر مساحة الوطن السوري , خروجا على المألوف وسعيا إلى إعادة قراءة الواقع السوري وبحث قضاياه المغيبة , لفهم وجودها أولا , وإرساء حلول توافقية لها ثانيا , تكون بمثابة قاسم مشترك لمكونات المجتمع السوري , ومن هذه القضايا , القضية الكوردية في سوريا والتي تخص شعب متمايز يعيش على أرضه الواقعة ضمن حدود سوريا الجغرافية الحالية .
هذه القضية بما هي قضية شعب محروم من حقه في الحياة كمجموعة مختلفة عن العام السوري , كانت ولا زالت مثار جدل ونفي وإنكار من لدن الاستراتيجية الرسمية السورية , بالإضافة إلى الكثير من الأطر السياسية السورية , وبعض مثقفي السلطة والمعارضة على حد سواء , أو على اقل تقدير هناك حتى الآن لبس حول الوجود الكردي وحقه الإنساني والقومي في ذهنية الكثيرين من نتاج الإيديولوجيات الأصولية بكافة تفريعاتها.
أن عدم وضوح الرؤية السياسية أو الثقافية أو المجتمعية للوجود الكردي في سوريا , وقضيته القومية التي هي بذات الوقت قضية وطنية , ديمقراطية سورية , حتم ويحتم عقد لقاءات وندوات وحوارات مستمرة , بهدف إيضاح المستور أو المسكوت عنه حيال الوجود القومي الكردي , وبالتالي البحث عن آلية عملياتية للتعاطي مع هذا المعطى الوجودي المغيب رسميا وقومويا , ناهيك عن مستوجبات حله وردم الهوة الشاسعة والفاصلة بين الكتلة القومية الكردية وبين العام المجتمعي السوري .
هذه الهوة المتكونة عبر مسيرة ماراثونية من تغييب القضية الكردية , وتطبيق مختلف وسائل وأساليب التذويب والصهر القومي والإنساني , ويضاف إلى ذلك ما جرى بحق المجتمع السوري ككل من تنميط وحداني منع فيه التواصل , وأدين فيه التعاطي بالشأن العام , وجُرم فيه الفهم الميداني الصحيح لواقع وجود الشعب الكردي .
في السنين الأخيرة وبحكم المتغيرات الداخلية السورية والإقليمية والدولية , والانحسار النسبي لحاجز الخوف الرسمي , بدأ التعاطي مع القضية الكردية في سوريا والحوار في كل مستوياته حول تعقيداتها وتداعياتها المستقبلية , أن لم يتم تدارك هذا الانفصام المجتمعي , وإيجاد حل وطني له , في فضاء مدني يجد فيه الإنسان ذاته وهويته القومية كجزء من هوية وطنية عامة .
ولعل المبادرات الحوارية الفردية أو الجماعية سواء جاءت من الجانب العربي أو الكردي , هي المسار الوحيد الذي يسمح بإيضاح صورة الوجود القومي وتاريخيته , وتحديد ممكنات الحل الراهن والية الفعل المرافق من اجل تكريسه مجتمعيا , ومن هذا المنطق اجزم بان آية حوارية جدية بغض النظر عما يطرح فيها من رؤى وأفكار , يبقى الهدف منها تحفيز الجدل وتصادم الرؤى للوصول إلى قاسم مشترك يكون أساسا للانطلاق وحل المسالة , أو على اضعف تقدير يقرب وجهات النظر ويجلي الكثير من الضبابية حول القضية موضوع الحوار .
ولعل الإحداث الأخيرة في القامشلي وسواها من المدن الكوردية والسورية , أبرزت حجم الاحتقان الموجود ومدى كارثيته على الوطن ككل أن لم يعالج بالشكل السياسي السليم , وبالتالي بات الحوار والتحاور على ما استجد من أمور مطلبا وطنيا شعبيا بغض النظر عن موقف السلطة الرسمي والأمني الملموس , بمعنى نحتاج جميعا إلى العمل بتكاتف وتعاضد , بالاستناد إلى نواظم معرفية تمتلك حدا مقبولا من احترام الرأي الآخر وحتى تعارضه , ولكنها تبقى مسارا مفروضا ينبغي قبوله واحترام التعدد والتنوع فيه , وعلى حد تعبير الأستاذ سليم خير بيك في إحدى الندوات الحوارية السابقة لدفاع الذات القامشلوي , حول أننا جميعا محكومون بالعيش المشترك ومن مصلحتنا البحث عن ما يجسد هذا العيش ويحفظ خصوصية كل طرف , وبالتالي فالبحث عن حل سياسي ديمقراطي هو ما ينقص هذا التعايش , ولا اعني ما هو قائم , فالقائم ليس تعايشا قدر ما هو تعسفا واضطهاد وتغييب للقومي المختلف , سواء كان هذا التغييب سلطويا أو أيديولوجيا أو قومجياً .
أن حركة المراوغة التعموية على وجود مشكلة كوردية في سوريا ( التي وضع تصريح الدكتور بشار الأسد في الحوار المفتوح لقناة الجزيرة حدا لها ) , هذه المراوغة التي عهدناها نحن الكورد ليس فقط من لدن بعض مهرجي التطهير العرقي كطلب هلال والموصلي والسموري والربيعو والسهدو وغيرهم الكثير , وإنما أيضا من لدن بعض من يدعي المعارضة والديمقراطية كسيد رصاص ورجاء الناصر وغيرهم أيضا الكثير , وهو تناقض فاضح بين ادعاء المطلب الديمقراطي وبين جوهر الوعي بالديمقراطية الذي يبدوا أن بعض القومجية لا يستطيع أن يمتلكه ؟ بمعنى أن حركة المراوغة الالتفافية التي يقوم بها البعض باتت تتنافى ليس فقط مع الواقع , وإنما حتى مع الموقف الرسمي الذي كانت تتناغم معه , وبالتالي فهي تدور في ساحة لعب غُيبت وانتهت في حركة المطالبة الكوردية بإنسانيتها , من حيث أن الإحداث الأخيرة أنهت ساحة المراوغة تلك وجاء موقف الرئيس الأسد الأخير ليغلق البوابة نهائيا ويفتح أفقا جديدا وساحة لعب أخرى تختلف في كل معطياتها عما سبق , وما يحاوله البعض كمنذر موصلي ( السلطوي ) مثالا , ورجاء الناصر ( المعارضوي ) نموذجا , يندرج في أطار محاولة إعادة تثبيت الماضي واجترار معطيات انتهت فترة استخدامها , وهي ليست سوى عملية انفصال فظ وسمج بين الواقع وبين الفكر الشمولي العروبوي الذي لا زال مصرا على إغماض عينيه والتوهان في نظرية المؤامرة والتآمر وعدم الاتعاظ من ما حدث ؟.
يبدوا أن الحلم بالحضور في مكان , عنه يغيب الواقع , سمة عامة لكلا النموذجين , وطبيعي أن حلما كهذا يشكل بؤرة حضور تمتزج فيه مقولات عدائية تجاه الاختلاف في القومية أو الرأي , وتصبح المخيلة في مثل هكذا حالات سفينة هائمة , عائمة , تبحث عن حضور ليس ممكنا , وعن شرعية باتت لا معنى لها , إلا في سلطة , تنفي , وتقمع , وتختبأ تحت نسق من تهويمات وازدراءات تنفي داخلها نفسه وتحيله إلى خارج لا علاقة له بالحقيقة والواقع .
حقيقة ما لمسناه خلال الإحداث الأخيرة من رؤى ومواقف أظهرت إلى حد كبير مصداقية الطرح الديمقراطي للكثير ممن كانوا يتباهون بحمل لوائه , حتى أن بعضهم جعل من نفسه قيما للديمقراطية , مطالبة وفهما , وجاء موقفه من الآخر المختلف والمتمايز قوميا ليثبت كم هو قمعي مع الآخر سواء في الرؤية أو في العلاقة , حتى أن البعض محبب لنفسه إضفاء صفة الفكر والمفكر على شخصيته , ومثل هكذا شخوص وصفها سهيل فرح بقوله ( وهو بهذا المعنى بوليس فكر وخزان نقود معرفي لتوتاليتاريا الإيديولوجيات غير الديمقراطية ) وبالتالي فما هو جلي وواضح أن التناقض بين الأوهام المختلقة لدى النماذج الأنفة الذكر فيما يتعلق بالوجود الكوردي والمطلب الوطني الكوردي , وبين الواقع الراهن , وحقيقة ومصداقية المطلب والوجود , وصل في لا وعيهم إلى نقطة مرضية , نقطة اللارجعة وهي نقطة فائقة الرجعية , استبدادية , سمتها وهاجسها المزاودة حتى على الإرهاب بالهوية ؟ وفيها يقول المفكر الراحل الياس مرقص ( هاجس الكم والأكثر والحجم الكبير والميغالية , أي هذه العقيدة المقزعة التي هي اللامنطق , اللانسبة , اللاتناسب , اللاترتيب , اللاكيف .... المزاودات بالجمع , الديماغوجيات ؟ ) .
ما أريد أن أناقشه راهنا وعلى عدة حلقات , هو العديد من القضايا الخلافية حول الراهن الكوردي في سوريا والرؤية الأخرى إليه وخاصة من لدن دعاة الديمقراطية , بمعنى التنقيب والحفر في مواقف بعض المهرجين من جهة , وبعض أطياف المعارضة السورية من جهة أخرى , وكل ذلك بغاية العثور على صدقية الباحث عن الحق , في نفيه حق وحقوق الآخرين ؟ .
القامشلي 5/5/2004
كاتب كوردي سوري , ناشط في لجان إحياء المجتمع المدني في سوريا
#مشعل_التمو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟