|
تأملات حول دور ومكانة العلماء في محاربة التطرف الديني بالمغرب
مصطفى عنترة
الحوار المتمدن-العدد: 826 - 2004 / 5 / 6 - 07:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أقدم الملك محمد السادس في الأونة الأخيرة على وضع الطابع الشريف على ظهيرين شريفين الهدف من ورائهما إعادة تنظيم الحقل الديني الذي هو تحت الإشراف المباشر للملك بوصفه أميرا للمؤمنين، يعنى الأول بتنظيم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية فيما يهم الثاني إعادة تنظيم المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية. وتتضمن التشكيلة الجديدة التي ستؤطر السياسة المزمع انتهاجها من الآن فصاعدا في الحقل الديني 16 عضوا في المجلس العلمي الأعلى و30 عضوا كرؤساء للمجالس العلمية المحلية فضلا عن 3 مدراء مركزيين بالوزارة المذكورة (مدير الشؤون الإسلامية، مدير المساجد ومدير التعليم العتيق) ،16 مندوبا جهويا للشؤون الإسلامية. وقد تميزت هذه الخطوة بالتشريف الذي حظيت به المرأة العالمة في تدبير الشأن الديني، كما تميزت بالتجديد من حيث النوعية المتقدمة لأعضاء المجالس العلمية والذين روعي في اختيارهم الكفاءة والأهلية، مما يؤشر على أن المغرب سيعرف نخبة دينية متنورة قادرة على مواجهة مظاهر الانحراف وصيانة الحقل الديني من التطاول عليه من قبل الخوارج عن المذهب الإسلامي المعتمد رسميا بالمغرب.
ـ المسار: مما لا شك فيه أن النظام السياسي يقوم في كل مناسبة بمراجعة استراتيجيته وإعادة النظر في خطابه وتطوير آلياته العملية قصد ضمان استمراريته خاصة عندما يتعلق الأمر بالحقل الديني الذي يشكل أحد المصادر التي ينهل منها الحكم شرعيته، ويلعب العلماء دورا رياديا في هذا الاتجاه اعتبارا لمكانتهم المتقدمة داخل هذا الحقل. وقد مر العلماء تاريخيا من محطات مختلفة، ذلك أن دورهم التقليدي كان منحصرا في إضفاء الشرعية الدينية والقانونية على قضايا متعددة، إذ كانوا في الغالب ملازمين للسلاطين لإمدادهم بالفتاوى التي يحتاجونها في بعض الأحيان لممارسة سلطتهم. ولم يتغير موقعهم في المغرب في عهد الحماية الفرنسية، إذ اصطف البعض منهم إلى جانب "الإقامة العامة الفرنسية"، والكل يتذكر موقفهم المداهن، الذي جاء موافقا لهوى سلطات الحماية، من عملية خلع السلطان محمد بن يوسف(محمد الخامس جد الملك محمد السادس) في 20 غشت 1953 ومباركتهم لتعيين محمد بن عرفة الذي رفضه قطاع واسع من المغاربة لخيانته للملك وافتقاده للشرعية الدينية... وكان قد قاد هذه الخطوة العالم عبد الحي الكتاني رفقة مجموعة من العلماء بدعم من الحماية الفرنسية، وهذا الموقف جعل العلماء يتمتعون بسمعة سيئة داخل الأمة إلى درجة أن مرادف العالم أصبح هو الخائن حسب المفكر المغربي محمد عابد الجابري. مع الإشارة في هذا السياق إلى أن مجموعة من العلماء رفضت الانصياع لاستراتيجية الإقامة العامة الفرنسية مقابل النضال إلى جانب الحركة الوطنية، مما جعل أفرادها يوصفون بعد الاستقلال بالزعماء وما شابه ذلك من الألقاب الشريفة. والأكثر من ذلك أن العديد منهم استفاد، مكافأة له، من العمل داخل قطاعات حكومية..، حيث لم يضعف موقفهم بعض الشيء سوى قلة التكوين الفقهي الذي لا يساير الثقافة الحديثة للإدارة، الشيء الذي جعلهم يهمشون مع مرور الوقت خاصة مع عودة نخبة تابعت دراستها العليا بالمعاهد والجامعات الأجنبية.
ـ الرابطة: تأسست رابطة علماء المغرب سنة 1958، وكان الهدف من وراء تأسيسها تنظيم هذا القطاع وتأميمه لكي يصبح العالم مجرد موظف عمومي في نهاية المطاف. وهذا ما جعل الجابري يقر بأن هذه المؤسسة ولدت ميتة لأسباب متعددة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر تزكيتها لمجمل المواقف السياسية للدولة، توصياتها التي بقيت مجرد حبر على ورق، مباركتها لمشروع الدولة الهادف إلى جعل نشاط العالم مجرد "وظيفة عمومية" يتقاضى مقابل أدائها أجرا شهريا ...إلخ. وقد ظلت هذه المؤسسة دون فاعلية تذكر، ذلك أن الساحة الوطنية عرفت عدة أحداث ووقائع كان يفترض في مؤسسة مثل رابطة علماء المغرب أن تتحرك في اتجاه محاصرة أي انفلات قد ينجم عنها، فقد تم حظر الحزب الشيوعي المغربي بقيادة المرحوم علي يعتة في غياب أي أساس قانوني.. كما تمت محاكمة ما سمي بـ "حركة البهائيين" في بداية عقد الستينات من القرن الماضي، ذلك أن محكمة الناظور لم تجد أمامها نصوصا قانونية تشرعن نشاط هؤلاء البهائيين، فألصقت بهم تهم التمرد، والقيام بأعمال الشغب المسمى بالأمن العمومي، وتكوين عصابة إجرامية، والمس بالعقيدة الدينية". وقد حكم المتهمون وعددهم 13 متهما بعقوبة الإعدام في حق ثلاثة أعضاء وبالسجن المؤبد عل خمسة وبالسجن المحدد في حق عضو واحد، فيما تمت تبرئة ساحة الباقي. ومرة أخرى لم تقم هذه الرابطة بدورها التنويري في قضية أساسية مست بحرية العبادات..
ـ الحافز: شكل ظهور الحركة الإسلامية بالمغرب في النصف الثاني من عقد السبعينات هاجسا للنظام السياسي قصد تفعيل دور رابطة علماء المغرب، خاصة بعد تنامي المد الأصولي وإقدام بعض عناصر من الشبيبة الإسلامية بقيادة عبد الكريم مطيع على اغتيال الناشط الاتحادي عمر بن جلون في 18 دجنبر 1975، وتسطير مخطط يرمي إلى تصفية مجموعة من الوجوه السياسية البارزة... وقبل هذا الحادث نشر المرشد الحالي لجماعة العدل والإحسان عبد السلام ياسين رسالة مفتوحة إلى الملك الراحل تحت عنوان "الإسلام أو الطوفان"، وهي الرسالة التي توجت باعتقال ياسين وإيداعه بأحد المستشفيات بدعوى إصابته باختلالات عقلية، ولم يقتصر تنامي هذا المد على المغرب، بل ميز العديد من المواقع الممتدة من المحيط إلى الخليج بفعل تأثيرات انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة الخميني وتراجع الخطاب الماركسي والقومي وتدفق أموال البيترودولار على العديد من الأقطار العربية. وهكذا عرفت هذه المؤسسة تنظيم مؤتمرها السابع، وبعدها تم الإعلان عن تأسيس المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية برئاسة الملك بوصفه أميرا للمؤمنين، كما تم تنشيط العديد من القنوات الدينية التقليدية (الشرفاء..)، كذلك عرفت الحركات الصوفية كالزاوية البوتشيشية حركية، حيث برزت على وجه الخصوص بمنطقة المغرب الشرقي. وهذا الوضع يفيد بأن النظام اتخذ مجموعة من التدابير والإجراءات الهادفة إلى تنشيط بعض القنوات الدينية التقليدية ومحاصرة المد الأصولي المتنامي قصد تدعيم موقعه الديني وضرب كل من يحاول التشويش عليه..
ـ التجديد: لقد استمرت مؤسسة رابطة علماء المغرب في عملها في عهد عبد الكبير العلوي المدغري وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق، حيث لم يعد للعلماء أي دور بارز، لكن سنوات التسعينات وبداية الألفية الجديدة عرفت العديد من الأحداث استدعت من النظام القيام بمراجعة استراتيجيته الدينية، وكان إبعاد المدغري عن الوزارة المذكورة ومجيئ أحمد التوفيق أكبر مؤشر على وجود هذه الإرادة السياسية لإعادة تنظيم الحقل الديني حتى يصبح مواكبا لتطورات العصر، ولعل أحداث 16 ماي سرعت من وتيرة هذه الهيكلة. وهكذا تم اتخاذ مجموعة من الخطوات الإصلاحية الهامة في هذا الاتجاه توجت بإعادة هيكلة الوزارة الوصية والمجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية، كما شمل هذا الإصلاح رابطة العلماء لإخراجها من سباتها العميق وإعادة الروح إلى جسدها لجعلها تتفاعل مع المجالس العلمية، بل أكثر من ذلك أنه تم إصدار ظهير شريف لتنظيمها وتركيبها في إطار يحمل اسمها جديدا هو "الرابطة المحمدية لعلماء المغرب". أكيد أن المتغيرات السياسية الراهنة دفعت بالنظام السياسي إلى الاهتمام أكثر بمكونات المجال الديني، وذلك من خلال الرفع من مستوى نخبته المكلفة أساسا بترجمة المفهوم الجديد للسلطة الدينية وتحديث آليات عملها المادية والبشرية والعلمية وتطوير الخطاب الديني بالشكل الذي يؤهل الساهرين على تكريس الأمن الروحي للمملكة للعمل على تأطير الشأن الديني ومحاربة الفراغ القاتل وأيضا ويؤهل المغرب بالتالي للحفاظ على إسلامه المبني على أساس من اختياراته المذهبية والسياسية بعيدا عن تأثيرات الشرق وكل التصورات الصادرة عنه.
#مصطفى_عنترة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مؤشرات وساطة إسبانية لحل مشكل الصحراء المغربية
-
الحركة العمالية المغربية وسؤال مواجهة مخاطر العولمة
-
أسس شرعية ومشروعية النظام الملكي بالمغرب تحت المجهر
-
أحمد بوكوس، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالمغرب، ي
...
-
جهادي الحسين الباعمراني، صاحب -ترجمة معاني القرآن الكريم بال
...
-
أمازيغيون يقاضون وزير التعليم المغربي ضد استغلال المناهج الد
...
-
عبد الله حافيظي السباعي، باحث متخصص في شؤون الصحراء يتحدث عن
...
-
المحجوب ابن الصديق يستمر في قبض نقابة الاتحاد المغربي للشغل
...
-
تداعيات أحداث 16 ماي الدامي تلقي بظلالها على المؤتمر مر الوط
...
-
المفكر التونسي عبد المجيد الشرفي يتحدث عن الفكر الديني، الإس
...
-
أبعاد ومخاطر تكريس سياسة اللهجات الأمازيغية بالمغرب
-
مثقفون وباحثون وجامعيون يتحدثون عن تجديد الفكر الديني
-
جهادي الحسين الباعمراني ينجز ترجمة لمعاني القرآن باللغة الأم
...
-
تأملات حول المخزن الثقافي في مغرب القرن الواحد والعشرين
-
الملك محمد السادس يقوم بإصلاحات كبرى تروم تطوير الحقل الديني
...
-
قراءة في تفاعلات تصريحات الصحراوي علي سالم التامك المناصر لج
...
-
تأملات في واقع الحركة الأمازيغية بالمغرب بعد ميثاق أكادير
-
الحركة الثقافية الأمازيغية المغربية وسؤال ما العمل ؟
-
الحركيـــــون( ذوو التوجه الأمازيغي الرسمي) بالمغرب يبٍحثون
...
-
المجتمع المدني -ينتفض-ضد اتفاقية التبادل الحر بين المغرب وال
...
المزيد.....
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية
...
-
بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول
...
-
40 ألفًا يؤدُّون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تواصل إشتباكاتها مع جنود الاحتلا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا للاحتلال في مستوطنة
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|