|
مؤشرات وساطة إسبانية لحل مشكل الصحراء المغربية
مصطفى عنترة
الحوار المتمدن-العدد: 826 - 2004 / 5 / 6 - 07:14
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
شرعت الجهات المؤيدة لأطروحة البوليساريو الانفصالية والمعادية لمصالح المغرب في التحرك من جديد على الساحة الدولية قصد التأثير على الدوائر المتحكمة في صناعة القرار بخصوص قضية النزاع المفتعل حول أقاليمنا الصحراوية. مناسبة هذا القول اللقاء الذي عقده أدان مارتين رئيس حكومة جزر الكناري مع جيمس بيكر بمقر شركة "شال" صباح الأربعاء 21 أبريل المنصرم على هامش زيارته إلى ولاية "تيكساس" الأمريكية، وهو اللقاء الذي لم يحظ باهتمام إعلامي من قبل وسائل الإعلام الدولية التي ألفت تتبع كل صغيرة وكبيرة تتعلق بهذا الملف. والأكثر من ذلك أن هذا اللقاء سبقته زيارة محفوظ علي بيبا، القيادي في "الجمهورية الوهمية"، إلى جزر الكناري، مما يفيد بأن رئيس الحكومة المذكورة يقوم ـ كعادة الكناريين ـ بعملية وساطة لدى الدوائر التي يدور في فلكها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة خاصة وأن اللقاء ـ كما أكدت مصادر مطلعة ـ تمحور حول البترول المتواجد في الصحراء والمياه الإقليمية المتنازع عليها.. وليست هذه المرة الأولى التي يقوم فيها المسؤولون الكناريون بمثل هذه المبادرة، ذلك أن الرئيس السابق للتحالف الكناري سبق له أن قام بعشرات المبادرات داخل الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وأوربا.. قصد الدعاية والترويج للأطروحة الانفصالية وتسويد صورة المغرب في المحافل الدولية وضرب مواقعه هناك... فمرة رأيناه يرأس وفدا تمثيليا من عشرات البرلمانيين.. ومرة أخرى يحمل معه عرائض الاستنكار والاحتجاج.. ورأيناه مرة ثالثة يجتهد في البحث عن أشكال جديدة تخدم مصالح الجمهورية الوهمية لمحمد بن عبد العزيز المراكشي والأمثلة في هذا الباب عديدة. ومن غير المستبعد أن يكون رئيس الفريق النيابي للمتحالف الكناري السابق ومن معه يتقاضون عمولات على تحركاته هذه صناديق سوداء تتشكل من عائدات ما سمي بـ "المساعدات الإنسانية التي افتضح أمرها لدى المحافل الدولية. وقد جدد المغرب إثر نشر الأمين العام للأمم المتحدة تقريره حول قضية الصحراء المغربية، استعداده الصادق والكامل للتفاوض بشأن وضع ذاتي ملائم وذي مصداقية ونهائي لفائدة كافة سكان الصحراء المغربية، مؤكدا وجود "الخطوط الحمراء" المشروعة التي لا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال وتتعلق باحترام السيادة والوحدة الترابية والأسس الجوهرية والثابتة للمملكة. واعتبر بلاغ وزارة الخارجية أن الحل السياسي التوافقي يمكن أن يضع نهاية لهذا الخلاف ويمكن دول المنطقة من الاقلاع لتحقيق اتحاد المغرب العربي ومواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إطار من الوحدة والتضامن، معبرا عن أمله في أن يجد لدى الأطراف الأخرى الاستعداد ذاته والإرادة السياسية نفسها التي تحذوه من أجل العمل سوية للتوصل إلى الحل السياسي الذي تنتظره المنطقة برمتها والمرغوب فيه من لدن مختلف شركائها. ومن المتوقع أن يقوم رئيس حكومة جزر الكناري بزيارة إلى المغرب في 15 ماي الجاري، وهي الزيارة التي سبقتها زيارة مماثلة إلى ولاية تيكساس الأمريكية وقبلها علي بيبا القيادي في جمهورية البوليساريو إلى جزر الكناري، الشيء الذي يؤشر على قيام مدريد بوساطة سياسية عن طريق الحكومة الكنارية القريبة من البوليساريو. فمن الصعب على حكومة تاباتيرو القيام بمثل هذه المبادرة اعتبارا لتأكيدها على دور الأمم المتحدة، وهذا ما جعلها تمنح هذه الوساطة للتحالف الكناري الذي دعم تاباتيرو في الانتخابات الأخيرة كهدية سياسية على حساب الحزب الشعبي هناك، وبتعبير أكثر وضوحا اختارت إسبانيا صاحبة "الحل السياسي الكبير" القيام بعملية وساطة عن طريق الكناريين الذي تجمعهم علاقات قوية بأصدقاء عبد العزيز المراكشي والذين عرفت علاقتهم بالمغرب انفراجا نسبيا إثر الاتفاقيات التي وقعت مؤخرا بالأقاليم الصحراوية (الموانيء، الغرفة التجارية...) فضلا عن المصالح الاستراتيجية التي تجمعهم بالمغرب. مما لا شك فيه أن قضية الصحراء المغربية عرفت في الخمس سنوات الأخيرة تحولا نوعيا، إذ لم يعد التأثير في قراراتها يتم بشكل مباشر من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، قطب الكرة الأرضية، التي كانت تنحاز إلى المغرب، والاتحاد السوفياتي القريب من الجزائر. فزوال الحرب الباردة أنهى مثل هذا التدخل المباشر في القضية ليحل محله تدخل غير مباشر علما بأنها أضحت ضمن القضايا التي تدخل في إطار الاستراتيجية الجيوسياسية للقوى العالمية على مستوى دول شمال إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط. ومن هذا المنطلق، نفهم سياق تدخل رئيس حكومة جزر الكناري لدى جيمس بيكر، مستشار شركة "شال" العالمية، لكن الأكيد أن المتغيرات الدولية ستجري بما تشتهيه سفن المغرب. فقد عرف موقف إسبانيا من هذه القضية تحولا هاما، ذلك أن القادم الجديد إلى رئاسة الحكومة هناك يحمل معه استراتيجية جديدة أيضا ـ حسب ما ظهر إلى حدود الساعة من مؤشرات أولية ـ لم تعد ترى في المغرب ذاك العدو الذي يلزم التعامل معه وفق أسلوب صم الآذان والتجاهل في أحسن الأحوال، فالحادي عشر من شهر مارس الأخير، شكل زلزالا سياسيا داخل المملكة الإسبانية وأيقظ وعيا مفاده أن القضاء على الإرهاب وأيضا التهريب والمخدرات والهجرة السرية وما شابه ذلك يستدعي وضع اليد في اليد وبلورة استراتيجية جديدة في مجال التعاون بين البلدين خدمة لأمن واستقرار المنطقة. ومن المتوقع أن تعرف العلاقات الديبلوماسية بين الجارتين في عهد الاشتراكي ثاباتيرو، رئيس الحكومة الجديد، قفزة نوعية في انتظار أن يعي باقي أطراف الطبقة السياسية هناك أهمية استقرار المغرب ومنافعه على إسبانيا، علما بأن الأحداث الإرهابية التي شهدتها الدار البيضاء في 16 ماي من السنة الماضية ومثيلتها التي كانت مدريد مسرحا لها في 11 مارس من السنة الجارية كشفت وجود عدو مشترك يهدد الاستقرار الأمني للبلدين. وجدير بالإشارة إليه في هذا الباب أن الحزب الاشتراكي العمالي يدور في فلكه بعض التنظيمات اليسارية والمدنية الصغيرة التي تعرف بمساندتها الشديدة لأطروحة جبهة البوليساريو، لكن موقف زعيم الحزب الاشتراكي العمالي الذي تجاوز هذه التنظيمات المذكورة عن يسارها من شأنه أن يخلط الأوراق وينعكس بالتالي إيجابا عليها... من المتوقع أن يعرف موقف الجزائر بدورها تغيرا إثر فوز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بولاية تشريعية ثانية، ذلك أن موقعه الجديد سيجعله متحررا في مواقفه نسبيا من تأثير وضغط الطغمة العسكرية الجزائرية، لكن هذا التغير يبقى في جوهره رهينا بموقف الولايات المتحدة الأمريكية الذي لازالت تلفه الضبابية، إذ يبدو متذبذبا ومتأرجحا تارة ذات اليمين وأخرى ذات الشمال وفق مصالحها الاستراتيجية والدائمة، فمخطط بيكر الذي حمل في طياته منظورا مقنعا لإنهاء النزاع المفتعل وحظي لهذا السبب بموافقة المغرب، سرعان ما تم التراجع عنه لفائدة مخطط جديد (هو مخطط بيكر الثاني) إثر الضغط الذي مورس على الدوائر المتحكمة في صنع القرار الدولي، مع العلم بأن المغرب قدم في هذا السياق تنازلات هامة بعد رضوخه لضغوطات بلاد "العم سام" من خلال الترخيص مثلا لإذاعة "سوا" الامريكية واستقبال وزير الخارجية الإسرائيلي..!؟ من المؤكد أن التحول الذي طرأ على قضية الصحراء بعد أن أصبحت ذات بعد دولي يدخل ـ كما أشرنا ـ ضمن السياسة الجيوستراتيجية لمنطقة شمال إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط، يستدعي من الأمم المتحدة الاجتهاد في البحث عن كل السبل الكفيلة بإنهاء هذا الملف الذي تجاور سنته الثالثة عشرة والذي كلف ميزانية ضخمة تعدت رقم 600 مليون دولار، فكل تأخر في حل هذا الملف أصبح يضر بمصداقية واستقلالية الأمم المتحدة التي كثر الحديث عنها في كل مناسبة. لقد تم مد فترة تواجد بعثة المينورسو فوق تراب أقاليمنا الصحراوية لمدة 6 أشهر عوض 10 تفاديا للعودة إلى نقطة الصفر بعد التغيير الذي من المرتقب أن يعرفه مجلس الأمن في أفق شهر دجنبر على مستوى تركيبته (15 عضوا) والذي من شأنه ـ إن حصل قبل أن تنهي بعثة المينورسو مهمتها في الصحراء المغربة ـ أن يؤجل هذا الملف إلى حين دراسته من قبل الأعضاء الجدد. كما أن تعاقد المبعوث الأممي مع خبير فرنسي في القانون الدستوري وإحداث المغرب خلية للتفكير في إدخال تعديلات على الدستور تهم قضية الجهوية بقيادة المستشار الملكي محمد المعتصم، وتقديمه (أي المغرب) مشروع مخطط جديد لم يفصح بعد عن مضامينه.. كلها عوامل تفيد الحركية التي أضحت تميز هذا الملف الشائك.
#مصطفى_عنترة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحركة العمالية المغربية وسؤال مواجهة مخاطر العولمة
-
أسس شرعية ومشروعية النظام الملكي بالمغرب تحت المجهر
-
أحمد بوكوس، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالمغرب، ي
...
-
جهادي الحسين الباعمراني، صاحب -ترجمة معاني القرآن الكريم بال
...
-
أمازيغيون يقاضون وزير التعليم المغربي ضد استغلال المناهج الد
...
-
عبد الله حافيظي السباعي، باحث متخصص في شؤون الصحراء يتحدث عن
...
-
المحجوب ابن الصديق يستمر في قبض نقابة الاتحاد المغربي للشغل
...
-
تداعيات أحداث 16 ماي الدامي تلقي بظلالها على المؤتمر مر الوط
...
-
المفكر التونسي عبد المجيد الشرفي يتحدث عن الفكر الديني، الإس
...
-
أبعاد ومخاطر تكريس سياسة اللهجات الأمازيغية بالمغرب
-
مثقفون وباحثون وجامعيون يتحدثون عن تجديد الفكر الديني
-
جهادي الحسين الباعمراني ينجز ترجمة لمعاني القرآن باللغة الأم
...
-
تأملات حول المخزن الثقافي في مغرب القرن الواحد والعشرين
-
الملك محمد السادس يقوم بإصلاحات كبرى تروم تطوير الحقل الديني
...
-
قراءة في تفاعلات تصريحات الصحراوي علي سالم التامك المناصر لج
...
-
تأملات في واقع الحركة الأمازيغية بالمغرب بعد ميثاق أكادير
-
الحركة الثقافية الأمازيغية المغربية وسؤال ما العمل ؟
-
الحركيـــــون( ذوو التوجه الأمازيغي الرسمي) بالمغرب يبٍحثون
...
-
المجتمع المدني -ينتفض-ضد اتفاقية التبادل الحر بين المغرب وال
...
-
الباحث علي صدقي ازايكو،عضو المجلس الاداري للمعهد الملكي للثق
...
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|