|
مفهوم السيادة
علي محمد البهادلي
الحوار المتمدن-العدد: 2713 - 2009 / 7 / 20 - 09:07
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
إن مفهوم السيادة لم يعد يعني سيطرة الدولة على أرضها وسمائها ، وعدم قبولها التدخل العسكري الأجنبي فقط ، إذ تطور مفهوم السيادة ليشمل السيادة السياسية والاقتصادية والثقافية . فمن الممكن أن تكون الدولة مسيطرة على حدودها ، وتمنع التدخل العسكري الأجنبي ، لكنها لا تستطيع أن تكون مستقلة في إصدار القرارات السياسية التي تتعلق بسياسة الدولة وعلاقاتها الخارجية ، فمثل هذه الدولة ـ إذا صح التعبير ـ محتلة سياسياً ، أما إذا كانت ذات استقلالية في إصدار قراراتها السياسية وعلاقاتها بالدول الأخرى ، فهي دولة مستقلة سياسياً . هناك نوع آخر من الاحتلال والاستعمار وهو ما يُسمَّى الاستعمار الاقتصادي ، وذلك يكون عندما تصبح الدولة مثقلة بالديون للدول والحكومات الأجنبية ، فغالباً ما تكون الدول الرأسمالية ذات التطور التكنولوجي والاقتصادي تنتهز هذا الوضع وترهق الدول الفقيرة والنامية بالديون والقروض المشروطة أو إقامة المشاريع في تلك البلاد وإغراقها بالبضائع الأجنبية ، مما يؤدي إلى كساد أو موت الإنتاج المحلي ، وهذا هو الاستعمار والسيطرة الاقتصادية ، وهناك نوع آخر أشد وطأة على الشعوب وبالخصوص الشعوب العربية والإسلامية وهو ما يُسمَّى بالغزو الثقافي ؛ لأن الاحتلال العسكري واضح ومكشوف ولا يستطيع أي إنسان إنكار مقاومة مثل هذا الاحتلال ، أما إذا كان الغزو غزواً ثقافياً ، فإن الشعب يصبح تابعاً لثقافة الآخرين ولا يشعر بأي حرج في أن يقلد أو يحاكي الآخرين ، حتى أنه لا يشعر بأي حرج إذا وُجِدَت قوات أجنبية في بلاده ، إذ إن ثقافة تلك الدولة هي ثقافته فلا يشعر بالغيرية وبالتالي الميل إلى مقاومة هذا الغير الذي يريد أن يجتاح الذات . الحقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية خططت بعد أحداث 11 سبتمبر أو قبلها بقليل إلى تغيير ثقافة المنطقة العربية والإسلامية وذلك عبر عدة خطوات منها إسقاط الوضع الأمني ثم يتبعه الملف الاقتصادي ؛ مما يجعل تفكير تلك الشعوب في الجانب الأمني وتأمين لقمة العيش ، ويصبحان الهاجسين الذين يستحوذان على الاهتمام الأكبر ، ومثل هذه الحالة تؤدي بالضرورة إلى جعل الهاجس الثقافي على هامش هذين الهاجسين ، فينتج لدينا جيل فارغ ثقافياً لا تأتي الأفكار الوافدة إليه من الثقافات الأخرى إلا ويتلقفها دون عوائق أو مشاكل تقف في طريقها إلى أذهان هذا الجيل حتى لو كانت ـ أي هذه الأفكار ـ تتقاطع مع الموروث الثقافي والحضاري للأمة ، وستكون النتيجة الحتمية لتلك الشعوب هو حالة الانهزام الثقافي ، وهذا ما حصل في أكثر من دولة ، والحبل على الجرار ـ كما يعبرون ـ في هذه الأيام أيام انسحاب القوات الأمريكية إلى قواعدها العسكرية الرئيسة وتسليم مسؤولية حفظ أمن المدن إلى القوات العراقية لا نريد أن نتشاءم ، ونقول إن القوات الأمريكية لن تنسحب أبداً إلا بفعل الضغط العسكري المقاوم ، لكننا نريد من الحكومة أن تكون حازمة إزاء أي خرق من قبل هذه القوات ، فلا تقبل بتنفيذها لأي عمل عسكري في أي مدينة لا سيما أن المسؤولين في الأجهزة الأمنية أكَّدوا أكثر من مرة أن القوات العراقية قادرة على مواجهة الإرهابيين دون الحاجة للاستعانة بالجانب الأمريكي ، ولا نريد أن يتكرر خرق الجانب الأمريكي لاتفاقياته مع الحكومة العراقية إذ إنهم ـ أي الجانب العسكري الأمريكي ـ قد نفَّذ عمليات عسكرية دون علم الحكومة العراقية وأجهزتها الأمنية وذلك بعد تسليم الملف الأمني لمدينة الكوت قبل أشهر هذا أولاً . أما الأمر الآخر فنتمنى على السياسيين العراقيين أن يوحدوا الخطاب ، ليظهر القرار العراقي قوياً وغير متضعضع ، وبالتالي نستطيع أن نخرج هذه القوات إلى خارج البلاد إلى غير رجعة ونمنع الدول الأخرى من التدخل في الشأن السياسي العراقي ، أما على الصعيد الاقتصادي فيجب أن تنتهج الحكومة العراقية سياسة اقتصادية واضحة يضعها اقتصاديون أكفاء تكون دافعة للاقتصاد العراقي باتجاه النمو والارتقاء مع التحفظ على أي اتفاقيات مع أي دولة أو منظمة دولية تكون نتيجتها الإخلال بالاقتصاد الوطني أو التأثير على القرار السياسي العراقي . أما الجانب الثقافي فيتحمل مسؤوليته أكثر من طرف ، فالحكومة بوزاراتها المعنية بالأمر كوزارت الثقافة والشباب والتربية والتعليم العالي ، يقع على عاتقها الثقل الأكبر في هذا المجال ؛ بحكم الإمكانات المادية والمؤهلات العلمية التي تمتلكها ، ومنظمات المجتمع المدني يجب أن يكون لها دور في هذا المجال ولا تكون مجرد لافتات توضع على البنايات تحمل اسم المؤسسة الفلانية أو منظمة ...الثقافية ، أما المثقفون فيجب أن يصحو من نومهم وينظروا بعين الإنسان المخلص الذي يحترق ألماً لما يراه من هجمات ثقافية ضد مجتمع مورست ضده سياسة التجهيل لأكثر من ثلاثة عقود . فإذا توافرت هذه الأمور أعني السيادة السياسية والاقتصادية والثقافية ، فيمكننا حينئذٍ أن نقول : إننا امتلكنا السيادة .
#علي_محمد_البهادلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استجواب المسؤولين
-
قانون الاحزاب متى يبصر النور
-
الكرة الان في ملعب النزاهة
-
النظام الرئاسي الطريق الامثل لمحاربة الفساد
المزيد.....
-
زيلينسكي: الحرب مع روسيا قد تنتهي في هذا الموعد وأنتظر مقترح
...
-
الإمارات.. بيان من وزارة الداخلية بعد إعلان مكتب نتنياهو فقد
...
-
طهران: نخصب اليورانيوم بنسبة 60% وزدنا السرعة والقدرة
-
موسكو.. اللبنانيون يحيون ذكرى الاستقلال
-
بيان رباعي يرحب بقرار الوكالة الذرية بشأن إيران
-
تصريحات ماكرون تشعل الغضب في هايتي وتضع باريس في موقف محرج
-
هونغ كونغ تحتفل بـ100 يوم على ولادة أول توأم باندا في تاريخه
...
-
حزب -البديل- فرع بافاريا يتبنى قرارًا بترحيل الأجانب من ألما
...
-
هل تسعى إسرائيل لتدمير لبنان؟
-
زيلينسكي يلوم حلفاءه على النقص في عديد جيشه
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|