جهاد نصره
الحوار المتمدن-العدد: 826 - 2004 / 5 / 6 - 06:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من الظواهر السلبية الكارثية التي ولّدها حكم الإفقار الشامل في بلدان الأنظمة الثورية، ما شهدته العلاقات الاجتماعية من تفككٍ، وتلوثٍ، وانحطاط قيمي إنساني لا مثيل له .. لقد انقلبت المقاييس الاجتماعية رأساً على عقب.. وتراجع الوجود الاعتباري للإنسان بحيث أصبح شيئاً من الأشياء.. بمعنى أنَّ الإنسان صار لا يختلف عن الكرسي الذي يجلس عليه إلا إذا جرى صدمه بشكلٍ ما..! ومن أبشع مظاهر التفكك الذي شهده المجتمع ما أصاب العلاقة الأسرية تحديداً..فالحالات التي كانت حتى الأمس القريب شاذة، وغريبة، ومستهجنة، أصبحت هذه الأيام مألوفة، وعادية،وعامة..! فالأسرة التي هي الخلية الأساس للمجتمع، أصابها شلالٌ من الأمراض الفتاكة.. ولم يعد لها ذاك الدور الحيوي، ولا تلك الصورة الجميلة..ففي كثيرٍ من الأحيان أصبح الاخوة أعداء ألدّاء.. و في أحسن الحالات لم يعودوا يعرفون بعضهم إلا في الأوقات العصيبة..! لقد تقلصت إمكانية احتمال الإنسان للأخر إلى أقصى الحدود، وانطبعت الحالات التضامنية الإنسانية الصرفة – إن وجدت- بالزيف، والمجاملات الشكلية،وعدم المصداقية..لقد تبخَّرت المشاعر، وغابت العواطف، وجفَّت ينابيع المحبة..وتقدمت المصلحة الشخصية على كلِّ الأشياء بما فيها الأخلاق التي انحدرت إلى مستويات مرعبة بحيث لم يعد الإنسان يثق حتى بشقيقه بعد أن كانت الثقة قد انعدمت بالأخر كلياً..لقد طغى الزيف، ونمت الضغينة، وأصبحت الوشاية محض عمل، أو مهنة ارتزاق.. يتوسط لممارستها العاطلون، والمثقفون، والصحفيون، والمحللون السياسيون، والكتاب، ومؤخراً المغتربون.. وصار لكل فئة منهم اتحادٌ يسمى اتحاد العسس.. لقد انكسرت الأحلام أو صغرت واضمحلت حتى لم تعد تتجاوز السترة، واللقمة، وستر العورة..! حتى الله انحاز بكامل هيبته، وجبروته إلى نسبة الخمسة بالمائة الذين لم يتركوا شيئاً حتى الفتات لباقي خلقه الذين هم وحدهم حزبه على الأرض.. وكلما علت صرخات استغاثاتهم، ومناجاتهم، وازدادت صلواتهم عدداً كلما ازداد بعداً عنهم ليبقى مصيرهم بأيدي الفجار، و واللصوص ، وجبابرة الأرض..! في مجتمع فاسدٍ فيه كل هذا الخراب يصبح الحديث عن عملية إصلاح محض هراء ..! وتصبح حكاية التحديث تعني تحديث أشكال الفساد وعصرنتها.. ويصبح التطوير ترفٌ إعلامي مبتذل.. إنَّ البناء المهدَّم لا يعيد بناءه من عمل طويلاً لهدمه..قد يقوم بترميمه، وتدعيمه، وتلميعه لكنه يظل آيلاً للسقوط في كلِّ يوم..!
5/5/2004
#جهاد_نصره (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟