|
ديمقراطية أبو غريب
إلهامي الميرغني
الحوار المتمدن-العدد: 825 - 2004 / 5 / 5 - 07:58
المحور:
حقوق الانسان
أخذوا من الساعة والنظارات ووضعوني في قبو مظلم كي أدرك حين خروجي ما منحوه للوادي من عز وتقدم إذ نقلوه من ظلمات العصر الحجري إلى بهجة عصر الشرطة صلاح عبد الصبور
منذ انهيار الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية السابقة بدأت رياح الديمقراطية الأمريكية تهب علينا وجذبت قطاعات من النخب اليسارية التي انخرطت في منظمات المجتمع المدني الممولة أمريكيا ، وأصبح قطاع عريض من النخب المثقفة يبشرنا بالديمقراطية الأمريكية كنموذج ومثال صمد ولم ينهار كما حدث في الكتلة الشرقية السابقة ويبشرونا بما قاله فوكوياما من أنها نهاية التاريخ ، وان العولمة الرأسمالية قادمة لاريب فيها.ومن الذي يمكنه أن يقف أمام قطار العولمة الرأسمالية القادم . الواقع أن الديمقراطية ليست شئ منفصل وسط السلة الأمريكية ولكنه جزء من خطة التطوير والتحديث وفق النموذج الأمريكي الذي يستهدف أمركة العالم وفق الرؤية الليبرالية المتوحشة وفرض نموذج للتنمية والديمقراطية على العالم باعتباره النموذج الوحيد الذي لا فرار منه.
وتساءلنا منذ متى كانت الولايات المتحدة ديمقراطية منذ دعمت موبوتو وكابيلا وعيدي أمين أم منذ قتلت سلفادور الليندى في شيلى وهو الرئيس المنتخب أم بدعمها لشاه إيران أم بدعم السادات وضياء الحق الجنرال الفاشي أم بدعم بيونشيه وارستيد وغيرهم من وكلائها في أمريكا اللاتينية . أي ديمقراطية وهى صاحبة الانقلابات على الأنظمة الديمقراطية في شيلى وباكستان وهى التي تطالب بتجاهل الرئيس الشرعي المنتخب للشعب الفلسطيني. أي ديمقراطية وهى لم تدعم سوى الأنظمة الاستبدادية الفاشية على امتداد خريطة العالم .واختصرت أحيانا القضية في تداول السلطة وضرورة وجود حزبين وفق النموذج الأمريكي.
إن الولايات المتحدة تنفق مليارات الدولارات لدعم الأنظمة العميلة وتغض الطرف عن الاستبداد والقمع الذي يتم . وليفسر لنا المبشرين بالنموذج الأمريكي كيف تدعم الولايات المتحدة الأنظمة الاستبدادية وكيف تحاصر الأنظمة الرافضة للخضوع للنموذج الأمريكي من كوبا إلى فنزويلا إلى جنوب أفريقيا.
ثم جاء 11 سبتمبر وما أعقبه من غزو أفغانستان وما حدث هناك من انتهاكات لحقوق الإنسان يندى لها الجبين ولعل ما حدث ويحدث في معتقل جوانتانامو هو تجسيد حقيقي لطبيعة الديمقراطية الأمريكية. وتلا ذلك غزو العراق وما حدث من انتهاكات منذ اليوم الأول للاحتلال ، وحتى العراقيين الذين فرحوا لرحيل صدام اكتشفوا مع الأيام أنهم استبدلوا صدام بالخواجة برايمر وفرقة مجلس الحكم الإنتقالى . وراح بعض المثقفين ينظرون للتعامل مع مجلس الحكم الذي جاء على مدافع الدبابات الأمريكية ، وراحوا يروجون إلى إننا لم نعيش معاناة الشعب العراقي في ظل حكم صدام والنعيم الاصفهانى الذي يعيشه الآن والذي يجب أن ندعمه ؟!!!!! وهرع البعض إلى بغداد المحتلة لحضور الندوات والمؤتمرات والقبض بالدولارات والظهور على الفضائيات والقئ في وجوهنا بأوهام تنبع من جيبوهم المحشوة بالدولارات الأمريكية.
وأخيراً أعلن عن المآسي التي حدثت في سجن أبو غريب قرب بغداد وهو سجن يحمل تاريخ أسود وتشهد جدرانه بالمآسي التي عاشها الشعب العراقي وها هو في ظل الحقبة الصدامية الأمريكية التي يقودها بريمر وزيبرى والجلبى والباجه جي وغيرهم من صنائع الاحتلال .إن ما حدث في أبو غريب والصور التي تناقلناها على شبكة الانترنت لخير دليل على طبيعة الديمقراطية الأمريكية التي تعتمد على الاغتصاب ليس بالمعنى المعنوي للكلمة ولكن بالمعنى الحسي الجسدي الذي يجسد انتهاك الأعراض والحرمات.فهذه هي الديمقراطية الأمريكية التي أعادت إلينا ذكريات فيتنام وكما عادت سيجون حرة ستعود بغداد والبصرة والكوفة وستتحرر ليبنى العراقيين عراقهم الجديد الذي يعمد الآن بالدم.
بماذا يبرر لنا أذناب الأمريكان موافقة الحكومة الأمريكية على الإصلاح السياسي على جرعات والخطة التي طرحها الرئيس مبارك وباقي الزعماء الذين يخشون على شعوبهم من الصدمة الديمقراطية.ورغم ذلك يستمرون ليبشرونا بالنموذج الإصلاحي القادم على جرعات ولننتظر حتى تأتينا ديمقراطية أبو غريب؟!! إنها ديمقراطية القمع والسحل والسلخ فهي التي قمعت مظاهرة عيد العمال في القاهرة رغم كل ادعاءات الديمقراطية وحرية التعبير ورغم بعض الأرجوزات الذين يطلون علينا من التليفزيون الحكومي ليخدعوا السذج بالتغيير الذي حدث !!! والتغيير القادم على يد مبارك الأبن!!
فضيلة الاعتراف: علمني والدي منذ الصغر أن الاعتراف بالحق فضيلة ، كما أن الاعتراف ضمن العقيدة المسيحية هو أن يذهب الشخص إلى الكاهن ليعترف أمامه بالخطيئة التي ارتكبها ويطلب منه أن يساعده لكي يغفر له الرب هذه الخطيئة.
وأنا الآن أريد أن اعترف وعلى الملء بأنني كنت أظن نفسي ديمقراطياً ولكن حين أعدت تأمل الأشياء وجدت انه مجرد كلام ولذلك أعترف بأنني كنت شيطاناً أخرس وذلك على النحو التالي: ـ حين مارست السلطة الحاكمة التعذيب ضد الجماعات الإسلامية في مصر صمت وصمت اليسار كله باعتبار أنهم إرهابيين وهذا شئ طبيعي ، بينما المفترض لو كنت ديمقراطياً حقيقياً أن أطالب بمحاكمة عادلة لهم وبوضعهم في سجون إنسانية لأن هذه أبسط قواعد الديمقراطية ولكنني لم أفعل وكذلك الكثيرين. ـ حين تم احتلال أفغانستان وحدثت المجازر الأمريكية واقتيد العشرات من المقاتلين إلى جوانتانامو لم أتحرك ولم ارفض ذلك وصمت لأنني غير ديمقراطي ولأنني كنت مثل جحا فطالما انه بعيد عنى لا ضرر. إنني أعترف بخطيئتي وأعدكم بأنني سأبذل كل ما املك لكي أكون ديمقراطياً قولا وفعلا ، وألا اسكت عن الحق ولو كلفني ذلك حياتي .
واعترف إننى حين شاهدت ما حدث في سجن أبو غريب شاهدت نفسي وسط المعتقلين هناك وشعرت بألم الاغتصاب وتحسست مؤخرتي من الألم ، وإنني حين شاهدت وشاهدتم جميعا ما حدث لنساء العراق رأيت بينهم أمي واختى وزوجتي وأبنتى وبكيت كما لم أبكى من قبل. هل وصل بنا الهوان إلى هذا الحد؟!! وأقسمت ألا أقبل بالديمقراطية الأمريكية ،لأنها تجسدت في أبو غريب بصورتها المثالية بدون رتوش أو تجميل وإنني منذ اليوم قد نذرت نفسي للتصدي للديمقراطية الأمريكية والسعي من اجل ديمقراطية المضطهدين والمستضعفين في الأرض وإن وعد الله قريب ، فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون.
معذرة بغداد أن سقطت في النار معذرة أن سقطت تحت غزوة المحررين من جحافل التتار معذرة أننا لم نهرع لنجدتك.. لم نكن في البصرة ولا الموصل ولا أور لم نأت لكربلاء ولا النجف الأشرف.. حين دكت المدافع تاريخك الأكرم. معذرة بغداد.. أننا لم نظهر الشهامة معذرة.. فقد آثرنا السلامة!
إلهامي الميرغني 2004-05-04
#إلهامي_الميرغني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بأي حال عدت يا عيد
-
ياريتنا كنا خنافس .. ياريتنا كنا فرافير
-
قراءات في الموازنة المصرية لعام 2004/2005
-
قراءات في الغلاء وسنينه - عودة الشيوعية لمصر بقرار من مجلس ا
...
-
دروس من سقوط العراق
-
جمهورية أولا حنفى
-
دروس نضالية من المحلة الكبرى
-
المجلس القومي لحقوق الإنسان
-
سؤال الهوية ؟!!! البحث عن الاتجاه في الزمن الردئ
-
المقاطعة والتطبيع وأشياء أخرى
-
مجموعة ديمقراطية فى السلطة المصرية
-
اليسار المصرى .. والتيار الإسلامي .. والديمقراطية
-
كيف نحتفل بذكرى خميس والبقري- شهداء الطبقة العاملة المصرية
-
حوار مع الحزب الشيوعى المصري رد على الرفيق آدم المصري
-
مرة أخرى حول تعدد المراكز النقابية رد على الزميل حمدي حسين
-
تساؤلات حول حقيقة التغيير الديمقراطي الذي نريده
-
التعددية النقابية هي الأصل
-
دروس النكسة العربية ( 4 ) إشكاليات الوعي العربي
-
دروس النكسة العربية ( 3) دور المثقفين في صناعة الطغاة
-
دروس النكسة العربية (2) فن صناعة الطغاة
المزيد.....
-
ليندسي غراهام يهدد حلفاء الولايات المتحدة في حال ساعدوا في ا
...
-
بوليفيا تعرب عن دعمها لمذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت
-
مراسلة العالم: بريطانيا تلمح الى التزامها بتطبيق مذكرة اعتقا
...
-
إصابة 16 شخصا جراء حريق في مأوى للاجئين في ألمانيا
-
مظاهرة حاشدة مناهضة للحكومة في تل أبيب تطالب بحل قضية الأسرى
...
-
آلاف الإسرائيليين يتظاهرون ضد نتنياهو
-
مسؤول أميركي يعلق لـ-الحرة- على وقف إسرائيل الاعتقال الإداري
...
-
لماذا تعجز الأمم المتحدة عن حماية نفسها من إسرائيل؟
-
مرشح ترامب لوزارة أمنية ينتمي للواء متورط بجرائم حرب في العر
...
-
لندن.. اعتقال نتنياهو ودعم إسرائيل
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|