|
الإعلام الليبرالي في خدمة رأس المال
حزب العمال التونسي
الحوار المتمدن-العدد: 825 - 2004 / 5 / 5 - 07:55
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
تكمن أهمية طرح موضوع "الإعلام" الآن، أولا في المساحة الواسعة التي بات يأخذها في اهتمام مواقع التأثير في الطبقات السائدة. وثانيا في كون معالجة هذا الموضوع من خلال المنهج المادي الجدلي والمادي التاريخي يمكن أن يزيد من تفكيك مكانيزمات عمل هذا الجهاز الإيديولوجي. وغنيّ عن البيان أنه إلى جانب سيطرة مالكي وسائل الإنتاج على قوة العمل، فإن الطبقة السائدة تسعى دائما للحفاظ على هيمنتها من خلال فرض إيديولوجيتها ومفاهيمها وقيمها وطرق تعاملها وأساليب تقييمها من خلال أجهزة متعددة تتكون كنتاج جدلي لتحكّمها وغطرستها. ومن أهم هذه الأجهزة جهاز الدولة بمميزاته الأساسية: القمع (جيش، شرطة…) و"الدواوينية" (المدرسة، العائلة، الإعلام..). والإعلام يضم المقروء (صحف، نشريات…) والمسموع (الإذاعات) والمرئي (تلفزة، سينما، إشهار، أنترنات) الذي يضم كل الأنواع التي سبقته، فالتلفزة مثلا نشاهدها ونسمعها ونقرأها (تليتاكس) لذلك فهي حاليا الأشد إثارة للانتباه والأكثر تأثيرا وتوسعا.
ننطلق أولا من "الإعلام الغربي"الذي له طابع تحكّمي ليس على المتتبعين فحسب وإنما أيضا على منتجي الإعلام والعاملين في قطاعاته. إذ أن هذا الإعلام يحظى باهتمام واسع يجعله بمثابة البوصلة الإعلامية، نظرا لتفوقه التقني والخبرات التي يتمتع بها العاملون فيه، إلى جانب ما يتمتع به من هامش من الحرية والاستقلالية النسبية. الصحف مثلا تقدم مواد جيدة للمطالعة والمتابعة حيث تحمل التقارير صبغة حرفية سواء في التحليل أو في الرأي. كما تحاول تمكين جميع العناصر الفاعلة في المجتمع المدني "الغربي" من إبداء آرائها وصياغة أفكارها ونشر تحركاتهم. وإذا قلنا "تحاول" فإن ذلك لا يعني التدليل على أن إدارة الجريدة تعمل على إعطاء كل ذي حق حقه تدعيما للمشاركة وإسماع "الرأي والرأي المخالف" لأن ذلك يصبح في أحيان محددة خاضعا لقرار المدعّمين الماليين للصحيفة. أو خاضعا لضغط اللوبيات المتعددة، سواء في مستوى دعائي أو حتى قضائي وسياسي (محاكمــات، طعون…).
وهنا يكمن التناقض الذي يحرك الإعلام الليبرالي. فمسألة تدعيم "الرأي والرأي المخالف" مضمونة إلى حدود معينة ووفقا لمصالح اللوبيات المالية والسياسية التي تتحكم في وسائل الإعلام. والأمثلة على ذلك عديدة حيث نشاهد مثلا في الفضائيات الغربية أخبارا عن عمليات "صدامية" في تل أبيب أو في أسطنبول… ولا نتابع لمدة أيام ما يحدث يوميا من مداهمات عسكرية، تجسد إرهاب الدولة الذي تمارسه قوات الاحتلال في كل من فلسطين والعراق وأفغانستان… وفي المناسبات الانتخابية يلعب الإعلام دورا أساسيا في ترجيح كفة طرف على طرف آخر. ومن الملاحظ أن الانتقادات المتبادلة أثناء الحملة الانتخابية لا تخرج في غالب الأحيان عن الإطار الليبرالي الذي يغض الطرف عن البعد الاجتماعي ويتجاهل الأزمات التي هي من طبيعة النظام الرأسمالي.
إن الطابع الرجعي للامبريالية ذات التوجه النيوليبرالي يبدو مخفيا خلف الإعلام. ولكن النظرة المادية الديالكتيكية تكشف مكامن تناقضه وعجزه عن تحرير الأذهان والأخلاق. وقد أصبح من البديهيات القول مثلا أن التعامل مع الجرائم الإسرائيلية في الإعلام الليبرالي موضوع محرم، وتفوّق الطابع الاننتقائي أحيانا والتبريري أحيانا أخرى في محاولة للبقاء بين هذا الموقف أو ذاك. خصوصا وأن الإعلام الغربي بصفة عامة أصبح أكثر من أي وقت مضى بيد الرأسمال الخاص. وهو ما يفسر عدم نجاح هذا الإعلام في ظل اللاتوازن الموجود وتحوله نحو حالة من التزويق والتنميق اللفظي والمرئي وتشريد أهم هواجس الإعلامي نحو الإعلام الترفيهي.
ويشهد الإعلام العربي تدخلا سريعا ومفبركا لهذه الظاهرة: دعم شركات أمريكية لقنوات خاصة بـ"أكاديميات النجوم" و"على الهوى سوى" و"الله.. الله.. يا بلدي"..إلخ التي تساهم جميعها في صناعة ذهنية شبابية خالية من النقد ومهتمة بالمظهر على شاكلة "الفنانين الأشباح" الذين سيعمّرون العشريات القادمة بمؤخراتهم وزيوت شعرهم ولباسهم المثير والشاذ… وليس بإمكانياتهم الفنية التي لا تحتاج إلى تقييم. وهذا يدل على حالة التبعية التي تعانيها جميع دول "الوطن العربي" اقتصاديا وسياسيا. أما ما يقال عن "ثورة إعلامية عربية" فهذا لا يعني سوى سيطرة بورجوازيات متخلفة بمنطقها الرجعي المعادي للتاريخ على وسائل الإعلام العربية. حيث ما زالت هذه الرجعيات تركّز تركيزا يكاد يكون مطلقا على "الحركات الإسلامية" وعلى "الفكر الإسلامي" و"الدعوة الإسلامية"، توازيا مع المقولات التافهة وغير العلمية، المتحدثة عن "نهاية الشيوعية" (وكأنها منبثقة من روسيا ومقبورة هناك)، و"نهاية الإيديولوجيا"… دون فسح المجال أمام الرافضين لهذه الأفكار للرد عليها. كما نلاحظ أيضا أن الأفلام الوثائقية التي يتم تعريبها لا تخضع لمقاييس معينة، وإنما تشترى وتنقل بكل ما فيها، دون تمحيص أو مناقشة.
وبطبيعة الحال فإن الإعلام التونسي الرسمي لا يخرج عن هذا الإطار لكن يمتاز بكونه أكثر انغلاقا وتخلفا. حتى أننا لا يمكن أن نتحدث عن إعلام بالمفهوم السطحي للكلمة بل عن مجرد أجهزة إعلامية متخلفة لها مهمة واحدة تتمثل في "تمجيد الحاكم الفرد" بطريقة موغلة في السخافة والبلادة. وهو ما يثير الامتعاض الشديد لدى كافة طبقات المجتمع وفئاته بما في ذلك بعض الموالين لنظام الحكم الدكتاتوري. ويحاول التونسي الهروب نحو الفضائيات العربية التي تكرّس الفكر الغيبي وتدفع نحو التدين بمفهومه الرجعي أو المتطرف. وبين الإعلام التونسي المنغلق والرافض لأي انفتاح حتى ولو كان شكليا، وبين الإعلام العربي التابع والمحصور بين أطر من يموّلونه، وبين الإعلام الغربي الذي يتحكم فيه رأس المال العالمي، بين هذا وذاك يظل المواطن التونسي والعربي بصفة خاصة والمواطن في جميع أنحاء العالم بصفة عامة يبحث عن الحقيقة التي يتلاعب بها أصحاب رأس المال مثلما يتلاعبون بالأسهم في البورصات.
#حزب_العمال_التونسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديمقراطية الشعبية هدف الشيوعيين المرحلي
-
أزمة الديمقراطية البرجوازية
-
اقتصاد الجريمة جزء من الاقتصاد النيوليبرالي
-
قراءة في الوضع الراهن للحركة النقابية في تونس
-
اليسار النقابي : واقع التشتت ورهانات المستقبل
-
الأنظمة العربية : الدكتاتورية والعمالة
-
الشيوعيون والعائلة
-
ضد الرأسمالية، دفاعا عن الاشتراكية
-
حول الوضع الدولي الراهن - من أجل جبهة عالمية معادية للامبريا
...
-
حول الوضع العام بالبلاد - لنكسر العزلة عن الحركة الاجتماعية
...
-
المقرر السياسي للندوة الأممية للأحزاب والمنظمات الماركسية ال
...
-
على هامش القمة العربية المزمع عقدها يومي 29 و 30 مارس 2004 ب
...
-
القانون الأساسي لحزب العمال الشيوعي التونسي
-
بلاغ
-
الأدنى الدّيمقراطي لتحالفنا اليوم وغدا- الجزء الثالث - -حركة
...
-
الأدنى الدّيمقراطي لتحالفنا اليوم وغدا - الجزء الثاني- في عل
...
-
الأدنى الدّيمقراطي لتحالفنا اليوم وغدا - الحزء الاول- النّقـ
...
المزيد.....
-
صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب
...
-
لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح
...
-
الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن
...
-
المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام
...
-
كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
-
إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك
...
-
العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا
...
-
-أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص
...
-
درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|