كامل عباس
الحوار المتمدن-العدد: 825 - 2004 / 5 / 5 - 07:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قرأت بالصدفة عرضا لمحاضرة أقيمت في المركز الثقافي في طرطوس بعنوان قراءة في كتاب صدام الحضارات, للدكتور محمد حاج صالح, الشهر الماضي ، بعد تلك الواقعة بأيام اطلعت على مقال بعنوان ما وراء صدام الحضارات, منشور في نشرة الحوار المتمدن الالكترونية عدد/ 817/ بقلم كريم عبد الله .
في المقالة الأولى يخلص الدكتور محمد الى أن الكتاب قراءة مغلوطة للتاريخ وتفسير خاطئ لتطوره استنادا للصراع الديني داخله, وله أهداف في مقدمتها تبرير السيطرة الأمريكية على العالم .
في المقالة الثانية يستحضر الكاتب روح ماركس في تفسير حركة التاريخ انطلاقا من العامل الاقتصادي بدلا من العامل ا لثقافي الذي يأخذ به الكاتب الأمريكي .
تذكرت المقدمة العجيبة للكتاب والتي تصدرت ترجمته العربية (الطبعة الثانية ) بقلم الدكتور صلاح قانصوه والتي جاءفيها حرفيا ص 25
(( وهو من شأنه أن يساهم مساهمة نشطة في تزييف وعي المواطنين في مختلف بلدان العالم , ويفضي ذلك جميعا الى صرف الانتباه عما يجري في الواقع العالمي بحيث يتم تحريك الأطراف المختلفة بكفاءة واقتدار , لخدمة مصالح بعينها . بعيدة عن مصالح أوسع فئات الجماهير سواء في الشرق أو في الغرب . فالكتاب كله تذكير ملح على واجب المواطنين في التشبث بالخصومة بين البشر , حتى يفرغ أصحاب المصالح لشئونهم وإدارة العالم الممزق . ونظرته في" الصدام الحضاري " ليست أكثر من ثوب قشيب لفكرة أو ممارسة عتيقة جدا هي " فرق تسد " ))
القراءات الثلاث للكتاب لاتخرج عن دائرة خطاب أصولي عربي يصدر عن مثقفين قوميين أو شيوعيين أو اسلاميين ينظرون الى كل ما يصدر عن أمريكا نظرتهم لفضائيتها الجديدة – الحرة - كبضاعة أمريكية تجب مقاطعتها ! ذلك ما دفعني لكتابة هذه المقالة, علها تساهم في الحكم على الكتاب من منظار عقلاني بحت و تخفف من الغبن الذي لحق به وبمؤلفه والذي يستحق عليه كل الشكر والتقدير ولوكنا نخالفه في المنهج الذي اعتمده فيه .
يجهد هنكتون في البداية لايضاح مفهوم الحضارة كما يبدوله , فهي عنده مزيج معقد من الأخلاق والدين والفن والفلسفة والتكنولوجيا والرخاء المادي ويمكن أن يحدد في كل حضارة عدد من المستويات الدنيا والعليا والمعادل الموضوعي لكل حضارة والتي تعطيها هويتها برأيه هي الثقافة , والموضوع الرئيسي لكتابه كما يقول في الصفحة 37 من الفصل الأول (( هو أن الثقافة والهويات الثقافية والتي هي على المستوى العام هويات حضارية و هي التي تشكل أنماط التماسك والتفسخ والصراع في عالم ما بعد الحرب الباردة . ))
وهو يحدد ست أو سبع حضارات رئيسبة لكل منها هويتها الثقافية الميزة ودولة أو دولتين مركزيتين تعبران عنها باستثناء الحضارة الاسلامية , ويرى بالحضارات القبائل الانسانية النهائية , وصدام الحضارات هو صراع قبلي على نطاق كوني في عالم ما بعد الحرب الباردة , والكتاب بمجمله يعتبر ردا على نظرية فرانسيس فوكوياما – نهاية التاريخ – والتي ترى بالليبرالية الديمقراطية الغربية الشكل النهائي لحكومة انسانية موحدة على المستوى الكوني .
هينكتون يرى أن اعتقاد الغرب بعالمية ثقافته , اعتقاد زائف ولا أخلاقي وخطر والاستعمار هو النتيجة المنطقية الضرورية لتلك العالمية . (( عالمية الغرب خطر على العالم لأنها قد تؤدي الى حرب بين دول المركز في حضارات مختلفة , وهي خطر على الغرب لأنها قد تؤدي الى هزيمته )) ص(503)
((إن التدخل الغربي في شؤون الحضارات الأخرى يمكن أن يكون المصدر الوحيد والأشد خطرا بالنسبة لعدم الاستقرار والصراع الكوني المحتمل في عالم متعدد الحضارات )) ص (505)
(( وفي عالم متعدد الحضارات فإن المسار البناء هو التخلي عن العالمية وقبول التنوع والبحث عن العوامل المشتركة )) ص (516)
والبديل عن صدام الحضارات لدى هينكتون هو العمل بموجب ثلاثة قوانين
الأول : قانون الامتناع : أن تمتنع دول المركز عن التدخل في صراعات داخل الحضارات الأخرى
الثاني : قانون الوساطة المشتركة : أن تتفاوض دول المركز مع بعضها الآخر لاحتواء ولإيقاف حروب خطوط التقسيم الحضاري بين دول أو جماعات داخل حضارتها .
الثالث :قانون العوامل المشتركة : لا بد ان تبحث شعوب جميع الحضارات عن تلك القيم والمؤسسات والممارسات المشتركة بينهم وبين شعوب الحضارات الأخرى وأن تقوم بتوسيعها
(( وباختصار , فإن تجنب حروب رئيسية بين الحضارات في الحقبة القادمة يتطلب أن تحجم دول المركز عن التدخل في صراعات الحضارات الأخرى . وسوف تجد بعض الدول بلا شك صعوبة في قبول هذه الحقيقة . وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية )) ص(512)
ينهي الكاتب الكتاب كما يلي
في الحقبة الناشئة صدام الحضارات هو الخطر الأكثر تهديدا للسلام العالمي , والضمان الأكيد ضد حرب عالمية هو نظام عالمي يقوم على الحضارات
....................................... ................................
من أهم محاور الكتاب هو رصده للصراع بين الاسلام والمسيحية على مدى قرون عديدة عبر التاريخ ومعالجته للصحوة الاسلامية الحالية من جيش محمد في أندونسيا الى نيجيريا الى الشيشان الى البلدان العربية وتحذيره الغرب من التدخل بشؤون المسلمين على طريقة أمريكا والتي ستدفع نحوالصدام, وهو ما قرأه هينكتون بعيني نبي, حيث وقع الصدام في قلب أمريكا أوائل هذا القرن بعد سنوات معدودة من صدور كتابه .
مع ذلك يتهمه أمثال قانصوه بأنه يروج للأصولية الاسلامية مع أنه دعا في كتابه لقطع الطريق عليها بإقامة نظام عالمي جديد يقوم على الحوار بين الحضارات, عنوانه مجلس أمن جديد تكون فيه الحضارة الاسلامية ممثلة بدولة مركزية أو أكثر تتمتع بحق الفيتو فيه !!!
بالطبع أنا أختلف مع الكاتب في رويته لحركة التاريخ ودوافعها وأسبابها , فما زال السبب الجوهري فيها من وجهة نظري هو الصراع الطبقي الذي ينكره هينكتون والذي يتمظهر على السطح بأشكال عدة تختلف باختلاف الزمان والمكان, ولكنني لاأرى أن قابلة المجتمع الجديد هو العنف الثوري كما رأى ماركس , بل هو الوعي الذي يفعل فعله في عصرنا الحالي كما فعل الرصاص في الماضي . وهنا أهمية الكتاب وقيمته عندي . أن حضارات الجنس البشري بهوياتها الثقافية المتعددة تشترك جميعها في جانب إيجابي , جانب الدعوة لاحترام الانسان وحقوقه , جانب رفض الجريمة والظلم والشر , جانب عدم قتل النفس البريئة ...الخ هذا الجانب الذي تجلت ثماره في الغرب وفي أمريكا بمظاهرات عارمة بلغ طولها عدة كيلو مترات وعددها فاق الملايين والتي قالت لا للحرب على العراق وكان العديد من شعاراتها داخل أمريكا معبر حدا . إحدى اللافتات كتب عليها أحمق منتخب بوجه أحمق غير منتخب , وإحدى الفتيات شقت ثوبها وأبرزت نهديها وقد كتب على الأول صدمة والثاني ذهول , سخرية ما بعدها سخرية من عناوين حرب بوش على العراق .
وإذا كانت تلك الصحوة الانسانية مقلوبة في دنيا الاسلام والعرب , فإن من يتحمل ذلك هو حماقة القيادة السياسية لأمريكا والغرب ووقاحتهم في نهب ثرواتهم وتدخلهم بشؤونهم عبر الكيل بمكاييل عديدة جميعها تخدم عدوهم التاريخي , والبديل عن ذلك هو نظام قائم على الحوار بين الحضارات وعدم التدخل بشؤونها الداخلية كما يقترح هينكتون بالضبط .
السؤال الذي يطرح نفسه في نهاية هذه المقالة :
ترى لماذا تسوق الجهات الرسمية العربية هذا الكتاب بمقدمة عريضة لا تحمل الحد الأدنى من الموضوعية ولا تحترم عقل القارئ ؟؟؟
كامل عباس
اللاذقية أوائل أيار
#كامل_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟