|
أنا أحلم … شيوخنا وروحانيو الآخرون …!
كامل السعدون
الحوار المتمدن-العدد: 825 - 2004 / 5 / 5 - 07:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
( أقول لكم أيها الأصدقاء… وبالرغم من كل المصاعب والمخاوف …مصاعب اللحظة ومخاوفها، إنني لا زلت أحلم … أحلم ذات الحلم الذي تجذر عميقاً في كامل الحلم الأمريكي الجماعي …، حلمي أنه في ذات يوم ، ستنهض هذه الأمة لتعيش المعنى الأصدق لإيمانها الذي يشرق في الأعماق… الأيمان بأن كل الناس متساوون ، وبأن أطفالنا … جميعهم من البيض والسود سيجلسون يوماً كتفاً لكتف إلى طاولة الأخوة….) أنا أحلم … أنا أحلم …. أنا أحلم …! ويستمر حلم النبيل الخالد مارتن لوثر كينغ… ويستمر متدفقاً في خطابه وسط مئات الألوف من الأنصار والأعداء ….! هذا الخطاب الذي نزفه قلب كينغ قبل أن ينطقه لسانه …! هذا الدفق الجميل الشفاف من عبارات الحب والرحمة والتسامح ، نفخ في قلوب الملايين روح الإقدام الهادئ المسالم النقي للكفاح من أجل هذا الحلم … هذا الحلم الذي يوحد ولا يفرق ، يستقطب لا يقصي …! وانتفخت البذرة حبلى بثمار الحلم …! وإذ أرادت سقياً سقاها النبيل كينغ بدمه …! هذه البذرة هل تتصورون أن روحانياً أو رجل دين عربي أو مسلم يمكن أن يبذرها في حقل مجتمعه … وهل تتخيلونه مستعداً لسقياها بدمه ؟ هل يمكن أن تتخيلوا يوماً إماما من أئمتنا قادرٌ على أن يطلق دعوة حبٍ مثل هذه ، يمكن أن تستدعي الناس ليلتقوا على أولوية البناء والخير والفهم المشترك وتقبل الآخر واحتضانه …؟ لا أضن … ولا أضنكم تضنون ….! وقد يعجب البعض إذ نقول إن هذا الرجل … هذا المؤمن بالمسيحية … ورغم ما في المسيحية من دعوات الحب ، فأنه تتلمذ في دعوته للمساواة على فكر غاندي … في منهج اللاعنف في ثورته لطرد الإنجليز وتحرير الهند …! والآخر ذاته … روحاني وثنيٌ لا يطمع بجنةٍ ولا يخاف من نّار ولا يدعي أن أمته هي خير الأمم وأن منهجه هو المنهج الحق الأوحد الذي يفضي إلى الجنّة …! وكم في الغرب كما الشرق ، وكم في حضارات الأمم منذ خلق الإنسان وحتى تفنى البشرية وتتشظى معمورتنا هباءٍ في فضاءات الكون السحيقة ، كم في حضارات الأمم من نماذجٍ بهيةٍ جميلةٍ عظيمةٍ مفعمةٍ بالروحانية الحقة والنبل والسموْ …! الدالاي لاما وكينغ وغاندي والأم تريزا و …و…و…الخ أسوق هذا لأقدم لقراءةٍ قصيرة وجيزةٍ لحال بلدي … العراق …! وحال شعبي … أهلي وأخوتي والآلاف المؤلفة من قتلتي …وقتلة شعبي …!
****
الناس في عراقنا … الأهل والأحبة … الأمهات والآباء والأبناء والصحاب …! الملايين التي خرجت من رماد الفاشية وهي لا تملك إلا فتات القيم والهزيل الشاحب من الوعي ونتفٌ متناثرةٌ مبعثرة من إرادةٍ وبقايا عقل والبائس من القدرة على التقييم والتقدير والتحكيم …! حتى المثقفون منهم … القلّة من المثقفون ممن لم يلوثوا كلّياً ولم يسايروا قافلة الغجر ، تأثرّ وعيهم وقدراتهم التقيمية بل وقيمهم ذاتها تأثراً سلبياً ، إذ ليس إلا ريح الحرية بمحمولاتها النقية من خبرات الآخرين وتجارب الشعوب وجماليات الفنون ووقائع العلوم والكشوف ، مجمل هذا هو ما يمكن أن يغني الوعي ويسمو به ..! كانت نوافذ التبادل الحضاري مع العالم معدومةٌ إلا للقلة من أذناب السلطة ، وبالتالي فأذناب السلطة وحدهم من اغتنى وعيهم ، وإن بالغث من معطيات الحضارة مما يتفق مع احتياجات ماكينة الفاشية . شعبنا هذا وإذ صدم بتحريرٍ لم يكن حتى ما بعد سقوط الصنم مصدقاً له ، أضطرب بعد أن فرغت الساحة من كابوس البعث ، تلفت هنا وهناك باحثاً عن من يفصح له ماهية هذا الذي حصله وآفاقه وأي ردُ فعلٍ آمنٍ يمكن له أن يرد به على الفعل الصاعق المبهر الذي حصل ، فلم يجد أحداً . شعبنا هذا وإذ تحرر … اضطربت منه السيقان وارتجفت الأكف وتلعثمت الشفاه … وله الحق كله في ذلك …! فهو لا يعرف عبر ما يفوق الثلاثين عاماً إلا قيادة واحدة تسومه العذاب حيناً وتكافئه بالتافه من العطايا حيناً آخر..! شعبٌ بلا قيادة سياسية … بلا أحزاب …. تثقفه وتنمي وعيه وتشد لحمته . وبلا قيادة دينية جريئة تتابع منحنيات القيم فتوجه الناس للصائب منها وتضبط إيقاعات الروح وإفرازات السلوك . الأحزاب التي جاءت …جاءت بلكنةٍ أجنبيةٍ لم يفهمها الناس ، ديموقراطية …فيدرالية …تعددية …حقوق إنسان …محاصصة طائفية …الخ . ولشعبنا الحق كلّه في ذلك ، فقد أختلط عليه الفرق بين الأجنبي والحضاري ، وكأنهما يتماهيان …وما هما كذلك ، ولكنه الانفصال الطويل بين السياسي الحرّ الآتي من المنفى وبين المواطن المعتقل دهراً في سجن الفاشية ( الذي هو الوطن برمته من أقصاه إلى أقصاه ) . ألتفت إلى القيادة الدينية القائمة الموجودة منذ الأزل ، فوجد طرفٌ منها حائرٌ بين الديني والسياسي ، وإشكالية ما بينهما من فخاخٍ خطرة ، حيث الديني له ثوابته ونصوصه ومقدساته والخروج عن تلك الثوابت معناه الدخول في متاهات الكفر ، وأخطر ما يمكن أن يواجهه أهل الشرع ، الوقوع في حبائل الكفر . في حين يتطلب السياسي المرونة والشفافية والبراجماتية . أما الطرف الآخر والذي كان على مسافةٍ غير بعيدة من السياسي أو ( الحكومي المهني ) على الأقل ، فإنه كان يعرف ما يريد وكان لديه الرّد جاهزاً وأدوات الفعل موجودة في الحفظ والأمان . الطرف من القيادة الدينية الذي كان مجبراً على الانفصال عن الناس وهمومهم السياسية ، وملزماً بأن ينشغل في الديني حسب ، وبأضيق حلقات هذا الديني وأكثرها ابتعادا عن السياسي إلا ما ينفع السلطة حسب ، لم يستطع وقد صدم بالتحرير كما صدم العامة ، أن يعطي الناس جواباً آمناً واضحاً من قبيل ادعموا التحرير وأبتهجوا به ويسروا مرور عجلته ، أو قاوموه وأعيقوا مساره وامنعوه من المرور لتنفيذ غاياتها . طرفٌ تكاسل عن الولوج في الحدث ، رغم إنه كان ممثلاً للفئة العريضة الكبيرة المعنية أصلاً والمنتفعة جدياً من الحدث ( إذ هو يحرر الأحياء من أبنائها من موتٍ في الانتظار ، ويحرر الغائبين من مقابرهم المجهولة ليعيد لرفاتهم الرقود في مكانٍ أبهى وأنظف ) . وآخر ولج بوابة الحدث متسربلاً بالرفض المطلق وبلا نقاش . وكان حرياً بالطرفين أن لا يتكاسلا عن الالتقاء رغم صعوبته ، فهما في الأصل ملتقيان على أرضية وطنٍ واحد ومصلحةٌ بل مصالحٌ في العيش والوئام واحدة . كان حرياً بالطرفين أن يقتربا ويلتقيا ولو في منتصف الطريق ، ولكنهما لم يفعلا ولن يفعلا …! لأنهما لا يملكان أجندةٍ للحب والوئام والسلام والسعادة والأمن للناس على هذه الأرض . نظرة الإسلام ( كما هي مقروءة من قبل علمائنا ) للإنسان على انه كائنٌ ذو التزام سياسيٍ سلطوي دعوويٍ يهدف إلى انتزاع أكبر ما يمكن من الآخر حتى وضعه على الجادة الوحيدة الواحدة التي تمتلك ( حسب فهم الواعظ أو العالم الديني ) كامل الحقيقة…! وحيث في الإسلام فرقٌ وشيعٌ وطوائف ، فإن كل واحدةٍ تؤمن بأنها وحدها تملك كامل الحقيقة ، وفي حالة العراق هناك طائفتين تمتلكان حقيقتين مختلفتين متناقضتين ، وكلتا الحقيقتان لا شأن لهما بالدنيوي ( الحب والسلام والعدل والسعادة المادية والصفاء الروحي الناتج عنها ) لأنهما كلتيهما تعتبران الأرضي مدخلاً للسماوي والإنسان أداة العبور من هذا الأرضي لهذا السماوي عبر التجمد في حدود النص أو المجاهدة للتعجيل بالموت للوصول إلى هذا السماوي . والمدهش أن الزعماء الذين يحرضون على الموت أو على المحافظة بحدةٍ على النص ورفض التعاطي البراغماتي ، هم أحرص الناس على الدنيا وأبعدهم عن الموت والآخرة . *****
قلنا أن شعبنا ، وفي ظل هذا الاضطراب الذي أصابه عقب التحرير وبحكم الانفصال القسري الطويل عن العالم الخارجي وأهل السياسة من أهل الخارج الذين عادوا ، لم يستطع فهم لغتهم فتوجه لقياداته الدينية فإذ بها ، واحدةٌ تستحثه على المقاومة وأخرى تضلله بطلاسم الكلام الذي يدل على اضطرابها ذاتها أمام الحدث الجلل …! عبر هذا الجو الملغوم من الشك والصمت والتهييج ، تصرف البعض من شعبنا بتردد وحذر أو اندفاع لأخذ ثأره ممن هو بمتناول يده من البعثيين أو المؤسسات البعثية ، فسرق وأحرق واختطف و…و…! أما الآخر فقاوم المحرر بما امتلكت يده من أدوات المقاومة حتى وصل بنا الحال بعد عامٍ إلى ما نحن فيه الآن إذ التقت الشعبتان أو أوشكتا على هامش أجندةٍ غير عراقية ، فتخيل كم نحن مفترقون إذ نلتقي في حدائق الغرباء الخلفية لنتآمر على أنفسنا ومصيرنا ومستقبلنا المشترك الواحد …! لست بلائمٍ لأي طرفٍ من الأطراف ، ولكني أجدني مؤمنٌ غاية الإيمان بأننا نفتقد الروحاني الحق الذي يمكن أن يجمع على أرضية المشتركات الواقعية الحقيقية الملموسة . بيتٌ صحيٌ ورغيفٍ نظيفْ وملعبٌ لطفلٍ ووظيفةٌ لكل عاطل ومقعدٌ لكل صبيٍ وصبيةٍ في مدرسةٍ لائقةٍ وطبيبٌ لكل مائة لا مائة ألف مريض . هل مثل هذا مستحيلٌ على بلدٍ يطفو على بحرٍ من الذهب الأسود …؟ لا … لو إننا فقط امتلكنا الرمز الروحاني الذي يقبل بالآخر ولا يقصيه ، الذي يجمع القلوب على مشتركاتٍ أرضيةٍ ولا يفرقها من أجل نصٍ حمالٌ لوجهين أو ثلاثة …! روحانيٌ يستطيع أن يحب كل الناس بل كل الأحياء والأموات والجمادات بلا طمعٍ في أن يطوعهم لرأيه ونصّه …! نموذجٌ بهيٌ كعليٍ والمسيح والحلاج وغاندي و مانديلا و كينغ و الدالايلاما …!
#كامل_السعدون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خيارات صدام التي لما تزل نافذةْ..! أما البعث أو الإسلام أو …
...
-
فزّاعة خظرة ْ- بزيٍ زيتونيْ….!
-
كبعيرنا العربي نحن إذ نجترّ الفاسد الرطب من العشب الثقافي …!
-
تلاميذ حوزة فارس يعلنون الإضراب … ويغلقوا الكرّاس والكتاب …!
-
يقول الأحبة أما تخاف…!
-
الإصلاح المستبعد… إلا… بمعولٍ أمريكي …!
-
يهودنا ومسلمو الجيران …قاتلينا …!
-
اجتهاداتٌ في النظرْ إلى حفرةٍ ليست كبقية الحفرْ …!
-
أمي التي ماتت من الفرح…! - قصة قصيرة
-
آية الله منتظري … إنك والله لآية صدقٍ شجاعة…!
-
رحل الرنتيسي فلمن تسلّم الراية يا فتى …!
-
خطوط المرجعية الحمراء … والخضراء …!
-
هنيئاً لأم المآذن ثمن ما لعبة السحل والحرق التي أجترحها الغل
...
-
معركة الإيرانيين الأخيرة في العراق…!
-
تعقيب على نحيب ….!
-
النحيب عند بقايا الكرسي المتحرك للحبيب …!!
-
الحفريين
-
مرحى للدبابات السورية التي هبت على عجلٍ لقمع الأكراد …!
-
ويوشك العام الأول من التحرير أن يأفل…!
-
وليلةٌ أخرى من ليالي الفأر في جحره - قصة قصيرة
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|