طلال احمد سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 2703 - 2009 / 7 / 10 - 08:28
المحور:
الادارة و الاقتصاد
يكتسب النفط اهمية قصوى لدى العراقين حيث انه يشكل المورد الاكبر ويكاد ان يكون المورد الوحيد في تمويل ميزانيه الدولة . ثروة النفط تراجعت كثيرا بسبب مغامرات الحكم الصدامي والاعمال التخريبية التي تعرضت لها البلاد بعد سقوط النظام السابق بحيث اصبح انتاج النفط العراقي في ادنى حالاته منذ عقود من الزمن .
لقد توجهت الانظار بعد التغيير نحو النفط باعتباره المنقذ من الوضح الاقتصادي المتردي والمصدر الوحيد لتحقيق عوائد مالية تساعد البلاد على النهوض من كبوتها . واستجابة للحاجة الملحة الى تطوير القطاع النفطي خلال وقت قياسي فقد بادرت الحكومة العراقية الحالية الى اعداد مسودة قانون للنفط وذلك قبل اكثرمن سنتين , والقانون يهدف الى تشكيل مجلس للنفط والغاز والى اعادة تشكيل شركة النفط الوطنيه الملغاة . قانون النفط هذا لم يرى النور وضل قابعا في مكاتب مجلس النواب العراقي ، ولا احد يعرف بالضبط السبب الحقيقي لتأخير اصداره , على الرغم من ادراك الجميع لمدى الاضرار التي تصيب البلاد جراء التاخير والابقاء على معدلات الانتاج النفطي المتدنيه . وكان واضحا ان العراق اصبح يعاني ازمة مالية خطيرة بعد تدهور اسعار النفوط في الاسواق العالمية وعلى اثر بقاء العراق على نفس معدلات الانتاح والتصدير طيلة السنوات الست الاخيرة , مما جعل مطلب زياده الانتاج لتلافي تدهور الاسعار امرا مستحيلا .
بعد فشل الجهود التي بذلتها الحكومة العراقية في اقرار قانون النفط والغاز من قبل مجلس النواب لجأت الى فكرة التعاقد مع الشركات الاجنبيه لايجاد السبيل الممكن للنهوض بالعملية النفطية وتحقيق الزيادة المنشودة في الانتاج والتي صارت ملحه اكثر من اي وقت مضى . وبناءا على ذلك فقد اعلنت وزارة النفط العراقية عن مناقصات عالمية اطلقت عليها جولة تراخيص النفط الاولى ثم اعقبتها جولة تراخيص النفط الثانيه , وتعبير جولة التراخيص هذه هو غريب ويستعمل لاول مرة ومع ذلك فان العملية بمجملها تعتبر انها تسير في الاتجاه السليم , وتفضي الى النتيجة المطلوبة في ادخال رأس المال والخبرة الاجنبيه في الانتاج والصناعه النفطية العراقية لاول مرة منذ بداية سبعينيات القرن الماضي . جولة تراخيص النفط الاولى استغرقت اكثر من سنه وهذا باعتقادي زمن طويل جدا لامبرر له ، والدليل على ذلك ان نفس الوزارة اعلنت قبل ايام عن تقليص المدة للجولة الثانيه بعد ان تاكد لديها
باننا اضعنا وقتا لايستهان به خلال الجولة الاولى التي تمخضت عن عقد واحد فقط ضمن سته عقود نفطية مطروحة للمنافسة مع عقدين لحقول الغاز , ومن باب الانصاف نقول ان العقد الذي رسى على كونورتيوم بريطاني – صيني لتطوير حقل الرميلة الشمالي والجنوبي هو عقد جيد حيث سيرفع انتاجية هذا الحقل من (950) الف برميل يوميا الى مليونان وثمنمائة وخمسون الف برميل يوميا لقاء عمولة قدرها دولارين عن كل برميل ، وقد اعلن ان من المتوقع ان تحصل زيادة اولية في الانتاح الاولي لهذه الحقول قدرها 10% خلال السنوات الثلاث القادمة .
المشكلة في العراق ان الاستثمارات النفطية تثير الكثير من الحساسيات والتأويلات لدى قوى سياسية متعددة وحتى لدى الشارع العراقي ، هذه الحساسيات تولدت جراء عقود الامتيازات النفطية التي ابرمت في عشرينيات القرن الماضي وكانت تلك العقود تشغل حيزا كبيرا ضمن الشعارات والاجندات الوطنيه التي طرحتها الاحزاب والقوى المعارضة انذلك وضلت تلك الشعارات مسيطرة على الشارع العراقي حتى ثورة 14-تموز – 1958 . وللحقيقة فأن عقود الامتياز التي ابرمت قبل 80 عاما حصلت ضمن ظروف دولية تختلف كل الاختلاف عما هو قائم في الوقت الحاضر , فعقود الامتيازات تلك استندت الى معاهدة سايكس – بيكو الاستعمارية التي قسمت الدول العربية بين الهيمينه البريطانيه والفرنسية . اما الان فألامرمختلف تماما ويمكن اجرا منافسة حرة بين الشركات العالمية واستخلاص العروض التي تفوز بشروط الجانب العراقي , ومن المؤسف ان نسمع ان هناك في اروقة مجلس النواب من يطلق على العقود النفطية الجديدة عبارة ( الاحتلال الاقتصادي ) . وللرد على ذلك نشير ان عدد الشركات المتنافسة في جولة التراخيص الاولى بلغت (31) شركة من جنسيات بريطانيه واسترالية واميركية وصينيه وايطالية ويابانيه وروسية وكورية ودنيماركية وكندية وهندية وماليزية واندنوسية وهولندية وفرنسية ونرويجية وتركية . فما هو اذن (شكل الاحتلال الاقتصادي ) ان عقود المشاركة وعقود الخدمة النفطية منتشرة في اكثر دول العالم فهي موجودة في نيجيريا والسعودية ودول الخليج وايران واندنوسيا وغيرها ومن غير المعقول ان تكون كل هذه الدول قد وقعت في فخ الاحتلال الاقتصادي وان الاخوة في مجلس النواب العراقي هم الذين اكتشفوا (حقيقتها) .
رئيس الوزراء العراقي منتخب من قبل مجلس النواب وهو رئيس شرعي يملك كافة الصلاحيات التي تؤهله التعاقد مع شركات استثمارية اجنبيه
سواء في موضوع النفط او غيره وهذا الامر لايدخل ضمن اختصاصات مجلس النواب الذي ضل ساكتا طيلة فترة طرح التراخيص مدة تزيد عن عام ثم قامت قائمته قبل ايام من تاريخ فتح العروض في الثلاثين من حزيران الماضي ، وهذا برأي حصل بدوافع سياسية بعيدة عن مصلحة البلاد ولو كان مجلس النواب حريصا على المصلحة لسارع منذ سنتين الى تشريع قانون النفط والغاز بدلا من تركه مركونا في مكاتب المجلس . ولعل من الطريف ان نشير الى ان نواب التحالف الكردستاني في المجلس عارضوا جولة التراخيص الاولى واعتبروها غير شرعيه في حين ان اقليم كردستان عقد عشرات الاتفاقيات مع شركات نفطية غير معروفة ضمن عقود غير معلنه وشروط مكتومة دون علم الحكومة المركزية فهل ذلك ياترى كان شرعيا ؟.
والملفت للنظر ان الجريدة المركزية للحزب الشيوعي العراقي نشرت افتتاحية يوم 7- تموز-2009 تناولت فيها موقف الحزب من الاستثمارات النفطية وخلصت في نهاية الافتتاحية الى مايلي :-
((ان المناقشات الدائرة حول النفط ومستقبلة واشكال الاستثمار فيه تؤكد من جديد الحاجة الى تشريع قانون وطني متوازن للنفط والغاز لتنظيم صناعه النفط وتوضيح الصلاحيات والمهمات بما يساعد على انهاء حالة التجاذب الحاصلة حاليا ولتهيئة الضروف المناسبة لتفعيل شركة النفط الوطنيه واعادة الحياة لها وبما يؤمن بيئة مستقرة لتأهيل وتطوير قطاع النفط وزيادة انتاجه والتوسع في الصناعات البتروكيمياوية لسد الحاجة المحلية وتعظيم ايرادات الدولة بتصدير الفائض من المشتقات النفطية ويضمن توزيع موارده بشكل عادل ومنصف لينتفع منه كل ابناء شعبنا في ارجاء وطننا ويحفز تطور وتحديث كل فروع اقتصادنا الوطني )) .
اود ان اسأل اخوتي في الحزب الشيوعي قائلا متى سيحصل ذلك ؟ ... اليس هذا طرحا طوبائيا للحل ؟ .
ان من يعتقد ويعلن ان العراق قادر على تطوير صناعاته النفطية بأيد واموال عراقية هو مخطأ فالواقع يثبت عكس ذلك العراق لم يتمكن من زيادة برميل واحد على الانتاج منذ سنوات فمتى سيأتي اليوم لتشمر العراقين عن سواعدها وتحقق انتاجا يبلغ 5 او 6 ملايين برميل يوميا , ومن اين سنأتي بالاموال لاستثمارها في تطوير الحقول والتوسع بالعملية الانتاجية . علينا هنا ان نشير بأن السيد وزير التخطيط صرح قبل ايام بأن العراق يحتاج الى 400 مليار دولار لاعادة الاعمار فكيف لنا ان نوفر مثل هذه الاموال . ان تصريح السيد وزير التخطيط يؤكد ان العراق مازال بعيدا عن النهوض من تحت الركام لذلك فأن المزايدات السياسية لاتجدي نفعا امام الحقائق الدامغه .
اقتصاد العراق اقتصادا ريعيا يعتمد كليا على موارد النفط والكلام عن ايجاد بدائل اخرى وتطوير الصناعه والزراعه هو كلام سليم الا انه لن يتحقق الا بتوفير الاموال اللازمة لها عبر عشرات السنين القادمة وذلك لن يتم الا بزيادة العائدات النفطية الحالية .
الحكومة العراقية مدعوة الى اجراء مفاوضة مع الشركات التي لم تتأهل ضمن جولة التراخيص الاولى وذلك لاعادة النظر في العروض والاسعار التي قدمتها ومن ثم الدخول في مفاوضة معها او مع البعض منها للوصل الى اتفاق يرضي الجانب العراقي , ونعتقد ان الاهتمام يجب ان ينصب على استثمار حقلي الغاز في عكاز والمنصورية , وبهذه المناسبة نشير ان ايران خصصت 70 مليار دولار لتطويل حقول الغاز لغرض التصدير الى اوروبا ونحن نتحدث عن ايادي عراقية لتطوير الحقول وهذا ضرب من الخيال فلا احد يعلم متى سيرى انتاجها النور في الوقت الذي يعلن العراق دوما انه بأمس الحاجة الى المزيد من الاموال لاعادة بناء البنيه التحتيه وترميم الاقتصاد العراقي المهشم .
#طلال_احمد_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟