أياد السماوي
الحوار المتمدن-العدد: 2702 - 2009 / 7 / 9 - 08:14
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
في هذا الجزء سنسلط الضوء على بعض القضايا المهمة والحساسة والتي تثير الريبة والشكوك في نوايا القيادة الكوردية من خلال تشريعها لهذا الدستور المريب والمثير للجدل .
ففي الوقت الذي تسعى فيه الحكومة العراقية لمطالبة دول العالم بعدم تحميل النظام الحالي والشعب العراقي تبعات نظام صدام المجرم وإسقاط كل المطالبات التي تطالب بها الدول والهيئات والأفراد , بما فيها التعويضات المادية المترتبة على العراق بفعل سياسات النظام السابق , يأتي مشروع دستور إقليم كردستان ليحمل الحكومة والنظام الحالي مسؤولية الجرائم التي ارتكبها النظام السابق بحق الشعب الكوردي ويطالب الحكومة العراقية بدفع تعويضات إلى ضحايا القمع للحكومات المركزية المتعاقبة وذلك من خلال الفقرة ثانيا من المادة (23) من هذا الدستور والتي تقول (( تعمل سلطات إقليم كردستان على تحمل حكومة العراق الاتحادية مسؤولياتها الدستورية والقانونية والأدبية تجاه ضحايا سياسات القمع للحكومات المركزية المتعاقبة من المذكورين في الفقرة أولا بما فيهم السجناء السياسيين والمتضررين بتعويضهم والتكفل بحقهم في تأمين مصدر عيش كريم والرعاية الصحية )) .
نعم إن رعاية عوائل الشهداء من أبناء الشعب العراقي وضحايا سياسات القمع التي قامت بها حكومة صدام الإجرامية ورعاية كل المتضررين من جراء هذه السياسات القمعية والإجرامية هي من واجبات هذه الحكومة ولكن ليس على أساس إنها المسؤولة عن هذه الجرائم كما يطالب به دستور إقليم كوردستان .
ولذلك كيف سنتوجه إلى المجتمع الدولي بعدم ملاحقة النظام الجديد في العراق بتبعات نظامه السابق والعراقيين أنفسهم لا يقومون بذلك ؟
في المقالين السابقين أوضحنا إن هذا الدستور يسعى لإرساء قواعد الدولة الكونفدرالية وتحقيق الانفصال الكامل وفرض سياسة الأمر الواقع على الحكومة الاتحادية والشعب العراقي .
فالمتمعن في قراءة هذا الدستور لا يحتاج إلى جهد كبير ليستشف هذا المسعى الانفصالي , فهذا الدستور سعى إلى فك كل شكل من أشكال الارتباط بالحكومة الاتحادية وذلك من خلال إيجاد مؤسسات بديلة عن مؤسسات الدولة الاتحادية .
فالدستور العراقي الذي أتاح للأقاليم بتشكيل شرطة محلية وحرس للحدود لحفظ الأمن من خلال المادة (121) من الدستور , استغلت القيادة الكوردية الانفصالية هذا الحق وأعطت لنفسها هذا الحق بتشكيل جيش خارج نطاق الجيش العراقي وقامت بتسليحه بالمعدات الثقيلة كالدبابات والمدافع الثقيلة وراجمات الصواريخ والتي هي في اغلبها من مخلفات الجيش العراقي السابق والتي يجب أن تسلم للحكومة الاتحادية الشرعية . فالدستور العراقي واضح ولا يقبل التأويل في إن للعراق جيش واحد وليس جيشان كما تريد قيادة مسعود البارزاني الانفصالية .
وبطبيعة الحال فان أخطر ما تواجهه الحكومة الاتحادية هو وجود جيش ثان غير جيش الدولة الاتحادية ولا يخضع هذا الجيش لإمرة وزارة الدفاع الاتحادية والتي هي المسؤولة عن قيادة هذا الجيش حصريا .
ولذلك فان المادة (12) من دستور إقليم كوردستان المريب باطلة وخطيرة وتحمل في طياتها النوايا الحقيقية لهذه القيادة الانفصالية .
أما المادة (17) من هذا الدستور المريب فقد اعتبرت إن الموارد والمصادر العامة للثروات الطبيعية والمياه السطحية والمقالع والمناجم ثروة عامة دون الإشارة إلى عائدية هذه الثروة فيما إذا كانت ثروة عامة للشعب العراقي أم إنها ثروة لشعب دولة كوردستان كما جاء في الفقرة ثانيا من هذه المادة ؟
أما المادة (40) من هذا الدستور الكارثة قد أعطت لبرلمان كوردستان الحق للبت في القضايا المصيرية لشعب إقليم كوردستان . ونحن بدورنا نتساءل هل لشعب كوردستان قضايا مصيرية غير القضايا المصيرية للشعب العراقي ليتبناها إقليم كوردستان ؟
وهل يحق لهذا البرلمان اتخاذ قرارات مصيرية بعيدا عن برلمان العراق ؟ وأي إقليم في العالم يتخذ قرارات مصيرية بعيدا عن قرار برلمان الدولة التي هو جزء منها ؟
وهل تحتاج قوات حرس الإقليم لقيادة عامة ليكون رئيس إقليم كوردستان قائدا عاما لقوات حرس الإقليم ؟ فماذا تعني الفقرة أولا من المادة (60) والتي تقول (( رئيس إقليم كوردستان هو الرئيس الأعلى للسلطة التنفيذية والقائد العام لقوات حرس الإقليم البشمركة )) ؟
أما المادة (65) من هذا الدستور الكارثة فقد أعطت لرئيس الإقليم من صلاحيات لم تعطى حتى لرئيس دولة العراق الاتحادية , وأخطر هذه الصلاحيات هي الفقرة ثامنا من هذه المادة والتي أعطت لرئيس إقليم كردستان حق إعلان حالة الطوارئ في حالات الحرب أو الاحتلال أو العصيان , فأي إقليم هذا الذي يعلن حالة الطوارئ بعيدا عن الدولة الاتحادية وما هو دور الحكومة الاتحادية ؟
كما أن الفقرة (12) من نفس المادة قد ربطت دخول قوات اتحادية إلى الإقليم بموافقة رئيس الإقليم وعند حالات الضرورة , وكأن مهمة حماية الأمن الوطني للبلد من صلاحيات رؤساء الأقاليم , وكأن الإقليم ليس جزءا من الدولة وأمنه ليس جزءا من أمن الدولة .
كما إن هذا الدستور الكارثة منح الإقليم سلطة تأسيس محكمة دستورية وذلك من خلال المادة (91) والتي تقول (( تؤسس بقانون المحكمة الدستورية لكوردستان – العراق )) , فهل يوجد نظام فيدرالي في العالم فيه محكمتين دستوريتين في بلد واحد ؟
ورب سائل يسأل ماذا أبقى دستور إقليم كوردستان للسلطة الاتحادية من صلاحيات نافذة على سلطة الإقليم ؟ ولو تشكل إقليم أو أكثر بموجب الدستور العراقي وطالب بصلاحيات ودستور مشابه للصلاحيات الممنوحة لإقليم كوردستان ويتمتع بمؤسسات مدنية وعسكرية كالتي توجد في إقليم كوردستان فهل سيبقى وطن أسمه العراق ؟
حتى الهيئات والمفوضيات المستقلة عمد دستور إقليم كوردستان إلى إنشاء هيئات ومفوضيات خاصة به بعيدا عن الهيئات والمفوضيات المستقلة الاتحادية .
فالمادة (107) من هذا الدستور الكارثة أجازت تأسيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والاستفتاء في كوردستان- العراق وكذلك ديوان النزاهة والرقابة المالية وكذلك الهيئة العامة لسلامة وجودة المنتجات المحلية والمستوردة .
كما إن المادة (109) من هذا الدستور الكارثة أجازت تأسيس ( مجلس أمن الإقليم ) يرتبط برئيس الإقليم , وكأن أمن الإقليم منفصل عن أمن الوطن ولا يرتبط به . وكأن الأمن من مهام الأقاليم حتى يؤسس لها مجالس خاضعة لسلطات رؤساء الأقاليم .
أما المادة (115) من هذا الدستور الكارثة قد منحت سلطات الإقليم حق رفض أي تعديل في الدستور العراقي ينتقص من صلاحيات سلطات الإقليم غير الداخلة ضمن الصلاحيات الحصرية للسلطات الاتحادية . وبدورنا نسأل هل أبقى دستور إقليم كوردستان صلاحية واحدة من الصلاحيات الحصرية للحكومة الاتحادية لم يجري التطاول عليها ؟
في الختام لا بد من القول إن حكومة إقليم كوردستان بقيادة مسعود البارزاني قد خرقت الدستور العراقي من الألف إلى الياء وهذه القيادة تسعى وبكل ما تملك من إمكانيات لعزل إقليم كوردستان عن محيطه العراقي والمضي قدما في تحقيق حالة الانفصال الكاملة وحالة اللاعودة للوطن العراقي .
وأبناء شعبنا العراقي اليوم مطالبين بكل مكوناتهم من عرب شيعة وسنة وتركمان وكلدوأشوريين وشبك وصابئة وأيزيدين بالوقوف بكل جدية وحزم أمام هذا التطرف للقيادة القومية الكوردية ممثلة بالحزبين الكرديين الرئيسيين وكذلك مطالبين بنبذ كل الخلافات والوقوف صفا واحدا بوجه كل المساعي الانفصالية التي تسعى لها هذه القيادة وضرورة رفض هذا الدستور من كل أبناء الشعب العراقي . فلولا الخلافات الطائفية بين الشيعة والسنة لما تمادت هذه القيادات الانفصالية وتجرأت بتشريع مثل هذا الدستور الكارثي والمدمر .
#أياد_السماوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟