|
لماذ قتلتم مروة ؟
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 2701 - 2009 / 7 / 8 - 08:36
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
الصمتُ الإعلاميّ ، من لدن الدولة الألمانية ، المُسدِلُ الستارَ على خبر الجريمة المريعة ، التي راح ضحيتها " مروة " ، المرأة المصرية ، الشابة ؛ هذا الصمت ، المريب ، يُحيلنا إلى جريمة اخرى ، أكثر قِدَماً ، وقعت هنا في السويد . ولكن قبل الشروع في المقارنة بين هذيْن الحدَثيْن ، علينا التنويه بأنّ وضع الجالية المسلمة ، العظيمة العدد في ألمانية ، هوَ الأفضل على مستوى القارة الأوروبية من مختلف نواحي الحياة ؛ وخصوصاً منها ، الجالية التركية ، التي تعدّ الأكثر نشاطاً على المستوى العمليّ ، وبالتالي ، الأكثر غنى . هذه الأخيرة ، دُفعتْ المرة تلو الاخرى ثمناً باهظاً ، حينما إستهدِفَ أفرادُها من قبل عصابات النازيين الجدد . وكان آخرها ، تلك الجريمة المرتكبة قبل بضعة أعوام بحق عائلة تركية ، عن طريق قذف منزلها بعبوات من البنزين الحارق . في حينه ، إضطرت الحكومة الألمانية للإعتذار رسمياً عن تلك الجريمة ، الجماعية ، إثر موجة من العنف والإحتجاجات ، نظمتها الجالية التركية وتضامن معها العديد من أفراد الجاليات الاخرى ، المسلمة . ولا ننسى ، أنّ الحكومة التركية ، في حينه ، أقامت الدنيا إستنكاراً على تلك الجريمة ، ولم تقعدها إلا بعد ذلك الإعتذار الألمانيّ ، الموسوم . بينما من المخزي ، حقاً ، أنّ الحكومة المصرية مشتركة اليوم مع مثيلتها ، الألمانية ، في شبهة صمت القبور هذا ، غير المبرر بحال ، ولم تتكرّم على مواطنيها حتى ببيان رسميّ ، خجول ، من وزارة خارجيتها المشغولة على ما يبدو بـ " الأخوة الأعداء " في غزة والضفة الغربية !
قلنا ، أنه في السويد ، وقعت جريمة لا تقل بشاعة عن تلك المرتكبة ، مؤخراً ، في ألمانية . إذ حصل قبل عدة سنوات أن قام شابٌ عنصريّ ، حاقد ، بمهاجمة طفل لبنانيّ ، في الثامنة من عمره ، وكان في طريقه إلى المدرسة ، فإنهال عليه طعناً بسكين كان يحملها لهذا الغرض الإجراميّ ، الجبان . موت هذا الطفل ، البريء ، هزّ أوساط المهاجرين من مسلمين وغيرهم ، فيما تعاملت معه الحكومة السويدية ، بما في ذلك الوسائل الإعلامية ، بغير قليل من اللا مبالاة . ربّ قائل ، أنه من الممكن أن يكون القاتل مجرّد شخص مريض نفسياً ، وأنه ليس بالضرورة أن يكون دافعه عنصرياً بحتاً ؛ بما أنّ مثل هكذا جرائم ، جنائية ، محتملة الحدوث دوماً في المجتمعات جميعاً . هذا القول ، ربما فيه بعض الصواب ، لو أنّ جريمة قتل الطفل ، البريء ، قد منحها الإعلام هنا ، وكذلك المقامات السويدية جميعاً ، بعضاً من ذلك الإهتمام الهائل ، الذي حظيت به ما صار يُعرف بـ " قضية فاطمة " : إنها تلك الفتاة الكردية ـ التركية ، التي قتلها والدها برصاص غدارته " غسلاً للعار " ، قبل حوالي العقد من الأعوام . كانت هذه البنت ، المجتازة بعدُ سنوات مراهقتها الاولى ، قد أحبّت شاباً سويدياً وإتفقت معه على الزواج . وبدون تفاصيل كثيرة ، فإنه إثر رفض الأهل للصهر هذا ، بادرت الجهات المسؤولة بوضع الفتاة تحت رعايتها وحمايتها ، خوفاً من تعرّضها لأذى محتمل .
الضجة الكبرى ، المحوّطة إسم " فاطمة " ، بعيد مقتلها مباشرة ، ما كانت إلا لأن قضيتها تتعلق بما يُسمى بسياسة " دمج المهاجرين المسلمين " ، سويدياً . إلا أنّ سيول الحبر المراقة في الصحف ، علاوة على أمواج بحر الأثير التلفزيونيّ ، الصاخبة ؛ هذه جميعاً تجاهلت حقيقة ، أنّ الضحية ـ فاطمة ـ لم تكن تنتمي لعائلة مسلمة ؛ بل كانت من الأقلية العلوية ، التي تعدّ نفوسها بالملايين في تركية ـ وخصوصاً في ولاياتها الجنوبية الشرقية ( كردستان ) . والمعروف أن أفراد هذه الأقلية ، هنا في السويد ـ وفي أوروبة عموماً ـ يتمتعون بصفة الإنفتاح على الآخر ، وبرز منهم الكثير من قيادات وكوادر الأحزاب اليسارية القومية والعلمانية ، كما أن بناتهم مودرن ومتعلمات على مستوى عال ويحظين بحرية كبيرة ، داخل المنزل وخارجه على السواء . وبالتالي ، فإنّ ما نُعتَ بـ " التعصّب الدينيّ " لعائلة فاطمة ، ما كان إلا محض أكذوبة رخِصَة ، روّجتْ لها وسائل تلك الإعلام ، كيما يُضافر ذلك من الحملة المستهدفة مجتمع الجالية المسلمة ، والتي عنوانها " الدمج في المجتمع السويدي " . وكيلا أعود للحديث ثانية عن " قضية فاطمة " ، يحقّ لي الإفتراض هنا ، بأنّ دافع الأبّ في جريمته تلك ، البشعة بكل المقاييس ، إنما يُحال إلى نشأته القروية : حيث أنّ معظم القادمين من الريف الكردي ـ من تركية ، تحديداً ـ يعتبرون مسألة مهر الفتاة أمراً لا يمكن التهاون به ، بل ويماهونه بشرف العائلة وسمعتها ؛ خاصة إذا عرفنا أن هذا المهر قد يصل إلى ما يعادل الثلاثين ألف أورو ، فيما لو أنّ الفتاة المحظوظة مقيمة في دولة أوروبية غنية ـ كالسويد أو ألمانية أو هولندة أو سويسرة !
هنا ، في شمال أوروبة ، حينما يشتري المرءُ شتلة نبات زينة ، ( ياسمين أو بوغنفيليا ، مثلاً ) ، فإنه يهتمّ بالبيان المرفق معها ؛ وهو عبارة عن إرشاداتٍ لكيفية التعامل مع هكذا أنواع من النبات المنتمية ، أصلاً ، لبيئة حارّة ؛ إستوائية أو كاريبية أو آسيوية . وكما أن تجاهل الإرشادات سيودي بالغرسة إلى الذبول والفناء لعدم تحمّلها الجوّ البارد ـ غير الملائم ـ كذلك الأمر في غرسة الإنسان ، الغريب ، المنتمي لمجتمع آخر ؛ لمنظومة أفكار اخرى : وبما أننا نتكلم الآن عن الجالية المسلمة في ديار الغرب ، فلنقلها بصراحة ، أنّ السياسة الرسمية ، الآوروبية ، التي تتبع هنا وهناك ـ أي الإندماج ـ فيها ما فيها من قلة دراية ، وقلة حكمة ، وقلة تأنّ ، وقلة صبر . و الحجاب ، هو الأكثر تجلياً لمثال الغربيّ ، الضيّق التفكير ، والذي يرى الآخر ، ( المختلف المسلم ) ، من خلل هذا القماش حسب ، ودونما أي محاولة منه للغضّ عن هذه المسألة ـ الحجاب ـ وتركها للمستقبل ؛ للأيام القادمة ، السعيدة ! إنّ من قتل " مروة " اليوم ومن سيقتل غيرها غداً ، إنما هوَ ـ وبغض النظر عن أصله وفصله ـ ضحية لهذا الإعلام الغربيّ ، اللاهث خلف الإثارة جالبة الربح ؛ كما أنه ضحية لأولئك السياسيين في بلده ، الذين يتكسّبون إنتخابياً من تلك البروباغندا نفسها ، المناهضة للمسلمين . وأوروبة ، اليوم أيضاً ، لم يعد بمقدورها ، على ما يبدو ، إنجابَ مثقفين جريئين ـ على مثال جان جينيه ودوبوفوار وسارتر وبريتون وغونار إيكيلوف وجورج أورويل وألبرتو مورافيا وبازوليني وخوان غويتيسولو ـ الذين كانوا يتحدّون على طول الخط مؤسسات بلدانهم ، البيروقراطية ، المتولّد في رحمها جنين الكراهية ، المشوّه ، تجاه كلّ ما هوَ أجنبيّ عرقاً ولوناً وديناً .
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رؤى
-
بحثاً عن طريدةٍ اخرى
-
قيثارة الأطياف
-
تراتيل
-
ترانيم
-
الأسبار
-
الصفعة في السينما المصرية
-
فيلم حين ميسرة : أكشن العالم الأسفل
-
منزل المنفى
-
دمشق ، قامشلي .. وربيعٌ آخر
-
قلبُ لبنان
-
الصراع على الجزيرة : مداخلة تاريخية في جدل مستحيل
-
حوار حشاشين
-
نفديكَ يا أردوغان !
-
فضائيات مقاومة
-
عمارة يعقوبيان : موضوع الجنس المحرّم في السينما
-
ربحنا حماس وخسرنا فلسطين
-
جائزة نوبل للإرهاب
-
عامان على إعدام الطاغية
-
بشارة !
المزيد.....
-
كيف يستعد الجنود من المتحولين جنسيًا لمواجهة ترامب بإعادة تش
...
-
الصين تحتفل ببداية عام الأفعى وسط طقوس تقليدية وأجواء احتفال
...
-
توجيه إسرائيلي لمعلمي التاريخ بشأن حرب أكتوبر مع مصر
-
الجزائر تسلم الرباط 29 شابا مغربيا كانوا محتجزين لديها
-
تنصيب أحمد الشرع رئيسا انتقاليا لسـوريا
-
منتقدا الاحتياطي الفيدرالي ورئيسه.. ترامب يطلق العنان لمبادر
...
-
أمريكا.. السجن 11 عاما للسيناتور السابق مينينديز جراء إدانته
...
-
الرئيس السوري أحمد الشرع يطلب من روسيا تسليم الأسد
-
إصابة 24 شخصا بغارتين إسرائيليتين على النبطية.. -لم يستطيعوا
...
-
إعلام: المراحل المقبلة من وقف إطلاق النار في غزة تواجه عقبات
...
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|