|
رواية عزازيل بلطجة وهَّابية.. (3) وتشوه أدبي يفتقر للحد الأدنى للإبداع الروائي
سامي المصري
الحوار المتمدن-العدد: 2697 - 2009 / 7 / 4 - 09:37
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
يحاول البعض أن يجد معاذير للرواية التاريخية، لتجافي التاريخ تحت شعار الإبداع الأدبي، فهل هذا هو الحال في رواية عزازيل؟!!! وهل مخالفة الواقع التاريخي في الرواية التاريخية، لا تحده قيم أو أخلاق؟!!! هل رواية عزازيل تحمل الحد الأدنى للإبداع الروائي مما يعطيها الحق في مجافاة التاريخ لهذا الحد الاأخلاقي؟!!! وهل يمكن أن نصنف عزازيل برواية تاريخية؟!!! ومن واقع الرواية سأجيب على الأسئلة. لقد كنت ولعا بالرواية التاريخية من يوم أن تعلمت كيف أقرأ، فمنذ أكثر من ستين عاما خلت استمتعت بقراءة الكثير من الكتب الأدبية. لا أستطيع أن أنسى السحر الذي غمرني عند قراءة رواية "فارس بني حمدان"، أبو فراس وعنترة بن شداد. كنت أطير مع عنترة فوق صهوة جواده، أجوب الفيافي، وصحو نسمات الفجر يدغدغ خيالي، وقيظ الظهيرة يصبغني بأشعته الذهبية. وأضواء الغسق القرمزية المتهالكة تلفني بمشاعر الحزن المنساب في رفق فوق صفحات الرواية من بدايتها حتى خاتمتها التي أذكر أنها أبكتني كثيرا. أحببت الصحراء قبل أن أراها، ومعها أدركت الكثير من المعاني النبيلة كالشجاعة وبذل النفس والعطاء ومعنى الرجولة والصدق. أحببت عبلة لحب عنترة لها وحبها له، أحببت إخلاصها المتعفف الرقيق ونبلها واحتمالها لآلام تفوق الطاقة. رغبت في تسمية ابنتي عبلة مع عدم شيوع الاسم في ذلك الوقت. أيضا أحببت روايات مصطفى لطفي المنفلوطي التي يغلب عليها الطابع الغربي حتى أسماء أبطاله. تمتعت في رواياته بسحر تكوين الجملة العربية التي ينشئها ببراعة، مع التعدد والتنوع في الأسلوب، وجزالة اللفظ وعمق الخيال. وأكثر ما يأسر في رواياته حب الوطن ومعنى الفداء والبذل (رواية في سبيل التاج).
من المؤكد أن تلك الروايات لم تكن تتطابق تماما مع الواقع التاريخي فقد صبغها الأديب المصري بغلالة من الأخلاق والطبائع المصرية النبيلة، مما أضفى عليها مسحة من الجمال والعذوبة المقبولة لنا.
تذكرت كل ذلك وأنا أتابع رواية عزازيل التي تغتال الشعور الوطني لحساب الوهابية. فسألت نفسي ماذا يمكن أن يتعلم الشاب الصغير منها؟! أولا الكراهية للأقباط، فكل ما هو قبطي مصري معتبر ملوث، الغدر والدموية والعدوان، عنفوان الشهوة الجنسية غير السوي، فقد الشعور بالأمان والثقة بالناس، فقد الثقة بالنفس حتى اليأس. كل ذلك معروض في إنشاء هش وجمل ركيكة قاصرة عن التعبير. حقا ما أبأس هذا الجيل!!!
لست متشائما، فمازالت هناك أعمال أدبية رائعة، فالإنسانية لم ينضب معينها بعد، لكن في هذا الزمان الرديء لا تسلط الأضواء إلا على ما هو رديء. قبل ضجة عزازيل كنت قد فرغت من قراءة رواية رائعة بعنوان "البشموري" للأديبة العظيمة سلوى بكر. هذه الرواية خطفت روحي وأخذتني إلى عصور ولت. الرواية تظهر عبقرية الإنسان المصري سواء في شخص الكاتبة المبدعة أو فيما عرضته من شخصيات مصرية من القرن التاسع الميلادي، جسدت فيه الواقع التاريخي للمجتمع المصري بكل أمانة، وأظهرت حجم المعاناة الاستعمارية لذلك العصر، كما أبرزت السمات النبيلة المتفردة للشخصية المصرية.
هناك تشابه كبير جدا بين رواية عزازيل ورواية البشموري، فكلا الروايتان تدور أحداثهما في مجتمع قبطي، والبطل في كلتاهما راهب يتنقل بين مصر والشام. وكل من الروايتين ترتكز على أحداث تاريخية، وتناقش العقيدة المسيحية في مصر. كل منهما تحمل اسما غير مألوف للقارئ. وتعرض موقفين لعلاقتين عاطفيتين للراهب بطل الرواية!! حتى الهدف الأخير لكل منهما متقارب. في اليشموري الراهب أسلم مع شرح أسباب إسلامه بشكل اعتذاري مع احترامه للمسيحية، وارتباطه بها عاطفيا إلى النهاية. أما في عزازيل التي تدور أحداثها في القرن الخامس قبل الإسلام فالراهب يهاجم الإيمان المسيحي بكراهة، منحازا للفكر الإسلامي الذي لم يكن قد ظهر بعد، ممثلا في الدفاع عن النسطورية والأريوسية. ومع كل ذلك التشابه فالروايتان على طرفي نقيض. الرواية الأولي "البشموري" عمل درامي رائع ومدروس، يحترم أحداث التاريخ، كما يحترم عقيدة الآخر وينقلها دون تحريف. الكاتبة تعرض صورا من صراع الخير والشر في كل المجتمعات بشكل واقعي. كما تبرز القيم الإنسانية النبيلة من تسامح ومشاعر الحب المتبادلة بين المصريين، فحتى بعد ما أسلم الراهب قوبل بكل الحب في الدير، كما أنه يحمل كل الحب لصديقه المسيحي القديم.
أما رواية "عزازيل" فهدفها الرئيسي هو تشويه تاريخ سبعة قرون تمثل أعرق تاريخ حضاري عرفته الإنسانية، وهو التاريخ المصري في العصر المسيحي قبل الغزو العربي، وذلك لحساب الوهابية والإخوان المسلمين. ومن ناحية أخرى تشويه المعتقدات الدينية المسيحية، وعرضها في أسلوب بخرجها تماما عن مضمونها الحقيقي. الرواية من الناحية الأدبية البحتة تحوي تشوهات في التكوين الدرامي، فتفتقر للبعد الاجتماعي، وهناك فصول كاملة تتراكم فيها الأحداث متناثرة في سرد ممل دون ترابط ودون أن تحمل أي قيمة للعمل الدرامي، الذي يفتقر للمنطق الروائي. أما البعد الزمني والبعد المكاني فهما مفقودان تماما ويجافيانا الواقع التاريخي والجغرافي. وهذا ما أريد عرضه في هذه الحلقة مع المقارنة برواية البشموري. أنا أدعو كل من قرأ عزازيل أن يقرأ البشموري، ليتعرف أولا على ماهية القصة التاريخية، حتى يستطيع أن يميز ما بين الإبداع وبين العبث، ويتعرف على الفرق ما بين الجمال والقبح، وما بين الأدب وقلة الأدب!!!
الكتاب يعرف من عنوانه، والعنوان "عزازيل"، ليست كلمة عربية ولا مصرية، وليست لها أي ارتباط بأحداث الرواية، ولا تمت للغة أحد شخوصها. الكلمة عبرية ذكرت في العهد القديم كاسم لواحدة من الذبائح التي تقدم يوم عيد الكفارة عند اليهود. القواميس العبرية توضح أن تلك الكلمة قديمة من قبل السبي البابلي، وفقدت معناها عند السبي، فاليهود لا يعرفون لها معنى، لكنهم يفترضون لها عدة معاني منها الذبيحة المعزولة أو العزل التام أو اسم لروح شيطانية قد توجد في القفار. كل ذلك ليس له أي صلة من بعيد أو قريب لا بأحداث أو أهداف الرواية. المؤلف افترض أن الكلمة تعني الشيطان!!! وحتى ذلك المعنى لا يزيد الموقف إلا غموضا. ولغرابة الكلمة استوجبت أن يقدم المؤلف لها شرحا، تفلسف فيه حتى يجد علاقة واهية لاسم رواية قصد بها تشويه التاريخ. إن مجرد اضطرار الكاتب لعمل مذكرة تفسيرية لشرح معنى العنوان يعتبر ضعفا أدبيا ودلالة على الفشل حتى في اختيار اسما واضحا للرواية معبرا عن فكرتها!!!
ستقول البشموري كلمة غامضة لا يفهم أحد معناها. من أول صفحة في الرواية ستعرف أن البشموريين هم جماعة من المصريين كانوا يعيشون في منطقة البراري في شمال الدلتا وتعرَّضوا لاضطهادات مروعة، فقاموا بثورة انتهت بحرب إبادة. الرواية التاريخية تحكي قصة تلك الثورة ونتائجها. اسم الرواية يحمل اسم تلك الجماعة المصرية، فيقدم للمصريين تاريخهم المنسي في أسلوب أدبي وحبك درامي رائع.
بطل رواية عزازيل، الراهب هيبا فرد فشل الكاتب مرات في أن يعطي له بعدا اجتماعيا، فكثيرا ما يكون منفردا أو يتعامل مع شخص واحد عابر، والأحداث الثنائية غالبا ما تكون غير مترابطة مع ما قبلها أو ما بعدها، مما يجعل الرواية مسطحة تماما ومفتقرة للعمق الدرامي. بينما في رواية البشموري فمن أول لحظة البطل موجود في مجتمع متكامل متعدد الأفراد كل له ثقافته ومعالم شخصية واضحة متميزة، ومن خلال التفاعل المجتمعي والنفسي بين شخصيات متعددة متباينة تتوالى أحداث المجتمع الروائي في اتساق وتداعي منطقي. وتمتد آثار كل الأحداث في الزمن لتشكل عمقا دراميا، مع الترابط المحكم بين التاريخ والعمل الدرامي. مهارة الكاتبة وقدراتها تتضح في تصوير الدوافع النفسية لكل فرد وتفاعله مع المجموعة من خلال الحوار الدائر بشكل طبيعي غير متكلف، تتفجر فيه القيم الجمالية والإبداع. الأحداث مرتبطة بإيقاع زمني منضبط لا مبالغة في مطه أو اختزاله، مع مراعاة لما يوفره البعد المكاني سواء كان كنيسة ما أو دير أو مدينة أو قصر أو في الطريق. عزازيل تفتقر لكل ذلك لسبب بسيط هو أن الكاتب ليس لديه لا الخيال ولا المقدرة على الخلق الدرامي، فيقدم عملا مسطحا يفتقر تماما للإبداع الأدبي. فليس كل من يجمع كلمات ضخمة في جمل يستطيع أن يكون كاتبا روائيا. وليس كل مدعي يقدر أن يكتب رواية تاريخية.
عزازيل تبدأ بمقدمة المترجم التي اعتبرها المعجبون إبداعا أدبيا، بينما هو غش، فعلم الجمال يعلمنا أن الحقيقة البسيطة هي الأكثر جمالا وإمتاعا، بينما الخداع والتزييف هما القبح. ولم يكن المؤلف مبتكرا لهذا الشكل من الغش لكنه مقلدا لرواية أخرى تحمل نفس الأهداف هي شفرة دافنشي. بل عزازيل تشبه بالأكثر كتاب المورمون، فالنبي اليهودي مورمون من القرن الرابع الميلادي كتب نبواته على ألواح ذهبية بلغة قديمة (قد تكون مصرية)، ثم وضعها في صندوق ودفنها في موقع سري، إلى أن ظهر الملاك موروني ليوسف سميث وهو في سن السابعة عشر، وأرشده إلى الموقع السري للصندوق الذي أخرج منه الألواح الذهبية، وأمكن ترجمتها للإنجليزية بطرق إعجازية فصارت كتاب المورمون. وكتب يوسف سميث مقدمة للكتاب يشرح ظروف اكتشاف صندوق المخطوطات القديمة وترجمته كما فعل يوسف زيدان في مقدمة المترجم برواية عزازيل. وأكثر من ذلك نجد في كتاب المورمون شرحا لعنوان الكتاب "مورمون"، يقول يوسف سميث أن "العنوان Title" يمثل آخر صفحة في المخطوط المحفور على ألواح الذهب، كما في رقوق عزازيل. فكلا اليوسفان، سميث وزيدان، يستخدمان نفس الأسلوب لنفس الهدف وهو البلبلة وتشويه المسيحية في عداء مغرض من خلال ما أتحفانا به في كل من كتاب المورمون ورواية عزازيل. في مقالي السابق عرضت صورا من الضعف الدرامي مع تناقض شديد في السرد مما يظهر الأحداث متعارضة مع المنطق ومع الممكن. فالصياد الوثني الذي قتله الأقباط بوحشية أمام ابنه الطفل في التاسعة من عمره، ثم الأم التي تهمل طفلها تماما لأنها قبطية تزوجت من أحد قتلة أبيه الأقباط، فالنتيجة الغير ممكنة أن يكبر الطفل فيعتنق المسيحية ويصير راهبا قبطيا!!! كل ذلك يعرضه بسذاجة دون تعجب ودون توضيح، مما يظهر عجز الكاتب الشديد وعدم القدرة على الإنشاء القصصي. ونري ذلك العجز يتخلل كل الرواية سنعرض منه أمثلة فقط وعلى القارئ (لو أراد) أن يتابع بنفسه تلك الظاهرة في باقي الرواية.
الفصل الثالث (الرق الثالث كما يسميه) بعنوان "مدينة الملح والقسوة". والعنوان يحمل عداءا للإسكندرية غير خفي يتجلى بوضوح في سرد الأحداث الممل لذلك الفصل. ومن المفارقات أن يكون الكاتب الذي يحمل كل ذلك العداء للإسكندرية هو المسئول عن المخطوطات في مكتبة الإسكندرية!!! فيظهر ذلك العداء الوهابي مرات متعددة خلال الرواية. الفصل الثالث يحكي رحلة الراهب هيبا للإسكندرية. يبدأ الفصل بالترحم على آلهة الفراعنة (رع إله الشمس) التي اندثرت بسبب الدين الجديد –المسيحية- التي أساءت لمجد الآباء، لذلك يحمل بطل الرواية الراهب لها كل مشاعر الكراهية. فهل ذلك شعور راهب مسيحي؟!! أم شعور وهابي!!! ثم يتنبه لنفسه فيتذكر صورة السيدة العذراء ليخفي تماديه في الكراهية!!!
الراهب هيبا ليس له أي رباط مجتمعي فليس له دير ولا أهل ولا ارتباط بأي إنسان، لكنه فرد واحد وحيد. يقرر هيبا السفر للإسكندرية لدراسة الطب دون ترتيب سابق ودون أن يفكر في التكاليف المطلوبة، لذلك يخرج للمرسى النيلي دون إعداد، فيتبين أنه لم يكن يملك حتى الطعام الضروري أثناء الرحلة أو حتى بعد وصوله وإقامته بالإسكندرية. فينفتح الستار فجأة عن شاب ومعه قرد، وتظهر نخلة بها بلح قد جف وقت الشتاء!!! وبعد أن يتبادل الشاب الغريب بعض إيماءات غبية غير مفهومة مع هيبا يتسلق النخلة مع قرده ويهزها ليسقط بلحها الجاف، ثم يأتي الفتى ويلقي في حجر هيبا بكمية من البلح ثم يختفي الشاب مع قرده كما أتى دون أن نفهم من هو ودون دافع أو علاقة مسبقة أو لاحقة. لولا ذلك البلح لمات هيبا من الجوع، فلقد اعتمد عليه كطعام وحيد طول مدة الرحلة إلى الإسكندرية التي استغرقت أكثر من شهر، بل وبعد ذلك ظل البلح طعامه الرئيسي حتى اليوم الذي تقابل فيه مع هيباثية، بعد أكثر من أسبوعين فكان البلح غذاء له لمدة تزيد عن شهر ونصف. هذا الإنسان الذي لا يملك الغذاء الضروري من أين له أجرة السفر والإقامة في بلدان متعددة وكيف له أن يفكر في الذهاب لدراسة الطب في الإسكندرية؟!!! لو قلت "المخرج عايز كدة" فانا أهين المخرج جدا الذي يحاول أن يخرج رواية بهذا العقم والتفاهة والسذاجة التي لا يقبلها طفل.
ويأتي قارب للمرسى النيلي ذاهبا إلى أسيوط، ويسأل أهل القارب هيبا (بحسب النص الركيك) إن كان يريد الذهاب معهم، فيجد هيبا أنها دعوة من الله فيذهب معهم!!! فلم تكن لديه خطة أو هدف، ولم يظهر أن له ارتباط بأي إنسان آخر على الأرض!!! وكيف يمكن لقارب أن يستوعب الركاب للسفر بهم في النيل لعدة أيام ليصل أسيوط؟ من اللازم أن نسأل المخرج عن البعد المكاني المفقود!!! الراهب هيبا يلزم أن يذهب إلى أسيوط ليوجه عدة إهانات للدير هناك، فالدير ليست به روحانية كما كانت مباني الدير متهالكة، مع تهكم على حضور السيدة العذراء لذلك المكان. وحتى يهاجم الكاتب المعتقد المسيحي ويسيء ويشكك في كل ما هو قبطي في كل مناسبة، يظهر شخص غريب فجأة يقوم بالاستهزاء على حضور السيدة العذراء لمصر وعلى قتل الأطفال ثم يختفي مثل الشاب الذي أحضر البلح!!! فليس هناك كيان مجتمعي بالرواية ولا حوار يقوم على تفاعل بل عند اللزوم تظهر شخصية تتمتم بكلمات ثم تختفي، مما يظهر العجز الواضح على خلق وسط مجتمعي أو كيان وبعد درامي لذلك العمل المسطح التافه.
وبعد أن قضى عدة أسابيع في أسيوط حائرا!! لم نعرف من أين له المال للإقامة؟!!! ثم غادر إلى الإسكندرية في مركب نهري يملكه أقباط فقراء لا يكفوا عن احتساء الخمر القوي والغناء الهزلي، فلم يحدث ولا مرة في الرواية أن يذكر كلمة قبطي أو مكان للأقباط إلا ويقترن بالمذمة والهجو مما يعكس شعور الكاتب الكريه. كيف يستأمن الراهب بحارة سكارى على نفسه ليسافر على مركبهم؟!!! لكن هذه المرة كان للبحارة الأقباط السكارى ميزة، فلم يأخذوا أجرا من الراهب بسبب زيه الذي يظهر لأول مرة، مع التلميح بأنه ملزما بلبسه، مع أنه لا ينتمي لدير ما!!! طبعا كل ذلك الهراء يتجاهل أو يجهل تماما واقع العصر الذي يعيش فيه. وفي المركب أخذ يأكل البلح الذي أحضره له الشاب. وفي هذه المرة ظهر أن أكل البلح العربي كان نذرا، حتى لا يأكل أكل الأقباط البصل والسمك، فظل يأكل البلح في ثماني أيام الرحلة من أسيوط حتى دمنهور!!! الرحلة من دمنهور إلى الإسكندرية تمثل أقصى درجات عجز الكاتب فلم يستطع أن يمنع نقل شعوره بالملل للقارئ. يسير هيبا مع جماعة من المسافرين قاصدين الإسكندرية. كيف يمكن لهيبا الذي لا يأكل سوى البلح منذ أكثر من شهر أن يسير مسافة تقارب أو تزيد عن مائة كيلومتر، وكان عليهم أن يصلوا الإسكندرية قبل الغروب حتى لا تغلق الأبواب!!! لا يوجد أي تقدير للمسافة مع الزمن ولا القدرة البشرية على السير. من حين لحين تنبعث صيحات التهكم والسخف، وقد تكون همسا، دون أن ينجح الكاتب في قيام حوار واحد محترم. فيقول قائل "الإسكندرية مدينة العاهرات والذهب" أو يقول "في الإسكندرية أرباب كثيرة" أو "هنيئا لكم يا أبناء الإله المعذب المصلوب"، فيوجه الإهانة تلو أخرى للدين المسيحي أو القومية المصرية (الإسكندرية) الصوت بأتي من الدليل الذي يصفه الكاتب بالفلاح السخيف، بينما السخف هو فيما يكتبه مؤلف وهابي يسمح بذلك السرد المبتذل، مع الملل الشديد في وصف الرحلة، يقول [كان اللون الأخضر يتناقص وتتباعد الحقول عن اتصالها مفسحة ما بينها للحجارة والرمل. كان ازدياد اللون الأصفر من حولنا، مزعجا لي. الأصفر لون الموت، ولون الجدب، ولون معابد الآلهة المندثرة، لم أكن قبلها قد رأيت انبساط تلك الصفرة الكالحة على الأرض.(يعني انت جاي منين يا راجل إما من الصعيد حيث الصحاري قريبة من الوادي أو من أرض الوهابيين، فهل لم تستشعر صفرة الموت إلا في الطريق للإسكندرية، عجبي!!!)] وتتكرر مشاعر الملل الشديد والحديث الغبي. كم قرأنا لكتاب مبدعين يصفون جمال الصحراء بأوصاف غاية في الإبداع والإمتاع للقارئ.
أخيرا وصل هيبا للإسكندرية بعد رحلة تزيد عن الشهر لم يأكل فيها سوى البلح الجاف. وفي المرحلة الأخيرة سار على قدمية أكثر من مائة كيلومتر. ثم قضى الليلة الأخيرة في خيمة خارج أبواب الإسكندرية تسمَّع فيها لأصوات التهكم المقذع ضد المسيحية والكنيسة وكيرلس البطريرك، بل هيبة نفسه الذي يستعيد تذكر أمه حين أخبرها بعلمه أنها وشت بأبيه لأقاربها من جهال أهل الصليب، (تُعديل لما ذكره من قبل). والسؤال لماذا هو راهب مسيحي؟ المؤلف أراد هكذا حتى يستمر في شتم أهل الصليب طول الرواية.
وفي صباح اليوم التالي تحرك ليدخل الإسكندرية، والمفروض أن أول عمل يقوم به هو البحث عن مأوى يلقي فيه بجسمه الذي لم يجد راحة طيلة الشهر، كما يبحث عن مصدر للطعام، فالمفروض أنه منهك القوى خائرا بالجوع. وفعلا نجده قبل دخوله يتفقد الرسالة التي أعطاها له القس بأخميم لصديقه القس يؤانس الليبي بالكنيسة المرقسية الكبرى بالإسكندرية. لكنه ما كاد أن يدخل الإسكندرية التي يحمل لها أشد الكراهية فيتغير اتجاهه تماما، فأحقاد المؤلف الغير محدودة لم تعطه فرصة ليكتب ما هو ممكن أو معقول.
قبل أن يدخل الإسكندرية استبدل ملابس الرهبان بزي فلاح بحسب منطق الكراهية، والمفروض أن ملابس الرهبان تسهل له الوصول إلي المأوى الذي يتوقعه بالكنيسة. هيبا يصف بوابة الإسكندرية [لا تغلق أبدا، ومصراعاها المفتوحان مطمور أسفلهما برمال متحجِّرة وصدأ ملحي بما يدل على أنها لم تغلق منذ سنوات بعيدة] هل هذا هو حال المدينة الثانية على الأرض والعاصمة الأولي العلمية للعالم؟ هذا رأي ورؤية المخرج الكاره والكريه!!! والأعجب من ذلك أن الراهب الجائع المرهق يمر بالكنيسة المفروض أنه يتوقع له فيها مأوى، بعد كل ذلك الإرهاق لمدة زادت عن شهر لم يأكل فيها غير البلح، فيشيح بوجهه في إحساس شديد بالكراهية نحو الكنيسة، ثم يتجه في الاتجاه المعاكس نحو الشاطئ. ولم ينسى المخرج الوهابي أن يذكر مقابلته [لجماعة من رجال الكنيسة.. وحولهم عمال يحملون معاول، وكان العمال يرددون خلفهم: "باسم يسوع الإله الحق، سنهدم بيوت الأوثان، ونبني بيتا جديدا للرب"] وحتى يحبك خياله الوهابي الفاسد يضيف أن العبارات الثلاث منظومة على الإيقاع في لفظها اليوناني، ووقعها مختلف عن نصها السرياني!!!! يا للهول ويا للعفن!!! هل يوجد مثل هذه الهتافات الإجرامية المتأسلمة المتخلفة في المسيحية؟!!! وفي الكنيسة القبطية بالذات، ويجعلها موزونة ولها إيقاع؟!!! بعد كل هذا التحريض والبغض، لا نستطيع إلا أن نجد العذر لمن يقومون بهدم وحرق الكنائس. إن مثل هذه الكتابة المُحرِّضة هي المسئول الأول عن تفشي جرائم التعصب الديني والقتل في مصر. والمفروض أن أول من يحاسب عن تفشي الجريمة هم أمثال ذلك الكاتب، الذي يحاول أن يسقط صورة التعصب الديني الوهابي على التاريخ القبطي المجيد ليؤجج نار التعصب ويبرر الجرائم الوهابية الإخوانية التي شاعت ضد الأقباط في مصر. ولم يكتفي بذلك إلا أنه بكل الصفاقة لا يخجل من أن يشير إلى هدم الأسقف ثاؤوفيلوس لمعبد السرابيون عند مروره علي تمثال سيربيس، ليشوه التاريخ القبطي بأكاذيب ليس لها أي سند تاريخي. هل تلك الترهات هي الإبداع الذي من أجله نتغاضى عن تشويه التاريخ القبطي!!!
هيبا نسي التعب والجوع والبلح واتجه إلى شاطئ الإسكندرية الخالي تماما من البشر ليعوم!!! هل ممكن لجسمه أن يحتمل العوم في البحر اِلأبيض في الشتاء (جمع البلح كان في الشتاء) وهو في تلك الحال من الإرهاق والصوم والجوع؟!!! فإن كان جسده الفولاذي يستطيع أن يحتمل فهل نسى أنه في بلد غريب بلا مأوى بلا طعام!!! لما المخرج يعوز أن ينسيه فليس عليه إلا أن ينسى!!!! يبدو أن الكاتب شعر بالسأم الذي ينتاب القارئ من حديث ركيك فج مفتعل، وغير قادر على الإقناع، ومليء بالمغالطات والمبالغات الواسعة والأكاذيب من كل نوع، لذلك قرر أن يقوم بعمل ترفيهي لينسي القارئ معاناة الفصل الثالث.
ذهب هيبا إلى البحر ليعوم لعله يغتسل من الأكاذيب. وصف الشاطئ والصخور والبحر به الكثير من المفارقات فهو ليس بحر الإسكندرية الذي نعرفه ووصف المراكب يوحي بأنها مراكب القرن العشرين. البحر يجتذب هيبا فيعوم ويبتعد عن الشاطئ. يكتشف جمال جسده الأسود العاري في ضوء الشمس بما يظهر علة النرجسية الطفولية, يشعر أخيرا بالجوع ثم يلمح امرأة على الشاطئ فينتابه جوع آخر مما يدفع الراهب (المسخرة) لمحاولة الإسراع بالرجوع فيكتشف أنه بعيد جدا عن الشاطئ وأنه مشرف على الغرق. ويبذل جهدا جبارا في صراع استعراضي مع الأمواج لتنبهر برجولته امرأة تقف وحدها على الشاطئ. فيبدأ عرضا ترفيهيا يستمر لثلاثة فصول متتالية. بعد الفصل الثالث المليء بالأكاذيب والتفاهة والملل.
تظهر مغارة وسط الصخور على شاطئ الإسكندرية!!! لا تتعجب فالذي أرسل الشاب وقرده وأحضر البلح من النخلة قادرا أن يصنع صخورا على شاطئ الإسكندرية ويحفر بها مغارة العشاق!!! لم تسمح لي نفسي بمناقشة تلك الصور الجنسية الفاضحة المبتذلة جدا التي أجازتها الرقابة!!! لكن لي بعض التعليقات. أوكتافيا فرشت منديلها عالرملة!!! وكما ظهر البلح ظهر قفص به أطعمة. لا تسأل كيف يمكن لأطعمة أن توضع في قفص، ولا متى، أو كيف، أو لماذا، ولمن أعدت أوكتافيا الطعام؟!!! لكن ما يحيرني كيف اتسع منديل أوكتافيا لرص الأطعمة فوقه من بيض وأنواع متعددة وعجيبة من الجبن وأرغفة الدقيق الأبيض وقنينة النبيذ الفاخرة؟!!! البعد المكاني والبعد الزمني مفقودين تماما من كل الرواية، إنه الإبداع!!!!!
الثلاثة فصول التالية عبارة عن أحلام يقظة لمراهق عجوز يعاني من كبت جنسي شديد، وشبق محموم على الطريقة العروبية الوهابية، يصف فيه انفلاتا جنسيا مهووسا، بين قزم أسود قبيح يدعي أنه راهب دون أي دليل، ليشوه المسيحية والرهبنة، وبين عاهرة. الحديث المبتذل يحكي قصصا قذرة يكررها على مسمعه مرات بصور متعددة ليشبع جنونه الجنسي المترع بالفساد!!! ويسمي ذلك حبا وأدبا!!! فات على الكاتب أن ذلك الراهب الذي يمارس كل هذا الجهد الجنسي بلا توقف، هو نفسه الذي كان قد حضر توا من رحلة في غاية الإرهاق استمرت لأكثر من شهر لم يذق فيها طعاما سوى البلح، دون تلقى أي شكل من الراحة!!!
رواية البشموري بها قصص حب طبيعي رقيق للغاية معروض بأسلوب أدبي محترم. وأحداثها مرتبطة ومترابطة ترابطا عضويا بكل أحداث الرواية لتشكل عملا دراميا مدروسا. بينما الأمر في عزازيل مختلف تماما فقصص الحب لها عمل ترفيهي تأخذك من السأم ورتابة السرد الممل للرواية، في الوقت الذي يمكن حذف قصص الحب من الرواية دون أي تأثير فليس هناك ترابط أو حبك قصصي لأحداث الرواية كلها.
هذه هي الرواية التي حصلت على جائزة اليوكر العربية للأدب كرواية تاريخية.. فأسقطت قيمة الجائزة ومعناها أمام تاريخ الأدب!!!
فهل يمكن أن تطلقوا على ذلك التشوه إبداعا وأدبا، وقصة تاريخية؟!!! ... أغيثوني يا ذوي الألباب؛ نداء للسيد الأستاذ جابر عصفور، من فضلك أرجو تواصلكم، للتعرف على رأيكم الذي أقدره. لو عرفت عنوانك لكتبت لك بشكل مباشر.
وللحديث بقية
#سامي_المصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية عزازيل بلطجة وهَّابية.. (2) تُسقِط الطبيعة الدموية الع
...
-
رواية عزازيل بلطجة وهَّابية.. (1) أهم أهدافها بث روح الكراهي
...
-
أوباما والأقباط بين حق السيادة والمواثيق الدولية لحقوق الإنس
...
-
الدكتوراه الخامسة في النفاق... وبطريرك
-
حرب إبادة الخنازير جريمة قومية
-
غيبة العقل القبطي وعودة الأقباط إلى الساحة
-
الأنبا شنودة وحافة الكارثة
-
أربعون عاما على استشهاد البطل عبد المنعم رياض
-
«أقباط المهجر»... 2- والوطنية المصرية
-
«أقباط المهجر» 1- ووائل الأبراشي!!!
-
خسرت إسرائيل هذه المعركة
-
حسنين هيكل يؤيد حماس في قناة الجزيرة
-
معبر رفح ومخلب القط
-
قطنة بزيت
-
الاستعمار - وأخلاق العبيد - والنقاء الوطني -1
-
صراع على الساحة القبطية بين الحق والباطل - 2
-
صراع على الساحة القبطية بين الحق والباطل
-
الفوضى الخلاقة هل تجتاح مصر اليوم للخراب كما اجتاحت العراق؟
-
النكسة 1- بكاء على النكسة بعد 41 عاما
-
العلاوة الجديدة مخدر لمريض بالسرطان
المزيد.....
-
سحب الدخان تغطي الضاحية الجنوبية.. والجيش الإسرائيلي يعلن قص
...
-
السفير يوسف العتيبة: مقتل الحاخام كوغان هجوم على الإمارات
-
النعمة صارت نقمة.. أمطار بعد أشهر من الجفاف تتسبب في انهيارا
...
-
لأول مرة منذ صدور مذكرة الاعتقال.. غالانت يتوجه لواشنطن ويلت
...
-
فيتسو: الغرب يريد إضعاف روسيا وهذا لا يمكن تحقيقه
-
-حزب الله- وتدمير الدبابات الإسرائيلية.. هل يتكرر سيناريو -م
...
-
-الروس يستمرون في الانتصار-.. خبير بريطاني يعلق على الوضع في
...
-
-حزب الله- ينفذ أكبر عدد من العمليات ضد إسرائيل في يوم واحد
...
-
اندلاع حريق بمحرك طائرة ركاب روسية أثناء هبوطها في مطار أنطا
...
-
روسيا للغرب.. ضربة صاروخ -أوريشنيك- ستكون بالغة
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|