|
علم مشوه لمجلس حكم مصطنع
سليمان يوسف يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 823 - 2004 / 5 / 3 - 07:06
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
(ذاب الثلج وبان المرج) - لا أبالغ القول: أن شكل العلم العراقي الجديد ذكرني بالمشاهد المحزنة والمؤلمة لهؤلاء الغوغائيين وهم ينهبون ويحطمون تحف وكنوز الحضارة الأكادية البابلية الآشورية العراقية في متاحف بغداد في الأيام الأولى لسقوطها بأيدي قوات الاحتلال. إذ أن الآثار السلبية للعلم العراقي المشوه، على الهوية الحضارية والثقافية العراقية، لا تقل خطورة وسلبية عن أعمال النهب والتخريب التي طالت المتاحف العراقية، إذ لم تكن المخاطر المستقبلية لهذا العلم على الهوية والوحدة الوطنية العراقية أخطر وأكبر بكثير، باعتبار أن العلم الوطني ليس مجرد قطعة قماش ، وإنما يرمز لحضارة الدولة وتاريخها، ويعبر عن هويتها الثقافية والوطنية. - من المناسب هنا أن نذكر السادة أعضاء مجلس الحكم الانتقالي اللذين اعتمدوا العلم العراقي الجديد بكلام للسيد ابراهيم الجعفري – عضو مجلس الحكم - بما قاله– نيابة عن رئيس مجلس الحكم الانتقالي- في كلمة افتتاح المؤتمر القومي الكلداني/السرياني/ الآشوري الذي عقد في بغداد بتاريخ 22-10- 2003 ، مخاطباً الشعب الكلدوآشوري: ((العراق بلدكم والأرض أرضكم لأنها الأرض التي أنبتتكم، فالعراق ليس موطناً لكم بل هو وطنكم، ما يفرحكم هو فرح لنا وما يحزنكم هو حزن لنا، أنتم كآشوريين وكلدان وسريان بوحدتكم سترتقون لمستوى القوى العراقية الفاعلة وستصبحون قوة وطنية مهمة في المجتمع العراقي)). لنسأل السيد الجعفري وجميع أعضاء مجلس الحكم الانتقالي في العراق، هل ما أعطاه الدستور العراقي المؤقت من حقوق للكلدوآشوريين يناسب وزنهم التاريخي وعمقهم الحضاري في العراق؟.. ثم لماذا لم يتجسد موقف مجلس الحكم من الكلدوآشوريين في العلم العراقي الجديد من خلال وضع عليه رمزاً من رموز الحضارة البابلية (الأكادية الآشورية) العراقية لتوحي وتعبر عن الماضي الحضاري والتاريخي للعراق. ألا يعتبر اعتماد رموز دينية وشارات قومية لشعب بعينيه، في العلم الوطني، دون غيره استبعاد وتهميش للشعوب والقوميات الأخرى والانتقاص من حقوقها في ذات الوطن. - في رده على سؤال للقناة الحرة الفضائية: هل أنتم راضون عن العلم العراقي الجديد؟ قال السيد يونادم كنه ، عضو مجلس الحكم، ممثل الكلدوآشوريين: أن العلم العراقي الجديد هو مؤقت وغير معتمد بشكل نهائي ، إذ لا بد من أن تجرى عليه بعض التعديلات من قبل الحكومة المنتخبة أو المجلس الوطني الذي سينتخبه الشعب العراقي قبل وضع الدستور الدائم للعراق. لا شك يستشف من جواب السيد يونادم كنه حالة عدم الرضا والشعور بالغبن لدى الشعب( الكلدوآشوري) عامة، لأن هذا الشعب لا يرى في العلم العراقي الجديد ما يعبر عن الذات والهوية الكلدوآشورية العراقية. كنت أتمنى أن يقولها السيد يونادم كنا صراحة وبدون تردد أو حرج، فلماذا التردد والحرج من قول كلمة الحق، خاصة فيما يخص القضايا الحساسة، وما الضمانة بأن يتضمن الدستور الدائم أو العلم الدائم حقوقاً أكثر أو أفضل مما أعطي حتى الآن للآشوريين(كلدان/سريان) في العراق. كما كنت أتمنى أن يخرج الشعب الآشوري/الكلداني/السرياني بكل أحزابه ومؤسساته القومية والدينية والثقافية والاجتماعية، ولو لمرة واحدة مثل بقية الفئات والقوميات العراقية، للشارع متظاهراً محتجاً ، ليعبر عن شعوره بالغبن ورفضه الانتقاص من حقوقه في العراق. - في طريقنا من الموصل إلى دهوك عام 2002، وعند مرورنا بجانب جبل عال يطل على سهل نينوى سألت سائق سيارة الأجرة التي كانت تقلنا: ما اسم هذا الجبل ؟ رد السائق بكل ثقة بالنفس أسمه (جبل صدام)، أدهشتني الإجابة وصدمتني إلى درجة نسيت بأنني في بلد التحرش أو مس باسم رئيسه وأسماء ممتلكاته الحسنى، يحمل الكثير من المخاطرة والمغامرة، إذ يمكن أن تحرمني من مشاهدة أهلي والعودة ثانية إلى بلدي سوريا، خاصة ونحن لم نتجاوز بعد حاجز السيطرة العراقية التابع لحكومة صدام. كررت سؤالي قائلاً: صدام له في الحكم ربع قرن أما الجبل فعمره آلاف ، ربما ملايين، السنين ، أكيد كان له أسماً أخر غير صدام، فما هو الاسم الحقيقي لهذا الجبل، فرد الأخ والخوف بدا على وجهه: لا أعرف ماذا كان..! ، ما أعرفه فقط هو (جبل صدام)... أعقبت قائلاً: إذاً كل شيء في العراق هو لصدام حتى الجبال والوديان. هكذا أمحى صدام حسين ذاكرة الإنسان العراقي وأختزل تاريخ وحضارة وكيان الدولة العراقية بجملة واحدة( عراق صدام حسين). - أثناء زيارتي إلى العراق وجدت أن الكثير من المحلات التجارية والفنادق والمؤسسات الحكومية والخاصة في المدن العراقية، تعود ملكيتها لعراقيين ينتمون لقوميات وديانات مختلفة، تحمل اسماء تاريخية حضارية عراقية قديمة، مثل بابل وأكاد ونينوى وسنحاريب وعشتار.......و ..... حتى الفندق الذي بيت فيه في مدينة (نينوى)الموصل كان أسمه (فندق آشور) المطل على نهر الدجلة، ربما أسم (آشور) ، هو الذي دفعني للنزول فيه بالرغم من غلاء أسعاره، قلت مخاطباً نفسي: إذا كان التاريخ غدر فينا نحن الآشوريون(كلدان/سريان)، شردنا في جميع أصقاع العالم وحرمنا من أن ننعم في وطننا التاريخي بلاد آشور، علي أن لا أحرم نفسي من نعمة نوم هادئ ، ولو ليلة واحدة، على خدود نهر دقلاث(دجلة) في فندق يحمل أسم (آشور)، الاسم المحفور في ذاكرتي وعلى صفحات التاريخ. حقيقة لقد بعثت تلك الأسماء العراقية القديمة في نفسي الراحة والاطمئنان، وزادت من إعجابي بهؤلاء العراقيين الذين يعتزون بتراث وتاريخ وطنهم العراق، هذا التراث هو اليوم ملك كل العراقيين، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والقومية والإثنية. وعندما نؤكد على أهمية أن يحمل علم العراق رمزاً من رموز الحضارة العراقية القديمة، لا نقول هذا من أجل ما تبقى من الآشوريين أو الكلدانيين في العراق فقط ، وإنما نقول هذا احتراماً وتقديراً للتراث العراقي القديم ولتلك الحضارة العراقية العريقة التي يشهد التاريخ عليها، كما نقول هذا لتعزيز انتماء العراقيين، كل العراقيين، بتاريخ وحضارة وطنهم وبلادهم، إذ هناك خشية حقيقة من أن يتواجد ، داخل العراق وخارجه، من يستهدف ويخطط لإحداث قطيعة تاريخية ثقافية (ابستمولوجية) بين شعب العراق وحاضره العربي الإسلامي وتاريخه أو ماضيه الحضاري ( السومري البابلي الأكادي الآشوري) بمرحلتيه الوثنية والمسيحية. لا شك أن دمغ العلم العراقي الجديد بـ(الهلال الإسلامي) وتزيينه باللون الأصفر، كإشارة للوجود الكردي، يرسم صورة عراق المستقبل، الذي تؤكد كل الدلائل والمعطيات والتطورات السياسية والعسكرية في العراق، يوماً بعد آخر، على أنه سيكون دولة لـ(الميلشيات المسلحة)، عراقاً اسلامياً - مثله مثل بقية دول الشرق العربي الإسلامي - لا حياة للديمقراطية والعلمانية فيه، ولا مكان فيه للمدنية و لمبادئ وحقوق الإنسان. و بات من الواضح أيضاً أن صدام حسين، بكل ما كان يمثله من نزعة قومية شوفينية ودكتاتورية سياسية تسلطية، لم يكن حالة شاذة في العراق وإنما كان يعكس حالة عامة تعبر عن طبيعة وبنية العقل السياسي العراقي، و جاء العلم العراقي الجديد ليعكس ذات العقلية البعثية الإسلامية الإقصائية والنظرة الأحادية للحياة والتاريخ والإنسان. أخيراً: أن العلم العراقي الجديد جاء مخيباً لآمال كثير من العراقيين ومنهم الكلدوآشوريين والمسيحيين عامة ، لأنه سيعمق حالة الاغتراب الوطني والشعور بالغبن والحرمان لدى جميع هذه الفئات العراقية التي باتت تخشى من أن ينتقل العراق من الدكتاتورية القومية إلى الدكتاتورية الإسلامية، وهذا ما سأحاول شرحه من خلال التحليل السياسي للوضع العراقي الراهن في مقال لاحق.
سليمان يوسف يوسف... كاتب آشوري سوري.....مهتم بمسألة القوميات [email protected]
#سليمان_يوسف_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة وطنية لموضوعات وبرامج المعارضة السورية
-
في ذكرى مذابح الأرمن والسريان في تركيا
-
سوريا موطن السريان ومهد الحضارات تحتضن مؤتمر التراث السرياني
...
-
ربيع القامشلي والامتحان الوطني
-
نيسان عيد الطبيعة والآلهة و الإنسان
-
يوم ديمقراطي في حلب
-
قراءة من الداخل... للمشهد السياسي السوري
-
معركة الحجاب ... وخطر تحولها لحرب دولية
-
المنظمة الآثورية الديمقراطية تقيم حواراً حول إشكالية الهوية
...
-
المشكلة القبطية في مصر
-
الآشوريون في سورية
-
المجتمع المدني بين قلم المثقفين وسلطة الدولة
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|