|
الأكراد والعراق.. بإنتظار الفائز في سباق المحاور الثلاث
عبدالسلام الملا ياسين
الحوار المتمدن-العدد: 2696 - 2009 / 7 / 3 - 09:16
المحور:
القضية الكردية
وضع الأكراد في إقليم كردستان اليوم يشبه وضع المنهمك بطلاء بيته بينما الجيران منكفئون على إطفاء الحرائق في بقية الحارة..
الوضع الكردي لم يعد ينسجم نفسياً مع الوضع العراقي منذ عام 1991، فهناك 12 سنة تفصل تلك الحرب عن حرب الخليج الثالثة في 2003، ظهر بين الحربين جيل كردي لا تربطه أية رابطة نفسية أو وجدانية بما يفترض أنه وطنه (العراق)، فالطفل الذي كان عمره 12 عاماً في حرب الخليج الثانية أصبح مع إحتلال العراق بعمر 24 عاماً، وأغلب هذا الجيل يشكل اليوم قوام المليشيا الكردية (البيشمركة)، إضافة الى سنوات الإحتلال التي وضعت فيها القيادات الكردية صورة علاقاتها مع العراق في إطار لا يتعدى علاقة شريكين في مرحلة فض الشراكة، وعلى هذا الأساس أصبح الشعب الكردي يفهم أن مسألة إنفصال كردستان عن العراق هي مسألة وقت لا أكثر..
ورغم أن الوضع المتأرجح الذي آلت اليه المحافظات العراقية الثلاثة (أربيل، السليمانية، دهوك) ذات الغالبية الكردية بعد حرب الخليج الثانية كانت إحدى إفرازات تلك الحرب، وكانت بالتحديد نتيجة لرغبة أمريكية بريطانية إسرائيلية بمساهمة تركية فاعلة، إلا أن الأكراد مصرون اليوم على تسويق ما حدث بإسم الإنتفاضة والتحرير.. وقد أتيح مثل هذا التسويق لهم ولغيرهم في ظل غياب أية أبحاث توثيقية عراقية تتناول النتائج الكارثية لتلك الحرب بعيداً عن عقدة الكراهية لصدام حسين ونظامه المتريف (من الريف) على حد وصف الكاتب العراقي سعد البزاز..
ولكن ورغم عدم الإنسجام النفسي لوضع كردستان مع الكل العراقي، إلا أن القيادات الكردية التي وعِدت بدولة كردية ذات حدود مطاطية تتحين الفرص للتوسع والإمتداد شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً مع كل أزمة تحل بالمنطقة (على النموذج الإسرائيلي).. هذه القيادات وجدت بعد 2003 أن علاقة إقليم كردستان مع العراق يتعدى الرابط النفسي الذي عملوا جميعاً ولعقود طويلة على قطعه وإنهائه، وعلى رأسهم الرجل الذي يحمل اليوم صفة رئيس جمهورية العراق، وقد نجحوا في ذلك أيما نجاح، ليس بدهائهم، ولكن بسبب الفشل والتخبط الذي رافق نظام صدام حسين من بدايته وحتى نهايته، إضافة الى المصالح الدولية التي ابقت الورقة الكردية خنجراً في خاصرة العراق تبتزه بها متى ما تشاء.. الواقع يقول أن أمام تلك القيادات ثلاثة حقائق أو روابط يجب الإنفكاك منها قبل أن يتسنى لهم إعلان دولتهم المستقلة.. الرابط الأول دستوري، والثاني قانوني، والثالث أقتصادي.. ناهيك عن العوامل الداخلية والإقليمية التي إستخفت بها القيادات الكردية طيلة فترة إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش.. واليوم تسعى الى ترويضها بشتى الوسائل.. ويستطيع أي باحث أن يتلمس بسهولة العمل الدؤوب للأكراد على تلك المحاور منذ إحتلال العراق وحتى هذا اليوم (والى أن يصلوا الى هدفهم المنشود). فعلى محور الرابط الدستوري عمد الأكراد بمساندة التيار الإنفصالي الثاني في جنوب العراق بقيادة المجلس الأعلى الى تفخيخ الدستور العراقي الجديد بمواد تجعل من السهولة بمكان لوي ذراع أية حكومة عراقية تحاول بعد إستقرار الأوضاع إيقاف ماكنة الإنفصال الكردية، ففرضوا على لجنة صياغة الدستور (التي تعرض الأعضاء الرافضين فيها لتقزيم مكانة العراق كدولة، الى التصفية الجسدية) صيغاً تحد من قابلية وفعالية الحكومة المركزية.. ثم لغموا البرلمان العراقي بكتلة كردية لا يتناسب حجمها مع الواقع السكاني للأكراد في العراق، فأصبح تمرير أي قرار برلماني لا يحظى بتأييد الأكراد مجرد صرخة في الخواء.. وعلى محور الرابط القانوني لغمت هيكلية الدولة والحكومة بدءاً من رئاسة الجمهورية ومجلس رئاسة الوزراء ووزارة الخارجية والدفاع والسفارات العراقية في الغرب خاصة وإنتهاءاً بالمفاصل الحساسة للدولة بموظفين أكراد هم في الأساس جزء فاعل من ماكنة الإنفصال الكردية، ويتذكر الجميع كيف إنحاز السيد رئيس الجمهورية جلال الطالباني الى مهمته الأصلية من وجوده على كرسي الرئاسة العراقية حين إستخدم صلاحياته الدستورية لأفشال المادة 24 من قانون إنتخاب مجالس المحافظات والتي أقرها البرلمان العراقي في صحوة فريدة، ويتذكر الجميع كيف أن السيد وزير الخارجية السيد هوشيار زيباري أعطى ولا يزال الأذن الطرشة للتحذيرات الكثيرة من تحول السفارات العراقية الى مكاتب تعمل لصالح ماكنة الإنفصال والمصالح الكردية، وكيف أنه حول وزارة الخارجية العراقية الى جسر لتمرير المصالح الكردية.. حتى أن وزير الخارجية التركي السابق قال مرة " يبدو أن السيد زيباري قد نسي أنه يمثل العراق وليس مجموعة أثنية فيه".. أما على محور الرابط الإقتصادي، فقد فرض الأكراد ضريبة الـ 17 بالمئة على الميزانية العراقية، ليس من أجل تطوير البنية التحتية لكردستان أو رفع المستوى المعاشي لسكانها، بل لشيء واحد، لتدوير ماكنة الإنفصال، إضافة الى رواتب وإمتيازات البيشمركة الكردية التي يعتبرها الأكراد جزءاً من المنظومة الدفاعية العراقية، ولكنها في الواقع تمسح أوامر القائد الأعلى لتلك المنظومة الدفاعية المزعومة بمؤخرتها، ورأينا حقيقة تلك المليشيات وأية منظومة دفاعية تنتمي إليها، حين قررت الحكومة العراقية برئاسة المالكي بسط النظام والقانون في محافظتي ديالى وكركوك، وكيف أن تلك المليشيات كادت أن تشعل مواجهة عسكرية مع الجيش العراقي.. الأكراد حسموا تقريباً في حزيران المنصرم أمر الرابط الإقتصادي، وإستطاعوا تصدير النفط برغم الحكومة العراقية وسيتبعونه بتصدير الغاز، وما على الحكومة العراقية سوى أن تدفع أتعاب الشركات التي تستخرج النفط والغاز الكرديين..
الصراع اليوم يدور حول الرابط القانوني، ويريد الأكراد من خلاله إرساء صفقة المناطق "المتنازع عليها" لصالحهم، وقد سخروا لأجل ذلك كل إمكانياتهم.. ويعرف الجميع أن الأكراد اليوم يسيطرون على تلك المناطق سيطرة تامة، ولكنهم بحاجة الى سند "قانوني" ( طبعاً بمقاسات الواقع القانوني في العراق هذا اليوم) لتلك السيطرة حتى يصدوا به أية معارضة إقليمية، أو أن يكسبوا به تعاطف العالم في حالة نشوب صراع مسلح على تلك المناطق مع سكانها الأصليين أو الحكومة العراقية.. وبحسم هذا المحور فإن محور الرابط الدستوري سيكون في متناول اليد، بما أنهم وضعوا "لإتحادهم الإختياري" مع العراق شرطاً مطاطياً يمكن تفسيره على الوجه الذي يريدونه هم، فمع أي تهويشة قد تقدم عليها الحكومة العراقية ولو على سبيل الممازحة، فإن الأكراد سيفظون شراكتهم وإتحادهم مع العراق الديمقراطي الإتحادي الفدرالي!!.. من يدري، أو قد تصل النيران الطلاء الكردي الأنيق الذي لم يغير من واقع المواطن الكردي شيئاً..
عبدالسلام الملا ياسين كاتب عراقي مقيم في النرويج
#عبدالسلام_الملا_ياسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من الإلغاء الى الإحتواء، هل نحن أمام إطار جديد للعلاقات التر
...
-
نديم غورسل ومحاكم التفتيش الإسلامية في تركيا
-
عن نشأة التاريخ و آلية حركته
-
تأملات في تأملات ديكارت
المزيد.....
-
كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
-
اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
-
السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في
...
-
ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
-
السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير
...
-
غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا
...
-
شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
-
هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و
...
-
ممثل حقوق الإنسان الأممي يتهرب من التعليق على الطبيعة الإرها
...
-
العراق.. ناشطون من الناصرية بين الترغيب بالمكاسب والترهيب با
...
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|