|
حقوق الانسان العراقي بين عهدين
نوري جاسم المياحي
الحوار المتمدن-العدد: 2694 - 2009 / 7 / 1 - 08:18
المحور:
حقوق الانسان
كان من يجرأ ويشتري جهاز الستلايت وينصبه في بيته في زمن صدام حسين يعتبر قد ارتكب جريمة لاتغتفر .. بل اعتبرها عملا يهدد الامن القومي للعراق.. وفرض ثلاثة عقوبات في ان واحد على المخالف وهي مصادرة المنظومة .. غرامة مقدارها 300000 دينار عراقي .. حجز مالك المنظومة بمعتقلات الامن لمدة ستة اشهر .. ويعلم رجال القانون ..ان لكل مخالفة
تفرض عقوبة واحدة .. بينما في زمن صدام لم يكن يعمل بهذه القاعدة القانونية ولم يكن احد من رجال القانون انذاك يجرأ على الاعتراض على المخالفات القانونية وكان العراقي هو ضحية هذه الاجراءات التعسفية وليس امامه اي منفذ قانوني للاعتراض .. ومن مهازل القدر والزمن يعيد نفسه .. ولكن بشكل مختلف .. اليوم في كل بيت عراقي غني او فقير نصبت منظومة ستلايت .. بل وفي كل غرفة من غرف بيوت متوسطي الحال .. اما القانون في دولة القانون .. دولة المحاصصة الطائفية والقومية و الديمقراطية التوافقية .. وللاسف الشديد ..وكما كان في زمن صدام القانون مركون فوق الرفوف العالية .. القانون كان يفصل على قياس صدام .. واليوم يفصل على قياس قيادات الكتل السياسية الحاكمة ومصالحها الحزبية .. كان صدام يحارب حرية الفكر والمفكرين .. بحجة حماية الامن القومي .. والحقيقة هي حماية امنه الشخصي .. واليوم بحجة محاربة الارهاب والحقيقة هي حماية الفساد والمفسدين .. الى درجة ازكمت الانوف !!! كان العراقي في زمن صدام يعتقل ويحاكم محاكمة صورية .. اما اليوم فالعراقي يعتقل عشوائيا ويغيب في غياهب المعتقلات ويعذب باشد انواع العذاب .. بلا تهمة وعندما يريدون تغيبه تنسب له وبدون وجه حق عشرات التهم .. تحت عنوان المخبر السري .. ويترك مسلوب الحرية والارادة بلا محاكمة ولسنوات وربما يكون بريئا ؟؟ ويصل تعدادهم عشرات الالوف .. القاعدة القانونية وفي كل دول القانون التي تحترم مواطنيها المتهم بريء حتى تثبت ادانته .. اما في عراق اليوم .. المتهم مجرم حتى تثبت براءته !! ولكي اشرح للقاريء الكريم ..السبب في اختيار عنوان المقالة السابقة (عراقيون يبكون كالنساء ) ساروي ما حدث لكاتب هذه الكلمات .. قصة واقعية بايجابياتها وسلبياتها .. حسناتها وسيئاتها ولكنها من الواقع ... عسى ان يستفيد منها رجال حفظ القانون هذه الايام .. في يوم من الايام من عام 1997 ( زمن صدام ) ..طرقت باب داري وبعد ان خرجت وجدت سيارة تاكسي ورجلين .. سألني احدهما .. هل هذا بيت فلان ؟؟ اجبته بنعم .. ولكنه فاجأني بسؤال غريب .. هل لديكم دجاج للبيع ؟؟ مما اثار غضبي .. فرددت عليهما بخشونة وبقسوة .. اعتذرا وتركاني وتبين فيما بعد انهما من رجال الامن .. وجاءا للتأكد من انني ساكن لهذه الدار والعنوان الذي اعطاه المخبر السري صحيح .. وبعد ظهر اليوم التالي حضر الى داري صحبة مختار المحلة وسيارة حديثة وهيئتهما تدل على شخصيتهما من خلال ملابسهما .. وبعد التحية الاعتيادية رجوني بالسماح لهم بالدخول .. فرحبت بهما كعادة كل العراقيين عند استقبال الضيوف .. وبعد شرب الشاي لاحظت التردد والاحراج عليهما .. وبادر الاكبر سنا وقدم نفسه وبكل احترام انه المقدم فلان من الامن الخاص وزميله الرائد فلان من الامن العامة .. وللحقيقة صدمت من شخصيتهما .. والخوف تملكني .. لان من يأخذه الامن تلك الايام يذهب بتسعين داهية ولا تجد له اثر .. ولكني حاولت تمالك مشاعري واخفاء علائم الخوف وسألتهم عن سبب تشريفي بهذه الزيارة .. وانا اصارع الرعب الذي كاد يوقف قلبي عن عمله .. عندها قال وصلتنا اخبارية تفيد بان لديك منظومة ستلايت .. عندها تنفست الصعداء .. وزال الرعب الذي كان مسيطرا علي .. فتبسمت واشرت الى زاوية غرفة الضيوف التي كنا جالسين فيها .. وقلت له هذا هو الجهاز .. فسألني ألا تعرف انه ممنوع بامر السيد الريس .. فأجبته بـأنه يقال ممنوع ولكنني لم أقرأ او أوقع تعهد بذلك .. عندها رجاني ان اخلي الطريق كي يصعدوا الى السطح .. وفعلا تم تنبيه العائلة وصعدوا الى السطح .. وبعد نزولهم فوجئت بالمختار (رحمه الله ) الذي لم ينطق بحرف واحد اذ علق مستفسرا وبطيبة العراقيين العفوية ( هاي شنهو هالبلوة الخالهه بالسطح يا أبوحيدر ) .. فضحكت ولم اجبه . . ولا أدري اكانت الضحكة على سذاجته .. ام على خيبة املي في مثل هذه المواقف تنتظر منه ان يكون عونا فاذا به يصبح فرعونا !!! وللامانه اعطيه بعض الحق فيما قال .. لان قطر الصحن كان ثلاثة امتار بسبب كون الستلايت كان يعمل على النظام القديم وليس الرقمي الحديث الذي يحتاج الى صحن قطره 50 سم .. وبما ان المختار يجب ان يكون بعثيا ومؤمن بل ومقتنع كبقية العراقيين ان صدام حسين ومن خلال عيونه يعرف اذا طار طير او وقع .. او دابة مشت على الارض .. فكيف يجرأمن مثلي على نصب هذا الصحن الكبير ولمدة سنتين دون خوف او وجل .. لعنة الله على ( المخبر السري ) الذي اوقعني في هذه الورطة .. والحق يقال ان صدام كان خبيرا في تسخير ضعاف النفوس لخدمة اهدافه .. فقد منح المخبر السري مبلغ الغرامة التي يدفعها المواطن .. ولنعد الى حكايتنا .. قال المقدم .. علينا ان نأخذ الجهاز قلت ..خذه .. وبقي تدفع غرامة 300000 دينار فاجبته بان هذا امر سهل فصحت على ولدي لجلب المبلغ ودفعه اليه .. وهنا قال بقي امر ثالث وهو ان تأتي معنا لتنفيذ عقوبة الحجز لمدة ستة اشهر أنت او احد اولادك .. عندها اخبرته انا من سينفذ العقوبة .. فاسمح لي ان ابدل ملابسي لكي اصطحبكم ... وخلال دقائق عدت لهم .. عندها قال المقدم .. ان هذا الشهر هو شهر رمضان وبالتاكيد انتم صيام ولانريد اقلاق العائلة ولانخشى من هروبك لانك انسان معروف .. سنعطيك رقم هاتف وبعد انتهاء رمضان وعطلة العيد اتصل بنا وسنخبرك ما تفعل .. خلال هذه الفترة اتصلت بكل من اعرف من الناس التي تعرف ببواطن الامور الصدامية أتفق الجميع على ان لاهناك تخوف علي لانهم لو كانوا جادين لنفذوا عملية القاء القبض بدون تردد او تاجيل لانها عملية روتينية بالنسبة لهم .. وعلى الاكثر سيكتفون بمصادرة المنظومة والغرامة .. وفعلا وبعد انتهاء المهلة الممنوحة لي اتصلت بالمقدم .. فطلب مني ان الاقيه في مديرية امن الرصافة مساءا ونصحني !! ان اجلب ملابس وفراش .. وفعلا ذهبت انا وولدي الى الموعد المحدد والتقينا المقدم الذي استقبلني مرحبا وبوجه اخوي بشوش .. واخذنا الى غرفة الاستعلامات وهنا التفت الى ولدي وبادب اخبره ان مهمته انتهت وطلب منه الرجوع الى البيت .. والتفت الى ضابط الاستعلامات وطلب منه اكمال المعاملة .. وتركنا .. وبعد اكمال الاوراق التحقيقية صاح على احد افراد الامن وقال له خذ الحجي وخليه مع جماعة الستلايت .. فحملت الملابس والفراش وذهبت معه .. وبعد فترة وصلنا الى باب تؤدي الى درج ونزلنا عدة درجات فاذا بممر ضيق عرضه حوالي متر ونصف اصطفت على جانبيه عدة ابواب حديدية فيها فتحة مغلقة لاتسمح بخروج راس الانسان ومغلقة من الداخل .. ووقف صاحبي عند احداها وبالمفتاح فتح القفل الكبير والباب ودخلت لاجد زنزانة صغيرة لاتتجاوز مساحتها 3×3 متر مربع مليئة بالرجال .. عندها نطق صاحبي .. جاءكم زبون جديد ..واغلق الباب خلفه .. وفي هذه اللحظة عرفت قيمة حرية الانسان .. فهي قيمة لاتقدر بثمن ولاتشعر بذلك الا عندما تفقدها ولم يخفف من الامها الاطيبة وحنان زملاءك في الزنزانة .. والذي اصبح عددهم عشرة عند دخولي معهم ... محشورين في هذه المساحة الضيقة .. وكانت حياتي التي قضيتها في تلك الزنزانة اللعينة اتعس فترة في حياتي الطويلة .. لم يخفف من عذاباتها الا طيبة وحنان زملائي في الزنزانة فبعضهم كان من علية القوم واغنياء بغداد واخص بالذكر الاخ ابو سيف الذي لم يشفع له عند صدام كونه عميد متقاعد ومن بعثي الرعيل الاول للبعثيين الذين انتسبوا للحزب قبل عام 1958 والادهى من هذا كان شقيق الوزير حامد حمادي .. ان الحديث عن تلك الايام السود و التي اريد اقتلاعها من ذاكرتي .. ولكن ما اشاهده على شاشات الفضائيات للمعتقلين خلف القضبان وهم يتباكون وسماعي لصنوف التعذيب اللاانساني التي يتعرضون لها .. تعيد الى ذاكرتي ذكرىتلك الايام السود ولا سيما ليلة ليلاء لم نستطع النوم فيها .. وفيها كنا نسمع بكاء وصراخ نساء استمر طيلة الليل .. وفي صباح اليوم التالي سألنا المشرف على زنزانتنا عن صراخ النساء في الليلة السابقة .. وكم فوجئنا عندما قال هذا صوت رجال يعذبون باستخدام اجهزة خاصة تركب على اعضائهم التناسلية ويصعقون بالكهرباء .. وفي حينها علق رجل الامن القاسي ..ان هذا الاسلوب من التعذيب لايتحمله بشر .. وما اشاهده واسمعه يمزق احشائي ويفطر مرارتي .. فقد شاهدت على الشاشة رجل كبير السن ( وحتى لو كان ارهابيا ) يعترف وامام الملايين على الشاشة وهو يصف اساليب التعذيب التي تعرض لها ..فقد قال ( حتى البطل استعملوه ) ويعرف العراقيون ماذا يقصد هذا المسكين .. ان هذه الاساليب التي يقوم بها المحققون اثناء التحقيق لايتحملها بشر .. وانا واثق ان نتائجها من اعترافات لن تكون صحيحة ونتائجها المستقبلة كارثية .. علما ان كل القوانين السماوية والوضعية تحرم ذلك .. فكيف سنبني العراق الديمقراطي الحر ..على اشلاء الاحياء الاموات ؟؟ وهنا تبدا المقارنة لحقوق الانسان العراقي بين عهدين .. ومما يثير الغضب في النفس يصرح احد المسؤولين الكبار .. كيف يريدوننا اطلاق سراح المعتقلين ؟؟ واعقبه مسؤول اخر من اقرب المقربين للمسؤول الاول .. فصرح قائلا .. ان معلومات التعذيب المتسربة مبالغ فيها .. والعراقيون يقولون لكم لاتحولوا الابرياء الى قتلة ومجرمون بالتعذيب الذي ادانته كل حقوق الانسان .. القاتل والمجرم يجب ان ينا ل جزائه العادل وفقا للقانون .. وليذهب الى جهنم وبأس المصير .. ولكن عشرات الالوف من المعتقلين والمنسيين في مجاهل المعتقلات ولسنوات فمن حقهم الشرعي والانساني عليكم يا أيها المسؤولين .. تطبيق وسائل تحقيق انسانية .. وتوجيه التهم الحقيقة ..لا تهم يثبتها ( المخبر السري ) واحالتهم الى المحكمة المختصة للبت في قضاياهم .. هل ما نطالب به مخالف للقانون او دولة القانون ؟؟؟ ام العدالة والانصاف ؟؟؟
#نوري_جاسم_المياحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من وراء التفجيرات الاخيرة؟؟؟
-
تغيير نظام.. الغاء مقومات دولة ..فوضى القوانين
-
العراق واليوم العالمي للبيئة
-
خطاب اوباما بين الأماني والواقع
-
صراع التغيير بين مؤيد ومعارض
-
الحرب على الفساد
-
قرار الاعتقال ونتائجه
-
الديمقراطية كما شهدتها بالعراق
المزيد.....
-
كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
-
اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
-
السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في
...
-
ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
-
السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير
...
-
غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا
...
-
شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
-
هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و
...
-
ممثل حقوق الإنسان الأممي يتهرب من التعليق على الطبيعة الإرها
...
-
العراق.. ناشطون من الناصرية بين الترغيب بالمكاسب والترهيب با
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|